عملية طوفان الأقصى.. الآثار البعيدة
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
من الغفلة، بل العبث، أن ننكر أن إسرائيل لا تدير شؤونها يوما بيوم، وفق أهداف صغيرة عابرة، ولا بناء على خطة تستغرق بضع سنوات، إنما تنبع سياساتها التفصيلية السريعة، وخططها المتأنية من إستراتيجية بناها مؤسسوها، والتزم بها من تعاقبوا على حكمها.
ويقوم جزء أصيل من هذه الإستراتيجية على إشعار الخصوم بالضعة، وقلة الحيلة، عبر إظهار الإسرائيلي على أنه دوما شخص حاد الذكاء، قوي الإرادة، ثم إظهار المؤسسة التي تقيمها إسرائيل بأنها غاية في الكفاءة، حيث التنظيم المحكم، والإخلاص الشديد، والقدرة الهائلة على الإنجاز.
وعوّلت إسرائيل على هذه الصورة في تسويق نفسها لمحيطها العربي، سواء أيام الحروب لفرض هيبة وردع، أو بعد إطلاق مسار سلام لجلب منفعة، عبر تعاون اقتصادي تارة، أو عرض حماية بلدان عربية من أعداء إقليميين تارة أخرى.
ولا ننسى في هذا المقام ما كان يردده شيمون بيريز رئيس الوزراء الراحل حول تعاون إقليمي تكون إسرائيل عقله، ودرعه وسيفه إن اقتضى الأمر.
الوحش الكاسرصورت إسرائيل نفسها لمحيطها العربي على أنها وحش كاسر، لا يمكن مواجهته، في الوقت الذي كانت ترسم لنفسها صورة مختلفة في الغرب، على أنها حمل وديع وسط "قطعان من الذئاب الجائعة"، معولة على الصورة النمطية للعربي في ذهن الغرب، والتي لا تعدو أن تكون إنشاء محرفا ومزيفا لإحن القرون الوسطى حسبما ذهب إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق".
حين عاد الفلسطينيون إلى حمل السلاح كانت قدرتهم محدودة، لا تتعدى البندقية وصواريخ محدودة المدى، ضعيفة القوة التدميرية، قليلة الدقة، لكنهم تمكنوا رويدا رويدا من تطوير هذه القدرة، إلى أن صارت لديهم صواريخ قادرة على تغطية كل جغرافيا إسرائيل بالنيران
ورغم أن بعض الباحثين والمفكرين العرب قد انتبهوا إلى لعبة المبالغة في القدرات لتركيع الخصوم، مثلما فعل عبد الوهاب المسيري، فإن الأغلبية من العرب ظلوا على حالهم القديمة، مستسلمين للدعايات الإسرائيلية في الغالب الأعم، بل كان من بينهم من يغذي هذا الشعور، سواء عن قصد، أو عن جهالة، أو لامبالاة، وأحيانا للتنصل من تبعات المواجهة.
وحتى الذين وضعوا أيديهم على هذه المبالغات المفرطة، وأدركوا أن الجزء الأساسي من قوة إسرائيل يعود إلى المدد الغربي لها، فإنهم لم يتمكنوا، لأسباب عديدة، من نشر تصورهم هذا على نطاق واسع، ليصبح بمُكْنته أن يزيح رواسب الجزع الذي كرسته آلة الدعاية الإسرائيلية الممنهجة النافذة والتي يساعدها الإعلام الغربي.
وعبثا حاول مؤرخون، ومنهم المصري قاسم عبده قاسم، أن يلفتوا الانتباه، ويعيدوا إلى الأذهان ما كان يقوم به الفرنجة في القرون الوسطى من التزام حيال الإمارات "الصليبية" التي كوّنوها في المكان نفسه التي قامت فيه إسرائيل، مثل الرها وأنطاكية وعكا وبيت المقدس، وعاش بعضها ما يزيد على قرن من الزمن ثم ذاب في محيطه الإقليمي فيما بعد.
اكتساب المناعة والاعتماد على الذاتوحدهم الفلسطينيون، ورغم الصدمة المروعة التي حدثت لهم أيام القتل والتهجير وبعده، راحوا يرون الأمر على حقيقته، دون مبالغة، وهي مسألة وفرها لهم الاقتراب الدائم والاحتكاك اليومي بالإسرائيليين، والذي أمدهم بعدة مزايا في وقت واحد هي: اعتياد التعامل مع الإيذاء ثم التحايل عليه أو مواجهته، واكتشاف نقاط الضعف في المجتمع الإسرائيلي، والمعرفة العميقة بشخصية اليهودي، باعتبار أن إسرائيل أعلنت نفسها دولة لليهود فقط.
اكتسب الفلسطينيون مناعة بمرور الوقت، مثلما يحدث في الجوانب البيولوجية للكائنات الحية، وصاروا أكثر قدرة على الاعتماد على الذات في الدفاع عن أنفسهم، بعد أن ظلوا زمنا طويلا يعتمدون على مساندة العرب عسكريا لقضيتهم.
هذا الاعتماد بني على إدراك أن لافتة "الصراع العربي – الإسرائيلي" قد سقطت أو على الأقل ترنحت، وأن الصراع تحول، بحكم ما مر به من منعطفات على مدار 75 عاما، إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي، وأن العرب حتى لو مدوا يد العون المالي والدبلوماسي والإعلامي فإنهم لن يربضوا في الخنادق ويحملوا البنادق، مع الفلسطينيين.
في إطار هذا الفهم تم تطوير فكرة المقاومة، من مجرد الاكتفاء بصد هنا أو رد هناك، عبر عمليات فلسطينية متفرقة ضد إسرائيليين، مثل تلك الاستشهادية التي كان يقوم بها عناصر من حماس أو الجهاد الإسلامي، وكان الغرب يصفها بالإرهاب، وهو الوصف نفسه الذي لحق بعمليات قامت بها فتح أو حركات يسارية أخرى.
وجرّب الفلسطينيون انتفاضة الحجارة، التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 1987 واستمرت 6 أعوام، وحققت دعايات مذهلة للفلسطينيين، والأهم أنها أكسبتهم ثقة في أنفسهم وقدرة على تحويل العفوي إلى جهد منظم. أما الأكثر أهمية فهو انكشاف نفسية الجندي الإسرائيلي أمام الفلسطيني، إذ كان بعض الجنود يهربون أمام أطفال يقذفونهم بالحجارة، وصار المقلاع الفلسطيني يقف في وجه الدبابة، ليس بالطبع في تكافؤ الإيذاء إنما في تحقيق الرهبة.
وحين عاد الفلسطينيون إلى حمل السلاح كانت قدرتهم محدودة، لا تتعدى البندقية وصواريخ محدودة المدى، ضعيفة القوة التدميرية، قليلة الدقة، لكنهم تمكنوا رويدا رويدا من تطوير هذه القدرة، إلى أن صارت لديهم صواريخ قادرة على تغطية كل جغرافيا إسرائيل بالنيران، ونرى نوعياتها وامكانياتها تتطور من مواجهة إلى أخرى.
حيازة قوة متصاعدة أعطت الفلسطينيين منعة وصلابة نفسية، جعلتهم يتحدثون مع الإسرائيليين حديث الأنداد في ميادين القتال، وليس على طاولة التفاوض، التي طالما تمكنت إسرائيل من دفع أوراقه لتتساقط من يد المفاوض الفلسطيني.
وعلى درب الأنداد في ميادين القتال تأتي عملية "طوفان الأقصى" لتمحو بقايا أي رواسب للخوف الذي صنعته الدعايات الإسرائيلية ذات المبالغات والتهويلات، وهذا أثر له ما بعده في قابل الأعوام.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الجمعة الثانية.. إسرائيل تشدد قيودها على وصول الفلسطينيين للأقصى
فرضت إسرائيل قيودا مشددة على وصول الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة إلى مدينة القدس للصلاة بالمسجد الأقصى في ثاني جمعة من شهر رمضان.
وأفاد مراسل الأناضول في الضفة بأن الجيش الإسرائيلي عزز قواته على المعابر المؤدية إلى القدس، ودقّق في هويات الفلسطينيين، ورفض دخول بعضهم بدعوى عدم الحصول على تصاريح خاصة.
وأشار إلى أن القوات منعت فلسطينيين من محافظتي جنين وطولكرم (شمال الضفة) من الوصول إلى القدس رغم حصولهم على التصاريح.
يأتي ذلك المنع في ظل تواصل العملية العسكرية الإسرائيلية في محافظتي جنين وطولكرم منذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي خلفت دمارا كبيرا طال المنازل والبنى التحتية وتسببت بتهجير نحو 40 ألف فلسطيني واعتقال نحو 400، وقتل نحو 50، بحسب مصادر فلسطينية.
الفلسطينية عائشة نزال من بلدة قباطية جنوب جنين، قالت إن الجيش الإسرائيلي منعها من الوصول إلى القدس رغم حصولها تصريح خاص.
وأضافت للأناضول: "القدس والأقصى كل شيء بالنسبة للفلسطينيين، وحرية العبادة مكفولة لكن الاحتلال يضرب بكل شيء عرض الحائط".
من جانبه، قال تيسير بلعاوي من مدينة جنين، إن السلطات الإسرائيلية منعته من الوصول إلى مدينة القدس دون سبب، فقط لكونه من جنين.
وأضاف: "حصلت على تصريح خاص عبر منصة المنسق الإسرائيلي كما هي التعليمات، ولا يوجد أي رفض أمني، ولكن عندما رأى الجنود العنوان جنين منعوني من الدخول".
وحاول البلعاوي عدة مرات الوصول إلى الحواجز الإسرائيلية والعبور، وفي كل مرة يمنعه الجنود، بحسب قوله.
وتابع: "الجيش الإسرائيلي يواصل عمليته العسكرية في جنين إذا كان هناك أمر ما يخصني كان اعتقلني، ولكن كل ما في الأمر تضييق على الناس".
وشهد حاجز قلنديا شمال القدس، وحاجز "300" جنوب المدينة، ازدحاما على بوابات الدخول من الضفة باتجاه القدس.
وفي 6 مارس/ آذار الجاري صادق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على فرض قيود مشددة على وصول المصلين الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال أيام الجمعة في شهر رمضان.
وجاء في بيان صدر عن مكتب نتنياهو، أن الحكومة أقرت توصية المنظومة الأمنية بالسماح لعدد محدود من المصلين من الضفة بدخول المسجد وفقًا للآلية المتبعة العام الماضي.
ووفق التوصية، سيسمح فقط للرجال فوق 55 عاما، والنساء فوق 50 عاما، والأطفال دون سن 12 عاما بدخول المسجد الأقصى المبارك بشرط الحصول على تصريح أمني مسبق والخضوع لفحص أمني شامل عند المعابر المحددة.
ويتزامن هذا القرار مع استمرار اقتحام مئات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى يوميا خلال رمضان، وسط تصعيد إجراءات التضييق على الفلسطينيين القادمين من الضفة الغربية.
وكانت السلطات الإسرائيلية فرضت قيودًا مشددة على وصول الفلسطينيين من الضفة إلى القدس الشرقية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فيما أعلنت الشرطة نشر تعزيزات أمنية إضافية في القدس مع حلول شهر رمضان.
ويعتبر الفلسطينيون هذه الإجراءات جزءا من محاولات إسرائيل لتهويد القدس الشرقية، بما في ذلك المسجد الأقصى، وطمس هويتها العربية والإسلامية.