لكل شروق زمن ومشرق – من أدب الرسائل
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
نعم فى كل لحظة وثانية زمن معين يمر على أماكن الأرض فيه الشمس بالحياة تشرق ، يتمطى من حرارة أشعتها الزهر والطير وأمواج المياه فى صبح جميل يملأ الأفق بهاه " الشابي" وتعود للناس روح الحياة من تخوم موتها الأصغر
وصلتني أمس رسالة آهدتني فيها المهندسة الزراعية تماضر " ابنة شقيقتي" زهورا جميلة وردية اللون تتفتح صباح كل يوم مشرق في هذه الأيام بحديقة منزلها في كندا وعنونت رسالتها " لنشرق كالشمس"
هكذا أجبتها هذا الصباح
الإبنة الحبيبة تماضر
نعم نحمد الله لكل شروق مشرق.
نعم للتفاؤل رغم الحالصل. أهديك هذه الخاطرة وقد اشرقت الشمس وانا وقتها كنت على أجنحة طائرة الجو أحلق "بين يدي الله متوكلاً" فوق جبال من سحب كثيفة منها ما هو كالحجارة الصماء وأخرى ممتدة أو هائجة أكوام تتلاطم كالعهن المنفوش، أكاد أفرق تضاريسها الجيوغرافية والهندسية ، رأيت فيها ما يشبه شوارع أكبر عواصم بلدان ألعالم ، أُخِذٰتُ بالتأمل مع تعجبي فسحرت أثناء ظهور خيوط الشمس الخافتة وقد بدأت تعانق أفق السماء البعيد وجدت نفسي ألملم كلمات من ينبوع الخاطر تدفقت بين يدي فأسرعت بجمعها وحفظها قبل أن تنفرط داخل أحد مواعين " الجوال" المضمونة. أهديك ما تيسر منها
تحياتي
خالك عبدالمنعم
" خاطرة جاءت فى ساعة صفاء وأنا على متن طائرة الخطوط الجوية البريطانية (لندن ـ ستكهولم) لكي ألحق صباح عيد الأضحى المبارك الموافق
26/4/2004
اليوم عندى مولد الغد المشرق
فيه الحياة حلوة
جنة فيها الخلائق كلها تحيا وترزق
وردها ينمو وفى الأرجاء عطره يعبق
كل الجمال جاء مخلداً بألوان
عليها تهافت و تعشق
وسحب السماء كالجبال تراكمت
مراكب الجو فيها تسبح بل تغرق
من الذى خلق ذاك من عدم
سوى الذى جاء كتابه واضحاً
كاملأً بالحق دوماً ينطق
خلق الحياة بقدر من طينة
خيراتها تنمو بل تتدفق
أسرارها إعجاز فهم و تكامل
يتقاصر دونها علم ومنطق
فلتبق يا حياة صبحاً باسماً
على مدى الأيام شمسه تشرق
ولك السلام غايات المنى
دائما ًسوداننا يا بلد يا مشرق
أمل الصغار الذى يتجدد
فى كنف أم عطفها يتدفق
ختاما عزيزي القارئ: تسعة سنوات مضت على دعائي للسودان بالسلام يعم أراضيه كلها وللأسف الأوضاع فى السودان تنحدر من سيء الى اسوا نحو القاع. متى وكيف تشرق شمس الحياة والسلام التي نرجوها ويرجوها كل مواطن شريف يخاف الله ويخاف على خراب وضياع الوطن الذي نشاهده بعيوننا وكاميرات العالم كله اليوم بكل أسف تشهد. لا عجب لم لا يدمر الوطن وينقلب ليله ونهاره الي جحيم حرب جدا مدمرة ومخربة ، وخصامات عنصرية وجهوية وفوضى تعم الأرجاء في جو ينعدم فيه الحكم والتدبير الراشد الأمين. لماذا كل الفشل وللأسف صار السودان يتحكم فيه أفقر خلق الله فكرا ومعرفة وتأهيلاً علمياً يبرر لهم الإنفراد بتولي حكم السودان أو التخطيط لسياسات ألدولة وبرمجتها حاضرها ومستقبلها نيابة عن المواطنين ؟ لا داعي لذكر الأسماء فكلهم معروفون وكاميرات الصحف والتليفزيون والأسافير تعج وتوثق بالصورة والصوت لأشخاص تعجب كيف صاروا وجهاء وحكماء القوم، وفي المثل لا يمكن تغطية السماء بالريش ويوم الحساب الحق ليس منه مفر ولا فتوى تنفع أو مفتي يأتي بعذر
drabdelmoneim@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
إلتمسوا الصفاء – مداخلة لمقال دكتور الخضر هارون
د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
الجمعة الفائتة العشرون من هذا الشهر ، طالعت أحد روائع أدبيات السفير الخضر هارون ، مقاله دعوة للصفاء وحلاوة الإيمان في تذوق معطيات رحاب الطبيعة البكر (العنوان: إلتمسوا الصفاء وحلاة الإيمان في رحاب الطبيعة البكر) شدني هذا المقال خاصة وقد جاء في نهاية سنة كانت كئيبة وكبيسة ليس على الوطن السودان. فحسب وكل أبنائه البررة بل حزينة وكبيسة على كل أفريقيا والشرق الأوسط و سوف لن تندمل جراح تلك المنطقة لعقود طويلة قادمة ، للأسف إلا أن يكرمها الله بمعجزة تتنزل من السماء
صدَر الدكتور الخضر هارون الحديث عن الجمال الذي يحيل الجماد إلى مخاطب حي كما ورد في القصيدة الشهيرة لأمير الشعراء أحمد شوقي في مخاطبة جبل التوباد على لسان قيس بن الملوّح في روايته "مجنون ليلي"، أذكر أننا حفظناها لجمال روعة الرسم بالكلمات فيها وكاننا قد صحبنا قيسا ومحبوبته ليلى ولعبنا معهما وبنينا الأربعا ونحن مراهقين ومرهفي الخيال في سنوات مضت بالمدرسة المتوسطة . أحببت أن أضمنها هنا لجمال الشعر ونبض الروح فيها الذي لا يموت؛
جبــل التوبــاد حيــاك الحيـا
وســقى اللــه صــبانا ورعــى
فيـك ناغينـا الهـوى فـى مهـده
ورضـــعناه فكنـــتَ المرضــعا
وعلـــى ســـفحك عشــنا زمنــا
ورعينـــا غنــم الأهــل معــا
وحــدونا الشــمس فــى مغربهـا
وبكرنـــا فســبقنا المطلعــا
هــذه الربــوة كــانت ملعبــا
لشـــبابينا وكـــانت مرتعـــا
كــم بنينـا مـن حصـاها أربعـا
و انثنينــا فمحونــا الأربعـا
وخططنـا فـى نقـى الرمـل فلـم
تحفــظ الريـح ولا الرمـل وعـى
لــم تــزل ليلـى بعينـى طفلـة
لــم تـزد عـن أمـس إلا أصـبعا
مـــا لآحجـــارك صـــما كلمــا
هـاج بـى الشـوق أبت أن تسمعا
كلمــا جئتــك راجعــت الصــبا
فـــأبت أيـــامه أن ترجعـــا
قــد يهــون العمــر إلا سـاعة
وتهـــــون الارض إلا موضـــــعا
أما الحديث عن جمال الخلق في السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والدعوة للتفكر فيه فقد ورد كثيرا في القران لأن في ذكره آيات لؤلي الألباب الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض. وأيضاً في كتاب الله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ البقرة (164)
أود هنا الحديث عن تجربة شخصية في عالم تذوق الجمال الذي أصفه بذلك الطيف الحاضر وغائب عندنا لكننا برغم ذلك كلنا نعيشه كل لحظة وكل ساعة وكل يوم لكن في زحمة الحياة لا نعيره إلا في سوانح قليلة من مجالس طرب تجمع أو أثناء رحلات ترفيهية قلما يجود بها زمننا هذا الصعبة ومتواترة مستجداته.
أذكر أنني في سنوات مضت كنت ضيفاً مدعواً على قناة النيل الأزرق في برنامج مساء جديد. حاولت ان ألفت من خلاله نظر القائمين على تخطيط المدن وإدارة شؤون البلديات وأسهبت في تعديد الأماكن الجميلة التي تكتنفها العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاثة ولكن لسوء التخطيط وتعدد المسؤلين الذين يتم تعيينهم سياسياً وليس مهنياً ويتغيرون بسرعة حسب الطلب وهوى الحاكم الذي نفسه لا يختلف عن من يختارهم فكلهم من اصل قروي قح ، جلف، لا ذائقة يتمتعون بها تميزهم لذلك نجد قبحاً من ستار تستتر خلفه أروع المناظر الطبيعية التي هي الحمدلله والشكر لله نعمة حباها الله لهذا الوطن العظيم لكنها لم تجد عين ويد مسؤول يكون فنانا وشاعرا مثالا يتذوق الجمال فيترجم حتى ما وراء خيال جمال تلك المواقع إلى مشاهد حقيقية وحية تشجع السياحة العالمية والمحلية لزيارة تلك المواقع الفريدة من وطننا الجميل. وما مقرن النيلين إلا بركة علينا يا أحباب وهبة النيلين يلتقيان في حب وعناق أبدي، علينا أن نعضّ عليه بالنواجذ ونستثمره لقرون تأتي بعدنا وليس بأحد مشاريع "صبق الجوع" كما ورد في المثل الشعبي. المثل يعني "إتخاذ خطط عشوائية إسعافية سريعة " لكنها تفتقر دراسة النوعية والجودة و الإستدامة والنماء الواعي وواعد
كذلك أذكر أنني سؤلت لماذا أرسم او أصور بالكاميرا وهل هناك علاقة بين المهنة والهوايات ؟ أختصر هنا إجابتي على سؤال ذلك اللقاء كما هو أدناه:
تحدثت عن مجمل تنوع الوسائل الفنية وتقنية :
الفن التشكيلي ( الرسم، التلوين،التصميم، الخزف، النسيج،الخط، التصوير، الشعر، الموسيقي بأنواعها وفن الغناء والتطريب)
كلها تستعمل من زمان قديم مضى وحالياً التطبيق لتلك الفنون الوارد وهام نعيشه في إستعمال تقنيات التواصل الحديثة من تليفزيونات وإذاعات وتيليفونات وانترنيت أو فى الدعايات والإعلانات التجارية والثقافية ووسائل التدريس
السمات الجمالية نشاهدها علي الطبيعة كل يوم نعيشها بداية فى بيوتنا وفي شكل وتنوع الإنسان في الشارع والمواقف والمواصلات والمكاتب والأسواق وفي شكل الأشجار والنباتات والحيوانات والطيور والحشرات والزواحف وفي تعدد أشكال المعمار ( مهما كان نوعه سواءاً في البدو أو الحضر)
الفنون في السودان: قديمة قدم العصور ( آثار الحضارات المروية وغيرها )
الفنون الحديثة بدأت في السودان خلال الأربعينات من القرن الماضي ( تأثيث بخت الرضا)
ظاهرة فن القهاوي ( مثلاً لوحات تجمل قهوة الزئبق بالخرطوم )
تأثيث كلية الفنون الجميلة
بعثات طلابها إلي لندن، مثلاً أحمد شبرين، إبراهيم الصلحي، مجذوب ربَّاح وكملا إسحق ( عودتهم وظهور مدرسة الخرطوم لشبرين والصلحي ومدرسة الواحد لأحمد عبدالعال)
تأثير تاريخ الفنون في أروبا ( عصر النهضة)
علاقتي بالفنون
ولدت معي وأنا طفل قد إكتشفتها حولي فى كل شيء
المؤثرات: البيئة ومحور الطفولة وتأثير الأحاجي وقصص العامة والفنون الشعبية والتراثية من حرف يدوية في بربر ( خزف وجلد وصناعة القفاف والطباق والعتانيب وطواقي المنسج ونسيج الثياب عند أقباط المدينة) ومزارع وبساتين وطيور موسمية وتغيرات الفصول والمناسبات كالأعراس والأعياد والمولد النبوي
دور المدرسة الأولية: جداً كان مؤثراً ( حصص الأعمال اليدوية ووسائل التدريس من رسومات وكتب ملونة وتعليم الخط )
دور المدرسة الثانوية: تدريس مادة الفنون كمادة تعليمية وتثقيفية مرتين كل أسبوع
تأثير الإختلاط المباشر حسب العلاقة الأسرية التي تربطني مع أساتذة الفنون ( شبرين ورباح)
عامل آخر وهو حبي للسفر والمطالعة ( المجلات المصرية المصورة، مجلة العربى والدوحة سابقاً)
عامل المجهود الشخصي: إقتناء كتب ودوريات تقنية الرسم والتلوين والتصوير الفوتوغرافي
الإشتراك في ورش تصوير وتلوين وعضويات فنية
زيارة المتاحف والمعارض الفنية وأماكن بيع اللوحات وأدوات الفنون
المداومة علي الرسم وأثر تشجيع أهل الفن بعد مشاهدتهم أعمالي
هكذا وجدت نفسي قد ولدت وأنا أرسم وألون تارة في الخيال وأخري في عالم الواقع المحسوس
أما علاقة الفنون بالطب أيضاً كل طبيب يعايشها كل يوم أثناء فترة عمله لأن
الإعتماد عليها مستخدما وأساسيا في وسائل التدريس و التشخيص الإكلينيكيّ والبحوث العلمية (الأشعة والمناظير والموجات الصوتية وعلوم المختبرات وحتى تطبيقات الطب الشرعي وتوثيق الجرائم وآثار الحروب والكوارث الطبيعية والأخرى )
الفنون وبراعة التصميم عامل جداً مهم في تبسيط وسرعة نقل المعلومة للمريض لكي يفهم مباشرة المقصود من الفحوصات أو نتائج التشخيص أو نوع العملية الجراحية التي قد تجرى عليه إذا وافق على إجرائها. كل ذلك الشرح عن طريق الصور أو البروشورات يتم فهمه بسهولة
التأثير المباشر علي الطبيب الفنان فى ذوقه وفي مظهره العام وطريقة تعامله مع مرضاه و نجاحه فن التشخيص السليم واختيار العلاج المناسب وحتى الإرتقاء بفن التعامل الراقي مع مرضاه ( لا فائدة من مراجعة طبيب لا رحمة عنده عابسا وجهه في وجوه مرضاه أو أقاربهم). ممارسة التشكيل أو الفنون الأخرى كالموسيقيّ أو الرياضة تجلب راحة نفسية للطبيب وغيره من جراء عناء ضغوط المهنة ومسؤلية تلك المهنة الإنسانية المهمة وجدا المفروض تكون نزيهة وشرعية شريفة
وختام المسك روعة متعة تذوق الجمال المطلق في كل صنوف الإبداع والحياة التي نعيشها هي نعمة عظيمة على كل من أكرمه الله بها وخصه بها. رحم الله إليا أبو ماضي في قصيدته الهادفة ورائعة ؛ "
أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ
كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا
إِنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأَرضِ نَفسٌ
تَتَوَقّى قَبلَ الرَحيلِ الرَحيلا
وَتَرى الشَوكَ في الوُرودِ وَتَعمى
أَن تَرى فَوقَها النَدى إِكليلا
هُوَ عِبءٌ عَلى الحَياةِ ثَقيلٌ
مَن يَظُنُّ الحَياةَ عِبءً ثَقيلا
وَالَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ
لا يَرى في الوُجودِ شَيئاً جَميلا"
وختامها: " أيها الشاكي وما بك داء
كن جميلاً ترى الوجود جميلا "
drabdelmoneim@gmail.com