الوطن:
2024-12-21@03:18:38 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. السادس من أكتوبر

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

د. يوسف عامر يكتب.. السادس من أكتوبر

تمرُّ الأيامُ وتتجدَّدُ خلالَها ذكرياتٌ عطرةٌ تتجدَّدُ معها في النفوسِ مشاعرُ راقيةٌ تكتملُ بها الإنسانيةُ الراقيةُ، ومِن هذه الذكرياتِ ذكرَى السادسِ من أكتوبرَ [العاشرِ من رمضانَ] التي تُعمّقُ في وِجدانِنا وتجدّدُ في نفوسِنَا فطرةَ حبِّ الوطنِ.

ووسطَ زحمةِ الحياةِ وما فيها من زخْمٍ شديدٍ لا بدَّ مِن إحياءِ هذه الذكرَى الوطنيةِ الغاليةِ، وتجديدِ التذكيرِ بها دائمًا، ليسَ فقط لأنَّها تُحيي في النفوسِ معنى الوطنيةِ وحبَّ الوطنِ والذَّودَ عنهُ وفداءهُ بالنفسِ، وإنما أيضًا لأنَّها تُحيي في النفوسِ معانيَ إيمانيةً جليلةً؛ فالمؤمنُ باللهِ عزَّ وجلَّ لا يعرفُ اليأسَ في سبيلِ الدفاعِ عن الحقِّ والنفسِ والعِرضِ والأرضِ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل لا يُقْدمُ على أمرٍ دونَ رَويَّةٍ وتفكيرٍ وتخطيطٍ وتدبيرٍ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل لا بدَّ من أنْ يلتمسَ الأسبابَ قدرَ استطاعتِهِ، والمؤمنُ باللهِ عز وجل يَعلمُ أنَّ الخيرَ من اللهِ تعالى وبيده، وأنَّ نَصْره إنِ انتصرَ فضلٌ مِن الله تعالى، وهذه المعاني رأينَاها حيَّةً في حربِ أكتوبرَ في التخطيطِ الدقيقِ والتحركِ المنظمِ الجادِّ، والصدقِ في الحرصِ على النصرِ أوِ الشهادة، وهذا المعنى يُميّزُ المدافعَ عن الحقِّ، ولا يُتصوّرُ أنْ يُوجدَ هذا المعنى في مُعتدٍ على وطنٍ أو محتلٍّ لأرضِ! وقدِ اكتملتْ هذه المعاني الإيمانيةُ بصيحاتِ التكبيرِ التي أعلنْتِ الإيمانَ باللهِ تعالى، والاستنصارَ بهِ سبحانه!

هذه المعاني في نفسِها تستحقُّ أنْ يُذكّرَ بها دائمًا حتى تحيَا في النفوس، والتذكيرُ بمثلِ هذه المعاني داخلٌ في عمومِ قولِ الله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5]، فأيامُ اللهِ تعالى تشملُ الأيامَ التي كانتْ فيها وقائعُ عظيمةٌ اندحَرَ فيها ظالمون، وانتصرَ فيها مؤمنون!

وهذا التذكيرُ جاءَ في القرآنِ الكريمِ أمرًا لرسولٍ كريمٍ هو سيدُنا مُوسَى عليه السلام، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]، وقد اشتملت الآيةُ الكريمةُ على أمريْنِ موجهيْنِ لسيدِنا موسى عليه السلام هما أن يُخرجَ قومَهُ من الظلماتِ إلى النور، والثاني أن يُذكّرَهم بأيامِ اللهِ تعالى، وعطفُ التذكيرِ على الإخراجِ يدلُّ على أنه لا بدَّ مِن الأمريْنِ جميعًا لإصلاحِ النفوسِ والارتقاءِ بها وتهذيبِها.

أضفْ إلى هذا أنَّ التذكيرَ هنا مهمةٌ جليلةٌ من مهامِّ رُسلِ اللهِ الكرام عليهم السلام، وهذا يدلُّ أيضًا على أهميةِ التذكيرِ بأيامِ اللهِ تعالى؛ لأنه يحيي في النفوسِ معانيَ الإيمانِ مصحوبةً بأدلةٍ واقعيةٍ تدللُ عليها وتُثبّتُها في النفوسِ والقلوبِ، فالتذكيرُ بها أوقعُ في النفوسِ وأشدُّ أثرًا فيها من الكلامِ المجرّدِ الذي قد لا يُؤثّرُ في كلِّ النفوسِ تأثيرَ الوقائعِ الملموسةِ والأيامِ المعيشةِ.

وستبقَى هذه الذكرَى العطرةُ -بمَا حملتْهُ في طيَّاتِها المباركَةِ مِن فداءٍ وتضحياتٍ- تذكيرًا للمصريينَ بقوةِ الإرادةِ المؤمنةِ التي استطاعتْ تحقيقَ ما كانَ يراهُ البعضُ شبيهًا بالمستحيلِ! فكانتْ –وستظلُّ إنْ شاءَ اللهُ تعالى- نقطةً للتحولِ في نفوسِ المصريينَ كلِّهم، وفي تاريخِهِم، نقطةً تبعثُ في نفوسِ كلِّ جيلٍ الإيمانَ الصحيحَ باللهِ تعالى، والثقةَ في النفسِ، والقدرةَ على التقدّمِ، والإرادةَ المؤمنةَ الجادَّةَ.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: السادس من أكتوبر يوم العزة يوم الكرامة فی النفوس

إقرأ أيضاً:

حكم عمل ختمة قرآن ووهب ثوابها للميت

قالت دار الإفتاء المصرية إن اجتماع المسلمين لعمل ختمة من القرآن الكريم أو قراءة ما تيسر من السور والآيات وهبة أجرها لمن توفي منهم، هو من الأمور المشروعة والعادات المستحسنة وأعمال البر التي توافق الأدلة الصحيحة والنصوص الصريحة، وأطبق على فعلها السلف الصالح، وجرى عليها عمل المسلمين عبر القرون مِن غير نكير، ومَن ادَّعى أن ذلك بدعةٌ فهو إلى البدعة أقرب.

 

فضل الاجتماع والتعاون بين المسلمين

 

وجاء الشرع الشريف بالدعوة إلى الاجتماع والتعاون بين المسلمين في أعمال الخير والبر؛ فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، ومن حثه على ذلك كان الأمر بالاجتماع على ذكر الله، حيث إن الاجتماع على ذكره تعالى من أفضل العبادات؛ قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، وجاءت النصوص من السنة النبوية ببيان ما أعده الله تعالى للمجتمعين على ذكره من جزيل عطائه؛ فهم ممن تحفهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده؛ فروى مسلم في "صحيحه" عن الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ أنه قال: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

 

الأدلة على استحباب اجتماع المسلمين على قراءة القرآن الكريم

كما أنه قد وردت النصوص من السنة النبوية الشريفة في خصوص استحباب اجتماع المسلمين على قراءة القرآن الكريم، وبيان ما أعد الله لهم على ذلك من جزيل الثواب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقْرَءُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

وعن أبي الرُّدَيْنِ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَتَعَاطُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا كَانُوا أَضْيَافًا لله عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَقُومُوا أَوْ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، والشجري في "ترتيب الأمالي"، والهيثمي في "بغية الحارث".

 

حكم إهداء ثواب قراءة القرآن للميت والأدلة على ذلك

 

وأضافت الإفتاء أن إهداؤهم ثواب قراءتهم لموتاهم فهو أيضًا مما تواردت النصوص وآثار السلف الصالح على جوازه، وتوارثه المسلمون جيلًا بعد جيل.

فأما ما يستدل به من نصوص شرعية على جواز إهداء الموتى ثواب قراءة القرآن الكريم:

فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرَّم وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ، وَقَرَأ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ وَهْبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ، أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ» خرَّجه الخلَّال في "القراءة على القبور" والسمرقندي في "فضائل قل هو الله أحد" والسِّلَفِي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآلـه وسلم: «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ و﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ و﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي جَعَلْتُ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُ مِنْ كَلَامِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَانُوا شُفَعَاءَ لَهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى» خرَّجه أبو القاسم الزنجاني في "فوائده".

 

أقوال الفقهاء في انتفاع الميت بثواب ما يهدى إليه

ونص أصحاب المذاهب المتبوعة على انتفاع الميت بثواب ما يهدى إليه:

 

فعند الحنفية: قال الإمام الميرغيناني في "الهداية" (1/ 178، ط. دار إحياء التراث): [الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو غيرها عند أهل السنة والجماعة لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ] اهـ.

 

وعند المالكية: المحققون منهم -وهو المعتمد عند متأخِّريهم- على جواز ذلك وأن ثواب القراءة يصل إلى الميت؛ ففي "حاشية العلامة الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 423، ط. دار الفكر): [وفي آخر نوازل ابن رشد في السؤال عن قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾، قال: وإن قرأ الرجل وأهدى ثواب قراءته للميت جاز ذلك وحصل للميت أجره. اهـ وقال ابن هلال في نوازله: الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غيرُ واحدٍ مِن أئمتنا الأندَلُسِيِّين أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه، ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقًا وغربًا ووقفوا على ذلك أوقافًا واستمر عليه الأمر منذ أزمنةٍ سالفة، ثم قال: ومن اللطائف أن عز الدين بن عبد السلام الشافعي رُئِيَ في المنام بعد موته فقيل له: ما تقول فيما كنتَ تُنكِر مِن وصول ما يُهدَى مِن قراءة القرآن للموتى؟ فقال: هيهات وجدتُ الأمر على خلاف ما كنت أظن اهـ] اهـ.

 

وعند الشافعية: فقال الإمام النووي في "الأذكار" (1/ 288، ط. دار ابن حزم): [ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأحوال الصالحين. قال الشافعي والأصحاب: يُستحب أن يقرأوا عنده شيئًا من القرآن؛ قالوا: فإن ختموا القرآن كله كان حسنًا] اهـ.

 

وعند الحنابلة: قال الإمام بهاء الدين المقدسي في "العدة شرح العمدة" (ص: 134، ط. دار الحديث): [وأما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت، فالإجماع واقع على فعله من غير نكير، وقد صح الحديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله» [رواه البخاري] والله سبحانه أكرم من أن يوصل إليه العقوبة ويحجب عنه المثوبة] اهـ.

 

مقالات مشابهة

  • حكم صبر الإنسان عند الإبتلاء بالفقر أو الغنى
  • ذكر نبوي لقضاء الديون: دعاء يعينك على التوفيق
  • حكم تأجيل العمل وقت الدوام ليكون إضافيًّا.. الإفتاء توضح
  • كيف تتوب إلى الله توبة نصوحًا؟ دليل عملي للعودة إلى الخالق
  • لـمـاذا أنـا هـنـا؟
  • الرد على من زعم أن الإمام البخاري ليس فقيهًا
  • معنى الأهلة قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾
  • حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة
  • حكم عمل ختمة قرآن ووهب ثوابها للميت
  • بيان فضل التذكير بذكر الله وقراءة القرآن الكريم