بنك اليابان وإغواء التجارة قاتلة الرجال
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
تُـرىَ هل تصبح اليابان قصة النمو العظيمة التالية؟ يبدو أن الملياردير والمستثمر الأسطوري وارن بافيت يعتقد ذلك. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد الياباني نموا بنسبة 1.4% في عام 2023 ــ وهو رقم مبهر في دولة كان عدد سكانها في انخفاض مطرد طوال السنوات الأربع عشرة الأخيرة.
لكن الاقتصاد الياباني قد يكون أيضا قنبلة موقوتة.
بعد عقود من الإبقاء على أسعار الفائدة قريبة من الصِـفر، ليس من الواضح ما إذا كان بنك اليابان قادرا على رفعها دون إشعال شرارة أزمة مالية جهازية. في حين صرح محافظ بنك اليابان الجديد، كازو أويدا، بأن البنك يعتزم الإبقاء على سياسته النقدية المفرطة التساهل، فإنه اعترف أيضا بحالة من «عدم اليقين الشديد» تحيط بالاقتصاد العالمي. ونظرا للقوى التي تدفع معدلات التضخم وأسعار الفائدة إلى الارتفاع في مختلف أنحاء العالَـم، فمن الواضح على نحو متزايد أن السياسة النقدية اليابانية لم يعد من الممكن أن تُـدار في عُـزلة. على مر السنين، راهن كثير من المستثمرين ضد بنك اليابان، فباعوا السندات اليابانية على المكشوف على افتراض أن سياسة سعر الفائدة صِـفر من غير الممكن أن تستمر. ومرة تلو الأخرى، سُـحِـقَ المضاربون. ولكن الآن قد تؤتي «التجارة قاتلة الرجال» ثمارها فعليا. الواقع أن عزوف بنك اليابان عن زيادة أسعار الفائدة القصيرة الأجل أمر مفهوم، خاصة وأن إجمالي الدين الحكومي الياباني بلغ الآن 260% من الناتج المحلي الإجمالي، أو 235% من الناتج المحلي الإجمالي بعد خصم 1.25 تريليون دولار من احتياطيات النقد الأجنبي. وفي حال اضطرار بنك اليابان إلى رفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل بنسبة 3% ــ نحو نصف مستوى رفع السعر في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ــ فسوف تنفجر تكاليف خدمة الدين الحكومي. علاوة على ذلك، من شأن الزيادة الحادة في أسعار الفائدة أن تفرض ضغوطا هائلة على القطاع المصرفي الياباني، وخاصة إذا ارتفعت أسعار الفائدة الطويلة الأجل أيضا. هذا هو ما حدث على وجه التحديد في الولايات المتحدة في مارس عندما تسبب إحكام السياسة النقدية من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي في إطلاق سلسلة من ردود الفعل التي أدت إلى انهيار بنك سيليكون فالي وعدد كبير من المؤسسات المالية الأخرى.
إن رفع أسعار الفائدة في بيئة تتسم بأسعار فائدة قريبة من الصفر، عندما يتوقع المستثمرون أن تظل أسعار الفائدة شديدة الانخفاض إلى الأبد، أمر بالغ الصعوبة، بغض النظر عن الكيفية التي يصوغ بها بنك اليابان تصرفاته. ولكن إذا ظل التضخم مرتفعا بشكل مستمر، فسوف يضطر صناع السياسات إلى التحرك. ففي النهاية، سوف تدفع الأسواق حتما أسعار الفائدة إلى الارتفاع عبر منحنى العائد.
على مدار العامين الأخيرين، برغم ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية بشدة في مختلف أنحاء العالم، فإنها انخفضت في اليابان، على الرغم من ارتفاع التضخم. وهذه الحال غير قابلة للاستمرار في الأمد البعيد، وخاصة في ضوء اندماج اليابان العميق في الأسواق المالية العالمية. باعتبارها واحدة من أوائل الدول الصناعية التي تتصارع مع الانحدار السكاني فضلا عن أزمة مالية جهازية، عملت اليابان عمل مختبر الاقتصاد الكلي العالمي لأكثر من عقدين من الزمن. وفي حين يستشهد بعض الخبراء باليابان باعتبارها الدليل على أن الديون الحكومية الضخمة لا تشكل أهمية كبيرة، فإنها في الحقيقة بالغة الأهمية. ومثلها كمثل غيرها من البلدان المثقلة بالديون مثل اليونان وإيطاليا، شهدت اليابان متوسط نمو منخفضا للغاية طوال العقود الثلاثة الأخيرة.
في أوائل تسعينيات القرن العشرين، بلغ نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الياباني 75% من المستويات في الولايات المتحدة؛ ثم انحدر منذ ذلك الحين إلى أقل من 60%، حتى برغم أن الولايات المتحدة لم تشهد سوى نمو متواضع خلال ذات الفترة. بالإضافة إلى مشكلة الديون، أصبح الاقتصاد الياباني عالقا وسط التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين. وعلى مدار العقود القليلة الأخيرة، كما تلاحظ أولريك شيدي في كتابها الـمُـلـهِم بعنوان «إعادة اختراع الأعمال في اليابان»، وجدت الشركات اليابانية مكانة عالية القيمة ضمن سلسلة التوريد الآسيوية. وفي حين قد لا تكون الشركات الأكثر ربحية في اليابان من الأسماء المألوفة، وهذا يرجع في المقام الأول إلى أن العديد منها توفر منتجات وسيطة للشركات وليس منتجات نهائية للمستهلكين، فإنها تعمل في قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي ينطوي على أرباح ضخمة. لكن قسماً كبيراً من عملية إعادة الاختراع الاقتصادي على هذا النحو كان قائما على الاستفادة من النمو السريع الذي حققته الصين.
والآن وقد تعثر محرك النمو الصيني، وفي ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة التي تهدد بزيادة الأمور سوءا على سوء، بات من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستراتيجية الفريدة من نوعها قادرة على الاستمرار. في الوقت ذاته، وكما هي الحال في أوروبا بدرجة كبيرة، تواجه اليابان الحاجة الملحة إلى تعزيز الإنفاق الدفاعي. ومع انزعاجها إزاء عدوانية الصين المتنامية، وخاصة في ضوء غزو روسيا لأوكرانيا، كشفت الحكومة اليابانية عن خطط لمضاعفة الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الخمس المقبلة. ومع ترجيح زيادة مثل هذا الإنفاق في الأمد البعيد، لن تتمكن اليابان بعد الآن من الإبقاء على الضرائب عند مستوى منخفض من خلال الاستفادة المجانية من ميزانية الدفاع الأميركية. من المؤكد أن اليابان، باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم (بعد الولايات المتحدة والصين)، تمتلك عددا كبيرا من الأدوات اللازمة للتصدي للتحديات الديموغرافية والاقتصادية. على سبيل المثال، يمكنها مواجهة الأعراف الاجتماعية الشركاتية التي عفا عليها الزمن والتي تثني النساء عن إنجاب أطفال. وبوسعها أيضا أن تستخدم أدوات السياسة العامة، مثل الترحيب بمزيد من المهاجرين. لكن السياسات الرامية إلى وقف الانحدار لن تُـفـضي إلا إلى إبراز الحاجة إلى تطبيع أسعار الفائدة. الواقع أن الأزمات المالية الأكثر حدة تحدث غالبا عندما تكون غير متوقعة على الإطلاق. إن اليابان المستعيدة لنشاطها تُـعَـد تطورا مفيدا للاقتصاد العالمي، لكن عودة أسعار الفائدة اليابانية إلى الارتفاع قد تشكل خطرا جسيما.
كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد وحاصل على جائزة دويتشه بنك في الاقتصاد المالي لعام 2011.
خدمة بروجيكت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی الولایات المتحدة أسعار الفائدة بنک الیابان فی الیابان
إقرأ أيضاً:
"معلومات الوزراء" يستعرض تقرير كابيتال إيكونوميكس
سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على التقرير الصادر عن شركة "كابيتال إيكونوميكس" بعنوان "التوقعات الاقتصادية العالمية للربع الأول من عام 2025: مواجهة التحديات الجيوسياسية وتهديدات التعريفات الجمركية"، حيث أكد التقرير أن آفاق الاقتصاد العالمي في الربع الأول من عام 2025 يسطر عليها مزيج من التحديات والفرص، والتي تعكس تأثير التوترات الجيوسياسية والسياسات التجارية.
مجلس الوزراء يوافق على 13 قرارا خلال اجتماعه الأسبوعي اليوم ننشر تفاصيل اجتماع رئيس مجلس الوزراء ووزيرة التنمية المحلية بمحافظ قناأشار التقرير إلى أن الاقتصادات الكبرى ستشهد تباطؤًا نسبيًا؛ حيث من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة السياسات المقترحة من إدارة دونالد ترامب، بما في ذلك فرض قيود على الهجرة والتعريفات الجمركية، لكنه سيظل مدعومًا بميزانيات قوية للقطاع الخاص.
وأوضح التقرير أنه من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأمريكي نموًا بنحو 1.5% على مدار الاثني عشر شهرًا المقبلة، مع وصول التضخم إلى 3%، مما سيحد من قدرة "الاحتياطي الفيدرالي" على خفض سعر الفائدة، مشيراً إلى أن "البنك المركزي الأوروبي" (ECB) قد يتجه إلى خفض أسعار الفائدة بسبب تباطؤ التضخم وضعف النمو، مع توقع انتهاء دورة التيسير الاقتصادي العالمي في عام 2026.
وأضاف التقرير أنه بينما ستستفيد المملكة المتحدة من انخفاض التضخم وأسعار الفائدة، فإن كندا ستشهد نموًا قصير الأجل يعقبه تباطؤ بسبب تأثير الرسوم الجمركية والهجرة.
وفي آسيا، سيظل النمو ضعيفًا في معظم الدول، مع استمرار البنوك المركزية في خفض الفائدة لدعم الاستهلاك والاستثمار. ومن المتوقع أن تشهد الهند تباطؤًا اقتصاديًا قصير الأمد، مع توقعات بخفض أسعار الفائدة لدعم النمو. وعلى صعيد اليابان، من المرجح أن يؤدي ارتفاع الأجور وضعف الين إلى رفع أسعار الفائدة تدريجيًا.
وأوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بأن التقرير تناول الصين، مشيراً إلى أنها ستستفيد من التحفيز المالي والنقدي في النصف الأول من العام، لكن الاقتصاد قد يواجه تباطؤًا في النصف الثاني بسبب التحديات الهيكلية.
أما الأسواق الناشئة، فسيعاني الكثير منها من تراجع النشاط الاقتصادي باستثناء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي ستستفيد من زيادة إنتاج النفط، وفي المقابل ستعاني أمريكا اللاتينية من تباطؤ النمو بسبب السياسة الاقتصادية المتشددة وتدهور شروط التجارة، حيث ستستمر البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد العالمي الذي ينمو بوتيرة قريبة من المعتاد، باستثناء البرازيل والمكسيك؛ إذ سيتطلب التضخم المرتفع استمرار التشديد النقدي.
وأشار التقرير إلى أن التجارة العالمية تواجه آفاقًا قاتمة؛ حيث بدأت طلبات الصادرات في التراجع نتيجة تهديدات التعريفات الجمركية، وفي الوقت ذاته، تزداد المخاوف بشأن المالية العامة؛ إذ لا تزال معدلات الاقتراض مرتفعة، وتواجه الحكومات صعوبة في تنفيذ برامج تقشف فعالة، مما يحد من قدرتها على تحفيز الاقتصادات المتباطئة.
وأوضح التقرير أن التحديات الجيوسياسية ستظل عاملًا رئيسًا يؤثر على الاقتصاد العالمي؛ حيث تسود التوترات في شرق أوروبا والشرق الأوسط، كما أن الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين يزداد حدة، مع استمرار المنافسة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
أشار التقرير في ختامه إلى أن هذه التوقعات تعكس صورة معقدة للاقتصاد العالمي في عام 2025، حيث تستمر التحديات الجيوسياسية والاقتصادية في تشكيل المشهد العالمي، مع وجود فرص للنمو في بعض المناطق مقابل تباطؤ في مناطق أخرى.