جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-17@10:44:54 GMT

رؤية "عُمان 2040" نموذجًا

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

رؤية 'عُمان 2040' نموذجًا

 

 

د. إبراهيم بن عبدالله الرحبي **

ibrahim1alrahbi@gmail.com

 

رابعًا: مرتكز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

استعرضنا في المقالات الخمسة السابقة أهمية اقتصاد المعرفة والمرتكزات الثلاثة الداعمة لاقتصاد معرفي مستدام. وسوف نوضح في هذا المقال أهمية تكامل المرتكز الرابع والأخير مع المرتكزات الثلاثة السابقة ضمن ممكنات التحول إلى اقتصاد المعرفة والمتعلق بتكنلوجيا المعلومات والاتصالات.

ويعد وجود بنية أساسية حديثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، توفر خدمة الاتصال، ونشر المعلومات ومعالجتها على نحو فعال، أداة أساسية في وضع استراتيجية الاقتصاد القائم على المعرفة. وتشتمل البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات سهولة التوصل للمعلومة الموثوقة، وكفاءة أجهزة الحاسب الآلي، وشبكات الاتصالات، التي تربط إيجابا إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها لتكوين معرفة جديدة أو مبتكرة ذات قيمة اقتصادية.

وتؤكد الشواهد أهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كونها المسؤولة عن الزيادة الكبيرة في الإنتاجية ونمو الإنتاج في الإقتصاديات الحديثة. فعلى سبيل المثال، ارتفاع مساهمة استثمارات منظمة التعاون والتنمية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في زيادة النمو الاقتصادي لتبلغ 7 في المائة من متوسط ناتجها القومي الإجمالي. كما أن زيادة الاستثمار في القطاعات المنتجة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حقق تقدما جوهريا بهذه الدول، وحقق مكاسب كبيرة في عوامل الإنتاج الإجمالية لمعظم القطاعات الإقتصادية والتنموية على جميع المستويات. حيث أسهم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى التغلب على الحواجز الجغرافية لتبادل المعلومات، والحد من انعدام الثقة، وخفض تكاليف المعاملات، وزيادة القدرة التنافسية عبر الحدود، وقد أدى ذلك كله إلى إيجاد ميزة تنافسية كبيرة للصناعات في هذه الدول.

وتكشف المفوضية الأوروبية لمجتمع المعلومات أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تمثل دوافع قوية نحو تحقيق النمو وإيجاد فرص العمل، حيث ساهمت بواقع 25 في المائة من نمو الناتج القومي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي و40٪ من نمو القطاعات الإنتاجية المتصلة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتشير تقديرات منظمة التعاون والتنمية إلى أن أكثر من 60 في المائة من الإنتاج في هذه البلدان ينتجه العاملون في مجال المهارات المعرفية كالمهندسين والأطباء والتخصصيين، الذين يستخدمون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على نحو رئيس. وتشير التقديرات كذلك إلى أن 8 من كل 10 فرص عمل جديدة في بلدان منظمة التعاون والتنمية كان من نصيب عمال المهارات المعرفية. وبالتالي أصبح تكوين الثروة أكثر ارتباطا بقدرة البلدان على إيجاد القيمة المضافة عن طريق استخدام منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخدماتها. وتدعم هذا الرأي أيضا دراسة أخرى أجريت بالولايات المتحدة تظهر أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات له أثر مضاعف في الاقتصاد الكلي بالمقارنة بالصناعات التحويلية. وتكشف هذه الدراسة تأثير منتج البرمجيات مايكروسوفت على الاقتصاد المحلي في ولاية واشنطن، إذ أن كل وظيفة إضافية في مايكروسوفت أوجدت ما متوسطه 6,7 وظيفة جديدة، في حين أن الوظيفة الواحدة في شركة بوينغ خلقت 3,8 وظيفة إضافية فقط.

ويقودنا الانتشار والتقدم المتسارع  في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى القول إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أضحت مرتكزا ضروريا من مرتكزات البناء الجوهري في التنمية الاقتصادية المستدامة، وتساهم إلى حد كبير في التحولات الأساسية في أي مجتمع حديث. حيث لم يعد العالم الذي نعرفه اليوم ذاته قبل سنوات عدة فهو يتغير باستمرار، الأمر الذي أدى بدوره إلى حدوث تغيرات جوهرية في أنماط الحياة بمختلف مجالاتها، وعلى جميع المستويات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وخلق بالتالي أنشطة اقتصادية جديدة في غاية الأهمية فيما صار يدعى بالاقتصاد الرقمي.

 ويُعرِّف البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي هذا الاقتصاد الجديد بأنَّه عبارة عن منظومة اقتصادية ممكنة بالاتصالات والتقنيات الحديثة لخفض التكاليف وتحسين العمليات ونمو الأعمال وتحسين جودة الخدمات والمنتجات وترتكز على الحكومة الذكية والمجتمع الرقمي وحوسبة الأعمال وهو أحد المكونات الرئيسة للاقتصاد المبني على المعرفة. وللدلالة على هذه الأهمية ما تظهره البيانات العالمية التي تقدر قيمة الاقتصاد الرقمي عالميًا بأكثر من 11 تريلون دولار ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 23 تريليون دولار بحلول عام 2025 ليشكل 24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

لقد واكبت سلطنة عُمان التحولات الجوهرية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منذ أكثر من عشرين عاما عندما اعتمدت إستراتيجية الاقتصاد الرقمي من خلال عُمان الرقمية في عام 2003، مرورا بالإستراتيجية الوطنية للنطاق العريض في عام 2014، وصولا إلى الإستراتيجية الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات في عام 2017، والتي تعتبر المكون الرئيس للاقتصاد الرقمي بالسلطنة. حيث تسعى سلطنة عُمان من خلال ذلك إلى تحقيق عدة أهداف من شأنها المساهمة في بناء وتطوير اقتصاد رقمي مزدهر عبر مستهدفات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد المتصلة برؤية "عُمان 2040"، كالخطة التنفيذية للتجارة الإلكترونية والبرنامج التنفيذي للتحول الرقمي الحكومي وحوسبة الأعمال التجارية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء أملا بخلق صناعة تقنية مستقلة.

واعتمادًا على البيانات عن عام 2016، يمكننا القول إن الاقتصاد الرقمي في سلطنة عُمان يعد واعدًا إذا ما تهيأت له وسائل التمكين اللازمة ضمن مرتكزات اقتصاد المعرفة؛ حيث يمثل حاليا 2% من الناتج المحلي، بينما تصل هذه النسبة في المتوسط العالمي بين 5 إلى 15% اعتمادا على تقدم الدولة في هذا المرتكز.

كما إن اعتماد البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي ضمن رؤية عُمان 2040 سوف يكون بلا شك نقطة تحول داعمة وإيجابية في هذا الصدد؛ حيث السعي من كون التقنية عامل ممكن للقطاعات الاقتصادية لتصبح صناعة مستقلة بحلول عام 2040، خاصة وأن مؤشرات تقنية المعلومات والاتصالات المتصلة بمستهدفات رؤية "عُمان 2040" من قبيل جاهزية الشبكات، وجاهزية محركات الإنتاج، وتطوير الحكومة الإلكترونية تعتبر من بين أفضل 40 دولة على مستوى العالم.

لكن يبقى الطموح للوصول إلى مستهدفات عام 2040 لتكون سلطنة عُمان من بين أفضل 10 على مستوى العالم في مجمل مؤشرات هذا المرتكز ورفع مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي إلى 10%، تحد ليس من السهل تحقيقه في ظل قلة الموارد المالية المستثمرة في هذا القطاع،  والطبيعة الجغرافية للسلطنة، وضعف استخدام الفرد للتقنية، وقلة الكفاءة والمهارات التخصصية، وثقافة العمل الحالية ومقاومة التغيير التي يستدعي تخطيها إصلاح هيكلي في مجال تنمية الموارد البشرية، وإعادة تنظيم هيكلة الإدارة، وإجراء إصلاحات تشريعية متطورة ومستجيبة لهذا التحول الرقمي. كما يستوجب ذلك إشراك ودعم كافة القطاعات الاقتصادية بشكل تكاملي وعادل ومتوازن أسوة بما يحظى به القطاع الحكومي من اهتمام ودعم لتحقيق المستهدفات المطلوبة.

** متخصص في اقتصاد المعرفة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القراءة سلاح للتقدم

للقراءة دور عظيم فى نقل الإنسان إلى التقدم والرقي والثقافة والتميز، لكونها أعظم عملية تفكيرية ومعرفية يتم من خلالها توضيح معانى الكلمات وتدريب القارئ على الفهم والتحليل العميق والألمام والمعرفة الجيدة لحقيقة الأمور، وتوسع المعرفة والقدرة على الإبداع وتحسن الذاكرة ليصبح القارئ متسلح بأقوى سلاح لمواجهة صعوبات الحياة وليصبح عقل الإنسان مستنير، لايستطيع أحد السيطرة عليه وتضليله بالأكاذيب والخرافات، كما أنها تهذب الإنسان بما يقرأه من علوم وأفكار وآداب وفنون، وتنمي مهاراته الكتابية وتدفعه لتحقيق التميز فى حقول المعرفة والدراسة.

وجاءت أهمية القراءة منذ تكريمها من الخالق تبارك وتعالى فهى أول كلمة نزلت من كتاب الله على خير خلق الله سيدنا محمد (ص)، فكانت كلمة إقرأ، مما يدل على أهمية القراءة بالنسبة للإنسان فالقراءة حياة تصنع العقول وتنقلها من مرحلة الجهل إلى مرحلة العلم، فيرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى أن القراءة هى المفتاح السحرى والجسر الحقيقى الذى يفصل بين العلم والجهل، وبين الفهم والتضليل، وبين التحضر والعشوائية.

فعلينا جميعاً أن نحرص على أن نحمل على عاتقنا أهمية نشأة أطفالنا منذ الصغر على حب القراءة، ليصبحوا على علم بكثير من أمور الحياة، ومع التقدم والطفرة والتغير الشامل لنظام التعليم فى مصر، حيث تم إنشاء نظام تعليمى جديد قائم على أساس التدبر والتفكير، ولن يتمكن الطالب من مواكبة ذلك النظام إلا عن طريق القراءة لكثير من الكتب فى كافة المجالات، لنذكر أبنائنا أن التفوق والنجاح لا يأتى سهلاً وأن التعليم الآن أصبح متغيراً، وأن نظام التلقين والحفظ بات عقيماً لايصنع طالب متميز ومبتكر يستطيع أن يخدم بلده ويصنع لنفسه مستقبل مبهر.

وما تفعله القراءة فى الإنسان هو تحفيز العقل لأنها أفضل طعام للعقل، وتعمل على الإبتكار وتوسع المعرفة والقدرة على التحليل وإنجاز جميع المهام ومواجهة المشكلات، وخلق للذات قيمة، وتمنح صاحبها المذاج والسعادة والهدوء والصبر والتفكير ليكون القارئ محل ثقة من الجميع.

وفى الختام يجب أن ندرك أن القراءة هى البوابة الأولى للعلم والثقافة والإبداع، وتساعد الإنسان على النجاح والوصول إلى الأهداف العظيمة التى سبقنا إليها غيرنا، ولأننا نحلم ونظل نحلم ببناء جيل واعى وناضج يفكر دائماً خارج الصندوق ليستطيع مواجهة كل جديد بحرفنه وعلم وابتكار.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء يستعرض الجهود المبذولة لتحقيق التحول الرقمي ومجموعة من الخدمات الحكومية
  • سلطنة عُمان في يومها الوطني الـ54.. مسيرة بناء ونهضة شاملة تؤطرها “رؤية 2040”
  • هواوي تدعم تسريع التحول الرقمي بمجموعة واسعة من الحلول المبتكرة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات
  • آفاق واعدة وروافد لوجستية لطريق "أدم- ثمريت"
  • "سيليكون21" تعلن استراتيجيتها لتصبح مزودًا متكاملًا لحلول تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبرانى
  • كايرو آى سى تى عيد ميلاد تكنولوجيا المعلومات
  • تكنولوجيا في خدمة النساء.. منصات عربية للحد من العنف الرقمي المتزايد ضد المرأة
  • رئيس التنويع الاقتصادي: 5 مشروعات كُبرى تجسّد رؤية جهاز الاستثمار وتدعم مستهدفات "عُمان 2040"
  • القراءة سلاح للتقدم
  • وحدة دعم المرأة تطلق مبادرة للتوعية ضد مخاطر العنف الرقمي بألسن عين شمس