طوفان الأقصى.. وإيجابيات التطبيع
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
لقد أحرجت كتائب عز الدين القسام - الجناح العسكري لحركة حماس - دولًا عربية كثيرة هرولت إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأنّ ما قامت به - بتلك الإمكانيات البسيطة - لم تقم به الجيوش النظامية، التي تستهلك معظم موازنات الدول العربية على حساب التنمية؛ فطالبت البيانات الصادرة عن هذه الدول من الطرفين ضبط النفس وعدم التصعيد وحماية المدنيين، وهو ما لم نره عندما صعّد الإسرائيليون الموقف باعتداءاتهم المتكررة على المسجد الأقصى وعلى المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.
المؤسف أنّ نداءات التهدئة العربية هذه، تساوي غالبًا بين المجرم والضحية كلما دافع الفلسطينيون عن أنفسهم، فيما نجد أنّ أمريكا وكلّ الغرب يقفون سرًا وعلنًا مع الكيان، دون مراعاة شعور الشعوب العربية.
لسنا في مقامٍ يسمح لنا بتقييم ما حصل، ومثلما غرد سابقًا فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة فإنّ «شباب القدس ليسوا بحاجة إلى كلمة مني، هم يعرفون طريقهم. ونقول للمخذّلين: كفوا ألسنتكم عنهم»، فإذا كنا لا نستطيع أن ندعم المقاومة، فلا ينبغي خذلانها بأقوال تؤيد العدو، ومن ليس مع المقاومة فهو مع العدو.
ما نستطيع قوله الآن أنّ المقاومة الفلسطينية - رغم المخذلين - قطعت مراحل من التقدم، بدءًا من السرية التامة، التي تعاملوا بها مع الحدث من لحظة الإعداد وحتى التنفيذ، رغم وجود ضعاف النفوس من الجواسيس الذين ينقلون للكيان حتى نسمة الهواء، وليس انتهاء بتنفيذ العملية بتلك القوة والدقة، واقتحام مقر رئاسة القوات العسكرية المحاذية لغزة وأسر قائدها الجنرال نمرود ألوني، بعد اختراق المقاومة الحدود المسيّجة.
لا بد أنّ الكيان الصهيوني سينتقم ممّا حدث، فهذا شيء متوقع، فقد توعد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان، حركة حماس بضربها في كلّ مكان وبكلّ قوة، وهو الوعيد نفسه الذي قدمه لحزب الله يوما ما.
الحروبُ عادة تكون طويلة، فتظهر بعض الأصوات لتقول ماذا استفادت المقاومة؟ وكيف انتصرت؟ لكن المحصلة النهائية هي في نهاية الحرب وليس في معركة واحدة، وما قامت به المقاومة الفلسطينية هو ضمن سلسلة طويلة من معارك الحرب، وأهم رسالة هي أنّ الشعب الفلسطيني حيٌ لم ولن يستسلم، وأنه قادرٌ على الدفاع عن قضيته العادلة مهما هرول العرب إلى موالاة الكيان الصهيوني. وبالتأكيد فإنّ حماس لم تخض مغامرة غير محسوبة في طوفان الأقصى، وإنما تعي تمامًا نتائجها وما سيترتب عنها، وهي خطوة أولى في حرب التحرير.
وإذا كانت البيانات العربية باهتة ومهينة فإنّ هناك من العلماء من يمثل رأي الشعوب العربية، ومنهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة الذي أشاد بما تبديه المقاومة الفلسطينية في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، ودعا الله أن يوفق المقاومة الفلسطينية الباسلة في دفاعها عن حقوقها المشروعة، واستبسالها في مواجهة العدو الغاشم المحتل (وهو رأي يمثلني).
في رأيي أنّ إشادة الشيخ أحمد للمقاومة الفلسطينية في هذا الظرف بالذات له أهمية خاصة، لأنّ هناك من المشايخ من حمّل حماس مسؤولية المجازر، من باب الإلقاء بالنفس إلى التهلكة كما زعموا، وهناك من رأى أنّ الدخول في حرب مع عدو قوي هو أقرب للانتحار، وحمّلوا المقاومة دماء كلّ الضحايا من أطفال ونساء، وهي الأسطوانة التي نسمعها في كلّ معركة تقوم بها المقاومة ضد الاحتلال.
من محاسن التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني أنه أعطى درسًا للشعب الفلسطيني بأن يعتمد على نفسه وقدراته، وهذا الذي حصل، فلم يكن أمام المقاومة العربية بشقيها الفلسطيني واللبناني إلا الاعتماد على الذات، مع دعم إيراني واضح؛ فلن يحمي الأرض والشرف والمقدسات إلا العنف الثوري حتى وإن سماه البعض الإرهاب، فهو الإرهاب المرغوب، أما الاعتماد على الدول العربية فهو مضيعة للوقت. وظاهريًا لا نستطيع أن نتجاهل القوة الإسرائيلية الضاربة، ولكن تجربة طوفان الأقصى أظهرت أنّ حسن نصر الله كان محقًا عندما وصف الكيان بأنه أوهن من بيت العنكبوت، فأوضحُ رسالة وجهها طوفان الأقصى الجارف لمن لجأ إلى الكيان الإسرائيلي من العرب، معتقدين أنهم في أمان وتحت الحماية، فكلّ الأسلحة الإسرائيلية والمخابرات العسكرية والقبة الحديدية لم تمنع وقوع عملية كبرى بهذا الحجم، وهذا وحده إنذار للمهرولين والمطبعين ولمن يسارع فيهم ويقول «نخشى أن تصيبنا دائرة»، والواضح لمن يقرأ الأحداث بوعي، أنّ الكلمة للشعوب مهما طال الليل.
سينتقم الكيان الصهيوني، وسيخذل العرب الفلسطينيين، وسيعمل المتآمرون للقضاء على المقاومة، ولكن لن يكون هناك نصر بدون تضحيات، وأكرر ما قلته في أكثر من مقال إن على الشعب الفلسطيني أن يعتمد على نفسه، فطوفان الأقصى قد عرى المطبعين.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة الکیان الصهیونی طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
خليل الحية: معركة طوفان الأقصى كسرت هيبة العدو
وأضاف الحية في كلمة له، أنه "بعد أن توقفت المعارك وانقشع غبارُها، قررت المقاومة أن تعلن بشكل رسمي عن ترجل عدد من القادة الكبار الذين رووا بدمائهم الطاهرةِ الزكيةِ هذه الأرضَ المباركةَ، لتنبتَ شجرةَ العزِّ والكرامة، وتزهرَ بطولةً ونصرًا، بعد أن أدَّوا الأمانةَ وسلَّموا الراية مرفوعةً لجيل جديد من القادة الصناديد، ليستكملوا المسير نحو القدس والأقصى، ويعبِّدوا الطريق للعودة الكبرى".
وتابع "ها هي حركتنا المجاهدةُ المباركةُ كما عوَّدتْنا وعوَّدتْ شعبَنا أن نكون في طليعة الشهداء، ونلتحمَ مع شعبنا في نفس الخندق، ونشاركَهم التضحيات، فاختلطت دماءُ وأشلاءُ قادتنا مع دماء وأشلاء شعبنا".
ونوه "إن قادة المقاومة يقدمون أرواحهم رخيصةً في سبيل الله مع الجند، لا يهابون الموت، مشتبكين مع العدو في الصفوف الأولى على طريق المقاومة من أجل فلسطين حرةً أبيَّة".
وأكمل الحية "نعزِّي أنفسنا وشعبَنا وكلَّ أمتنا بهذا المصاب الجلل والفقد العظيم، لقد أصابنا الحزنُ جميعًا".
وأوضح "تألَّمنا بوصول الأنباء المتتالية عن ترجل الشهداء القادة الذين عرفناهم وخبرناهم عن قرب ولسنوات طويلة، أمناءَ على قضيتهم ومصالحِ شعبهم العليا".
وقال الحية إن "قادتنا الشهداء خاضوا الملاحم البطولية والتضحيات الأسطورية في سبيل الله مع الآلاف من الكوادر والجنود من كتائب القسام، وإخوانهم من الفصائل المقاومة الأخرى، ومن أجل رفعة دينهم ووطنهم، ولم يتركوا الرايةَ لتسقط أو البوصلةَ أن تنحرف".
وأضاف أن "هذه الكوكبةُ المباركةُ من القادة الشهداء، التي جادت بدمائها بلا أي تردد، بعد أن أذاقوا العدو الويل والثبور لسنين طويلة، وسطَّروا صفحاتٍ من المجد التي سيخلدها التاريخ بأحرفٍ من نورٍ ونارٍ".
وأكد أنه "سيذكر التاريخُ أن أبطالَ كتائبِ القسام والمقاومةِ أركعوا العدو وجاؤوا به جاثيًا على ركبتيه، كما عاهدوا شعبَنا وأوفَوا بالعهد وأبرُّوا بالقَسَم".
وتابع "نرى الأسرى الأبطال يتم تحريرهم تباعًا، وجنودُ الاحتلال يخرجون من قطاعنا أذلَّةً صاغرين، تلاحقهم ضرباتُ المقاومين، ومحاكمُ المناصرين لفلسطين وأهلها".
ولفت إلى أنهم "يودعون اليوم هذه الثلَّةَ من القادة الكبار، الذين عشنا معهم وعايشناهم سنين طويلة، فلئن أحزننا الفراقُ والألمُ على فقدهم، فإننا نفخر ونعتز بهم وبشهادتهم، وعزاؤنا أنهم رحلوا شهداءَ ما وهنوا وما ضعُفوا وما استكانوا، بل كانوا في الطليعة المؤمنة المجاهدة التي خاضت غمار هذه المعركة بكل شموخٍ واقتدار".
وقال: "نخصُّ قائدَ الجهادِ والمقاومةِ، الرجلَ الذي عشقتهُ الملايينُ، وهتفتْ له دون أن تعرف له صورة، وكان اسمُه يزلزل قلوب الأعداء، ويرهبهم ويطاردهم ظلُّه، القائدُ الشهيدُ الملهم: *محمد الضيف "أبو خالد"،* الأسدُ الهصورُ الذي أمضى حياتَه مُطارَدًا ومطارِدًا لأعدائه، وقهر كلَّ مطارديه لأكثر من ثلاثين سنة".
كما أضاف الحية أيضا "الشهيد الضيف.. هذا الرجل الذي بدأ جهادَه في مرحلة لم نكن نملك فيها البنادق ولا الرصاص، ولم يكن لدى حماس وقسامها إلا الرؤيةَ السديدةَ والإرادةَ الصلبة".
وتابع "استطاع شهيدنا القائد محمد الضيف بفضل الله مع إخوانه الأحياء منهم والشهداء الأوائل: ياسر النمروطي، وعماد عقل، وصلاح شحادة، بناءَ جيشٍ تعجز عن فعله كثيرٌ من الجيوش حول العالم".
وبحسب الحية فإن "جيشا يضرب العدو بلا تردد، ويقتحم الحدود ويسطِّر المعاركَ والبطولات، جيشٌ يقوم على المجاهدِ الصنديد، قبل العُدَّة والعتاد... المجاهدِ صاحبِ الرؤيةِ والبصيرةِ والعقيدةِ السليمة... جيشٌ يحتضنه مجتمعُ المقاومةِ المستعدُّ لكل تضحية في سبيل حريته واستقلاله".