لماذا يهتم اليمنيون بقضايا الآخرين أكثر من قضاياهم؟
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
يعتقد البعض بأن اهتمام اليمنيين وتفاعلهم الكبير مع قضايا خارج حدودهم، ناتج عن وعي فكري وسياسي عالي، واحساس بالمسؤولية تجاه "قضايا الأمة العربية والإسلامية". والحقيقة أن هذا الاهتمام ما هو إلا حالة من التشوه الفكري والتخلف الحضاري.
ويرجع السبب في ذلك إلى رواج عقائد غير وطنية، وغياب العقيدة الوطنية. فخلال السبعين عاما الماضية تشكل الوعي السياسي/الفكري في اليمن عبر تيارين رئيسيين هما تيار اليسار بشقيه الماركسي/القومي، وتيار اليمين الديني الإخواني، والحوثي لاحقا.
فاليسار الماركسي في اليمن، والذي هو عبارة عن رجع صدى باهت لعقيدة صنعت في بيئة مختلفة تماما عن البيئة اليمنية، خلق وعي سياسي/فكري زائف لتفسير الواقع المحلي والدولي. وكان من مخرجات هذا الوعي -خاصة خلال فترة الشطط الإيديولوجي في اليمن الجنوبي السابق- خلق اهتمامات غير وطنية في ذهن الناس، مثل الصراع مع الإمبريالية العالمية وعملائها المحليين و الإقليميين، ممن كان يطلق عليهم قوى الرجعية.
أما اليسار القومي بشقيه البعثي والناصري، فكل أدبياته، والتي تتصف بالركاكة مقارنة بأدبيات اليسار الماركسي، تتركز حول ما تسميه قضايا الأمة العربية، وتحديدا موضوع الوحدة العربية وقضية فلسطين، ومن ثم لا وجود فعلي لليمن ومشاكله في هذه الأدبيات، إلا ضمن سياق قضايا الأمة العربية.
ولم يكن تيار الإسلام السياسي السني، والذي تمثله حركة الإخوان المسلمين، مختلفا عن التيار اليساري من حيث اهتماماته، بقضايا غير وطنية. فهذا التيار، رغم أنه يدعي بأنه يمثل الدين الصحيح لليمنيين، إلا أنه عمليا، وخاصة في الجانب الفكري، أبعد من أن يكون فكرا يمنيا. فأساس هذا التيار يقوم على فكرة الأمة الإسلامية المتجاوزة للدولة الوطنية، والتي يعتبرها حالة مؤقتة مصنوعة من قبل أعداء الأمة الإسلامية. ومن ثم فإن إنهاء هذه الحالة وإنشاء الأمة الإسلامية وعودة الخلافة هو الحل السحري والنهائي للمشاكل اليمنية.
ووفقا لذلك؛ فإن قضايا "الأمة الإسلامية" مثل قضية فلسطين والحرب ضد أعداء الأمة في أفغانستان خلال الغزو السوفيتي، ومساعدة المسلمين في البوسنة والهرسك، والشيشان وغيرها، لها الأولوية على القضايا اليمنية، وخاصة خلال فترة اشتعال الحروب في هذه المناطق.
أما التيار الحوثي، فإنه أكثر التيارات السياسية تطرفا في الانشغال -فكريا على الأقل- بمواضيع غير وطنية، فالأساس الفكري لهذا التيار يقوم على أن الحركة الحوثية وجدت من أجل التصدي لأعداء الأمة (أمريكا وإسرائيل).
لقد أدت التعبئة الفكرية للتيارات المذكورة إلى قلب الأولويات لدى الكثير من النخب اليمنية والغالبية الساحقة من العامة. ولم يعد من أولويات هؤلاء الخروج من التخلف الحضاري الذي يعيشونه، وما يعنيه ذلك من بؤس وفقر وعبث من قبل الخارج في وطنهم، وإنما تحرير فلسطين، وهزيمة السوفيت في أفغانستان، ونصرة العرب والمسلمين في مناطق الصراع مهما كانت بعيدة عنهم.
فخلال الثمانينات تم الدفع بآلاف الشباب للجهاد في أفغانستان، وفي فترات لاحقة تم الزج بالألاف كوقود لمعارك لا شأن لهم فيها في دول عديدة. وليس من المبالغة القول أن من الممكن تجنيد مئات الألوف من اليمنيين في معارك خارج بلدهم في الوقت الحالي بكل سهولة نصرة لقضايا لا تخصهم، لو كان الأمر متاح.
في المقابل تجد غالبية اليمنيين غير مكترثين بتغيير واقعهم المزري وخوض معارك، غير عسكرية، مثل معارك التنمية والتحديث والرفاهية، لأن تيارات اليسار واليمين حرفت بوصلة اهتماماتهم عن هذه القضايا لصالح قضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
أن أخطر ما نتج عن غرس العقائد غير الوطنية أنها سهلت على الدول الخارجية التدخل في شؤون اليمن تحت لافتة الأمة العربية أو الإسلامية وما يسمى كذبا بالمشروع العربي وغيرها من التسميات الزائفة. وكانت النتيجة تدمير الدولة اليمنية واستباحتها من قبل الغرباء والذي ينعتونهم اليمنيين بصفة أشقاء.
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: الأمة الإسلامیة الأمة العربیة
إقرأ أيضاً:
هدف “إسرائيل” تفتيتُ سوريا بدون قتال.. والجولاني لا يهتم!!
يمانيون ـ بقلم ـ غيث العبيدي
تحت مرأى ومسمع ناحر الرؤوس، وقاتل الأطفال، خاطف النساء، وقاتل الرهائن، الإرهابي أبي محمد الجولاني، بوصفه الرئيس الحالي لسوريا الجديدة، والقائد العسكري السابق لهيئة تحرير الشام الإرهابية، ورغم أنف الأنظمة السياسية العربية الداعمة له، والمذهب الجماهيري السوري والعربي المتكاتف معه، والواصفين لجوهر عمله، الباعث فيهم الانتماء القريشي، والقيم الإسلامية، والشغف البطولي الأموي، والعزيمة العباسية المنتظرة، والموحد الجامع لصفوف السنة، ورافع المظالم عن السوريين، والمندّد بمثالب حكم من سبقه، والمعجبين بمهارته السياسية والقتالية، والواضعين له المكانة المتميزة، والمنزلة المنفردة، والقدر الكبير، زعيم السنة العرب، وسيف الشام المسلول، شهدت سوريا في عهده، تصعيداً عسكريًّا إسرائيليًّا هو الأول من نوعه، وتوغلاً بريًّا غير مسبوق، شمل كُـلّ الجنوب السوري، منذ اتّفاق فك الارتباط بين سوريا و”إسرائيل” عام 1974، لفرض واقع عسكري إسرائيلي جديد على الأراضي السورية، يهدف إلى تفتيت سوريا دون مقاومة تذكر.
وبنفس هذا السياق، أكّـد الدبلوماسي الإسرائيلي السابق مائير كوهين «أن الاستقرار في الجنوب السوري، لا يتم إلَّا عبر نزع السلاح، ومنع وجود الجيش السوري، أَو أية تنظيمات أُخرى، مما يجعلها منطقة عازلة، وفق الرؤية الإسرائيلية».
▪ الرد السوري:
الصدام مع “إسرائيل” ليس من أولوية الحكومة السورية الحالية، وشمول سوريا بالاتّفاقيات الإبراهيمية، والتطبيع مع تل أبيب أكثر فائدة من القتال ضدها.
▪ الجولاني لا يهتم:
العقيدة الإخوانية التي تربى عليها الجولاني وأمثاله، لا تهتم للأرض كَثيرًا، حتى وإن احتلت “إسرائيل” كامل الأراضي السورية، وعلى السوريين أن يفهموا هذا الأمر قبل فوات الأوان، وهو مقتنع تمامًا بأن سوريا ما هي إلَّا قطعة أرض سواء كانت مستقلة أَو محتلّة، يمكن تعويضها في مكان آخر، ولا تستحق التضحيات المترتبة عليها، وعليه فهو غير متعلق فيها عاطفيًّا، حتى وإن ولد فيها، وكلّ ما يهمه هو شخصيًّا وحكومته “الأمة الإخوانية المنتمي إليها”، حَيثُ إن سوريا تمثل له مرحلة أوصلته إلى “أُستاذية سوريا” لتحريك الشعب السوري حول منهج وأَسَاس إخواني، ويتطلع من خلالها إلى أن يصبح “أُستاذ العرب” ويرى العالم الغربي، وأردوغان التركي، وقادة الإخوان الآخرون، أن سوريا ممكن أن تقدم لهم هذا النموذج، فهم يستعدون لبناء حكومات عربية إسلامية، بمرجعية إخوانية تحقّق لهم الخلافة الإسلامية.
ملاحظة:
الأُستاذية هي فكر وهُوية “الإخوان المسلمين” التي روّج لها حسن البنا “مخطّط تطور الجماعة”؛ باعتبَاره المؤسّس الأول لتنظيم “الإخوان” في العالم.