أحمد ياسر يكتب: وجها الدبلوماسية الإيرانية
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
لقد تنفس العالم الصعداء عندما اتفقت المملكة العربية السعودية وإيران في بكين في العاشر من مارس، على استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة...كما أبدوا رغبة في الحوار والمصالحة.
ومع ذلك، بينما تحاول المملكة العربية السعودية بصدق ترجمة تفاهمات بكين إلى حركة حقيقية نحو السلام والمصالحة، فإن الإشارات الواردة من طهران، وخاصة حلفائها في المنطقة، كانت مختلطة، إن لم تكن مربكة.
ومنذ اجتماع مارس٢٠٢٣، التقى وزيرا الخارجية السعودي والإيراني في أبريل في بكين.... وزار وزير الخارجية السعودي طهران في يونيو، وفي أغسطس زار وزير الخارجية الإيراني السعودية والتقى بولي العهد... وكان وصول السفير السعودي إلى طهران في الخامس من سبتمبر علامة ملموسة على الترتيب الجديد، خاصة أنه تحدث عن فجر جديد في العلاقة بين البلدين. وفي 19 سبتمبر، تم الكشف أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد أرسل رسالتين إلى الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في علامة أخرى على تحسن العلاقات.
وقد عززت التصريحات الرسمية الصادرة عن الجانبين عقب هذه الأحداث الإيجابية، وأشارت إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ومع ذلك، فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذها الجانبان، يبدو أنهما متباعدان.
وفي اليمن، أرسلت السعودية سفيرها إلى صنعاء في أبريل ٢٠٢٣، للتوسط بين الحوثيين التابعين لإيران والحكومة المعترف بها دوليا، ورغم عدم تحقيق أي تقدم علني بعد عدة أيام من المناقشات المكثفة، إلا أن المحادثات وصفت بأنها إيجابية.
وفي الفترة من 14 إلى 18 سبتمبر٢٠٢٣، استضافت الرياض وفدًا من الحوثيين بقيادة كبير المفاوضين محمد عبد السلام، لاستئناف المناقشات الرامية إلى التوصل إلى "خارطة طريق" لدعم مسار السلام في اليمن، ورغم أن هذه الجولة لم تكن حاسمة أيضًا، إلا أن المشاركين كانوا متفائلين ووصفوها بأنها إيجابية.
وفي مايو 2023، استضافت المملكة العربية السعودية قمة جامعة الدول العربية، التي أعادت مكانة سوريا في المنظمة وشاركت في قيادة الجهود لمعالجة الأزمة السورية، بالتعاون مع الحكومة السورية، الحليف الوثيق لإيران، وواصلت المملكة العربية السعودية جهودها لدعم إعادة اندماج العراق مع مجلس التعاون الخليجي وبقية العالم العربي.
وفي يونيو ٢٠٢٣، تم إطلاق ربط الشبكة الكهربائية بين دول مجلس التعاون الخليجي، والعراق من الدمام، في مناسبة احتفالية للاحتفال بالعلاقات الوثيقة بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية.
كان الجانبان قد اتفقا بالفعل على برنامج تكامل طموح يتضمن الحوار السياسي والأمني، والتعاون التجاري والاستثماري، وإعادة المشاركة الشعبية.
بالإضافة إلى المبادرات الدبلوماسية وإجراءات بناء الثقة مع إيران وحلفائها الإقليميين، شرعت المملكة العربية السعودية في حملة دبلوماسية طموحة على عدة جبهات أخرى للتعامل مع القضايا الملحة، ويحاول المسؤولون السعوديون التوسط بين روسيا وأوكرانيا، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والشروع في حل سياسي للصراع، وتبادل الأسرى والمعتقلين، كما وضعوا ثقلهم وراء الجهود المبذولة لاستئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا وروسيا.
وفي السودان، تقوم المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، بالتوسط بين الأطراف المتحاربة، تعتبر عملية جدة حتى الآن المنصة الواعدة لإنهاء العنف في السودان، أو على الأقل وقف التصعيد وإنشاء ممرات إنسانية أثناء إجراء المفاوضات حول الحل السياسي...نظمت المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي في نيويورك حدثًا لتنشيط خطة الاستجابة الإنسانية للسودان.
والأكثر طموحًا هو أن المملكة العربية السعودية تقود جهودًا مستدامة لإعادة تنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط، وتسعى المملكة، التي انضمت إليها الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع مصر والأردن أيضًا، إلى بث الحياة في هذه المهمة التي تبدو مستحيلة.
في 18 سبتمبر ٢٠٢٣، دعت المملكة العربية السعودية إلى يوم السلام، وهو حدث في نيويورك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشارك في الاجتماع نحو 50 وزير خارجية من مختلف أنحاء العالم، وكان الهدف هو إنتاج "حزمة دعم السلام" التي من شأنها تعظيم مكاسب السلام للفلسطينيين والإسرائيليين إذا توصلوا إلى اتفاق سلام.
ومع ذلك، لا يبدو أن إيران تؤيد هذه السياسة الجديدة بشكل كامل، ويعتقد بعض المراقبين أنه من المثير للقلق إقالة مستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني في مايو ٢٠٢٣، بعد شهرين فقط من توقيعه الاتفاق مع نظيره السعودي لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، والأخطر من ذلك هو أنه لم يكن هناك أي جهد ملموس من جانب إيران لنزع فتيل الأزمات الإقليمية التي كان لطهران نفوذ كبير فيها.....وفي بعض الحالات كان هناك تراجع.
وفي اليمن، على الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت المحادثات الأخيرة، ظل خطاب قادة الحوثيين الرئيسيين دون تغيير، وفي حين أن الهدنة صامدة بشكل عام، فقد تزايدت انتهاكات وقف إطلاق النار، في 25 سبتمبر، أدى هجوم شنه الحوثيون بطائرة دون طيار على الحدود السعودية مع اليمن إلى مقتل ثلاثة جنود من البحرين، وقال متحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية إن هجمات أخرى وقعت في الآونة الأخيرة في المنطقة الحدودية، بما في ذلك هجوم على محطة كهرباء وآخر على مركز للشرطة.
وفي العراق، بدأ بعض السياسيين، الذين يعتقد أنهم متحالفون مع إيران، في إثارة الصراع من خلال تكرار ادعاءات كاذبة قديمة حول الكويت والدعوة إلى إنهاء معاهدة الحدود البحرية لعام 2012، على الرغم من أن البلدين صدقا عليها في عام 2013، وأودعاها لدى الأمم المتحدة.... منذ عام 2015، وبإعتراف المجتمع الدولي.... بل إن بعض الإيرانيين قدموا مطالبات بشأن حقل غاز الدرة المملوك للسعودية والكويت.
إن هذه الخطوات التي اتخذت منذ الاتفاق التاريخي في مارس ٢٠٢٣، لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، لا تساهم في بناء الثقة، بل تعمل على زرع الشك والريبة.
ويمكن رؤية وجهي العملة في خطاب رئيسي في الأمم المتحدة يوم 19 سبتمبر ٢٠٢٣، فقد أشاد بالجهود الدبلوماسية في المنطقة وألمح إلى السلام والحوار مع الجيران، لكن تأبينه العاطفي لأمير الحرب في الحرس الثوري الراحل قاسم ك سليماني كان صادما.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو ادعائه بأن "مقاومة" شعوب العراق واليمن ولبنان وسوريا "أثمرت"، وفي الواقع، كان أداء هذه البلدان سيئًا نتيجة لتدخلات إيران سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا: وكان الفوز الوحيد هنا هو نجاح طهران في تحويلها إلى أدوات لزعزعة الاستقرار.
وقد اتهم البعض طهران بالازدواجية الشبيهة بجانوس... ولكن الأرجح أن هناك في إيران وفي الحركات التي تدعمها في مختلف أنحاء المنطقة عناصر جامحة لا تقتنع بالمصالحة الجديدة وتسعى إلى تقويضها...يحتاج القادة الإيرانيون إلى التحدث علنًا واستدعاء هؤلاء المحرضين الذين يحاولون عرقلة الجهود الدبلوماسية السعودية الإيرانية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر ايران الحرس الثوري السعودية ولي العهد محمد بن سلمان اليمن سوريا العراق المملکة العربیة السعودیة
إقرأ أيضاً:
أحمد نجم يكتب: الطفل العنيد صناعة أسرية
من الخطأ تجاهل الدور الأسري لصناعة الطفل العنيد، أحيانا بدون قصد يداعب الوالدين أو أحد أفراد الأسرة الطفل الصغير بأن يمنع عنه شئ يحبه، ويتلذذ البعض بمحاولات الطفل الصراخ للتوصل للشئ الممنوع عنه، وتزداد الضحكات عليه في الوقت الذي يشعر الطفل بالرغبة الشديدة للوصول وتقليد مافعله الٱخر معه.
يتصور البعض بأن الطفل لا يدرك الأمر لكن في الحقيقة تتولد مظاهر العناد لدي الطفل إبتداء من بلوغه العامين والنصف، فقد قسم علماء الاجتماع العناد عند الأطفال إلى:
أولا عناد مرضي: يكون علي صورة مرض عصبي ونفسي يصيب الطفل ويكون علاجه لدي طبيب مختص .
ثانيا عناد عرضي: هو عناد مؤقت غير دائم يكون رد فعل للطفل بسبب إكراهه علي فعل شى لا يحبه فلا يجب التعامل بحده مع الطفل لتنفيذ الأوامر .
ثالثا عناد متكرر: هو شائع عند الأطفال برفض الأوامر فيغضب الوالدين لأنه يمس حرج إجتماعي وتربوي، فلا يجب أن يتشدد الوالدين في رد الفعل ولكن التعامل يكون بإسلوب الترغيب والمكافأت لتغيير تشبث الطفل برأيه .
الطفل يصبح عنيداً لأنه يطلب منه تنفيذ الأوامر بدعوي التربية الصحيحة ، وكلها أفعال أمر و إذا قام بكسر الأشياء يعاقب و الأفضل للأم إبعاد الأشياء المعرضه للكسر من أمامه لأنه في هذه المرحلة العمرية لا يعرف قيمة الحفاظ علي الأشياء ويجب تدريبه علي ذلك بعد عمر العامين ونصف .
يبدأ العناد عند الأطفال في سن مبكر، يبدو في صورة سلوك سلبي ، برفض ما يطلبه الآخرون. ويكون بين سنة إلى ثلاث سنوات طبيعي جدا ، ويصبح مشكلة سلوكية عند النمو .
حين تنشغل الأسرة عن الطفل يحاول أن يفعل ٱي شى لمحاولة لفت الإنتباه له خاصة عند وجود أطفال ٱخرين هو يحاول أن يكون محور الإهتمام به، وقد يتعرض الطفل للعقاب لشئ فعله، فيحاول غاضبا أن يكرر مافعله إنتقاما ممن عاقبه، مثل أن يلقي أشياء علي الأرض، فيتم ضربه علي يده، وبرغم تألمه من العقوبة إلا إنه يكرر إلقاء الأشياء محاولا أن يثير غضب من عاقبه .
قد تظهر مظاهر عناد الطفل عند عدم إشباع رغباته فيصاب بالتوتر وفعل ٱي شئ لعدم تلبية رغباته، أحيانا مثلا يحاول النوم، فتظل الأم تداعبه لكي يستيقظ لينام ليلا وتأخذ هي راحتها، ومع إصراره ورغبتها في إيقاظه يتولد إصرار الطفل علي موقفه ولا تعلم الأم أنها تصنع أولي مظاهر العناد لدي طفلها .و أحيانا يكون العناد وراثيا لذلك يجب علينا مراعاة تصرفاتنا أمام الأطفال .
قد يختلف تفسير الأبوين لتصرفات الطفل، ومن الأفضل التأكد من سلوكياته لوضع أسس العلاج، فهناك فرق بين الطفل العنيد وقوي الشخصية حر الإرادة، الطفل العنيد يتمسك برأيه ولا يتقبل آراء الٱخر، ويصر علي تنفيذ ما يفعله بجانب ميله للإستقلالية واعتماده علي نفسه فقط، وأحيانا يصاب بنوبة صراخ لكي يلفت أنظار الٱخرين له .
قد تكون المرونة والدلع الزائد وتلبية رغباته الكثيرة وعدم المنع، مثلا يصرخ فتتم الإستجابة لطلباته فورا لمنع بكائه، من أهم أسباب ظهور ظاهرة العناد لدي الطفل لأنه يعرف كيف يتم تنفيذ طلباته، وقد يكون عناد الوالدين حين يصرا على تنفيذه الأوامر دون إقناعه.
وتبدو رغبة الطفل في تأكيد ذاته خاصة أمام الآخرين برفض الأوامر وتنفيذ مايحلو له نوعا من العناد العمدي، لشعوره بالظلم عندما يتلقي أمر بعمل شئ مع راحة أخيه ، أو محاولة كبت حركته ونشاطه ، وأحيانا شعور الطفل بالضعف يدفعه للعناد لإثبات ذاته أو شعوره بالغيرة بسبب التفرقة في المعاملة بين الأخوات، مما يصببه بالتوتر النفسي فيقوم بعمل كل شئ عكسي
هنا لابد من تدريب الطفل علي تبادل الأشياء، الأخذ والعطاء والتعاون في أعمال البيت الخفيفة لتقليل حدة الأنانية فجميع الأطفال يكتسبون صفات وراثية وجينات تحمل في بعضها سلوك العناد وخاصة في إبداء الرأي لذلك تنتشر مقولة ( الواد طالع لابوه دماغه ناشفة) لذلك يجب أن يتجنب الوالدين معاقبة الطفل أمام الأخرين كي لا يشعر بالحرج ويحاول إثبات ذاته، وهنا لا يجب أن نقول الواد صغير ولا يفهم، فمرحلة الإدراك لدي الطفل تبدأ مبكرا جدا .
يجب علي الآباء التحلي بالصبر وعدم الغضب من التصرفات الطبيعية لسن الطفل ولا يجب إخراج شحنة التعب من متطلبات الحياة والعمل في الطفل، والتحدث معه بلغته والنزول لمستوي عقله وتفكيره .
من المهم أن يكون هناك حوار بين الطفل ومعطي الأوامر وإحترام رأي الطفل فحين يصر الطفل علي إرتداء ملابس معينة يجب تلبيه رغبته وإحترام مشاعره، والإستماع جيدا لطلباته ويمكن بعد تلبيه طلبه إقناعه بأن يرتدي الملابس الأخري ونجعله ينظر للمرٱة ونستدرجه للموافقه علي ما نريده .
يجب أيضا عدم الإنفعال علي تصرفاته وإخراج حاله الضيق من إرهاق اليوم عليه، والصبر علي تصرفاته وتوضيح الصواب له بطريقة فكاهية ليتقبلها .
جميل جدا أن يقوم الوالدين بمدح سلوكياته الإيجابية والتقليل من رفض طلباته بلفظ لا، لأنه يرددها دون أن يدرك نتيجتها، ويتم ذلك بألفاظ سهلة مرنة، ويمكن قبل النوم أن يقوم أحد الوالدين بإلقاء حدوتة قبل النوم يطرح فيها تصرف خاطئ قام به الطفل وطرح الصواب وجعل الطفل يردده في دعابة للاستفادة.
أيضا يجب عدم إجبار الطفل علي تنفيذ أمر هو لا يرغبه و يكرهه، مثل تناول طعام معين أو الجلوس في مكان محدد أو عدم الخروج، وأن نحترم في سلوكيات الطفل الإرادة المعاكسة، ونتقن إسلوب التفاوض والحوار مع سنه .
فقد يبدو سبب عناده مضحكا، فإذا رفض مثلا الإستحمام قد يكون بسبب خشيته من المياه أو الغرق في البانيو أو خلع الملابس، لذا يجب إبراز الجوانب الإيجابية في المكان لجذب إنتباهه وحبه في التصرف.
من الخطأ الصراخ في وجهه، فهو يتعلم العصبية وأحيانا يقلد الوالدين مع الأخرين حين يراهما يتشاجران أمامه، يقلد بدون وعي، وأحيانا يقوم بضرب من حوله وإهانتهم وبذلك نكون ساهمنا في صنع طفل عدواني .
من الأفضل عدم عقاب الطفل العنيد بقسوة والتجاوز عن الأخطاء البسيطة التي يفعلها لأنه سوف يكررها بدافع استحباب رد فعلك كأنك تداعبه، ويمكن معاقبته بحرمانه من اللعب بألعابه المفضلة وإخفائها عنه، أو تقليل وقت لعبه لفترة بسيطة، أيضا بث روح الإعتذار عند قيامه بسلوك خاطئ، بإسلوب إيضاحي يناسب عمره .
طفلك بذرة نقية طاهرة، لابد أن توفر لها مناخ تربوي مناسب لتكسب أنت حياتك قبل أن يكسب هو حياته .