انقلاب قواعد الاشتباك: غزّة تعلن الحرب
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
انقلاب قواعد الاشتباك: غزّة تعلن الحرب
قواعد الاشتباك آخذة في التبدّل، جذرياً على أصعدة عديدة، وغزّة هذه المرّة هي التي تعلن الحرب؛ وقد يكون القادم أعظم و… أيسر قراءة وتحليلاً أيضاً.
سياقات الطوفان باغتت المسؤولين الإسرائيليين، فتراوحت بين صمت استغرق ساعات، وتأتأة جوفاء من وزير الدفاع، وقلق وجودي من رئيس الكيان.
لم تفلح وتيرة الغطرسة الإسرائيلية مع ذلك في طمس الدلالات الموجعة لمستوطنين يهيمون على وجوههم في فلوات غلاف غزّة، ودبابات تواصل الاحتراق.
عشرات الأسرى ومئات القتلى وقتال دائر ضارٍ في أكثر من عشرات المواقع في غلاف غزّة؛ وآليات عسكرية إسرائيلية تُقاد إلى القطاع المحاصر كغنائم حرب استولى عليها رجال المقاومة.
* * *
مبكّر، ساعة تحرير هذه السطور على الأقلّ، أيّ مسعى تحليلي يستكشف عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في عمق معسكرات جيش الاحتلال وبعض المستوطنات والكيبوتزات، أو يخرج بخلاصات تتلمس عمق الحدث الفارق في جوانبه المختلفة، السياسية والمعنوية أو حتى العسكرية الصرفة.
العناوين الوجيزة، في ذاتها وابتداء بها، تغطي قسطاً غير ضئيل من دلالات الاختراق المباغت، الفعال على أكثر من صعيد وحتى قبيل تكشّف المعطيات: 35 أسيراً إسرائيلياً، حسب معلومات متضاربة؛ وقتال دائر، ضارٍ أغلب الظنّ، في أكثر من 20 موقعاً على تخوم غلاف غزّة؛ وآليات عسكرية إسرائيلية تُقاد إلى داخل القطاع المحاصر، ليس لكي تمارس الفظائع المعتادة ضدّ غزّة وجوارها هذه المرّة، بل لأنها غنائم حرب استولى عليها رجال المقاومة.
في موقع صحيفة «هآرتز» الإسرائيلية، سارت العناوين هكذا: غزّة تعلن الحرب. تسلل/ اختراق مفاجئ. وابل من الصواريخ يهزّ إسرائيل، العديد من القتلى، ومئات الجرحى، وعدد غير معروف من الرهائن. أعداد من جنود الاحتياط المنخرطين في الحراك ضدّ الإصلاحات القضائية التحقوا سريعاً بالواجب العسكري نظراً للظروف الراهنة. صحافي فلسطيني يظهر في نقل حيّ من داخل كيبوتز نير أوز وكيبوتز نير عام، ويغطّي المجريات على الأرض وسط أزيز الرصاص.
«جيروزاليم بوست»، من جانبها، شددت على مقتل 20 إسرائيلياً، ودوي صفارات الإنذار في تل أبيب والقدس، وقرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بإطلاق عملية «سيوف الفولاذ»؛ هذا هجوم ساحق مفاجئ، لا سابق له منذ أن صعدت «حماس» في القطاع، لأنه جمع بين الهجمات الصاروخية والتسلل البرّي؛ نتنياهو يقول: هذه ليست عملية، هذه حرب. سيدفع العدو ثمناً لم يعرفه من قبل؛ «حماس» تزعم خطف 5 جنود إسرائيليين…
واضح، كذلك، أنّ سياقات هذا الطوفان باغتت المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، فتراوحت بين صمت استغرق ساعات، وتأتأة جوفاء من وزير الدفاع، وقلق وجودي من رئيس الكيان؛ قبل أن تتعالى مجدداً وتيرة الغطرسة الإسرائيلية، التي لم تفلح مع ذلك في طمس الدلالات الموجعة لمستوطنين يهيمون على وجوههم في فلوات غلاف غزّة، ودبابات تواصل الاحتراق.
غير أنّ الوقت لم يكن مبكراً بالنسبة إلى ستيفاني هوليت، القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، التي سارعت إلى التعبير عن «الاشمئزاز» إزاء الصور المتلاحقة عن قتلى وجرحى في صفوف المدنيين الإسرائيليين.
جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، لم يتأخر بدوره: المملكة المتحدة تدين الهجمات المرعبة ضدّ المدنيين الإسرائيليين وستقف دائماً مع حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
جوزيف بوريل، ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لم يتخلف عن الركب: ندين بالمطلق هجمات «حماس». وزير خارجية السويد، توبياس بيلستورم، سارع بدوره إلى التغريد داخل السرب: لا أعذار لهجمات المجموعات «الإرهابية» ضدّ إسرائيل…
هذا غيض من فيض، بالطبع، لا يعكس جديداً في الانحيازات العمياء التي تتخذها هذه الدول، وسواها، عند النظر إلى أية معادلة تخصّ الفارق بين الجلاد والضحية، وبين قطاع خاضع لحصار خانق همجي ونظام عسكري استيطاني عنصري لا يكتفي بالحصار بل يشنّ الحرب تلو الحرب ضدّ البشر والعمران والبنى التحتية والسهول والشطآن.
ومن غير المنتظَر أن تتبدّل لهجة هؤلاء حين يبلغ العدوان الإسرائيلي الجديد على غزّة ذروة قصوى إضافية من البربرية، حتى إذا تخللت المواقف هذه الجرعة أو تلك من نبرة القلق على دولة الاحتلال؛ سواء من داخلها وما تفعله بذاتها وعبر حكومتها الأكثر يمينية وفاشية وعنصرية، أو بسبب التطورات النوعية في أساليب المقاومة الفلسطينية وأدواتها وميادينها.
ذلك لأنّ قواعد الاشتباك آخذة في التبدّل، جذرياً على أصعدة عديدة، وغزّة هذه المرّة هي التي تعلن الحرب؛ وقد يكون القادم أعظم و… أيسر قراءة وتحليلاً أيضاً.
*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري مقيم في باريس
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين غزة إسرائيل غلاف غزة قواعد الاشتباك طوفان الأقصى قواعد الاشتباک تعلن الحرب
إقرأ أيضاً:
الإدارة الأمريكية الجديدة.. إكمالٌ للأهداف ومحاولاتٌ للإنقاذ
عبدالجبار الغراب
شكلت الحرب الصهيونية العدوانية على الشعبين الفلسطيني واللبناني والمدعومة أمريكيًّا وغربيًّا ولأكثر من عام رصدها للعديد من النتائج الكبيرة التي جاءت بعكس مخطّطات الأمريكان والصهاينة، ليغوصوا في مستنقعات كثيرة أضعفتهم عسكريًّا وأغرقتهم اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، فأصبحوا في ارتباكات ومتاهات غير قادرين على اتِّخاذ القرارات، لتخلق لهم تراكمات الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها من جبهات محور المقاومة معضلات كبيرة أَدَّت بعضها مؤخّرًا إلى نشأة معظم النزاعات الداخلية وأحدثت عدة تغيرات في أعلى المناصب القيادية للجيش، فمن استبدال وزير الدفاع ووزير الخارجية كلها عواصف ما كانت لها لتحدث إلا لأسباب تأثيرات سابقة خلخلت الثقة بين قادة الجيش والحكومة وسيتبعها المزيد من الهزات العظيمة لتغيرات شاملة من شأنها ستزلزل بأركان كيان الاحتلال.
أدَّت مختلف العواصف المتلاحقة والخسائر الفادحة التي تعرض لها الكيان إلى جعل قادته تائهين، انعدمت لديهم البدائل وَالأوراق والتي قد يجعلوها بنظرهم بداية انطلاقة جديدة لتحقيق أهدافهم التي عجزوا عن تحقيقها على مدار أكثر من عام، ومن أخذهم للانتظار لاعتلاء ترامب سدة الحكم بداية العام القادم جعلها ورقة قد يحقّقوا منها الأهداف، وهم بذلك يكرّرون فشلهم ليستمروا في ارتكابهم للمجازر بحق سكان القطاع ولبنان حتى ذلك الحين، مع وضوح كامل لنفاد لكل بنك أهدافهم العسكرية للقضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فلا نجحت أمريكا مع رميها بكل ثقلها لدعم الكيان عسكريًّا وسياسيًّا وماليًّا والتي؛ بسَببِها ما كان للكيان القدرة على الاستمرار عسكريًّا، وكلها مُجَـرّد أحلام وأوهام صهيونية لما سيضيفه القادم ترامب ويخلقه من انتصار، في ظل ثبات وصمود أُسطوري للمقاومة، وعنوانه الوحيد والدائم هو الإسناد المتواصل من جبهات المحور حتى يتم إيقاف الحرب على غزة ولبنان المؤكّـدة بالقرار الثابت من قبل الجيش اليمني وجميع فصائل وحركات المقاومة الإسلامية.
محور المقاومة الإسلامية يدرك كُـلّ الإدراك أنه لا جدوى من كُـلّ ما يجري من حوارات أَو أنها تترقب للحلول القادمة من هنا أَو هناك؛ فهي جاعلة الميدان هو الأَسَاس الذي سيبنى من خلاله كافة المراحل القادمة لوضعها حلول وفق شروطها، معتمدة في ذلك على علمها الأكيد بأن شكل النظام الأمريكي والدولة العميقة يتوغل فيها اللوبي الصهيوني فهو من يحدّد سياسات الدولة وهو الذي يشكل الأَسَاس لرسمها، وأن كُـلّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة عبارة عن منفذة لكل ما هو موضوع من مخطّطات وبرامج، فهي صهيونية الولاء والثبات مهما تغير رأسها سواءٌ أكانت ديمقراطية أَو جمهورية.
ومن هنا فالإدارة الأمريكية الجديدة هي مُجَـرّد إكمال للأهداف ولمنافع وخدمات لسابق ثابت موجود اتخذته لصالح الصهاينة سابقًا بنقلها لسفارتها للقدس بما عرف بصفقة القرن ونجاحها لإقامة علاقات التطبيع الإسرائيلية مع كُلٍّ من الإمارات والبحرين والمغرب، وهي في الطريق الآن لتكملة مشوار التطبيع وفرضه مع دول عربية أُخرى وفي مقدمتهم السعوديّة، فالأهداف الأمريكية معروفة ولا يمكن أن يعول عليها لمساعي إيقاف الحروب في المنطقة، فهي تجعل من الصفقات مشاريع لإتمام إنجاز الأهداف التي يصعب على الصهاينة تحقيقها بقوة السلاح، وهو ما تدركه قوى محور المقاومة الذين ينظرون إلى الميدان المكان الوحيد لجعل الصهاينة يصرخون لطلب إيقاف الحرب.
تتصاعد التخبطات الصهيونية من خلال إفشالهم لكل المساعي الرامية للوصول إلى اتّفاقات من شأنها توقف الحرب المُستمرّة في قطاع غزة ولبنان، فهم يروجون بإنهاء لعملياتهم البرية في لبنان والتي فشلت فشلًا ذريعًا، وأحيانًا أنهم سيبقون عليها في تصاعد حتى ينضج اتّفاق سياسي، وهنا يتضح انتظارهم المقصود والحثيث حتى يتسلم ترامب للإدارة الأمريكية لتحقيق مكاسب عجزوا عن تحقيقها بقوة السلاح وإنقاذهم من تورطهم في حرب خاسرة دخل عامها الثاني.