ما بَيْنَ العام 1973م والعام الحاليِّ 2023م يُعِيد شهر أكتوبر نَفْسَه بالأمجاد والانتصارات، وبالأحداث والمفارقات التي حملها آنذاك، ويحملها اليوم عَبْرَ عامل التمويه والتوقيت والمبادأة والمباغتة. فكما كان يوم السادس من أكتوبر 1973م أمرًا مفاجئًا لَمْ تتمكَّن أجهزة الاستخبارات الصهيونيَّة والأميركيَّة والغربيَّة من معرفة توقيت هجوم الجيشَيْنِ المصريِّ والسوريِّ على جيش الاحتلال الإسرائيليِّ في سيناء وهضبة الجولان، أرادَ العدوُّ متعدِّدُ الوُجوه أنْ يتبنَّى الأسلوب ذاتَه عَبْرَ هجومه الإرهابيِّ على الكُلِّيَّة الحربيَّة بمدينة حمص في الخامس من أكتوبر، لكنَّه ـ وكما عادته ـ لا يُجِيد إلَّا استهداف المدنيِّين من نساء وأطفال، وهذا العمل الإرهابيُّ يُشير إلى أنَّ هذا العدوَّ أراد الانتقام بعنصر المبادأة والمباغتة ذاته، وتخريب احتفالات الشَّعب السوريِّ بذكرى السادس من أكتوبر، ويؤكِّد في الوقت ذاتِه الحقدَ الدَّفين والمُتجذِّر تجاه الجيش العربيِّ السوريِّ وعموم الشَّعب السوريِّ الذي أذاق العدوَّ المحتلَّ الأمَرَّيْنِ.


اللافت أنَّ هذا الهجوم الإرهابيَّ الذي استهدف حفل تخريج فوج من الجنود والضبَّاط السوريِّين بالكُلِّيَّة الحربيَّة في مدينة حمص يأتي بعد تطوُّرات عدَّة:
الأوَّل: زيارة الرئيس السوريِّ بشار الأسد إلى جمهوريَّة الصين الشَّعبيَّة والاستقبال الحافل وغير المسبوق الذي قابلته به القيادة الصينيَّة، وما تمخَّض عن هذه الزيارة من اتفاقيَّات استراتيجيَّة من شأنها أنْ تقطعَ الطريق على الصهيوـ أميركيِّ نَحْوَ استكمال مشروعه لتخريب مبادرة الحزام والطريق لبكين.
الثاني: التفجير الذي استهدف مبانيَ تابعة لوزارة الداخليَّة التركيَّة في العاصمة أنقرة، وحديث الأخيرة عن أنَّ منفِّذَي الهجوم جاءَا من داخل سوريا، ومحاولة الأعداء الإيحاء بأنَّ الهجوم الإرهابيَّ على الكُلِّيَّة الحربيَّة نفَّذته تنظيمات إرهابيَّة محسوبة (فقط) على تركيا وترعاها الاستخبارات التركيَّة، وذلك بقصد التشويه وتعقيد الوضع، وقطع أيِّ تقارب أو توافُق بَيْنَ دمشق وأنقرة لتسوية الأوضاع برعاية إيرانيَّة روسيَّة.
الثالث: الإخفاق الحقيقيُّ لحلف شمال الأطلسيِّ بقيادة أميركا في تحقيق النصر الموهوم في أوكرانيا ضدَّ روسيا، ومحاولة تعويض الإخفاق والانتكاسة في أماكن أخرى تُمثِّل نفوذًا لروسيا الاتحاديَّة، لا سِيَّما في سوريا.
الرابع: الهَبَّة العشائريَّة في دير الزور ضدَّ ما يُسمَّى تنظيم «قسد» عملاء الاحتلال الأميركيِّ ومَن معه، حيث استطاعت العشائر تكبيد التنظيم خسائر فادحة وتطهير العديد من المساحات التي استولى عَلَيْها بأمْرٍ ودعمٍ من أسياده المُحتلِّين.
الخامس: التحرُّك العراقي وبالتنسيق مع حلفاء سوريا لتخريب المُخطَّط الصهيو ـ أميركيِّ لعزْلِ سوريا عن جوارها، حيث يهدف المُخطَّط إلى زيادة الخناق على الشَّعب السوريِّ، ودفعه نَحْوَ الخروج ضدَّ حكومته.
اليوم يحضر عنصر المباغتة والمبادأة بكُلِّ تجلِّياته وبكامل رمزيَّته وارتداداته المعنويَّة والنَّفْسيَّة والعسكريَّة والأمنيَّة والسِّياسيَّة، وذلك عَبْرَ العمليَّة البطوليَّة «طوفان الأقصى» التي أطلقها أبطال المقاومة الفلسطينيَّة الباسلة، لِيسجِّلَ هؤلاء الأبطال في السابع من أكتوبر 2023م إنجازًا تاريخيًّا كبيرًا، سيظلُّ وصْمةَ عارٍ على جبين كيان الاحتلال الإسرائيليِّ، وعلامةً دائمةً لَنْ تزولَ ولَنْ تمحوها جرائم الحرب الإسرائيليَّة والاستيطان والتهجير وانتهاك حقوق الأسرى. هذا الإنجاز لا يقلُّ عن إنجاز السادس من أكتوبر 1973م.
من المؤكَّد أنَّ العدوَّ الإسرائيليَّ بذيولِه ورؤوسِه المُتعدِّدة في فلسطين المحتلَّة وفي سوريا وغيرها وفي عموم الإقليم والعالَم، لَمْ يهنأ بنشوة الهجوم الإرهابيِّ على الكُلِّيَّة الحربيَّة في حمص، بَيْنَما يَقُودُ حليفُه الأميركيُّ لعبة التقاط الأنفاس على خطِّ النِّهاية، وقَدْ أوجعتْهُ مشاهد الإذلال والإهانة لكيانٍ ظلَّ يُروِّج لصورةٍ مشوَّهةٍ بأنَّه يمتلك «جيشًا لا يقهر» ويُسوِّق لذاتِه أنَّه الحصان الرابح لمسار التطبيع المجانيِّ، في رسالةٍ واضحة لا لبس فيها من المقاومة أنَّ الوجع في فلسطين تشعر به سوريا ومَن معها في محور المقاومة، والوجع في سوريا تشعر به فلسطين ومَن معها في المحور، وأنَّ المراهنة على الأحصنة المعطوبة خاسرة، التي لا يُجِيد ممتطوها إلَّا التَّشفيَ من المَدنيِّين من الأطفال والنساء والعجزة وكبار السِّن. لقَدْ أدرك الشَّعب الفلسطينيُّ بحسِّه المُقاوِم، وبنبض إرادة الصمود لدَيْه أنَّ قضيَّته الفلسطينيَّة العادلة لَمْ تَعُدْ صالحةً للتداول على موائد التفاوض، ولا المزايدة باسم دماء أبنائه، في ظلِّ مواكِب السماسرة والمتاجرين والمُطبِّعين، وفي ظلِّ تنصُّلٍ واضحٍ من استحقاقات السَّلام والتواطؤ، خصوصًا وأنَّ الحليف والعميل قَدْ كشَفَ عن وجْهِه الحقيقيِّ مع عمليَّة «طوفان الأقصى»، حين وصف العمليَّة بـ»الإرهابيَّة» ومُنفِّذِيها بـ»الإرهابيِّين» وأعطى الضوء الأخضر للعدوِّ الصهيونيِّ أنْ يوغِلَ في دماء المَدنيِّين، وأنَّه دفاعٌ عن النَّفْسِ.

خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: من أکتوبر ة الحربی من الم

إقرأ أيضاً:

“الأحرار” يدين الهجوم الإرهابي الجبان للبوليساريو على مدينة السمارة ويدعو إلى تدخل أممي

زنقة20ا الرباط

أدان حزب التجمع الوطني للأحرار، بشدة، الهجوم الإرهابي الذي استهدف، ليلة الجمعة-السبت، مدينة السمارة بمقذوفات أطلقتها ميليشيا “البوليساريو” الانفصالية، في اعتداء وصفه بـ”الجبان” يستهدف المدنيين، ويعكس حالة اليأس التي باتت تعيشها الأطروحة الانفصالية.

وقال بلاغ صادر عن الحزب  إن التجمع الوطني للأحرار، يدين بأشد العبارات لهذا العمل الإرهابي الذي يعبر عن حالة اليأس التي وصلت إليها الأطروحة الانفصالية لجبهة “البوليساريو” الوهمية، بسبب النجاحات المتتالية التاريخية التي حققتها بلادنا، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في تدبير ملف الصحراء المغربية، والتي يعكسها تقوية موقف بلادنا، وتزايد الدعم الدولي للوحدة الترابية للمملكة.

وتابع البلاغ “وإذنحمد الله سبحانه وتعالى على عدم تسجيل هذا العمل الإرهابي أية خسائر في الأرواح، فإننا نشيد عاليا بالأدوار الكبيرة التي تقوم بها مختلف القوات العسكرية والأمنية والسلطات الترابية في حماية الحدود الحقة للمملكة، وحماية الساكنة وضمان استتباب الأمن في المملكة الشريفة”.

وأكد التجمع الوطني للأحرار استحضاره لدقة المرحلة، مؤكدا ثقته في صلابة الجبهة الداخلية، ومواصلة التعبئة واليقظة خلف جلالة الملك محمد السادس، دام له النصر والتمكين، في التصدي لمناورات الخصوم، المكشوفين والخفيين، داعيا الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى متابعة هذا العمل الإرهابي المدان، بما يضمن احترام تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

مقالات مشابهة

  • الأردن يدين الهجوم الإرهابي في باكستان ويؤكد تضامنه الكامل
  • الإمارات تدين الهجوم الإرهابي على قافلة عسكرية في باكستان
  • درَّب القسام وهندس الطوفان.. من هو أبو عمر السوري الذي اغتالته إسرائيل بغزة؟
  • مصر تدين الهجوم الإرهابي شمال غرب باكستان.. وتقدم التعازي لأسر الضحايا
  • حكم العيسى أبو عمر السوري.. أحد مهندسي طوفان الأقصى
  • مصر تدين الهجوم الإرهابي فى شمال غرب باكستان
  • مصر تدين الهجوم الإرهابي في شمال غرب باكستان
  • هيئات مدنية بالأقاليم الجنوبية تدين الهجوم الإرهابي على السمارة
  • “الأحرار” يدين الهجوم الإرهابي الجبان للبوليساريو على مدينة السمارة ويدعو إلى تدخل أممي
  • المجلس الإسلامي السوري يعلن حلّ نفسه