DW عربية:
2025-03-03@23:38:51 GMT

مهاجرون عالقون.. "اعتقدت أنه بإمكاني بناء مستقبلي"

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

فينتيمليا على الحدود الايطالية الفرنسية

تصد فرنسا يوميا نحو 200 مهاجر باتجاه إيطاليا من منطقة الحدود الجنوبية بين البلدين. يعود المهاجرون إلى فينتيميليا، المدينة الإيطالية القريبة على الحدود، وآخرون يتوافدون إليها إما عبر المدن الإيطالية الأخرى قادمين من جزيرة لامبيدوزا، أو عالقين فيها بعد رحلات طويلة عبر بلدان أوروبية بدءا من منطقة البلقان، ويأملون جميعا الوصول إلى دول أوروبية أخرى.

 أعداد المهاجرين  في المدينة تصل إلى 400 يوميا حسب المنظمات، خلال هذه الفترة. وهذا العدد متغير لأن هناك من يغادر فورا ومن يبقى شهورا. وتنشغل المنظمات المحلية وأفراد من المجتمع المدني بتقديم المساعدة للمهاجرين العالقين، خصوصا أنه لا يوجد مركز مخصص لاستقبالهم، وكون المدينة حدودية، فالغالبية العظمى من  المهاجرين  يتخذون منها فقط محطة للعبور ولا يريدون البقاء فيها.

وعلى رأس هذه المنظمات تأتي "كاريتاس" التي تحتضن في مبناها خيمتين لـ"أنقذوا الطفل"، وتعد نقطة ارتكاز للخدمات التي تقدمها المنظمات الأخرى كـ"أطباء بلا حدود" و"أطباء العالم".

يصطف المهاجرون بين الساعة التاسعة صباحا والحادية عشر لتناول وجبتهم الصباحية على دفعات لأن القاعة المخصصة في الطابق العلوي لا تتسع لهم جميعا في نفس الوقت. يعمل في المنظمة الخيرية متطوعون دائمون ومؤقتون. من بينهم مهاجرون أيضا يساعدون في تنظيم وجبات الطعام ويعيشون في المكان.

"معجبان بشخصيته وإصراره"

ومنذ 2017، يصر ألكساندرو على الطهي للمهاجرين، حتى خلال فترة انتشار فيروس كورونا، لم يوقف مهمته، يشير إلى ذلك باحترام المتطوعون من حوله. ماتيو وصديقته قدما من روما لبضعة أيام فقط قبل بداية الفصل الدراسي لمساعدة ألكسندرو، من جهة لأنهما "معجبان بشخصيته وإصراره"، ومن جهة أخرى "نظرا لما نسمعه في وسائل الإعلام من   تأزم الوضع بشأن المهاجرين".

ترتكز "كاريتاس" على الهبات والتبرعات لتوفير الملابس، "ما يجعل هذه الإمكانية متغيرة كل يوم حسب ما نتلقى منها"، وفق مدير المنظمة كريستيان بابان الذي أكد أن "عبور المهاجرين يأخذ وقتا أكثر هذه الأيام، لذلك يعلقون في المدينة لفترة أطول". يقول موظف لدى المنظمة إنه في الأسبوعين الأخيرين "استقبلنا أكثر من 1700 شخص وليس سهلا علينا توفير كل المستلزمات". ويقدم المركز خدمات طبية كما يوفر وسطاء مترجمين إلى لغات عدة.

مهاجرون ينجمعون في فينتيميليا تحت جسر كبير حيث يحصلون من متطوعين على وجبات طعام

وهذه ليست المرة الأولى التي يزيد فيها الضغط على المنظمة الإغاثية، ففي عامي 2016 و2017، وصلت أعداد المهاجرين إلى 600 أو 700 يوميا. ويؤكد بابان أن "معظم الواصلين إلى المدينة يمرون إلى المركز، وأن ذوي البشرة الملونة أو غير السوداء سرعان ما يغادرون خصوصا عبر القطار لأن حظوظهم أوفر بعدم إنزالهم، أعرف أنه ليس جميلا قول هذا لكنه الواقع. فيما يسلك ذوي البشرة السوداء طرقا أكثر خطورة عبر الطريق السريع أو الشاحنات ويعلقون فترات أطول في المدينة".

ويشير كريستيان بابان أيضا إلى مسألة فتح مركز رسمي من قبل السلطات، قائلا: "كان هناك مركز في المدينة وأغلق قبل ثلاث سنوات. تسود فكرة أن وجود مكان مخصص  للمهاجرين  يشجع مجيئهم لذلك لا يريد محافظ المنطقة تخصيص مركز لهم. يريد استقبالهم بشكل متفرق. أي مركز للنساء والأطفال وآخر للقصر وآخر للرجال، لكن هذا يفرق العائلات ولا يغير من الأعداد والواقع".

ويتزايد أيضا في المدينة توافد "نساء وعائلات من غينيا وساحل العاج، أحيانا مع رضع، بشكل ملحوظ اعتبارا من بداية العام"، حسبما أكدت سيليفيا دوناتو منسقة "أنقذوا الطفل". والنساء والأطفال الصغار عموما بحال أفضل خصوصا أن السلطات الإيطالية قررت تمويل مركز لهم تحت إدارة "كاريتاس" بقرب مبناها الرئيسي، يتسع لنحو 30 شخصا.

مختارات لماذا أضحى المغرب بلد وجهة لا عبور للمهاجرات الأفريقيات؟ عبر اتفاقيات مع دول الجنوب .. دول أوروبا المتوسطية تنسق لمواجهة أزمة الهجرة

وبالقرب من من موقف ضخم للسيارات تحت جسر فياتندا، توزع منظمة "أطباء العالم" وجبات مسائية ثلاثة أيام في الأسبوع، اعتبارا من الساعة السابعة .

من بين الجالسين المنتظرين وجبة العشاء زكي*، الذي يرى أنها حالة استثنائية بالنسبة للمهاجرين. وزكي مهندس كهرباء من السودان، عمل في سفينة تم بيعها ما تسبب بإلغاء عقد عمله وتسريحه. يقول زكي إن "مصر تحتاج إلى فيزا، فوجدوا لي فيزا إلى جنوب السودان، لكن الوضع هناك أسوأ من السودان، لا أستطيع أن اذهب إلى مصر ولن أتمكن من زيارة أهلي الذين نزحوا إلى بورتسودان وإلى ولايات أخرى. سألت إن كان ممكنا البقاء في مالطا فقيل لي يحتاج اللاجئون فيها وقتا طويلا للحصول على أوراق. وهدفي هو العمل بسرعة لأنني أتكفل بعائلتي، نزلت من الباخرة يوم 20 أيلول/سبتمبر، وأفضل الوصول إلى بلد أستطيع فيه العمل بسرعة بمجال هندسة الكهرباء أو كبحار، مثل بلجيكا أو هولندا، خصوصا أن الإجراءات فيهما أسرع".

أحمد* الذي خاض رحلة طويلة بدأت عام 2019، جزء طويل منها كان في الدول الأفريقية، وانتهت في تونس وصولا إلى لامبيدوزا. أشاد خصوصا بتونسيين "ساعدونا كي نأكل بقدر استطاعتهم"، قبل أن يركب القارب الحديدي وسط أمواج وصلت إلى علو مترين، ما استدعى إنقاذهم ونقلهم إلى الجزيرة الإيطالية.

مرة واحدة في اليوم يحصل المهاجرون لاسيما من إثيوبيا واريتريا والسودان على وجبة طعام

موقف سيارات.. مكان النوم والتجمع الرئيسي

في موقف ضخم للسيارات تحت جسر فياتندا، اتخذ المهاجرون   مكانا رئيسيا للنوم والتجمع  لإمضاء الوقت. مكان يطلق عليه المهاجرون اسم "القبري" فيما بينهم، ويتحدثون عنه كنقطة مشتركة تجمعهم.

وحول الحالات الصحية التي تواجه فريق "أطباء العالم"، يقول الطبيب مصطفى بن لبهيلي والطبيبة ماريا كريستينا، أثناء تواجد عيادتهم المتحركة بالقرب من نقطة توزيع الوجبات المسائية، إن "بعض المهاجرين يعانون من مشاكل جلدية بسبب المكان الذي ينامون فيه أو أخرى عضلية بسبب المشي لمسافات طويلة. لكن الحالات الأصعب هي لمن تعرضوا للتعذيب في ليبيا خلال رحلاتهم السابقة أو في تونس. يتم فرز سريع للواصلين إلى لامبيدوزا، ولا يأخذون منها إلا الحالات الطارئة جدا، أما الباقي فلا يقدمون لهم أي عناية، كما يتغاضى بعض المهاجرين عن آلامهم بانتظار وصولهم إلى وجهتهم حيث أن أولويتهم فقط الطعام".

ويضيف بن لبهيلي إن "نحو 30 مهاجرا علقوا في المدينة منذ سنوات، وأصبحوا كحوليين بعد محاولاتهم اليائسة العبور إلى فرنسا".

لا ينحصر تواجد المهاجرين في مكان واحد أو اثنين في المدينة، بل يتناثرون في أماكن أخرى وخصوصا قرب مطعم لاغروتا المطل على البحر، في نقطة يصب فيها أيضا نهر لارويا الذي يقسم المدينة إلى شطرين. ويجلسون أيضا على شاطئ هذا المطعم الواسع، بعضهم يطهون الطعام ويقولون إنهم عالقون منذ أشهر. بعضهم يبتعدون أكثر عن الأعين ويبدلون ثيابهم، وآخرون يستحمون أو يستريحون قرب شجرة للاستظلال بها من حر الشمس.

هاجرون من "بلدان آمنة"

بعض المهاجرين لا يتلقون المساعدة من أي جهة ولا يأتون إلى "كاريتاس" لتأمين الوجبات الغذائية، كحال *سليم، 35 عاما، من الجزائر، والذي كان يجلس مع صديق له من المغرب في ظل شجرة على الشاطئ.

يقول سليم إنه "عالق في أوروبا منذ أربع سنوات" وإنه يتدبر طعامه من المحال التجارية، فيأكل "بداخلها دون الخروج مع أي شيء أو دفع أي مبلغ". يضيف "تنقلت بين دول أوروبية كثيرة ولم أجد عملا، وتعرضت للشتم كثيرا خصوصا في فرنسا، عوملت كالكلاب هناك، لا يحبوننا".

فينتيمليا الايطالية : طوابير المهاجرين لا تنقطع، لكن السؤال إلى أين وجهتهم وهل يتمكنوا من الوصول إليها؟

يقول صديقه الشاب المغربي ساخرا "أنا أسوأ منه، فبالإضافة إلى دول أوروبا الغربية، مررت بالكثير من بلدان أوروبا الشرقية وأضعت خمس سنين من عمري"، ويتساءل بغصة "مالذي فعلته بنفسي؟ صدقت أن بإمكاني بناء مستقبلي، لكنني لم أفعل شيئا سوى إضاعة الوقت". يتفق معه سليم ويضحك ساخرا من حالتهما قائلا "ربما نعود إلى البلاد، سيكون ذلك أفضل".

يخفف قليلا من  معاناة المهاجرين  العالقين في هذه الظروف متطوعون فرديون من جنسيات أوروبية مختلفة، لا يتبعون لأي جهات تمويلية. يحاولون تقديم المساعدة في بعض الحاجات الملحة وضمن استطاعتهم.

هذا حال مجموعة (PROGETTO 20K) التي توفر بشكل أساسي مكانا صغيرا فيه طاولتان كبيرتان وعليهما مقابس كهرباء. يفتح هذا المكان أربع ساعات فقط في اليوم ويقدم أيضاً بعض الألعاب، والأوراق والألوان. وتغص الجدران بالرسومات والعبارات.

ويسيطر هاجس الحدود على المهاجرين  في المدينة، ويُكتب على جدرانها في الكثير من الأماكن غرافيتي باللغة العربية والفرنسية والإنكليزية تشير إلى تعقيد مسألة الحدود، وارتباطها بأهدافهم ومستقبلهم. "لا حدود، لا مشاكل"، "إغلاق الحدود"، "حرق الحدود".

مهاجر نيوز

*أسماء مستعارة بطلب من المهاجرين.

رنا الدياب، موفدة مهاجر نيوز إلى الحدود الفرنسية الإيطالية

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: الحدود الايطالية الفرنسية المهاجرون طالبو اللجوء الحدود الايطالية الفرنسية المهاجرون طالبو اللجوء فی المدینة

إقرأ أيضاً:

ألمانيا تنشر نسب العمال المهاجرين.. أرقام ضخمة

كشفت إحصائيات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي في فيسبادن، الخميس الماضي، عن الدور الكبير الذي يلعبه الموظفون المنحدرون من أصول مهاجرة في العديد من القطاعات الاقتصادية الألمانية، حيث أظهرت البيانات أن هذه القطاعات كانت ستواجه صعوبات جمة في أداء مهامها دون مساهمة هؤلاء الموظفين.

وبحسب مسح التعداد السكاني المصغر لعام 2023، بلغت نسبة الموظفين من أصول مهاجرة في قطاع البناء والتطوير العقاري 67%، بينما وصلت النسبة إلى 51% في قطاع إنتاج الأغذية.

كما تجاوزت نسبة الموظفين المهاجرين المتوسط العام في مجالات مثل تركيب البلاط، قيادة الحافلات والشاحنات، وخدمات الضيافة.

وأوضح مكتب الإحصاء أن تعريف "الشخص ذي الخلفية المهاجرة" يشمل من هاجر شخصيًا إلى ألمانيا أو أحد والديه منذ عام 1950، مع استثناء الأشخاص المقيمين في مساكن جماعية. وجاءت هذه البيانات بناءً على مسح عينة شمل حوالي 1% من السكان في ألمانيا، حيث قدم المشاركون معلومات عن أنفسهم.

وفي المجمل، أفاد 26% من الموظفين في جميع القطاعات الاقتصادية بأنهم من أصول مهاجرة. وسجلت قطاعات مثل بيع المواد الغذائية (41%)، ورعاية المسنين (31%)، والتعدين (30%) نسبًا أعلى من المتوسط، وهي قطاعات تعاني من نقص حاد في العمالة وفقًا للوكالة الاتحادية للتشغيل.


من ناحية أخرى، انخفضت نسبة الموظفين من أصول مهاجرة في قطاعات مثل الإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي (10%)، والتأمينات (13%)، والخدمات المالية (15%)، والتعليم (17%).

"مستشفيات بلا مهاجرين"
وفي سياق متصل، أثارت الخطط التي تروج لها التيارات اليمينية المتطرفة في ألمانيا، والتي تدعو إلى ترحيل المهاجرين، قلقًا واسعًا في الأوساط الطبية. ويعود ذلك إلى الاعتماد الكبير للمستشفيات الألمانية على الكوادر الطبية المهاجرة، حيث يشكل الأطباء والممرضون من أصول أجنبية جزءًا أساسيًا من النظام الصحي.

وقد حذر خبراء من أن ترحيل هؤلاء المحترفين قد يؤدي إلى نقص حاد في الكوادر الطبية، مما يهدد جودة الرعاية الصحية المقدمة.

وردًا على هذه الخطط، انتشرت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر مستشفيات فارغة من كوادرها الطبية، بهدف تسليط الضوء على العواقب الوخيمة المحتملة لترحيل المهاجرين. وتأتي هذه الحملة في ظل صعود ملحوظ لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، الذي يروج لسياسات ترحيل جماعي للمهاجرين.


وفي 23 شباط/ فبراير 2025، أعلن زعيم تكتل المحافظين فريدريش ميرتس فوزه بالانتخابات التشريعية، بينما أقر المستشار أولاف شولتس بهزيمة حزبه "الديمقراطي الاجتماعي" الحاكم. وفي الوقت نفسه، حقق أقصى اليمين الألماني تقدّمًا ملحوظًا، حيث حلّ في المرتبة الثانية.

مقالات مشابهة

  • بطول 425 كم.. إسرائيل تنوي بناء جدار يفصلها عن الأردن والضفة الغربية
  • مهاجرن عالقون على منصة نفط قبالة سواحل تونس
  • مهاجرون في كاليفورنيا يخشون الترحيل بعد تهديدات ترامب
  • ماذا يعني تشكيل حكومة موازية في السودان؟
  • للمرة الأولى.. تشكيل مركز دراسات لأمن الحدود بين غرب وشرق ليبيا
  • لا حرب دون مصر ولا سلام أيضا
  • أمريكا تدفع بورقة طارق صالح في وجه صنعاء
  • ألمانيا تنشر نسب العمال المهاجرين.. أرقام ضخمة
  • مهاجرون إثيوبيون يتهمون حرس الحدود السعودي بارتكاب انتهاكات مروعة
  • التعليق الأول لـ زيلينسكي بعد اشتباكه مع ترامب.. فيديو