شراع : الإرهاب على حمص وطوفان الأقصى .. أكتوبر يعيد نفسه
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
ما بَيْنَ العام 1973م والعام الحاليِّ 2023م يُعِيد شهر أكتوبر نَفْسَه بالأمجاد والانتصارات، وبالأحداث والمفارقات التي حملها آنذاك، ويحملها اليوم عَبْرَ عامل التمويه والتوقيت والمبادأة والمباغتة. فكما كان يوم السادس من أكتوبر 1973م أمرًا مفاجئًا لَمْ تتمكَّن أجهزة الاستخبارات الصهيونيَّة والأميركيَّة والغربيَّة من معرفة توقيت هجوم الجيشَيْنِ المصريِّ والسوريِّ على جيش الاحتلال الإسرائيليِّ في سيناء وهضبة الجولان، أرادَ العدوُّ متعدِّدُ الوُجوه أنْ يتبنَّى الأسلوب ذاتَه عَبْرَ هجومه الإرهابيِّ على الكُلِّيَّة الحربيَّة بمدينة حمص في الخامس من أكتوبر، لكنَّه ـ وكما عادته ـ لا يُجِيد إلَّا استهداف المدنيِّين من نساء وأطفال، وهذا العمل الإرهابيُّ يُشير إلى أنَّ هذا العدوَّ أراد الانتقام بعنصر المبادأة والمباغتة ذاته، وتخريب احتفالات الشَّعب السوريِّ بذكرى السادس من أكتوبر، ويؤكِّد في الوقت ذاتِه الحقدَ الدَّفين والمُتجذِّر تجاه الجيش العربيِّ السوريِّ وعموم الشَّعب السوريِّ الذي أذاق العدوَّ المحتلَّ الأمَرَّيْنِ.
اللافت أنَّ هذا الهجوم الإرهابيَّ الذي استهدف حفل تخريج فوج من الجنود والضبَّاط السوريِّين بالكُلِّيَّة الحربيَّة في مدينة حمص يأتي بعد تطوُّرات عدَّة:
الأوَّل: زيارة الرئيس السوريِّ بشار الأسد إلى جمهوريَّة الصين الشَّعبيَّة والاستقبال الحافل وغير المسبوق الذي قابلته به القيادة الصينيَّة، وما تمخَّض عن هذه الزيارة من اتفاقيَّات استراتيجيَّة من شأنها أنْ تقطعَ الطريق على الصهيوـ أميركيِّ نَحْوَ استكمال مشروعه لتخريب مبادرة الحزام والطريق لبكين.
الثاني: التفجير الذي استهدف مبانيَ تابعة لوزارة الداخليَّة التركيَّة في العاصمة أنقرة، وحديث الأخيرة عن أنَّ منفِّذَي الهجوم جاءَا من داخل سوريا، ومحاولة الأعداء الإيحاء بأنَّ الهجوم الإرهابيَّ على الكُلِّيَّة الحربيَّة نفَّذته تنظيمات إرهابيَّة محسوبة (فقط) على تركيا وترعاها الاستخبارات التركيَّة، وذلك بقصد التشويه وتعقيد الوضع، وقطع أيِّ تقارب أو توافُق بَيْنَ دمشق وأنقرة لتسوية الأوضاع برعاية إيرانيَّة روسيَّة.
الثالث: الإخفاق الحقيقيُّ لحلف شمال الأطلسيِّ بقيادة أميركا في تحقيق النصر الموهوم في أوكرانيا ضدَّ روسيا، ومحاولة تعويض الإخفاق والانتكاسة في أماكن أخرى تُمثِّل نفوذًا لروسيا الاتحاديَّة، لا سِيَّما في سوريا.
الرابع: الهَبَّة العشائريَّة في دير الزور ضدَّ ما يُسمَّى تنظيم «قسد» عملاء الاحتلال الأميركيِّ ومَن معه، حيث استطاعت العشائر تكبيد التنظيم خسائر فادحة وتطهير العديد من المساحات التي استولى عَلَيْها بأمْرٍ ودعمٍ من أسياده المُحتلِّين.
الخامس: التحرُّك العراقي وبالتنسيق مع حلفاء سوريا لتخريب المُخطَّط الصهيو ـ أميركيِّ لعزْلِ سوريا عن جوارها، حيث يهدف المُخطَّط إلى زيادة الخناق على الشَّعب السوريِّ، ودفعه نَحْوَ الخروج ضدَّ حكومته.
اليوم يحضر عنصر المباغتة والمبادأة بكُلِّ تجلِّياته وبكامل رمزيَّته وارتداداته المعنويَّة والنَّفْسيَّة والعسكريَّة والأمنيَّة والسِّياسيَّة، وذلك عَبْرَ العمليَّة البطوليَّة «طوفان الأقصى» التي أطلقها أبطال المقاومة الفلسطينيَّة الباسلة، لِيسجِّلَ هؤلاء الأبطال في السابع من أكتوبر 2023م إنجازًا تاريخيًّا كبيرًا، سيظلُّ وصْمةَ عارٍ على جبين كيان الاحتلال الإسرائيليِّ، وعلامةً دائمةً لَنْ تزولَ ولَنْ تمحوها جرائم الحرب الإسرائيليَّة والاستيطان والتهجير وانتهاك حقوق الأسرى. هذا الإنجاز لا يقلُّ عن إنجاز السادس من أكتوبر 1973م.
من المؤكَّد أنَّ العدوَّ الإسرائيليَّ بذيولِه ورؤوسِه المُتعدِّدة في فلسطين المحتلَّة وفي سوريا وغيرها وفي عموم الإقليم والعالَم، لَمْ يهنأ بنشوة الهجوم الإرهابيِّ على الكُلِّيَّة الحربيَّة في حمص، بَيْنَما يَقُودُ حليفُه الأميركيُّ لعبة التقاط الأنفاس على خطِّ النِّهاية، وقَدْ أوجعتْهُ مشاهد الإذلال والإهانة لكيانٍ ظلَّ يُروِّج لصورةٍ مشوَّهةٍ بأنَّه يمتلك «جيشًا لا يقهر» ويُسوِّق لذاتِه أنَّه الحصان الرابح لمسار التطبيع المجانيِّ، في رسالةٍ واضحة لا لبس فيها من المقاومة أنَّ الوجع في فلسطين تشعر به سوريا ومَن معها في محور المقاومة، والوجع في سوريا تشعر به فلسطين ومَن معها في المحور، وأنَّ المراهنة على الأحصنة المعطوبة خاسرة، التي لا يُجِيد ممتطوها إلَّا التَّشفيَ من المَدنيِّين من الأطفال والنساء والعجزة وكبار السِّن. لقَدْ أدرك الشَّعب الفلسطينيُّ بحسِّه المُقاوِم، وبنبض إرادة الصمود لدَيْه أنَّ قضيَّته الفلسطينيَّة العادلة لَمْ تَعُدْ صالحةً للتداول على موائد التفاوض، ولا المزايدة باسم دماء أبنائه، في ظلِّ مواكِب السماسرة والمتاجرين والمُطبِّعين، وفي ظلِّ تنصُّلٍ واضحٍ من استحقاقات السَّلام والتواطؤ، خصوصًا وأنَّ الحليف والعميل قَدْ كشَفَ عن وجْهِه الحقيقيِّ مع عمليَّة «طوفان الأقصى»، حين وصف العمليَّة بـ»الإرهابيَّة» ومُنفِّذِيها بـ»الإرهابيِّين» وأعطى الضوء الأخضر للعدوِّ الصهيونيِّ أنْ يوغِلَ في دماء المَدنيِّين، وأنَّه دفاعٌ عن النَّفْسِ.
خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: من أکتوبر ة الحربی من الم
إقرأ أيضاً:
صديق الجميع
عائض الأحمد
كيف لهذا الرجل؟ ومن أين له أن يأتي بهذه القوة والصبر، ثم يحكم على نفسه بأنه "صديق الجميع"؟ كيف له أن يجمع متناقضات هذه الشخصيات ويطويها تحت جناحيه ثم يحلق بها ويخلق لنفسه ولمن حوله مساحة للحديث والتساؤل؟
أي قُدرة جعلته يتلون ويستوعب حربهم وسلامهم صراخهم إنصاتهم، وتقلبات أجوائهم وسخرية أعمالهم وفوضوية أحوالهم؟ كيف له أن يبث شكواه وينعى حاله؟
أي ذنب اقترفتُ ومن أنا لأحملُ عذبات من ينفر منهم الجن قبل الإنس؟ ومن أين لى بصبر أُداوي نفس مرهقة أعياها لقاؤهم سنوات مليئة بالتوجس والخوف تعلوها ابتسامة لم تكن لي منها إلا تلك الصور الجامدة الموغلة في النفاق الاجتماعي الموسومة بالقدرة على محو التفاصيل وجمع أجزائها المفقودة في "برواز" يُضفي عليها شرعية المخالفين ومصافحة الأعداء في حدائق قصور الأغنياء، ممسكون أيدي بعضهم بعضا دون أن تبرد أطرافهم أو ترف أجفانهم، مخافة أفعالهم وسوء نواياهم.
لدي إيمان كامل بأن الحياة تعطي لنا الكثر وتأخذ منا أكثر، وكثيرها يُنتزع فلا تعتقد أنه سيأتيك خاضعا صاغرا يمشي على قدميه، وأخلاقياتك هي التي تحدد أي طريق تسلكه.
صديق الجميع، أنت مختلف ليس لأنك صديق لكل هؤلاء؛ بل لأنك لون وفرشة ووعاء ومصب تجري فيه كل هذه الشوائب، وأعتقد جازما أن الوقت لن يسعفك ليصفو ماعلق بهم، فاشرب ودع مُر الشكوى، فقد كان خيارك.
ومن لديه قدرة جمع كل هؤلاء، حتمًا سيخسر نفسه لا محاله، حذاري أن تندب حظك يا صانع الشقاء، وتقبل يا صديق الجميع، أو ليس قدرك؟!
لها: ليس بعد هذا البرق والرعد إلّا المطر.
شيء من ذاته: لم تجعل لى من طريق إلى قلبها تقصيني ثم تحسب أنفاسي تلذذًا بطلب العفو وغفران الماضي.
نقد: يظن أنه الصورة المثالية المجتمعة، ويرى أنه القدوة، وكأن الغرف المظلمة أُغلقت وغاب أثرها.
رابط مختصر