ساو باولو- تعدّ شركة الإنشاءات العملاقة أوديبريشت أحد أعمدة الاقتصاد البرازيلي، وهي شركة متعددة الأنشطة تعمل في أكثر من 25 بلدا في أميركا اللاتينية وخارجها، إلا أنها تورّطت في العديد من قضايا الفساد والرشى، التي كشفتها عملية تحقيق "لافا جاتو" التي هزّت الساحة السياسية البرازيلية.

أودت هذه الفضيحة بالعديد من كبار المسؤولين في الشركة إلى السجن في العام 2019، على رأسهم المدير العام للشركة مرسيلو أوديبريشت، مما أجبرها على تقديم طلب للحماية من الإفلاس بعد أن اعترفت بدفع 800 مليون دولار رشى للمسؤولين في 12 دولة، وعلى خلفية ذلك، أجبرت كل من البرازيل وسويسرا والولايات المتحدة أوديبريشت على دفع غرامات بقيمة 2.

6 مليار دولار.

ولم تنته الفضائح عند هذا الحد، فقبل أيام أرجأ القضاء البنمي محاكمة عدد من المسؤولين البنميين، من بينهم الرئيسان السابقان للبلاد خوان كارلوس فاريلا وريكاردو مارتينيلي، بالإضافة إلى 6 وزراء سابقين، على خلفية قضايا فساد متعلقة بالشركة، التي نفّذت العديد من المشاريع الهامة في بنما كتوسيع قناة بنما بين المحيطين الهادي والأطلسي، وإنشاء خطوط المترو والجسور والملاعب وغيرها.

وللحديث عن هذا الموضوع أجرت الجزيرة نت الحوار التالي مع الباحث الاقتصادي ألمير سيزار فيليو.

الباحث فيليو يرى أن اقتراح تأميم شركة أوديبريشت وسيلة لاسترداد الخسائر التي ألحقتها الشركة بالصناديق العامة (مواقع التواصل) ما طبيعة العلاقة بين شركة أوديبريشت والدولة البرازيلية؟

تعكس العلاقة بين الدولة البرازيلية وشركة أوديبريشت المشاكل المتأصلة في النظام المالي العالمي عامة، والبرازيلي خاصة، فقد لعبت رأسمالية الدولة في البرازيل دورا مركزيا عندما موّلت الحكومة مشاريع أوديبريشت، ومنحتها عقودا عامة، وفتحت فرص الأعمال والأسواق أمامها، مما أثار المخاوف والشكوك بشأن الشفافية والفساد.

وقد استفادت أوديبريشت مثل غيرها من الشركات الكبرى من هذه العلاقة الوثيقة لتحقيق أقصى قدر من الأرباح، ومع ذلك، فإن الفساد مشكلة نظامية تستمر بغض النظر عن الحكومة والبلد، وهناك توجه بديل يدعو إلى إجراء إصلاحات بنيوية لإضفاء الطابع الديمقراطي على الاقتصاد، بدءا بإدارة الشركات.

هل تؤثر مشاكل أوديبريشت على علاقات البرازيل مع دول الجوار؟

نعم، أثرت المشاكل التي واجهتها شركة أوديبريشت على علاقة البرازيل بالدول المجاورة، كان لفضائح الفساد التي تورطت فيها الشركة تداعيات دولية، مما سلّط الضوء على النفوذ العالمي للشركات البرازيلية.

وقد أثارت عملية "لافا جاتو" جدلا بشأن التدخل الأجنبي، كتدخل الولايات المتحدة في الشأن البرازيلي، والتي ربما تنظر إلى البرازيل وشركاتها كمنافس يجب سحقه، وهذا يسلط الضوء على كيف أنه يمكن لتصرفات وممارسات الشركات المتعددة الجنسيات أن تؤدي إلى تعقيد العلاقات الدولية.

ربما من الأجدر الدعوة والعمل على تأسيس منظور بديل يعطي الأولوية للتعاون الدولي واتفاقيات التجارة العادلة، وليس الصفقات الكبيرة للشركات والأرباح الفائقة للمساهمين.

آلاف البرازيليين تجمعوا في ساو باولو في أبريل/نيسان 2019 لإظهار الدعم لعملية لافا جاتو (الأوروبية) لكن ما الوضع القانوني لأوديبريشت اليوم؟ وهل هي متورّطة في قضايا فساد بالبرازيل كما هي الحال بدول الجوار؟

يعتبر الوضع القانوني لشركة أوديبريشت في البرازيل معقدا بسبب تورطها في قضايا فساد لا يزال التحقيق فيها جاريا ومحاكمتها مستمرة، لقد كشفت عملية "لافا جاتو" عن هذه الممارسات الفاسدة، ولكنها أثارت أيضا جدلاً حول حيادها، مما أدى إلى إلغاء العديد من الإدانات في الهيئات القضائية العليا.

كما تورطت أوديبريشت في قضايا فساد في الدول المجاورة، مما سلط الضوء على مدى ممارساتها التي كانت غير أخلاقية بالنسبة للعمليات التجارية بشكل عام، ومع ذلك، فإن الافتقار إلى عقوبة فعالة يظل انتقادا صحيحا، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى إصلاح أعمق في النظام القضائي البرازيلي وفي بلدان أخرى.

إن اقتراح تأميم الشركة هو إستراتيجية مقبولة في هذه الحالة بوصفه ردا قضائيا على مدرائها أو المساهمين المسيطرين في هذا النوع من الشركات، وهو وسيلة لوضع حد لشلل الأعمال، وطريقة مُثلى لاسترداد الخسائر التي ألحقتها الشركة بالصناديق العامة.

ما طبيعة الحكم أو الإجراء الذي يمكن أن يتخذه القضاء البنمي في القضية؟

لقد تم تعليق القضية لتقييم الأدلة المضافة إلى الدعوى، ولن تُستأنف إلا في مايو/أيار 2024، أي بعد الانتخابات الرئاسية والعامة، ولكن بالإضافة إلى اعتقال السياسيين والمديرين التنفيذيين، قد يُطلب من الشركة التوقف عن توقيع اتفاقيات تعاقدية مع الحكومة البنمية، الأمر الذي من شأنه أن يخلق أزمة اقتصادية ويتسبّب بفقدان آلاف الوظائف.

جونيور يرى أن التحقيقات في قضايا الفساد المتعلقة بالشركة لا تنحصر في بنما فقط (مواقع التواصل)

وحول ملابسات المعركة القضائية ضد شركة أوديبريشت في بنما والقضايا التي تورّطت بها، يقول الخبير القانوني فالديمير سواريز جونيور إن أوديبريشت متهمة باستخدام شركات وهمية لغسل الأموال التي يُزعم أنها ناشئة عن الفساد في أعمال ومشاريع كبرى لصالحها، وهو وضع مشابه لما حدث في البرازيل، مما اضطر الشركة إلى توقيع اتفاقية تسوية وإعادة مبالغ كبيرة إلى الدولة البرازيلية.

وعن الأسماء والشخصيات الكبيرة المتورّطة في قضايا فساد متعلّقة بأعمال أوديبريشت في بنما، يقول جونيور "ترتبط الأسماء بإدارة الشركة والقيادة العليا للدولة. من الواضح أن شركة أوديبريشت تسير على هذا النهج في جميع أنحاء العالم".

وتابع "في الواقع التحقيقات في قضايا الفساد المتعلّقة بالشركة لا تنحصر في بنما فقط، بل هناك تحقيقات في عدة دول واتفاقيات تسوية وحماية من الإفلاس في البرازيل وسويسرا والولايات المتحدة، حيث تعترف الشركة بدفع مبالغ لتسهيل تحقيق أهدافها التجارية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی قضایا فساد فی البرازیل الضوء على فی بنما

إقرأ أيضاً:

مشير المصري للجزيرة نت: معركتنا التفاوضية تشبه مفاوضات البقرة الصفراء

غزة- بين شائعتي اغتاله جيش الاحتلال الإسرائيلي واعتقله تردد اسمه خلال العدوان على غزة مرارا، لكن القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مشير المصري أطل -عقب انتهاء الحرب التي استمرت أكثر من عام ونصف- بجسده سليما معافى دون أن يصاب أو يعتقل.

وأجرت الجزيرة نت حوارا مباشرا مع المصري -الذي أسند إشاعة الأخبار المغلوطة عنه وعن قيادات عدة في الحركة- إلى الاحتلال "الذي يسعى من وراء ذلك إلى جمع معلومات أمنية عن الشخصيات المطلوبة لإسرائيل بعد فشلها في الوصول إليهم، حيث تستفيد من التغذية الراجعة من شيوعها، كما أنها تأتي ضمن الحرب النفسية لضرب الروح المعنوية".

وعبر المراسلات المكتوبة كان يطمئن أفراد عائلته عنه ويطمئن عليهم من خلالها، وقد كان هذا الأمر يستغرق أياما في كثير من الأوقات لوصولها، مما يضاعف قلقه عليهم وقلقهم عليه، خاصة في ظل انتشار الشائعات.

ظروف استثنائية

لدى مشير المصري -المكنى بأبي بكر- 8 أبناء (6 فتيان وفتاتان)، وأصبح جَدّا في العدوان، إذ زوّج كبرى بناته وبكر أبنائه قبل بدايتها.

ودمرت الحرب بيته الجديد الذي أقامه في بيت لاهيا شمال قطاع غزة ولم تمنحه سوى 10 أشهر للعيش فيه، حيث دخله الجنود وفخخوه بعدما نشروا صورا من داخله لأسلحة جمعوها من المواقع العسكرية المحيطة ووضعوا في منتصفها رخصة قيادة خاصة بالمصري، لينسفوا بعد ذلك المنزل كله فيصبح أثرا بعد عين.

إعلان

أوجد يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ارتباكا عند جل الغزيين، ولا سيما عند المطلوبين للاحتلال الذين يعيشون في كل عدوان ظروفا استثنائية يحاولون فيها اتباع خطة للطوارئ معدة مسبقا، فيضطرون خلال دقائق إلى إخلاء المنزل هم وأفراد عائلاتهم والانفصال عنهم، ليلتقي معهم بعد عام ونصف، وهي فترة جاوزت كل التوقعات، كما يقول المصري.

وأضاف "لم يكن أحد يتخيل أن تكون الحرب بهذه الوحشية والدموية أو أن يطول أمدها، وقد كانت أشد مراحلها وطأة على قلبي حين اُجتيح الشمال".

ويكشف المصري للجزيرة نت أنه لم يخرج من بلدة بيت لاهيا إلى مدينة غزة إلا في اليوم الأول لحصار محافظة شمال القطاع، حيث تسلل من بين فكي كماشة، تاركا إخوته وأبناءه الكبار فيه، ليعيش أياما بالغة الصعوبة، خاصة عقب انقطاع الاتصال بهم، ليتبين بعد انسحاب الاحتلال استشهاد 12 فردا من عائلته كان من بينهم أخواه وعائلاتهما، ليصبح له 3 من الإخوة شهداء بعد فقده الأول عام 2004.

المصري والقادة

وعدّد المصري أسماء إخوته، والتي وصفها بالعسكرية قائلا "أسماء إخوتي ثورة وتحرير وفلسطين وفارس وخميس ورائد، ومشير، وقد كان والدايّ قاصدين ذلك لإذكاء روح الثورة في نفوس أبنائهما".

وجاء اجتياح شبح المجاعة للشمال في وقت كان فيه المصري ومن معه قد عكفوا على الصيام حيث قضوا نصف الحرب صياما ضمن ما وصفها بالفلسفة التعبدية التي سلكوها منذ بداية العدوان.

لكن ونظرا لظروفهم الأمنية المعقدة ومنع تحركهم فقد كانت المجاعة شديدة الصعوبة عليهم، حيث كانت وجبتهم الوحيدة على مدار اليوم هي الإفطار على شوربة العدس إن توفرت.

وتأثر المصري بشكل شديد باستشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية بحكم علاقته الوطيدة به، كما أنه كان ملهمه في فترات صعوده وقدوته في علاقاته الاجتماعية المفتوحة، كما تأثر بأسلوبه الخطابي مع الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي.

إعلان

ويذكر لقاءه الأخير مع الشهيد يحيى السنوار قبل أيام من عملية "طوفان الأقصى"، إذ أثنى على تصريحات كان قد أدلى بها المصري، معلقا على ذلك بقوله "سيحدث كل ما قلته يا أبا بكر، بل وأكثر".

أما عن القائد الشهيد محمد الضيف فقال المصري "إن قائدا ملهما بحجمه وتضحياته وعمره التاريخي العسكري ومواكبته كل المحطات التي مرت بها كتائب القسام منذ سلاح الكارلو إلى صاروخ عياش 250 لا تليق به خاتمة سوى الشهادة".

القيادي في حركة حماس مشير المصري ومراسلة الجزيرة نت يسرى العكلوك (الجزيرة) ترتيبات أمنية

تشدد حركة حماس ضمن ترتيباتها الأمنية مؤخرا على منع تجمّع عدد كبير من القيادات في المكان ذاته، كي لا تدفع ثمنا كبيرا بخسارتهم كما حدث في معركة "سيف القدس" التي استشهد فيها ثلة من خيرة قادة القسام، بحسب المصري.

كما يوطن المستهدفون أنفسهم وعوائلهم على توقع تلقي خبر الاستشهاد في أي لحظة، وهو أقسى ما يمكن أن يدفعه الإنسان في معركة تحرره مع الاحتلال.

ونفى المصري أن تكون إطالة أمد الحرب قرارا إسرائيليا، بل برأيه، فإن القوى الدولية شكلت للاحتلال مظلة آمنة وصمام أمان للمضي فيها، خاصة مع عدم وجود قوة تحركت لردعه أو لكبح جماحه، كما يعزو ذلك إلى الانحياز الأميركي والأوروبي للاحتلال ودعمهما المفتوح له بالسلاح، وما قابل ذلك من حالة الخذلان العربي والإسلامي.

وقال إن أكبر تحدٍ يواجه حركة حماس اليوم هو المضي في اتفاق وقف إطلاق النار، وتابع" نخوض معركة تفاوضية تشبه مفاوضات البقرة الصفراء، لكننا في الوقت نفسه نديرها بكل حكمة واقتدار أمام وجود ورقة الأسرى القوية في يدنا"، مؤكدا رفض الحركة السماح للاحتلال بالمضي في سياسة المماطلة دون أن يدفع ثمن ذلك.

مقالات مشابهة

  • عاجل | مصادر للجزيرة: غارات إسرائيلية على محيط مدينة طرطوس غربي سوريا
  • خبير اقتصادي: الدولة تهتم بالشريحة التي تحتاج الرعاية المجتمعية
  • إخماد حريق التهم مسرح حفلات بالهرم
  • لويزا الألمانية.. تروي للجزيرة نت كيف أسلمت ورابطت في المسجد الأقصى
  • علامة HONOR تكشف عن استراتيجيتها المؤسسية الجديدة التي تسعى من خلالها لإتمام انتقالها إلى شركة متخصصة في نظام الأجهزة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
  • مفاوضات متقدمة لتصنيع طائرات إمبراير البرازيلية الضخمة بالمغرب
  • ترقب استئناف الاستثمارات في منجم للنحاس في بنما بقيمة 10 مليارات دولار
  • مشير المصري للجزيرة نت: معركتنا التفاوضية تشبه مفاوضات البقرة الصفراء
  • توقيف131 موظفًا في 8 جهات حكومية بتهم فساد
  • فتى فلسطيني محرر يروى للجزيرة تفاصيل تعذيبه بسجون الاحتلال