DW عربية:
2024-07-07@23:26:02 GMT

مهاجرون عالقون.. "اعتقدت أنه بإمكاني بناء مستقبلي"

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

فينتيمليا على الحدود الايطالية الفرنسية

تصد فرنسا يوميا نحو 200 مهاجر باتجاه إيطاليا من منطقة الحدود الجنوبية بين البلدين. يعود المهاجرون إلى فينتيميليا، المدينة الإيطالية القريبة على الحدود، وآخرون يتوافدون إليها إما عبر المدن الإيطالية الأخرى قادمين من جزيرة لامبيدوزا، أو عالقين فيها بعد رحلات طويلة عبر بلدان أوروبية بدءا من منطقة البلقان، ويأملون جميعا الوصول إلى دول أوروبية أخرى.

 أعداد المهاجرين  في المدينة تصل إلى 400 يوميا حسب المنظمات، خلال هذه الفترة. وهذا العدد متغير لأن هناك من يغادر فورا ومن يبقى شهورا. وتنشغل المنظمات المحلية وأفراد من المجتمع المدني بتقديم المساعدة للمهاجرين العالقين، خصوصا أنه لا يوجد مركز مخصص لاستقبالهم، وكون المدينة حدودية، فالغالبية العظمى من  المهاجرين  يتخذون منها فقط محطة للعبور ولا يريدون البقاء فيها.

وعلى رأس هذه المنظمات تأتي "كاريتاس" التي تحتضن في مبناها خيمتين لـ"أنقذوا الطفل"، وتعد نقطة ارتكاز للخدمات التي تقدمها المنظمات الأخرى كـ"أطباء بلا حدود" و"أطباء العالم".

يصطف المهاجرون بين الساعة التاسعة صباحا والحادية عشر لتناول وجبتهم الصباحية على دفعات لأن القاعة المخصصة في الطابق العلوي لا تتسع لهم جميعا في نفس الوقت. يعمل في المنظمة الخيرية متطوعون دائمون ومؤقتون. من بينهم مهاجرون أيضا يساعدون في تنظيم وجبات الطعام ويعيشون في المكان.

"معجبان بشخصيته وإصراره"

ومنذ 2017، يصر ألكساندرو على الطهي للمهاجرين، حتى خلال فترة انتشار فيروس كورونا، لم يوقف مهمته، يشير إلى ذلك باحترام المتطوعون من حوله. ماتيو وصديقته قدما من روما لبضعة أيام فقط قبل بداية الفصل الدراسي لمساعدة ألكسندرو، من جهة لأنهما "معجبان بشخصيته وإصراره"، ومن جهة أخرى "نظرا لما نسمعه في وسائل الإعلام من   تأزم الوضع بشأن المهاجرين".

ترتكز "كاريتاس" على الهبات والتبرعات لتوفير الملابس، "ما يجعل هذه الإمكانية متغيرة كل يوم حسب ما نتلقى منها"، وفق مدير المنظمة كريستيان بابان الذي أكد أن "عبور المهاجرين يأخذ وقتا أكثر هذه الأيام، لذلك يعلقون في المدينة لفترة أطول". يقول موظف لدى المنظمة إنه في الأسبوعين الأخيرين "استقبلنا أكثر من 1700 شخص وليس سهلا علينا توفير كل المستلزمات". ويقدم المركز خدمات طبية كما يوفر وسطاء مترجمين إلى لغات عدة.

مهاجرون ينجمعون في فينتيميليا تحت جسر كبير حيث يحصلون من متطوعين على وجبات طعام

وهذه ليست المرة الأولى التي يزيد فيها الضغط على المنظمة الإغاثية، ففي عامي 2016 و2017، وصلت أعداد المهاجرين إلى 600 أو 700 يوميا. ويؤكد بابان أن "معظم الواصلين إلى المدينة يمرون إلى المركز، وأن ذوي البشرة الملونة أو غير السوداء سرعان ما يغادرون خصوصا عبر القطار لأن حظوظهم أوفر بعدم إنزالهم، أعرف أنه ليس جميلا قول هذا لكنه الواقع. فيما يسلك ذوي البشرة السوداء طرقا أكثر خطورة عبر الطريق السريع أو الشاحنات ويعلقون فترات أطول في المدينة".

ويشير كريستيان بابان أيضا إلى مسألة فتح مركز رسمي من قبل السلطات، قائلا: "كان هناك مركز في المدينة وأغلق قبل ثلاث سنوات. تسود فكرة أن وجود مكان مخصص  للمهاجرين  يشجع مجيئهم لذلك لا يريد محافظ المنطقة تخصيص مركز لهم. يريد استقبالهم بشكل متفرق. أي مركز للنساء والأطفال وآخر للقصر وآخر للرجال، لكن هذا يفرق العائلات ولا يغير من الأعداد والواقع".

ويتزايد أيضا في المدينة توافد "نساء وعائلات من غينيا وساحل العاج، أحيانا مع رضع، بشكل ملحوظ اعتبارا من بداية العام"، حسبما أكدت سيليفيا دوناتو منسقة "أنقذوا الطفل". والنساء والأطفال الصغار عموما بحال أفضل خصوصا أن السلطات الإيطالية قررت تمويل مركز لهم تحت إدارة "كاريتاس" بقرب مبناها الرئيسي، يتسع لنحو 30 شخصا.

مختارات لماذا أضحى المغرب بلد وجهة لا عبور للمهاجرات الأفريقيات؟ عبر اتفاقيات مع دول الجنوب .. دول أوروبا المتوسطية تنسق لمواجهة أزمة الهجرة

وبالقرب من من موقف ضخم للسيارات تحت جسر فياتندا، توزع منظمة "أطباء العالم" وجبات مسائية ثلاثة أيام في الأسبوع، اعتبارا من الساعة السابعة .

من بين الجالسين المنتظرين وجبة العشاء زكي*، الذي يرى أنها حالة استثنائية بالنسبة للمهاجرين. وزكي مهندس كهرباء من السودان، عمل في سفينة تم بيعها ما تسبب بإلغاء عقد عمله وتسريحه. يقول زكي إن "مصر تحتاج إلى فيزا، فوجدوا لي فيزا إلى جنوب السودان، لكن الوضع هناك أسوأ من السودان، لا أستطيع أن اذهب إلى مصر ولن أتمكن من زيارة أهلي الذين نزحوا إلى بورتسودان وإلى ولايات أخرى. سألت إن كان ممكنا البقاء في مالطا فقيل لي يحتاج اللاجئون فيها وقتا طويلا للحصول على أوراق. وهدفي هو العمل بسرعة لأنني أتكفل بعائلتي، نزلت من الباخرة يوم 20 أيلول/سبتمبر، وأفضل الوصول إلى بلد أستطيع فيه العمل بسرعة بمجال هندسة الكهرباء أو كبحار، مثل بلجيكا أو هولندا، خصوصا أن الإجراءات فيهما أسرع".

أحمد* الذي خاض رحلة طويلة بدأت عام 2019، جزء طويل منها كان في الدول الأفريقية، وانتهت في تونس وصولا إلى لامبيدوزا. أشاد خصوصا بتونسيين "ساعدونا كي نأكل بقدر استطاعتهم"، قبل أن يركب القارب الحديدي وسط أمواج وصلت إلى علو مترين، ما استدعى إنقاذهم ونقلهم إلى الجزيرة الإيطالية.

مرة واحدة في اليوم يحصل المهاجرون لاسيما من إثيوبيا واريتريا والسودان على وجبة طعام

موقف سيارات.. مكان النوم والتجمع الرئيسي

في موقف ضخم للسيارات تحت جسر فياتندا، اتخذ المهاجرون   مكانا رئيسيا للنوم والتجمع  لإمضاء الوقت. مكان يطلق عليه المهاجرون اسم "القبري" فيما بينهم، ويتحدثون عنه كنقطة مشتركة تجمعهم.

وحول الحالات الصحية التي تواجه فريق "أطباء العالم"، يقول الطبيب مصطفى بن لبهيلي والطبيبة ماريا كريستينا، أثناء تواجد عيادتهم المتحركة بالقرب من نقطة توزيع الوجبات المسائية، إن "بعض المهاجرين يعانون من مشاكل جلدية بسبب المكان الذي ينامون فيه أو أخرى عضلية بسبب المشي لمسافات طويلة. لكن الحالات الأصعب هي لمن تعرضوا للتعذيب في ليبيا خلال رحلاتهم السابقة أو في تونس. يتم فرز سريع للواصلين إلى لامبيدوزا، ولا يأخذون منها إلا الحالات الطارئة جدا، أما الباقي فلا يقدمون لهم أي عناية، كما يتغاضى بعض المهاجرين عن آلامهم بانتظار وصولهم إلى وجهتهم حيث أن أولويتهم فقط الطعام".

ويضيف بن لبهيلي إن "نحو 30 مهاجرا علقوا في المدينة منذ سنوات، وأصبحوا كحوليين بعد محاولاتهم اليائسة العبور إلى فرنسا".

لا ينحصر تواجد المهاجرين في مكان واحد أو اثنين في المدينة، بل يتناثرون في أماكن أخرى وخصوصا قرب مطعم لاغروتا المطل على البحر، في نقطة يصب فيها أيضا نهر لارويا الذي يقسم المدينة إلى شطرين. ويجلسون أيضا على شاطئ هذا المطعم الواسع، بعضهم يطهون الطعام ويقولون إنهم عالقون منذ أشهر. بعضهم يبتعدون أكثر عن الأعين ويبدلون ثيابهم، وآخرون يستحمون أو يستريحون قرب شجرة للاستظلال بها من حر الشمس.

هاجرون من "بلدان آمنة"

بعض المهاجرين لا يتلقون المساعدة من أي جهة ولا يأتون إلى "كاريتاس" لتأمين الوجبات الغذائية، كحال *سليم، 35 عاما، من الجزائر، والذي كان يجلس مع صديق له من المغرب في ظل شجرة على الشاطئ.

يقول سليم إنه "عالق في أوروبا منذ أربع سنوات" وإنه يتدبر طعامه من المحال التجارية، فيأكل "بداخلها دون الخروج مع أي شيء أو دفع أي مبلغ". يضيف "تنقلت بين دول أوروبية كثيرة ولم أجد عملا، وتعرضت للشتم كثيرا خصوصا في فرنسا، عوملت كالكلاب هناك، لا يحبوننا".

فينتيمليا الايطالية : طوابير المهاجرين لا تنقطع، لكن السؤال إلى أين وجهتهم وهل يتمكنوا من الوصول إليها؟

يقول صديقه الشاب المغربي ساخرا "أنا أسوأ منه، فبالإضافة إلى دول أوروبا الغربية، مررت بالكثير من بلدان أوروبا الشرقية وأضعت خمس سنين من عمري"، ويتساءل بغصة "مالذي فعلته بنفسي؟ صدقت أن بإمكاني بناء مستقبلي، لكنني لم أفعل شيئا سوى إضاعة الوقت". يتفق معه سليم ويضحك ساخرا من حالتهما قائلا "ربما نعود إلى البلاد، سيكون ذلك أفضل".

يخفف قليلا من  معاناة المهاجرين  العالقين في هذه الظروف متطوعون فرديون من جنسيات أوروبية مختلفة، لا يتبعون لأي جهات تمويلية. يحاولون تقديم المساعدة في بعض الحاجات الملحة وضمن استطاعتهم.

هذا حال مجموعة (PROGETTO 20K) التي توفر بشكل أساسي مكانا صغيرا فيه طاولتان كبيرتان وعليهما مقابس كهرباء. يفتح هذا المكان أربع ساعات فقط في اليوم ويقدم أيضاً بعض الألعاب، والأوراق والألوان. وتغص الجدران بالرسومات والعبارات.

ويسيطر هاجس الحدود على المهاجرين  في المدينة، ويُكتب على جدرانها في الكثير من الأماكن غرافيتي باللغة العربية والفرنسية والإنكليزية تشير إلى تعقيد مسألة الحدود، وارتباطها بأهدافهم ومستقبلهم. "لا حدود، لا مشاكل"، "إغلاق الحدود"، "حرق الحدود".

مهاجر نيوز

*أسماء مستعارة بطلب من المهاجرين.

رنا الدياب، موفدة مهاجر نيوز إلى الحدود الفرنسية الإيطالية

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: الحدود الايطالية الفرنسية المهاجرون طالبو اللجوء الحدود الايطالية الفرنسية المهاجرون طالبو اللجوء فی المدینة

إقرأ أيضاً:

حرية على مقاس إسرائيل

«دون الولايات المتحدة لا توجد حرية في العالم». بهذه العبارة تشدَّق بنيامين نتنياهو؛ رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي، في مكالمته الهاتفية يوم الخميس الماضي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بينما كان يهنئه بعيد استقلال أمريكا الذي يوافق الرابع من يوليو من كل عام. وهكذا، فإن المسؤول الأول في الكيان المحتل الذي يحرم 21 ألف فلسطيني من حريتهم وراء السجون، ويحرم كذلك أكثر من مليوني فلسطيني من حريتهم بوضعهم في أكبر سجن مفتوح في العالم الذي هو قطاع غزة، يتحدث -بلا خجل- عن الحرية، بل ويحصرها في دولة يحفل تاريخها القصير هي الأخرى ليس فقط بحرمان ملايين البشر من حرياتهم؛ من فيتنام إلى أفغانستان وليس انتهاء بالعراق، بل وإبادتهم أيضًا بدم بارد. وإذا لم تستح فتشدّق بما شئت.

من تشدقات إسرائيل بالحرية أنها أسست منذ أكثر من ستين عاما جائزة ثقافية عالمية باسم المدينة الفلسطينية التي تحتلها؛ القدس. وللمفارقة، اختارت لها اسمًا رسميًّا هو «جائزة القدس لحرية الفرد في المجتمع»! تُمنح لُكتّاب وكاتبات تحتفي إنتاجاتهم الأدبية والفكرية بفكرة الحرية الفردية للإنسان والحثّ عليها، وقد ذكّرني بهذه الجائزة هذا الأسبوع وفاة أحد الفائزين بها وهو الروائي الألباني إسماعيل كاداريه الذي رحل عن عالمنا يوم الاثنين الماضي، وكان قد حصل عليها عام 2015 لأنه «كاتب متميِّز بالتعبير عن الحرية الإنسانية» كما قالت لجنة التحكيم. لم يكتفِ كاداريه، وهو القادم من دولة مسلمة، بقبول الجائزة، بل تبرع بتصريحٍ مُنافِق لإسرائيل قال فيه إن ما يجمع بلده ألبانيا بهذا الكيان المحتلّ أن كلًّا منهما «يناضل من أجل البقاء في محيط كريه»، وإذا لم تستح فنافِقْ بما شئت.

العجيب في أمر هذه الجائزة أن قائمة الذين نالوها من أدباء ومثقفي العالم الكبار طويلة، منذ تأسيسها عام 1963، فقد حصل عليها في دورتها الأولى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وتوالى بعد ذلك منحُها كل سنتين إلى كبار مثقفي العالم من بورخيس، إلى سيمون دي بوفوار، إلى جراهام جرين، إلى كونديرا، إلى أرنستو ساباتو إلى سوزان سونتاج. ولا أحد من هؤلاء توقف للحظة وسأل نفسه: هل أنا منسجم مع ذاتي وأنا أقبل هذه الجائزة؟ ألستُ أسهم بقبولي إياها في تبييض وجهِ كيان محتلّ يحرم أصحاب الأرض حريتهم!». فعلى على سبيل المثال لم يستطع أن يقول «لا» لهذه الجائزة الشاعر المكسيكي الكبير أوكتافيو باث رغم أنه يقول إن «الحرية ليست فلسفة ولا حتى فكرة؛ إنها حركة وعي تقودنا في لحظات معينة إلى قول كلمتَيْن صغيرتَيْن: نعم أو لا». وقَبِلَها أيضًا الروائي البيروفي ماريو بارجاس يوسا رغم أنه يقول في خطاب فوزه بنوبل عام 2010: «لكي يزدهر الأدب في مجتمع، علينا بدايةً أن نصل إلى الثقافة العالية، إلى الحرية، إلى الرخاء، إلى العدالة، وإلا لما انوجدتْ أبدًا»، ولا أدري كيف رأى الحرية والعدالة في إسرائيل!

أما أول فائز بهذه الجائزة؛ الفيلسوف برتراند راسل، فإنه يجعل الحرية شرطًا للسعادة. يقول في كتابه «الطريق إلى السعادة»: «الرجل الذي لم يعترِهِ في حياته مكروه يحطم العزيمة سينظر إلى الجانب السعيد في الحياة، وذلك ما لم يكن هناك افتئات على حريته. وإلى حد كبير يرجع الزهد في الحياة في مجتمعنا المتحضر إلى العوامل التي تحد من حرية المرء، علمًا بأن الحرية أمر ضروري كي نشق طريقنا في الحياة». ويبدو أن الحرية التي يتحدث عنها راسل ليست حرية الجميع، وإنما حرية طبقة معينة من البشر، أولئك الذين وصفتهم في مقال سابق في هذه الزاوية بأن «عيونهم زرقاء، ويشاهدون نتفلكس».

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

مقالات مشابهة

  • إردوغان يقول إنه قد يدعو الأسد لزيارة تركيا “في أي وقت”
  • الاستدارة التركية على سوريا قراءة اخرى
  • حرية على مقاس إسرائيل
  • ذكرى الهجرة.. مولد دولة وبناء أمة.. مركز عمليات تحت قيادة النبي.. المعجزات الربانية تحيط الرسول من مكة إلى المدينة.. و4 أفلام سينمائية تناولت الرحلة
  • استمرار إغلاق مركز رياضي كلف 4 ملايير بالحسيمة
  • درغام: زيارة باسيل إلى عكار كانت ناجحة
  • محاولات أمريكية لعرقلة مفاوضات مسقط
  • اغتصاب وعنف وسرقة أعضاء.. انتهاكات يتعرض لها مهاجرون عبر الساحل والصحراء
  • إزالة تعديات بالبناء المخالف في قرى مركز ملوي بالمنيا
  • سوناك يقول إنه "يتحمل مسؤولية" هزيمة المحافظين في الانتخابات البريطانية