بوابة الوفد:
2025-04-29@23:31:09 GMT

المتقوسون بالكلمات

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

أشفق عليهم. عند النهايات يتفتتون كزجاج مُهشم. لا نظرة تعاطف تُساندهم، ولا دعاء مُحب يطمئنهم. تقوست ظهورهم من الانحناء، وجفت حلوقهم من الهتاف، فصاروا خرقًا مُهلهلة. أولئك المُثقفون أو أدعياء الثقافة المتملقون للسلطة فى كل عصر، والذين تكاثروا كذرات مُنشطرة حولنا، فضلوا وأضلوا.

أكره المصفقين لكل نافذ. التهليل والتطبيل من سمات الشعوب الراقدة لا الناهضة.

التقدير والامتنان للجميل مقبول، لكن تمجيد الواصلين يحولهم إلى أصنام من عجوة، فلا يتقبلون نقدًا، ولا يرتضون نصحًا. تأليه الحكام آفة من آفات الشرق، وجين من جينات العرب، فكل حاكم فى زمنه فلتة، وكل سلطان وقت حكمه فريد.

ويصل الأمر بمدح الحاكم إلى تشبيهه بالأنبياء، مثلما فعل الشاعر الأندلسى ابن هانئ فى مدح الخليفة الفاطمى المعز إذ قال«ما شئت لا ماشاءت الأقدارُ/ فاحكم فأنت الواحد القهارُ/ وكأنما أنت النبى محمد / وكأنما أنصارك الأنصار./ أنت الذى كانت تبشرنا به / فى كتبها الأحبارُ والأخبارُ».

وفى كثير من الأحيان يتحول المثقف إلى منصة تحريض وتبرير للحاكم للعصف بخصومه مثلما فعل الشاعر سديف مع الخليفة أبى العباس السفاح، بعد أن دانت له البلاد واستقر له الحكم وقرر العفو عن باقى الأمراء الأمويين، فأقام لهم وليمة، وجلسوا فى حضرته يأكلون. وعندها وقف الشاعر مادحًا الخليفة، وأطال ثم قال فى نهاية قصيدته «اقصهم أيها الخليفة واحسم/ عنك بالسيف شأفة الأرجاسِ»، فأمر الخليفة بذبح الضيوف المُعفى عنهم جميعا.

ولم يكن غريبًا أن يسمو بعض المبدعين بممدوحيهم إلى درجة التأليه مثلما فعل أبو نواس يوما فى مديح الخليفة الأمين، إذ قال له :«وأخفت أهل الشرك حتى إنه/ لتخافك النُطفُ التى لم تُخلقُ».

وفى العصر الحديث لم يكن غريبًا أن نسمع قامات وهامات تُسبح بحمد الحاكم وتمدحه بما هو غير أهل له، حتى أن الشاعر على الجارم قال مهنئا بمولد الملك فاروق يقول «مولد الفاروق يومٌ بلغت/ راية الإسلام فيه القمما».

وهذا صالح جودت صاحب الموهبة الفذة يُسخرها للتغنى بالحكام، ويضرب المثل الأكثر إدهاشًا فى النفاق الإبداعى، فيمدح الملك فاروق بأغنية تقول كلماتها «والفن مين أنصفه/ غير كلمة من مولاه. والفن يمن شرفه غير الفاروق ورعاه»، ثم يستجدى الرئيس عبدالناصر البقاء فى السلطة عقب تنحيه بعد هزيمة يونيو 1967 بقصيدة يقول فيها «أنت الصبر على المقدور..أنت الناصر والمنصور..ابق فأنت حبيب الشعب»، ونقرأ له فى مديح الملك عبدالعزيز بن سعود خلال زيارته لمصر، والملك حسين عاهل الأردن، والملك الحسن ملك المغرب قصائد جمة.

ومن بعده رأينا مثقفين تجارًا، ساوموا الأنظمة الديكتاتورية، وشاركوها نهبها، فأثروا وارتقوا، وانقلبت حيواتهم خاصة فى ظل سطوع معمر القذافى، وتجبر صدام حسين، والتمدد البدوى النفطى، وظل بعضهم يتنقل من مائدة إلى أخرى بخفة وحيوية، حتى أن أحدهم رأيناه قريبًا مطلًا علينا دون ذرة حياء لاعنًا المحكومين الظلمة الذين لا يستحقون حكامهم الأفذاذ.

ماكينة التملق مازالت دائرة فى عالمنا العربى، وهذا هو سر تخلفنا، وتقوقعنا، وتدهور أحوالنا، وربما كان المتقوسون بالكلمات هم من أقاموا جدارًا من الجفاء والارتياب بين السلطة والمثقفين الحقيقيين، وهم أيضا من ساهموا فى تفسير كل شئ بنظرية المؤامرة، وتصوير كل صاحب رأى بأنه عدو أو عميل أو خائن.

لكنهم يموتون أيضا، وينطفئ وهجهم الكاذب، وتتندر الأجيال القادمة بما كتبوا وقالوا.

والله أعلم.

 

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: عصر

إقرأ أيضاً:

عمرو المصري لـ "الفجر الفني": بكتب بإحساسي.. وكارمن سليمان تستاهل نجاح كبير

 

بإحساس صادق وكلمة بتفوت عالقلب دغري، قدر الشاعر المصري عمرو المصري يثبت حاله بقوة بعالم الغنية العربية. بأعماله، بيجمع بين العمق والبساطة، وبين وجع الكلمة وحلاوة اللحن. "الفجر الفني" التقى مع عمرو المصري بحوار خاص، كشف فيه عن كواليس شغله مع النجمة كارمن سليمان، ورؤيته لوضع الساحة الغنائية اليوم، وحكى عن تفاصيل رحلته مع الكلمة اللي بتحمل وجع وإحساس بنفس الوقت وهيدا نص اللقاء:


خبرنا عن تجربتك مع كارمن سليمان؟

كانت هذه أول تجربة تجمعني بكارمن سليمان، والحمد لله جاءت مثمرة،وأشارك حاليًا معها بأغنية في ألبومها الجديد، وما زلنا نختار معًا بعض الأعمال الأخرى. الألبوم مبذول فيه مجهود ضخم ويستحق النجاح، وأتمنى من كل قلبي أن يكرم الله كارمن وزوجها مصطفى جاد، فهو منتج كبير وفنان موهوب في الاختيارات. 
 

كتبت لها أغنية ببصمتك الخاصة، أو حاولت تواكب ذوق جمهورها؟
 

حرصت أن تحمل الأغنية بصمتي الخاصة، مع مراعاة أن تلمس قلوب الناس. الأغنية مختلفة وفيها إحساس حقيقي، وأتمنى أن تنال إعجاب الجمهور.
 

كيف بتحس التوازن بين صوت كارمن الرقيق وكلماتك العميقة؟

صوت كارمن من أجمل الأصوات وأكثرها قربًا للقلب، لذلك سعيت أن تكون الكلمات بنفس الرقة والبساطة، تخاطب الإحساس بشكل مباشر وصادق. 
 

لما تكتب لفنان كبير، بتكتب بحرية تامة أو بتحس بقيود معينة؟
 

الفنان النجم عادة ما يكون لديه بعض التحفظات على الكلمات أو الأفكار، وهذا طبيعي. أكتب بطريقتي الخاصة بدايةً، ثم نتناقش إذا كانت هناك تعديلات يريدها الفنان لتناسب شخصيته وجمهوره. 
 

هل تتعامل مع كل فنان بصوت مختلف داخلك، أم هناك روح واحدة تكتب بها للجميع؟
 

أكتب دائمًا بإحساسي الصادق دون تصنع، ثم أترك الأغنية للفنان. إذا لمس إحساسي في الكلمات واختارها، فهذا يعني أنها وصلت له.

أول شي بيخطر ببالك لما تبلش كتابة غنية؟
 

لا أبدأ بكلمة معينة أو نمط ثابت. كل ما أريده هو أن أضع كامل إحساسي في العمل، وأسعى أن تصل المشاعر للجمهور بقوة وصدق.
 

الشاعر ممكن يمل؟ بتحس بهالشي؟
 

بالتأكيد. الشاعر أحيانًا يشعر بالملل لأن المواضيع قد تتشابه، والكلمات تدور في نفس الفلك. لكن هناك لحظات أخرى يكون فيها الإلهام متجددًا، ويكتب بقوة من قلبه.

هل تعتقد أن الجمهور أصبح أقل صبرًا على الأغاني العميقة؟
 

اه يعني الجمهور بقي يحب الأغنية البسيطة السهلة اللي ترقصه بسرعه أو تحزنه بسرعة أو تخليه يدخل في حالة حب بسرعة، مش يعني الجمهور خلاص ما بقاش له في الاغاني العميقة والأغاني اللي لها علاقة بالمواضيع اللف حوالين بعض والحاجات دي، الجمهور بقي عايز السهل الممتنع.

ما هي مسؤولية الشاعر اليوم وسط هذا الكم من الإنتاج الغنائي السريع؟
 

مسؤولية الشاعر مضاعفة؛ يجب أن يطور نفسه باستمرار ويبتكر في الأفكار والألفاظ حتى لو تناول نفس الموضوعات. 

كل عمل يجب أن يكون له إحساس جديد، كما حدث معي في أغنيات مثل "بين الحيطان" لرامي صبري، و"غيبت الحبايب" لتامر عاشور، و"خاصمت النوم" لشيرين عبد الوهاب، وكفاية فراق لمسلم، كلها تقريبا نفس السياق لكن كل واحدة بإحساس مختلف، وهذا يكون دور الملحن أن يحاول ان يخلي الإحساس نفسه بتاع الكلام مختلف. 

 

هل يوجد أعمال جديدة رح تبصر النور قريبًا؟

في أعمال جديدة كثير ان شاء الله سوف أعلن عنها منها نجوم عملت معهم قبل كده وهناك أشخاص اول مرة يتم التعاون معهم.

مقالات مشابهة

  • "الشعر النبطي" مسك ختام مهرجان الخليل الأدبي بجامعة السلطان قابوس
  • عبدالله بلحيف يشارك في أمسية شعرية في «أبوظبي للكتاب»
  • الشاعر الفلسطيني سعيد يعقوب.. ناشط لا يهدأ في الشعر المقاوم
  • مشاكل الغوص.. تعاون حكومي لإزالة المعوقات وجهود متواصلة للاتحاد والغرف لمساندة القطاع
  • أحمد حسن راؤول يشيد بمسرحية "حاجة تخوف" ويؤكد: "عمل يحترم قيمة الفن في بلدنا"
  • عمرو المصري لـ "الفجر الفني": بكتب بإحساسي.. وكارمن سليمان تستاهل نجاح كبير
  • الدورة الـ30 من معرض الكتاب الدولي بالرباط تحتفي بالشاعر المغربي بنطلحة
  • عودة الي جواز سفر السفير الشاعر محمدالمكي إبراهيم
  • شكراً أخانا عثمان نور (إبن المسلمية المخلص) علي هذه الكلمات الطيبات في حق الراحل والد الجميع الخليفة فضل المولي عبد الرحمن قرشي
  • بفستان مميز.. زفاف ابن الشاعر بهاء الدين محمد بحضور لبلبة وأنوشكا