جمال بن ماجد الكندي  

ما أشبه اليوم بالبارحة، اليوم الذي كتب فيه الجيش المصري مع الجيش السوري في السادس من أكتوبر عام 1973 بدمائهم الطاهرة حروف العزة والكرامة، واستعادوا مواقع مهمة احتلها العدو الإسرائيلي في عام 1967. وبعد 50 سنة يعيد رجال الله في فلسطين ما قام به الجيش المصري في معركة رد الاعتبار عام 1973، باجتياز خط "برليف" المنيع وبدء معركة تحرير الأرض ورد الاعتبار بعد هزيمة 1967.

اليوم رجال المقاومة في فلسطين بقيادة كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس يعيدون التأريخ من جديد، ويذكرونا بملحمة حرب أكتوبر المجيدة، من خلال ما قامت به المقاومة الفلسطينية صبيحة يوم 7 أكتوبر عام 2023 أي بعد 50 سنة من معركة الكرامة، لتنطلق هذا العام "طوفان الأقصى"، فهي من أجل الأقصى ردًا على الانتهاكات المتكررة من قبل المستوطنين على الأقصى الشريف، وطبعًا هناك رسائل عسكرية وأمنية وسياسية أرادت قوى المقاومة في غزة إيصالها للعدو الإسرائيلي من خلال هذه العملية.

لن نقف على أعداد القتلى والأسرى الإسرائيليين في هذه العملية؛ فالإعلام الصهيوني متكفل بذلك، ويقوم بنشر حصيلة متجددة على مدار الساعة، وإلى ساعة كتابة هذا المقال وصل عدد القتلى الإسرائيليين إلى 600، وتجاوز الجرحى 2000 جريح، وبعض القتلى من كبار ضباط الجيش والشرطة الإسرائيليين، وهذا الرقم أول مرة يتكرر منذ حرب 1973 وله دلالات كبيرة تقرأ عن السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، فما تحقق هو إنجاز كبير سوف يؤسس لقاعدة جديدة في الاشتباك العسكري والحوار السياسي.

من هنا يظهر التشابه مع ما حدث في حرب 1973، وما حصل في "طوفان الأقصى" في أمرين؛ الأول ممارسة الخداع الاستراتيجي ضد الجيش الإسرائيلي، ففي معركة 1973 كان العدو يتلقى الإشارات الخاطئة بأنَّ الجبهة المصرية لن تخوض معركة في الأفق القريب، ولكنه تفاجأ ببدء المعركة من قبل الجيش المصري واجتياز "خط برليف".

وفي غزة، تكرر السيناريو نفسه إذ تفاجأ الجيش الإسرائيلي بعملية طوفان الأقصى، فكانت عملية استباقية لم تحدث من قبل، فما تعودت عليه إسرائيل في حروبها مع المقاومة الفلسطينية أن يبدأ الفعل منها، ورد الفعل يكون من جانب المقاومة الفلسطينية، ويتدخل بعدها الوسطاء لوقف إطلاق النار، وما حدث هو خداع استراتيجي جُرَّتْ إليه إسرائيل، فكما كان في حرب 1973 بعدم توقع الهجوم المصري، كذلك في طوفان الأقصى لم تكن تتوقع ما سيحصل لذلك كانت الخسائر كبيرة في صفوف الجانب الإسرائيلي.

الأمر الثاني هو تفاخر إسرائيل بقوة "خط برليف" المنيع والذي دُكَّ وأصبح في خبر كان بيد أبطال الجيش المصري في حرب 1973، واليوم كذلك في طوفان الأقصى أبطال المقاومة الفلسطينية يدخلون مستوطنات غلاف غزة التي كان يتباهى الإسرائيلي بقوة ومنعة جدارها وأسلاكها الشائكة والأنظمة الإلكترونية التي تحميها، ولم يتوقع يومًا أن يكون الهجوم عليها في وضح النهار، ومن فوق الأرض وليس عن طريق الأنفاق.

إسرائيل في صدمة بعد معركة طوفان الأقصى، وصدمتها في جرأة هذه العملية، وفي حصيلتها المفزعة التي أربكت الإسرائيلي وشلت تفكيره، فالمشاهد التي تبث لجنود إسرائيليين بين قتلى وجرحى وأسرى تثبت أن هذا الجيش المتغطرس أوهن من بيت العنكبوت، وبفشل منظومته الاستخبارية وهو ما ذكره بعض المراقبين داخل إسرائيل عبر وسائل إعلامهم..

معركة طوفان الأقصى أسست لنتائج مهمة تكتب للمقاومة الفلسطينية، إذ غيرت في قواعد الاشتباك السابقة بالوصول إلى مستوطنات غلاف غزة، وبنت بذلك معادلة الردع الاستراتيجي التي يعلم الإسرائيلي ماذا تعني، خاصة بعد أن خاض معركة خاسرة في لبنان عام 2006، والتي أظهرت ضعف هذا الكيان أمام المقاومة اللبنانية، وأسست منذ ذلك التاريخ معادلة الردع العسكري وتغيير قواعد الاشتباك، وهو ما أوجدته معركة طوفان الأقصى، التي تمثل العبور الثاني بعد عبور "خط برليف". ومشاهد هذا العبور إلى غلاف غزة ستبقى عالقة في العقل السياسي والعسكري الإسرائيليين، وستكون لها تبعات جديدة في المنطقة هو ما سيغير من مدخلات المعادلة القديمة بأخرى جديدة يدركها جيدًا الإسرائيلي بعد أن تدخل الوساطات وتوقف معركة طوفان الأقصى وتجبر الإسرائيلي على التفاوض بالشروط الفلسطينية خاصة بعد الغنيمة الكبيرة التي غنمتها معركة طوفان الأقصى من أسرى إسرائيليين.

معركة طوفان الأقصى ستظل يومًا أسودَ في تاريخ الكيان الصهيوني؛ لأنها خرقت ما كانت تعتبره إسرائيل من المستحيلات، وأسست لمعادلة ردع جديدة مفادها "تضرب أضرب.. تدخل أدخل.. تأسر أأسر"، والرسالة وصلت، ولو كان ثمنها باهظًا باستشهاد أعداد كبيرة من رجال ونساء وأطفال فلسطين الغالية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التحقيقات الإسرائيلية في طوفان الأقصى تضع نتنياهو تحت الضغط

قال محلل سياسي فلسطيني للجزيرة نت إن التحقيقات الإسرائيلية بشأن طوفان الأقصى التي بدأت نتائجها في التكشف خلال الأيام الأخيرة من شأنها أن تضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحت الضغط، وتكشف عن أن حركة المقاومة الإسرائيلية (حماس) أعدت بشكل كبير لكل الاحتمالات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، قال الكاتب الفلسطيني إياد القرا إن النتائج التي يتم الكشف عنها تباعا ستؤدي إلى زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية للذهاب إلى تشكيل لجنة تحقيق، مما سيدفع نتنياهو في النهاية إلى الرضوخ لهذا الأمر.

فشل استخباراتي

وأوضح القرا أن الفشل الاستخباراتي في 7 أكتوبر، يدين جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، الذي فشل في اختراق حركة حماس على مدار سنوات طويلة بينما نجحت حماس في اختراق الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية.

وأضاف أن حماس تمكنت من جمع معلومات دقيقة حول مواقع الجيش، والرتب العسكرية للضباط والجنود، وأماكن وجودهم، وأيام دوامهم، وهي المعلومات التي استخدمتها في تحضير وتنفيذ هجوم 7 أكتوبر.

ويعتبر القرا أن تأخر الجيش الإسرائيلي في اكتشاف وجود المقاتلين في مناطق بعيدة عن القطاع، يدل على أن مقاتلي حماس كانوا على دراية دقيقة بمسار الطرقات والشوارع والمواقع العسكرية، ومواقع الأفراد والأشخاص فيها.

إعلان

وقال القرا إن الأيام المقبلة قد تشهد المزيد من الصدمات على الجيش الإسرائيلي، حيث لم يكشف حتى الآن سوى 10% من حقيقة ما حدث في 7 أكتوبر، مؤكدا أنه من الواضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلي عجز عن الاستعداد لمثل هذا الهجوم، رغم أن ساحة قطاع غزة كانت دائما ساحة ساخنة، وعوضا عن ذلك، اعتمد الاحتلال بشكل أساسي على الجدران والأسلاك لحمايته، دون اتخاذ تدابير إضافية.

إعداد كثيف ودقيق

في الوقت نفسه، أشار القرا إلى أن حركة حماس أعدت بشكل كبير ودقيق لكل الاحتمالات، سواء كان نجاح 7 أكتوبر أو فشله في حالة التنفيذ. ولذلك، زجت بأفضل عناصرها من المجموعات النخبوية، وهم نخبة المقاتلين الذين تم إعدادهم لسنوات طويلة بشكل عسكري دقيق.

ورغم إعلان حماس في مراحل مختلفة عن تشكيل مثل هذه النخبة، فإن إسرائيل لم تحلل هذه المعلومات جيدا.

وفي مقابلته مع الجزيرة نت أوضح القرا أن التحقيقات كشفت تفاصيل عمليات الاقتحام، خاصة هروب الجنود في موقع ناحل عوز وتركهم للمجندات في مواقعهن، إضافة إلى الامتناع عن مهاجمة الضفادع البشرية التابعة لكتائب القسام، كما أن المدنيين الإسرائيليين والمستوطنين في محيط غلاف غزة تركوا دون حماية، وهو ما تكرر في منطقة كفار عزة.

وقال إن التحقيقات أظهرت استهداف 25 كيبوتسا وموقعا عسكريا، بما في ذلك قواعد عسكرية تبعد أكثر من 25 كيلومترًا عن قطاع غزة، مثل قاعدة نيريم، وقاعدة 8200، وقاعدة أوريم التي تمكن مقاتلو حماس من دخولها وقتل الضباط والجنود فيها.

وأضاف أن جنود الاحتياط الإسرائيليين نشروا مؤخرا تحقيقات حول ما حدث في موقعي كفار عزة وناحل عوز، والتي كشفت فشلا كبيرا للجيش الإسرائيلي.

ونتيجة لذلك، اضطر وزير الدفاع الإسرائيلي للمطالبة بأن تكون التحقيقات مباشرة من خلاله، بينما طلب رئيس الحكومة وقف هذه التحقيقات أو عدم نشرها إلا من خلال لجنة يشكلها نتنياهو، أو على الأقل يطلع على نتائجها مسبقا.

إعلان

وأكد القرا أن هذه النتائج كارثية بالنسبة لنتنياهو، وسيحاول منع نشرها، نظرا لأنها تؤثر بشكل مباشر على عائلات الجنود الذين قتلوا في المواقع العسكرية.

وقال إن هناك مطالبات متزايدة من قبل عائلات الجنود لإجراء تحقيقات واسعة، حيث يتهمون الجيش الإسرائيلي بعدم تأهيل المواقع العسكرية لمواجهة مثل هذه الهجمات.

مقالات مشابهة

  • «حماس»: سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال امتداد لحرب الإبادة ضد غزة
  • حماس: سياسة التجويع هي امتداد لحرب الإبادة التي شنها العدو ضد غزة
  • تحقيقات جيش الاحتلال تكشف تفاصيل تصدم الإسرائيليين عن معركة نتيف هعسرا في هجوم “طوفان الأقصى”
  • تحقيق “الشاباك” يكشف الإخفاقات الكبرى قبل ملحمة طوفان الأقصى
  • التحقيقات الإسرائيلية في طوفان الأقصى تضع نتنياهو تحت الضغط
  • بينهم أسيرة محررة في “طوفان الأقصى”.. قوات العدو تعتقل عدة فلسطينيين بالضفة
  • بالتفصيل.. الجيش الإسرائيلي يكشف خبايا معركة 7 أكتوبر
  • الجيش الإسرائيلي يقر بفشله في حماية مستوطنة كفار عزة
  • شاهد | بعد ربع قرن.. الحاج صدقي يذوق طعم الحرية في أجواء رمضان مع عائلته في الخليل
  • مكتسباتُ معركة “طوفان الأقصى”