قوى الحرية والتغيير و”لا للحرب”: تبدأ الدعوة لوقف الحرب بوقف تصعيدها (1/2)
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
نبهت بريطانيا دون غيرها إلى الخطر على مآلات الحرب في السودان، الذي حملته سيطرة قوات "الدعم السريع" على بلدة ود عشانا بشرق ولاية كردفان في أول أيام أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
نعرض هنا لاستراتيجية موقع ود عشانا قبل تناول منطق المخاوف التي حذرت بريطانيا منها، فالبلد تقع على طريق كوستي – الأبيض، ثم دارفور، وهو الشريان الرئيس للنقل التجاري ما بين ميناء بورتسودان على البحر الأحمر إلى كردفان ودارفور عبر الخرطوم أو مدينة مدني في الجزيرة.
يمكن لسيطرة "الدعم" على ود عشانا قطع ما بين الميناء وسائر الغرب السوداني، خصوصاً بعد سيطرته على مدينة أم روابة كبرى مدن شرق كردفان على بعد 50 كيلومتراً غرب ود عشانا، وهو الطريق الذي تنقل من عليه المساعدات الإنسانية إلى دارفور حالياً بحراسة قوات من واليها أركو مناوي.
جاء الهدف من السيطرة على ود عشانا في بيان رسمي لـ"الدعم السريع"، حيث وصفها بأنها "آخر حامية حدودية (للقوات المسلحة) مع النيل الأبيض. فبات الطريق ممهداً إلى مدينة كوستي وجميع المحاور للقضاء على الفلول (الإسلاميين)"، وبسط الحكم المدني والديمقراطي.
متى دخل المرء ميناء كوستي النهري على النيل الأبيض انفتحت السبل أمامه لولايتي النيل الأبيض والجزيرة مأوى الألوف من مهجري الخرطوم، وهذا السيناريو في تصعيد الحرب من قبل "الدعم السريع" هو ما أزعج بريطانيا لوهلة، ثم صمتت عن الكلام.
وهكذا جاءت السيطرة على ود عشانا بمفهوم التصعيد إلى خطاب حرب اكتفت أطراف مدنية فيها مثل قوى الحرية والتغيير (قحت) بمطلب وقف الحرب.
التصعيد منعطف في الحرب موكل بمثل "قحت"، طالما التزمت الحياد واستعصمت بـ"لا للحرب"، أن تقف على أمشاطها دون وقوعه. فلا وقوف للحرب وهي تستشري في مناطق توسمنا فيها أمن من نزحوا إليها في انتظار نهايتها للعودة إلى ديارهم.
هؤلاء المهجرون أمانة في عنق داعية وقف الحرب، فلم يقل مثله لا في وجه الحرب حيال من قال نعم إلا شفقة بالخلق السودانيين يتكبدون حرباً لا ناقة لهم فيها ولا بعير ضحية جنرالين استبدت بهم شهوة الحكم. وود المرء لو جعلت قحت تصعيد الحرب خارج نطاق الخرطوم أكبر همها.
فلو كان لقوى لا للحرب حضور لاستنقذت مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان ربما مما حاق بها على يد "الدعم السريع"، أو لطفت منه، فقد سيطر "الدعم" على المدينة ثم تنازع مع أهلها وتفاوضوا معه فقبل بالانسحاب منها، ثم عاد "الدعم السريع" ليبسط سيطرته عليها في يوم 14 سبتمبر (أيلول) بعد انسحاب الجيش منها.
قالت المصادر إن المدينة عاشت بعد عودة "الدعم السريع" فوضى عارمة، وعمليات نهب واسعة النطاق، وإرهاب للمواطنين، فتم تحطيم معظم المحلات التجارية في السوق الجنوبية من المدينة ونهبها إلى جانب اعتقال بعض المواطنين انتقاماً لتعاطفهم مع القوات المسلحة في أثناء دخولها المدينة.
وأشارت المصادر إلى إغلاق الأسواق والتزام معظم المواطنين منازلهم خوفاً من الاعتداء عليهم في حين دعاهم "الدعم السريع" للعودة إلى عملهم وفتح العيادات والأسواق.
وواضح أنه ما كان بوسع المطالبين بوقف الحرب استثمار مثل فضاء التفاوض الذي انفتح بين "الدعم" والمدينة لمنع تصعيد الحرب في مدينة غادرها الجيش بلا معركة وطوعاً.
ما استحق السؤال عنه هنا إن كانت الدعوة لا للحرب قد تحولت إلى طاقة سياسة وثقافية بإمكانها مناطحة وحوش الحرب وفرض إرادة السلم عليهما بصورة أو أخرى؟ والإجابة لا، فلا تجد للدعوة أثراً في الشارع تعبئ الناس لا حول معنى وقف الحرب فحسب، بل في تجاوز ويلات نقص الثمرات وسد الحاجات أيضاً.
حاولت "قحت" التظاهر في عطبرة أول أيام الحرب للضغط لوقف الحرب فذهب أحدهم ولم يجد أحداً في موضع الإعلان عنها فكتب "حضرت ولم أجدكم".
ولا تجد لقحت "تكية" (وهي الطعام المبذول للغاشي والماشي في عبارة سودانية) مثل التي يشرف عليها شيخ الأمين الصوفي على سكة القادرية بحي بيت المال بأم درمان بتفاهم ما مع الجيش و"الدعم السريع".
ولا تخرج قحت بخطة لتأمين التعليم الذي سدت أبوابه والحرب تتطاول، ولم تشرع في إدارة حملات للتبرع بالمال مع متخصصين في هذا الفن تجلت همتهم في دعم ثورة 2018 في وجوه منصرفها كله، ولا نعرف لها تنسيقاً مع منظمات الأطباء السودانيين في الخارج لسد خانات نقص الكادر البشري والدواء في حين تنهض هذه المنظمات طوعاً بما في وسعها.
جاء العوار لدعوة وقف الحرب لما خلت من الشوكة بالانغماس في سياسات ضحايا الحرب وسياساتهم ميدانياً، من جهتين، فمن جهة أفرغت ملكاتها ووقتها في الحجاج مع الإسلاميين، فما ذكرتهم إلا قلبت صفحات تظلمها منهم لعقود خلال الإنقاذ وقبل الإنقاذ، ويبلغ اجترار هذا التظلم من الإسلاميين حداً يدفع المرء للتساؤل عن متى سيتصالحون مع حقيقة أنهم هزموهم لخمس سنوات مضت هزيمة نكراء.
تقتضي الشفافية من "قحت"، متى اشتكوا مر الشكوى من عودة الإسلاميين للميدان السياسي، أن يتحلوا بالنفس اللوامة، فعودة الإسلاميين بالقوة التي ينسبونها لهم حتى حملوا الجيش ليشعل هذه الحرب تعليق سلبي كبير على أنهم لم يحسنوا إلى ثورتهم.
والعوار الآخر جاء لقحت من حس كثير من الناس أنها جانحة لـ"الدعم السريع" سراً في حين يقف الإسلاميون مع القوات المسلحة جهرة.
ونواصل
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع وقف الحرب لا للحرب
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تقول إن قوات الدعم السريع سودانية ارتكبت إبادة جماعية وتفرض عقوبات على زعماء الجماعة
يناير 7, 2025آخر تحديث: يناير 7, 2025
المستقلة/- قالت إدارة بايدن يوم الثلاثاء إن قوات الدعم السريع الشبه عسكرية السودانية ووكلائها يرتكبون إبادة جماعية في حرب أهلية مع جيش البلاد أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وفرضت عقوبات على زعيم المجموعة والشركات التابعة لها.
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن الصراع، الذي بدأ منذ ما يقرب من عامين ويعتبر أكبر كارثة إنسانية حالية في العالم، تصاعد إلى ما هو أبعد من جرائم الحرب والتطهير العرقي التي اتخذها في ديسمبر 2023.
وقال بلينكن إنه بناءً على تقارير أحدث، وجد أن مجموعة قوات الدعم السريع ترتكب إبادة جماعية.
وقال بلينكن: “استمرت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في توجيه الهجمات ضد المدنيين. قتلت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بشكل منهجي الرجال والفتيان – حتى الرضع – على أساس عرقي، واستهدفت عمدًا النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة للاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي الوحشي”.
وقال في بيان “إن نفس هذه الميليشيات استهدفت المدنيين الفارين وقتلت الأبرياء الهاربين من الصراع ومنعت المدنيين المتبقين من الوصول إلى الإمدادات المنقذة للحياة”.
تحديد الإبادة الجماعية ليس له أي تداعيات قانونية في حد ذاته، لكنه كان مصحوبًا بإعلان وزارة الخزانة أن زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو موسى، المعروف أيضًا باسم حميدتي، كان مستهدفًا للعقوبات بالإضافة إلى سبع شركات مملوكة لقوات الدعم السريع في الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك شركة تتعامل مع الذهب المهرب على الأرجح من السودان.
واتُهمت الإمارات العربية المتحدة، وهي حليف للولايات المتحدة، مرارًا وتكرارًا بتسليح قوات الدعم السريع، وهو الأمر الذي نفته بشدة على الرغم من الأدلة التي تشير الى العكس.
بدأت قوات الدعم السريع والجيش السوداني في قتال بعضهما البعض في أبريل 2023. وأسفر صراعهما عن مقتل أكثر من 28000 شخص، وأجبر الملايين على الفرار من منازلهم وترك بعض العائلات تأكل العشب في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة مع انتشار المجاعة في أجزاء من البلاد.
وتشير تقديرات أخرى إلى ارتفاع كبير في عدد القتلى في الحرب الأهلية.
وقال بلينكين إن تصميمه لم يكن يهدف إلى دعم أي من الجانبين في الصراع بل إلى تعزيز المساءلة عن جرائم الحرب وغيرها من الفظائع.
ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء أن قوات الدعم السريع مسؤولة بشكل مباشر عن الموقف.