لجريدة عمان:
2025-03-06@09:06:45 GMT

أسوأ يوم لإسرائيل في الحرب

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

حينما أحتاج إلى أدق تحليل لإسرائيل، فإن أول من أتصل به هو صديقي القديم وشريكي في العمل الصحفي هنام ناحوم برنيع كاتب المقال المخضرم في يديعوت أحرونوت. حينما اتصلت به عصر السبت لأعرف قراءته لهجمة حماس على إسرائيل، أذهلني رده الأول: «هذا أسوأ يوم يمكن أن أتذكره في تاريخ إسرائيل العسكري، دونما استثناء لحرب يوم الغفران [السادس من أكتوبر] التي كانت حربا رهيبة».

ناحوم صحفي دقيق غطَّى كل حدث كبير في إسرائيل على مدى نصف القرن الماضي، وعندما شرح منطقه، أدركت أنه كان أقل من الحقيقة.

ليس هذا بالشجار المعتاد بين حماس وإسرائيل. فطول الحدود بين غزة وإسرائيل يبلغ سبعة وثلاثين ميلا، لكن موجات الصدمة التي ستطلقها هذه الحرب لن تدفع إسرائيل والفلسطينيين في غزة فحسب إلى الاضطراب، بل ستضرب أيضا أوكرانيا والمملكة العربية السعودية، وعلى الأرجح إيران. لماذا؟ لأن أي حرب طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس يمكن أن تحوّل المزيد من المعدات العسكرية الأمريكية التي تحتاجها كييف إلى تل أبيب، وستجعل صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية المقترحة مستحيلة، في الوقت الحالي. وإذا تبيّن أن إيران شجّعت هجوم حماس لإفساد الصفقة الإسرائيلية السعودية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات بين إسرائيل وإيران ووكيل وحزب الله، وكذلك بين المملكة العربية السعودية وإيران. فهذه لحظة خطيرة بشكل لا يصدق على جبهات متعددة.

لكن بالعودة إلى نقطة ناحوم: لماذا تعد هذه الحرب كارثة لإسرائيل، أسوأ حتى من هجوم يوم الغفران المفاجئ من مصر وسوريا، الذي حدث قبل خمسين عاما ويوما؟ بداية، كما قال ناحوم، هناك إذلال محض للجيش الإسرائيلي: «ففي عام 1973، تعرّضنا للهجوم من قبل أكبر جيش عربي، أي جيش مصر».

أما هذه المرة، فقد غُزيت إسرائيل في اثنين وعشرين موقعا خارج قطاع غزة، منها مجتمعات تقع على بُعد خمسة عشر ميلا داخل إسرائيل، وتم الغزو من قبل قوة عسكرية تابعة لـ «ما يعادل لوكسمبورج». ومع ذلك، فإن هذه القوة الصغيرة لم تغزُ إسرائيل فحسب، وتغلبت على قوات الحدود الإسرائيلية، بل رجعت برهائن إسرائيليين إلى غزة عبر الحدود نفسها -وهي الحدود التي أنفقت فيها إسرائيل قرابة مليار دولار لإقامة جدار كان من المفترض أن يكون غير قابل للاختراق. وهذه ضربة صادمة لقدرات الردع الإسرائيلية.

ثانيا، قال ناحوم إن إسرائيل طالما افتخرت بقدرة أجهزتها الاستخباراتية على اختراق حماس والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية والحصول على إنذارات مبكرة. وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، كما يعلم أي متابع للأخبار الواردة من إسرائيل، كانت حماس تجري ما بدا وكأنه مناورات تدريبية لهذا النوع من الهجوم على طول حدود غزة، تحت أعين الجيش الإسرائيلي مباشرة.

لكن يبدو أن المخابرات الإسرائيلية فسَّرت هذه التحركات بوصفها محض محاولة من حماس للعبث مع قادة الجيش الإسرائيلي وإثارة قلق القادة قليلا، لا بوصفها مقدمة لهجوم. ويبدو أن المخابرات الإسرائيلية اعتقدت أن حماس في حاجة ماسّة إلى المزيد من المساعدة المالية من قطر، التي منحت حماس مساعدات بأكثر من مليار دولار منذ عام 2012، وتصاريح عمل لسكان غزة للعمل في إسرائيل، وكانت كل من إسرائيل وقطر تطلبان دائما في المقابل حدودا هادئة.

قال ناحوم إن «تفسير المخابرات هو أنهم كانوا يتدربون على شيء لن يتجاسروا يوما على القيام به أبدا. وكان ذلك سوء تقدير وغطرسة». إذ قامت حماس، بدلا من ذلك، بغزو مركَّب ومتطور بشكل لا يصدق برًّا وبحرًا.

ونصل الآن إلى الجزء الشنيع حقا لإسرائيل. وهو أن حماس لم تتمكن فقط من عبور الحدود إلى إسرائيل ومهاجمة المجتمعات الإسرائيلية وقواعد الجيش، بل تمكنت أيضا من اختطاف عدد من الإسرائيليين، يتردد أن منهم بعض كبار السن وأطفال وجنود، ورجعت بهم إلى غزة. وصور وكالة أسوشيتد برس «أظهرت امرأة إسرائيلية مسنة مختطفة يرجع بها مسلحو حماس إلى غزة على عربة جولف، وامرأة أخرى محشورة بين مقاتلين على دراجة نارية»، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس. وانتشرت على شبكة الإنترنت صور الجثث الإسرائيلية نُقلت إلى غزة وسحبت في الشوارع.

في الوقت نفسه، احتجز مقاتلون فلسطينيون مجموعات من الإسرائيليين رهائنَ في بلدتي بئيري وأوفاكيم الحدوديتين، لكن القوات الخاصة الإسرائيلية أطلقت سراحهم في نهاية المطاف.

سوف تكون هذه مشكلة ضخمة لإسرائيل. ففي ولاية سابقة، قام رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في عام 2011، بمقايضة 1027 سجينا فلسطينيا، منهم 280 يقضون أحكاما بالسجن المؤبد، مقابل استعادة جندي إسرائيلي واحد، هو جلعاد شاليط، من حماس في غزة. وأشار ناحوم إلى أنه قد يطالَب بيبي بإخلاء كل السجون الإسرائيلية من الفلسطينيين في حال احتجاز حماس بعض كبار السن والأطفال في غزة. وقد وعد نتانياهو يوم السبت الماضي بتوجيه ضربة ساحقة لحماس في غزة، ولكن ماذا لو أن حماس تحتجز مدنيين إسرائيليين يمكن استخدامهم كدروع بشرية؟ من شأن هذا أن يحد مجال إسرائيل للانتقام.

قال ناحوم إن «كل ما يفعله الجيش في غزة مستقبلا سوف يتطلب منهم مراعاة التأثير الذي يمكن أن يحدثه على حياة الرهائن المدنيين».

وأخيرا، أشار ناحوم، إلى أن كبار قادة الجيش ورئيس الوزراء، الذي يرأس المجلس الوزاري المصغر، يعرفون الآن أن من المحتمل مستقبلا تشكيل لجنة ما للتحقيق في كيفية السماح بحدوث غزو حماس.

فعليهم الآن إدارة هذه الحرب، واتخاذ قرارات مؤلمة بشأن المقايضات بين الردع والانتقام واستعادة الرهائن من حماس بل وربما غزو غزة، وهم يعلمون طوال الوقت أنهم حتى لو تمكنوا من إدارة كل هذه الأمور بشكل مثالي، فإن بانتظارهم نوعا من التحقيق في نهاية المطاف. وليس من السهل التفكير بشكل مستقيم في ظل هذه الظروف.

مثلما ظل هذا العمود يشير منذ عودة بنيامين نتانياهو إلى السلطة، فإن سياسة الانقسام التي ينتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي قد ألحقت أضرارا فادحة بإسرائيل. لقد أعطى بيبي الأولوية للانقلاب القضائي الرامي إلى تجريد المحكمة العليا الإسرائيلية من سلطات الإشراف على حكومته، مقدما ذلك على جميع الأولويات الأخرى. وفي ثنايا هذا، فتَّت المجتمع الإسرائيلي وجيشه. وثمة منذ شهور تحذيرات من مدى خطورة ذلك. بل إنني نقلت -في هذا الأسبوع فقط- عن المدير العام السابق لوزارة الدفاع الإسرائيلية، دان هاريل، قوله أمام مسيرة ديمقراطية في تل أبيب إنه «لم يسبق لي أن رأيت أمننا القومي أسوأ حالا» وأن أضرارا قد لحقت بالفعل بالوحدات الاحتياطية التابعة لتشكيلات أساسية في الجيش الإسرائيلي «بما قلل الجاهزية والقدرة التشغيلية».

لكن بقدر ما كان نتانياهو سيئا لإسرائيل، كانت حماس صعبة على الشعب الفلسطيني منذ استولت على غزة في عام 2007. فقد كان بوسع المساعدات التي تلقتها من قطر وحدها بما يتجاوز مليارات الدولارات على مر السنين، أن تتوجه إلى بناء غزة فتكون مجتمعا منتجا، فيه مدارس وجامعات وبنية أساسية لائقة، وقد يمثل هذا المجتمع نموذجا للدولة الفلسطينية المستقبلية مع الضفة الغربية. لكن حماس، بدلا من ذلك، خصصت معظم طاقاتها ومواردها لحفر الأنفاق إلى داخل إسرائيل وإقامة الصواريخ لمحاولة تدمير عدو أقوى بكثير -فحرمت سكان غزة من أي فرصة لتحقيق إمكاناتهم الكاملة، من خلال حكومة محترمة وديمقراطية ونزيهة ومنتجة.

لماذا شنّت حماس هذه الحرب الآن دون أي استفزاز مباشر؟ على المرء أن يتساءل عما لو أن هذه الحرب ليس بالنيابة عن الشعب الفلسطيني وإنما هي بناء على طلب من إيران، وهي المورد المهم للمال والسلاح لحماس، للمساعدة في منع التطبيع الناشئ للعلاقات بين المملكة العربية السعودية، منافسة إيران، وبين إسرائيل. ومن شأن هذه الصفقة، كما كانت تجري صياغتها، أن أيضا السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالا في الضفة الغربية - من خلال تزويدها بقدر ضخم من الأموال من المملكة العربية السعودية، فضلا عن فرض قيود على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغير ذلك من التقدمات للحفاظ على حل الدولتين. ونتيجة لهذا كان يمكن أن ينال زعماء الضفة الغربية دفعة من الشرعية يحتاجونها بشدة من الجماهير الفلسطينية، بما قد يهدد شرعية حماس.

كان من الممكن أيضا أن يكون هذا الاتفاق الأمريكي السعودي الإسرائيلي بمثابة زلزال دبلوماسي كان ليتطلب على الأرجح من نتانياهو التخلص من الأعضاء الأكثر تطرفا في حكومته مقابل تشكيل تحالف بين إسرائيل ودول الخليج العربية في مواجهة إيران. وإجمالا، كان من الممكن أن يكون هذا أحد أكبر التحولات في الصفائح التكتونية للمنطقة منذ خمسة وسبعين عاما. وفي غداة هجوم حماس هذا، تجمدت هذه الصفقة تجميدا عميقا، إذ يضطر السعوديون إلى ربط أنفسهم بشكل أوثق من أي وقت مضى بالمصالح الفلسطينية، وليس فقط بمصالحهم الخاصة.

والحق أن السعودية أصدرت -بعد ساعات من غزو حماس- بيانا قالت فيه، بحسب شبكة العربية «إن المملكة تتابع عن كثب التطورات غير المسبوقة بين عدد من الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي»، مضيفة أنها «حذرت مرارا من عواقب [تدهور] الأوضاع نتيجة للاحتلال وكذلك نتيجة لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة و[عدم وقف] الاستفزازات المنهجية ضد [مقدساته]».

وإنني أشاهد زلزال حماس وإسرائيل وكيف سيفضي إلى زلزال آخر.

لقد كانت أوكرانيا تتعامل بالفعل مع الهزات الداخلية الحكومة الأمريكية. وكانت الإطاحة برئيس مجلس النواب، بجانب الأقلية الصاخبة المتزايدة من المشرعين الجمهوريين -وهو ما صدمني- الذين عارضوا أي مساعدات اقتصادية وعسكرية إضافية لأوكرانيا، سببا في خلق فوضى سياسية أسفرت، في الوقت الحالي، عن عدم إجازة تقديم الولايات المتحدة أي مساعدات إضافية لأوكرانيا. ولو أن إسرائيل موشكة على غزو غزة والشروع في حرب طويلة، فلزام على أوكرانيا أن تقلق بشأن المنافسة من تل أبيب على صواريخ باتريوت، فضلا عن قذائف المدفعية من عيار 155 ملم وغيرها من الأسلحة الأساسية التي تحتاج أوكرانيا بشدة إلى المزيد منها، ومن المؤكد أن إسرائيل سوف تحتاج إليها أيضا. ولقد انتبه فلاديمير بوتين، فقال يوم الخميس الماضي في منتجع سوتشي على البحر الأسود: إن أوكرانيا صامدة «بفضل تبرعات بمليارات الدولارات تأتي كل شهر» مضيفا قوله «تخيلوا فقط أن تتوقف المساعدات غدا، ستعيش [أوكرانيا] لمدة أسبوع واحد فقط قبل أن تنفد ذخيرتها».

هل يمكن أن ينجم أي شيء جيد عن هذه الحرب الرهيبة الجديدة بين حماس وإسرائيل؟ من السابق لأوانه القول بذلك، لكن صديقا إسرائيليا آخر ومحللا أثق به منذ فترة طويلة، هو البروفيسور فيكتور فريدمان (وما من قرابة)، يقوم بتدريس العلوم السلوكية في كلية وادي يزرعيل في وسط إسرائيل ويعرف المجتمع العربي الإسرائيلي جيدا، كتب لي في وقت متأخر اليوم (أمس) قائلا إن «هذا الوضع المروع لا يزال يمثل فرصة، مثلما تحولت حرب يوم الغفران إلى فرصة انتهت باتفاق سلام مع مصر. سوف يتحقق النصر الحقيقي الوحيد لو أن الوضع القادم -أي ربما دخول إسرائيل إلى غزة- خلق ظروفا لتسوية حقيقية ومستقرة مع الفلسطينيين». وقال إنه في ضوء ما فعله الفلسطينيون اليوم، فإن بوسعهم «ادعاء ’نصر’ ما بغض النظر عما سيحدث بعد ذلك». وأضاف أن النقطة المهمة هي أنه «على شخص ما أن يفكر فيما هو أبعد من المزيد من القوة والمزيد من القوة».

بصفة شخصية، لا أعتقد أن حماس يمكن أن تكون شريكا لسلام آمن مع إسرائيل. لقد حظيت حماس بفرص كثيرة للغاية طوال سنوات كثيرة للغاية لإثبات أن مسؤوليات الحكم في غزة من شأنها أن تخفف من هدفها المتمثل في تدمير الدولة اليهودية. ويتبيّن أنها ليست أكثر من مجموعة إسلامية فلسطينية، لا هم لها سوى الحفاظ على قبضتها على غزة، والبقاء على أهبة الاستعداد للعمل بمثابة مخلب قط لإيران بدلا من أن تجعل هدفها الرئيسي هو تحقيق مستقبل جديد للفلسطينيين هناك وفي الضفة الغربية. وتاريخ حكمها في غزة خزي تام.

لكن السلطة الفلسطينية يمكن أن تكون شريكا. لذلك لو أن في الأفق غزوا إسرائيليا لغزة لمحاولة تدمير حماس، فيجب أن يقترن بمبادرة سياسية تعمل على تمكين السلطة الفلسطينية وتساعد على تقويتها حتى نتمكن على حد قول فيكتور من صياغة «تسوية توفر لجميع الأطراف شيئا يمكنهم التعايش معه. وإلا فعاجلا أم آجلا، سنعود إلى الوضع نفسه، بل إلى ما هو أسوأ. ولقد كان هذا هو الدرس الحقيقي المستفاد من حرب يوم الغفران».

توماس فريدمان كاتب عمود رأي في الشأن الخارجي في جريدة نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة فی الضفة الغربیة بین إسرائیل یوم الغفران هذه الحرب المزید من أن حماس إلى غزة یمکن أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

التحقيقات الإسرائيلية تكشف.. كيف خدعت حماس الجيش والشاباك في 7 أكتوبر؟

القدس المحتلة - الوكالات

سيطر على الإسرائيليين منذ صباح 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم سعي لمعرفة ليس فقط ما جرى وإنما أيضا لماذا جرى، وبالتالي أين كان الجيش الإسرائيلي.

وحسب افتتاحية "هآرتس"  فإن تحقيقات الجيش بينت أن السبب الأساس "لتغيب الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر في غلاف غزة هو أن أسرة الاستخبارات -والجيش والشاباك على رأسها- لم تصدق أن بوسع حماس تنفيذ هجوم منسق لآلاف المخربين في أكثر من 100 نقطة اقتحام، وأن تنجح في كسر فرقة غزة والسيطرة على جزء كبير من المنطقة التي في مسؤوليتها".

وأشارت إلى أن 7 أكتوبر/تشرين الأول هو نتاج مفهوم سياسي مشوش يمكن وفقه "إدارة النزاع" وأن "حماس هي ذخر"، الى جانب خطأ استخباري بموجبه حماس لا تريد ولا تستطيع أن تنفذ هجوما بحجم كهذا، واستعداد دفاعي مشوش، والصلات الظرفية العميقة بين هذه الأضلاع الثلاثة لا يمكن البدء بحل لغزها من دون لجنة تحقيق رسمية.

وشكّل المفهوم السياسي المشوش ما اعتبر أهم الأسباب في بلورة ما عرف بالفشل المفهوماتي، والذي قاد إلى الاستخفاف بحماس من جهة وتفسير سلوكياتها ومواقفها بشكل خاطئ.

واعتبرت التحقيقات أن نقطة التحول الجوهرية كانت في إغفال المعاني الفعلية لانتخاب قيادة حماس في 2016، والتي فاز فيها يحيى السنوار بالمكانة القيادية العليا في غزة حين بدأ تنفيذ خطة الحرب ضد إسرائيل عمليا بهدف تدميرها أو على الأقل إلحاق أذى بليغ بها.

تحرك السنوار

"وجاء في تحقيقات الجيش أن "عملية الجرف الصامد انتهت بفهم السنوار أن خطة الهجوم لن تنجح إلا إذا بدأت بمفاجأة كاملة، وأن سيطرته وجماعته على غزة في أوائل عام 2017 تعزز هذا".

وأشار التحقيق أيضا إلى أنه "في عام 2017 بدأت احتجاجات جدية ضد حماس داخل غزة، وبالتالي تحرك السنوار نيابة عن المدنيين، وفي الوقت نفسه بدأت مظاهرات السياج ضد إسرائيل، والتي انتهت بالتوصل إلى تسوية، ولم تفهم المخابرات أن حماس بهذه الطريقة كانت تعوّد إسرائيل على تصور أنها تتجه نحو التسوية، في حين كانت خطة كسر الطوق في غزة تتشكل".

وكانت حماس أنشأت بعد عملية الجرف الصامد في العام 2014 -ولأول مرة- قيادة عامة تضم قادة ألوية بقيادة محمد الضيف.

وفي الواقع، كان رئيس قسم العمليات الأول في حماس رائد سعد هو من وضع خطة الغزو البري من دون أي أنفاق على الإطلاق، بسبب بناء إسرائيل الجدار تحت الأرض.

وبعد عامين فقط وصلت هذه الخطة (سور أريحا) إلى انتباه شعبة الاستخبارات، ولكن تم التعامل معها على أنها مجرد فكرة بعيدة عن الواقع.

وبحسب هذه الخطة، جرى العمل على تشكيل كتائب النخبة، على أن يتم الانتهاء من تشكيل احتياطي لكل كتيبة في عام 2019.

وكشفت المعلومات الاستخباراتية التي خرجت من غزة خلال مناورات العام الماضي عن حجم الفشل الاستخباراتي، فمنذ عام 2017 تضمنت خطة الغزو الكيبوتسات والمستوطنات التي سيتم احتلالها، والخداع والاستيلاء على رموز القوة الإستراتيجية في الجنوب، مثل محطات الطاقة ومراكز الشرطة، والوصول إلى مدن مثل بئر السبع وأسدود والمجدل.

تقليص التدريبات

وبسبب تفشي كورونا قررت حماس تحويل الموارد من تدريبات النخبة إلى مكافحة الوباء، وخلال هذه الفترة زاد تقليص التدريبات تهدئة إسرائيل.

وكشفت المواد الاستخباراتية التي تم جمعها من غزة خلال العمليات ضد حماس خلال العام الماضي أن خطة "سور أريحا" شملت منذ عام 2016 آلاف المقاتلين في 6 كتائب لغزو إسرائيل.

وكشفت التحقيقات أن "هذه الخطة تم تجاهلها في عام 2019 في أحد تقييمات الوضع الاستخباراتي تحت إدراك أنها غير محتملة"

كما كشفت التحقيقات أن الخداع الإستراتيجي لحماس تكثف في العامين السابقين للحرب عندما عضت المنظمة الإرهابية شفتيها في جولات التصعيد مع إسرائيل وتركت "الجهاد الإسلامي" وحيدة في الميدان.

وفي غزة، اعتقدوا في مايو/أيار 2022 أن هذا هو الوقت المناسب لإطلاق خطة الهجوم، وبالتالي ينبغي لحماس أن تبادر إلى التحرك لتحقيق أحد 3 أهداف، من الصغير إلى الكبير على الأقل: تغيير ميزان الردع مع إسرائيل، وتحرير الضفة الغربية، وتدمير إسرائيل كدولة إذا انضم الحلفاء بقيادة حزب الله إلى الهجوم.

وعموما، كل تصرفات حماس لم تثر شكوكا جدية لدى شعبة الاستخبارات ووحدة الأبحاث، ولم تنشأ في الإطار الاستخباري حالة تحاول التناقض مع التصورات القائمة.

وهذا ما خلق وهم اليقين وإدراكا زائفا للتفوق الاستخباراتي كجزء من الفهم في إسرائيل بأن أعداءنا أدنى، وأن وفرة المعلومات تجعل العدو "شفافا" أمامنا بالفعل، وهو ما خلق حقا شعورا بالزيف.

وبحسب التحقيقات، فإن سياسة إسرائيل في التفريق بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس أدت إلى تقوية الحركة على مر السنين، بما في ذلك عبر تدفق الأموال القطرية إلى غزة والمساعدات الإنسانية.

وقد اختارت إسرائيل سياسة "إدارة الصراع" التي تهدف إلى الحفاظ على الواقع القائم، وبعبارة أخرى يمكن إيجاد فترات هدوء في ضوء الفهم بأن حماس ليست معنية بحرب واسعة النطاق ولا تستعد لها.

وتظهر التحقيقات العسكرية التي نشرت تحت عنوان "تصورات إسرائيل لقطاع غزة" أن المستوى السياسي أراد أن تبقى حماس عنوانا، وأن الجيش لم يبدِ في أي وقت اعتراضا على هذه السياسة.

ورأت أن هذا المفهوم إلى جانب مفهومي "إدارة الصراع" و"ردع حماس" ساهمت بشكل حاسم في النتائج القاتلة التي أسفر عنها هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأن هذه المفاهيم السياسية والعسكرية التي ترسخت على مدى سنوات تبين أنها كارثية.

وفي نظر التحقيقات بدأت هذه التصورات تتشكل في بداية العقد الماضي، واشتدت حتى انفجرت صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان المفترق المركزي والمصيري -وفقا أيضا لتحقيقات أخرى أجريت في جيش الدفاع الإسرائيلي- هو عملية حارس الأسوار في مايو/أيار 2021، وعند هذه النقطة تباعدت الطرق التي رأى بها الجانبان الصراع: في إسرائيل كانوا مقتنعين بأن حماس تعرضت لضربة قاتلة، بما في ذلك أنفاقها القتالية (عملية الخداع الفاشلة للقيادة الجنوبية)، وكدليل على ذلك استنتجوا خطأ أنها رُدعت عن الانضمام إلى جولتي القتال اللتين دارتا بعد ذلك "الفجر" و"الدرع والسهم"، تاركة "الجهاد الإسلامي" وحيدة.

ولم تعترف إسرائيل بأن "حارس الأسوار" كانت بالنسبة لحماس المحرض الرئيسي لشن "حرب التحرير" من خلال جعل خطة الغزو -التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "سور أريحا"- قابلة للتنفيذ.

وفي الخلفية، كان زعيم حماس يحيى السنوار متحمسا عندما رأى أنه نجح في توحيد الساحات حول قضية الحرم القدسي خلال مايو/أيار 2021، لم يقاتل سكان غزة فحسب، بل انتفض أيضا مواطنو إسرائيل العرب في العنف، كما اكتسبت قضية القوة العسكرية زخما في الدول العربية بالمنطقة.

لكن جذور الفشل -وفقا لتحقيقات الجيش- تكمن في النهج الإسرائيلي الذي اتبعته الحكومة منذ بداية العقد الماضي، والذي تجاوز رؤساء الأركان وحصل على دعمهم أيضا.

وقد تجلى هذا التوجه لأول مرة في عملية "عمود السحاب" في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وبلغ ذروته في الفرصة الأخيرة لهزيمة حماس في المناورة البرية بعملية الجرف الصامد في صيف عام 2014.

وكان القرار الإستراتيجي الذي وصل إلى الجيش من المستوى السياسي هو أن سحق حماس ليس الهدف، ويجب ردعها قدر الإمكان.

أنفاق التسلل

ويقول مصدر في الجيش الإسرائيلي "كانت عملية الجرف الصامد هي اللحظة التي أثير فيها السؤال لأول مرة بشأن ما إذا كان ينبغي هزيمة حماس، "وبعد ذلك صدرت التعليمات إلى الجيش الإسرائيلي بالتركيز فقط على إزالة التهديد المتمثل في أنفاق التسلل وإبقاء حماس في السلطة في غزة، وكان نجاح هذه العملية يقاس بمقدار الهدوء الذي جلبته حتى التصعيد التالي".

وأدى ذلك على مر السنين إلى انتشار هذا النمط من الوعي والتغلغل، من أول ضباط البحث وجمع المعلومات في وحدة 8200 في إدارة المخابرات إلى آخر رجال الجيش النظاميين على حدود غزة.

وكل التوصيات الاستخباراتية والتفسيرات البديلة للعلامات التي تشير إلى الليلة بين 6 و7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اعتمدت على المفهوم نفسه.

وعلى الأرض -وبحسب تحقيقات الجيش- تدهورت على مر السنين الطريقة التي تدافع بها القوات عن الحدود، إذ لم يشمل نظام الإنذار عند الفجر الذي يتم بموجبه رفع مستوى التأهب كل صباح جميع المقاتلين في المواقع كما كان الحال في الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، كان اعتماد القوات على العائق الجديد على الحدود وعلى المراقبة وعلى التكنولوجيا ضارا بها.

وكذلك الحال مع التسهيلات في الإجازات، ففي عطلات نهاية الأسبوع كان يتم تقليص القوات في القطاع حتى يتمكن المزيد من المقاتلين من الاستمتاع بالإجازة في منازلهم وكأن موقع ناحال عوز هو قاعدة كرياه في تل أبيب.

وعلى أي حال، فإن فكرة ردع حماس أدت إلى تقليص حجم الجيش على مدى العقد الماضي وتقليص مستمر في تدريب قوات الاحتياط على الأرض.

ويقول مصدر في جيش الدفاع الإسرائيلي "هذا فشل أكبر من حرب يوم الغفران، لأنه في تلك الحرب كان هناك إنذار مسبق، وكان هناك نقاش بشأن ما إذا كان ينبغي تعبئة قوات الاحتياط أم لا".

ولم يعترض أحد في الجيش على هذا، كما يؤكد التحقيق أن هذا المفهوم كان يجري في دم كل ضابط كبير أو مسؤول بالجيش.

ويشير التحقيق إلى أن "النهج القيادي من القمة حتى طوال الأشهر التي سبقت الحرب كان التركيز على إيران، وتوسيع اتفاقيات أبراهام والحفاظ على دور السلطة الفلسطينية".

ولخص التحقيق التوجه الإسرائيلي المتبع: من الجيد أن تبقى حماس عنوانا في غزة جزئيا لصعوبة إيجاد بديل لها، خاصة أن التهديدات من الضفة الغربية أكثر خطورة من تلك الموجودة في قطاع غزة.

وأضاف التحقيق "لم يكن هناك أي نقاش على الإطلاق بشأن إمكانية إنهاء الصراع أو استعادة السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة".

ونتيجة لهذا المفهوم لم يزد حجم القوات في فرقة غزة إلا بالكاد طوال عقد من الزمن، باستثناء قوة إضافية لتأمين أعمال بناء الجدار، وبلغ عدد السرايا التي تحرس 65 كيلومترا من الحدود مع قطاع غزة 14 سرية.

المصدر / الجزيرة نت

مقالات مشابهة

  • عودة إلى المربع الأول.. إسرائيل تحاصر غزة.. وتنتظر استسلامها
  • ردود الفعل الإسرائيلية على الخطة المصرية لإعمار غزة
  • رئيس أركان الاحتلال الإسرائيلي الجديد يتسلم مهامه.. ويهدد حماس
  • التحقيقات الإسرائيلية تكشف.. كيف خدعت حماس الجيش والشاباك في 7 أكتوبر؟
  • عاجل | القناة 12 الإسرائيلية: القيادة الجنوبية في الجيش أصدرت تعليمات للجنود بالاستعداد لاحتمال استئناف الحرب
  • القناة 13 الإسرائيلية: حماس تعيد بناء صفوفها استعدادًا لاستئناف القتال
  • ‏”إسرائيل” أسوأ جارٍ.. تنامي الغضب السوري ضد الاحتلال
  • إعلام عبري عن مصادر: إسرائيل تعطي حماس مهلة 10 أيام للإفراج عن المحتجزين وإلا فستجدد الحرب
  • الرئيس الأمريكي يُعلّق على قول الرئيس الأوكراني إن إنهاء الحرب “لا يزال بعيداً للغاية” .. ترامب: هذا أسوأ تصريح لزيلينسكي ولن نتحمله لفترة أطول
  • انتقادات دولية لإسرائيل بعد منعها إدخال مساعدات إلى غزة