الجزيرة:
2024-11-23@05:34:51 GMT

عملية طوفان الأقصى.. الآثار البعيدة

تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT

عملية طوفان الأقصى.. الآثار البعيدة

من الغفلة، بل العبث، أن ننكر أن إسرائيل لا تدير شؤونها يوما بيوم، وفق أهداف صغيرة عابرة، ولا بناء على خطة تستغرق بضع سنوات، إنما تنبع سياساتها التفصيلية السريعة، وخططها المتأنية من إستراتيجية بناها مؤسسوها، والتزم بها من تعاقبوا على حكمها.

ويقوم جزء أصيل من هذه الإستراتيجية على إشعار الخصوم بالضعة، وقلة الحيلة، عبر إظهار الإسرائيلي على أنه دوما شخص حاد الذكاء، قوي الإرادة، ثم إظهار المؤسسة التي تقيمها إسرائيل بأنها غاية في الكفاءة، حيث التنظيم المحكم، والإخلاص الشديد، والقدرة الهائلة على الإنجاز.

وانسحب هذا بالطبع على تصويرها الجندي الإسرائيلي بأنه لا يقهر، وجيشها لا يهزم، وحروبه نزهة، وتدور رحاها على أرض العرب، وليس داخل إسرائيل. كما امتدت الصورة إلى جهاز استخباراتها "الموساد" فهو الأمهر من حيث تجنيد العملاء، وجمع المعلومات، وبناء التصورات، ورسم الخطط.

وعوّلت إسرائيل على هذه الصورة في تسويق نفسها لمحيطها العربي، سواء أيام الحروب لفرض هيبة وردع، أو بعد إطلاق مسار سلام لجلب منفعة، عبر تعاون اقتصادي تارة، أو عرض حماية بلدان عربية من أعداء إقليميين تارة أخرى.

ولا ننسى في هذا المقام ما كان يردده شيمون بيريز رئيس الوزراء الراحل حول تعاون إقليمي تكون إسرائيل عقله، ودرعه وسيفه إن اقتضى الأمر.

الوحش الكاسر

صورت إسرائيل نفسها لمحيطها العربي على أنها وحش كاسر، لا يمكن مواجهته، في الوقت الذي كانت ترسم لنفسها صورة مختلفة في الغرب، على أنها حمل وديع وسط "قطعان من الذئاب الجائعة"، معولة على الصورة النمطية للعربي في ذهن الغرب، والتي لا تعدو أن تكون إنشاء محرفا ومزيفا لإحن القرون الوسطى حسبما ذهب إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق".

حين عاد الفلسطينيون إلى حمل السلاح كانت قدرتهم محدودة، لا تتعدى البندقية وصواريخ محدودة المدى، ضعيفة القوة التدميرية، قليلة الدقة، لكنهم تمكنوا رويدا رويدا من تطوير هذه القدرة، إلى أن صارت لديهم صواريخ قادرة على تغطية كل جغرافيا إسرائيل بالنيران

ورغم أن بعض الباحثين والمفكرين العرب قد انتبهوا إلى لعبة المبالغة في القدرات لتركيع الخصوم، مثلما فعل عبد الوهاب المسيري، فإن الأغلبية من العرب ظلوا على حالهم القديمة، مستسلمين للدعايات الإسرائيلية في الغالب الأعم، بل كان من بينهم من يغذي هذا الشعور، سواء عن قصد، أو عن جهالة، أو لامبالاة، وأحيانا للتنصل من تبعات المواجهة.

وحتى الذين وضعوا أيديهم على هذه المبالغات المفرطة، وأدركوا أن الجزء الأساسي من قوة إسرائيل يعود إلى المدد الغربي لها، فإنهم لم يتمكنوا، لأسباب عديدة، من نشر تصورهم هذا على نطاق واسع، ليصبح بمُكْنته أن يزيح رواسب الجزع الذي كرسته آلة الدعاية الإسرائيلية الممنهجة النافذة والتي يساعدها الإعلام الغربي.

وعبثا حاول مؤرخون، ومنهم المصري قاسم عبده قاسم، أن يلفتوا الانتباه، ويعيدوا إلى الأذهان ما كان يقوم به الفرنجة في القرون الوسطى من التزام حيال الإمارات "الصليبية" التي كوّنوها في المكان نفسه التي قامت فيه إسرائيل، مثل الرها وأنطاكية وعكا وبيت المقدس، وعاش بعضها ما يزيد على قرن من الزمن ثم ذاب في محيطه الإقليمي فيما بعد.

اكتساب المناعة والاعتماد على الذات

وحدهم الفلسطينيون، ورغم الصدمة المروعة التي حدثت لهم أيام القتل والتهجير وبعده، راحوا يرون الأمر على حقيقته، دون مبالغة، وهي مسألة وفرها لهم الاقتراب الدائم والاحتكاك اليومي بالإسرائيليين، والذي أمدهم بعدة مزايا في وقت واحد هي: اعتياد التعامل مع الإيذاء ثم التحايل عليه أو مواجهته، واكتشاف نقاط الضعف في المجتمع الإسرائيلي، والمعرفة العميقة بشخصية اليهودي، باعتبار أن إسرائيل أعلنت نفسها دولة لليهود فقط.

اكتسب الفلسطينيون مناعة بمرور الوقت، مثلما يحدث في الجوانب البيولوجية للكائنات الحية، وصاروا أكثر قدرة على الاعتماد على الذات في الدفاع عن أنفسهم، بعد أن ظلوا زمنا طويلا يعتمدون على مساندة العرب عسكريا لقضيتهم.

هذا الاعتماد بني على إدراك أن لافتة "الصراع العربي – الإسرائيلي" قد سقطت أو على الأقل ترنحت، وأن الصراع تحول، بحكم ما مر به من منعطفات على مدار 75 عاما، إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي، وأن العرب حتى لو مدوا يد العون المالي والدبلوماسي والإعلامي فإنهم لن يربضوا في الخنادق ويحملوا البنادق، مع الفلسطينيين.

في إطار هذا الفهم تم تطوير فكرة المقاومة، من مجرد الاكتفاء بصد هنا أو رد هناك، عبر عمليات فلسطينية متفرقة ضد إسرائيليين، مثل تلك الاستشهادية التي كان يقوم بها عناصر من حماس أو الجهاد الإسلامي، وكان الغرب يصفها بالإرهاب، وهو الوصف نفسه الذي لحق بعمليات قامت بها فتح أو حركات يسارية أخرى.

وجرّب الفلسطينيون انتفاضة الحجارة، التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 1987 واستمرت 6 أعوام، وحققت دعايات مذهلة للفلسطينيين، والأهم أنها أكسبتهم ثقة في أنفسهم وقدرة على تحويل العفوي إلى جهد منظم. أما الأكثر أهمية فهو انكشاف نفسية الجندي الإسرائيلي أمام الفلسطيني، إذ كان بعض الجنود يهربون أمام أطفال يقذفونهم بالحجارة، وصار المقلاع الفلسطيني يقف في وجه الدبابة، ليس بالطبع في تكافؤ الإيذاء إنما في تحقيق الرهبة.

وحين عاد الفلسطينيون إلى حمل السلاح كانت قدرتهم محدودة، لا تتعدى البندقية وصواريخ محدودة المدى، ضعيفة القوة التدميرية، قليلة الدقة، لكنهم تمكنوا رويدا رويدا من تطوير هذه القدرة، إلى أن صارت لديهم صواريخ قادرة على تغطية كل جغرافيا إسرائيل بالنيران، ونرى نوعياتها وامكانياتها تتطور من مواجهة إلى أخرى.

حيازة قوة متصاعدة أعطت الفلسطينيين منعة وصلابة نفسية، جعلتهم يتحدثون مع الإسرائيليين حديث الأنداد في ميادين القتال، وليس على طاولة التفاوض، التي طالما تمكنت إسرائيل من دفع أوراقه لتتساقط من يد المفاوض الفلسطيني.

وعلى درب الأنداد في ميادين القتال تأتي عملية "طوفان الأقصى" لتمحو بقايا أي رواسب للخوف الذي صنعته الدعايات الإسرائيلية ذات المبالغات والتهويلات، وهذا أثر له ما بعده في قابل الأعوام.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الفلسطينيون يرحبون بأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين  

 

 

القدس المحتلة - رحبت السلطة الفلسطينية وحركة حماس بمذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق فيما يتصل بالحرب على غزة.

وقالت السلطة الفلسطينية في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إن "دولة فلسطين ترحب بالقرار" بإصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

وقالت المحكمة الجنائية الدولية إنها وجدت "أسبابًا معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت يتحملان "المسؤولية الجنائية" عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، فضلاً عن الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.

وقال البيان الفلسطيني إن "قرار المحكمة الجنائية الدولية يمثل الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته"، وحث الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية على قطع "الاتصالات والاجتماعات" مع نتنياهو وغالانت - الذي أقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر.

ولم يشر البيان الصادر عن السلطة الفلسطينية التي تمارس سيطرة إدارية جزئية على الضفة الغربية المحتلة إلى مذكرة الاعتقال التي صدرت الخميس أيضا بحق القائد العسكري لحركة حماس محمد ضيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقالت إسرائيل إنها قتلت الضيف في غزة في يوليو/تموز، لكن حماس لم تؤكد وفاته.

ولم تذكر المجموعة، في بيانها الخاص بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية، ضيف أيضًا.

وقالت حماس إن مذكرات الاعتقال الصادرة بحق القادة الإسرائيليين "خطوة مهمة نحو العدالة ويمكن أن تؤدي إلى إنصاف الضحايا بشكل عام".

لكن عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم قال إن "الخطوة ستبقى محدودة ورمزية إذا لم تدعمها كل دول العالم بكل الوسائل".

- "مجازر" -

وفي رد على سؤال لوكالة فرانس برس حول مذكرة اعتقال الضيف، قال مسؤول في حماس طلب عدم الكشف عن هويته إنه "لا مقارنة بين المحتل المجرم والضحية".

وأشار الفلسطينيون الذين هجروا من منازلهم في غزة إلى أن أوامر المحكمة الجنائية الدولية لن تحدث أي فرق في معاناتهم.

وقال يوسف أبو هويشل، من داخل ملجأ هش ذو أرضية ترابية في وسط غزة، "من المهم أن نرى شخصا يتحدث عن هذه المجازر والشعب المضطهد"، ولكن "لا تزال هناك الولايات المتحدة" التي تدعم إسرائيل.

وفي المخيم ذاته في الزوايدة، قال حسن حسن إنه متأكد من أن "القرار لن ينفذ لأنه لم يتم تنفيذ أي قرار لصالح القضية الفلسطينية على الإطلاق".

وأسفرت حرب غزة، التي اندلعت ردا على هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن مقتل 1206 أشخاص، معظمهم من المدنيين، وفقا لإحصاءات وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

وتم احتجاز نحو 250 رهينة خلال الهجوم، ولا يزال 97 أسيراً في غزة، بما في ذلك 34 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.

وأسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية الانتقامية عن مقتل 44056 شخصا على الأقل خلال أكثر من 13 شهرا من الحرب، معظمهم من المدنيين، وفقا لأرقام وزارة الصحة في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ414 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • مقتل وإصابة 425 مريضاً وعاملاً صحياً في لبنان منذ طوفان الأقصى
  • الفلسطينيون يرحبون بأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين  
  • تطورات اليوم الـ413 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ412 من "طوفان الأقصى"
  • كيف يمكن تقييم عملية طوفان الأقصى بعد مرور عام عليها؟
  • تطورات اليوم الـ412 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ411 من "طوفان الأقصى"
  • "طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة
  • المقاومة.. المكاسب والانتصارات منذ «طوفان الأقصى»