شهدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الفترة الماضية وابلاً من الأعياد والمناسبات الروحية التى ترسخ لدى الأجيال المتعاقبة الانتماء وتخبرهم بما تملك من ثراء تراثى عريق يزيد مع الأعوام أصالة وتزرع فى وجدان أبنائها محبة للإيمان والوطن.

ويعمل الآباء فى جميع الكنائس المصرية على توصيل مبادئ وتعاليم إيمانية عظيمة وضعها الكتاب المقدس بين المزامير المباركة، فضلاً عن العِظات التى خرجت من تجارب القديسين والسابقين على مر العصور ولا تزال أسماؤهم تدوّى داخل نفوس المسيحيين وتستمر إلى أبد الدهر تقديراً لما قدموا وساعدوا فى تأسيسه من بنيه قوية أساسها الإيمان وجدرانها العقيدة والثبات، وهو أيضاً الهدف الذى يحرص الآباء البطاركة والأساقفة والمطارنة والقساوسة والكهنة فى تأصيلة من خلال الاجتماعات الأسبوعية المنظمة بصورة دورية لتغزيز هذه المعانى والمبادئ.

وقبل أيام من بدء الجولة الرعوية لقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بالمهجر المرتقبة 11 أكتوبر الجارى، جاءت العظة الروحية الماضية فى كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بزهراء المعادى، بالتزامن مع احتفالات الذكرى الـ50 على نصر أكتوبر، والتى تحمل بين طياتها الكثير من الذكريات لدى الكنيسة وشعب مصر. 

لا يمل ولا يكل البابا تواضروس من التعبير عن حبه لهذا البلد ولا يكتفى بالمشاركات والتمثيل الوطنى فى المنابع العالمية فحسب، بل يقتنص الفرصة دائماً لإظهار مدى تعلقه بتراب الوطن، وهو الأمر الذى رواه لأبناء الكنيسة قبل بدء العظة الأسبوعية، بعدما هنأ المصريين فى هذه المناسبة قائلاً: «نصر أكتوبر يؤكد أننا نستطيع معاً أن نعبر الأزمات».  

وروى البابا ذكرياته فى تلك الفترة: «كنت لا أزال طالباً جامعياً أثناء الحرب، وأتذكر تفاصيل تلك الأيام»، ذكر البابا عن الفترات الصعبة قائلاً: «تعرضت مصر عام 1967 لنكسة خطيرة، وكانت سبب آلام كثيرة ظل الوطن يعانى لسنوات على كل المستويات ولكن استطاعت مصر أن تستعيد قوتها بفضل وضع استراتيجية، والانضباط والتدقيق واستطاعت بذلك أن تستعيد أراضيها مرة آخرى، وكان انتصاراً عظيماً». 

هكذا استهل البابا عظته الروحية والتى استكمل خلالها السلسلة الأسبوعية «صلوات قصيرة من القداس» وجاءت بعنوان «صلاحاً للأغنياء»، بعدما كرم خريجى مركز «دراسة الكتاب المقدس» التابع للإيبارشية بحضور الأنبا دانيال مطران المعادى وسكرتير المجمع المقدس، وللآباء الحاضرين والشمامسة. 

تحدث البابا فى هذا اللقاء عما يردده الأقباط بالقداس وتعرف كنسياً بـ«صلوات قصيرة قوية بالقداس»، كما تناول جزءاً من الإصحاح الرابع عشر من إنجيل متى من (١٤ – ٢١)، وهناك «طِلبة قصيرة» من الطِلبات التى ترفعها الكنيسة فى القداس المعروف بـ«الغريغورى»، وهى: «صلاحاً للأغنياء»، واستهل البابا تفسير معنى الطِلبة و«الغنى» فى معناها المقصود وهو «البركة»، موضحاً أنواع الغنى المتعددة والمذكورة بالكتاب المقدس، ومنها «الغنى بالحب وطاقته» حسبما ورد فى (١كو ١٣: ١)، وهناك نوع آخر يعرف بـ «الغنى بالعطاء» كما ذكر فى (مر ١٢: ٤٤)، ونوع ثالث يعرف بـ«الغنى بالإيمان» وكتب عنه فى (يع ٢: ٥)، وأيضاً «الغنى بكلام الله وصيته»، والأخير هو «الغنى بالستر».

وروى البابا تواضروس عن الشخصيات الوارد ذكرهم فى التاريخ المسيحى وكانوا من الأثرياء، أغنياء بالمال ومنهم: «سليمان الحكيم، يوسف الرامى، القديس أنطونيوس أب الرهبان، الملكة هيلانة، القديس إبراهيم الجوهرى المُعلم». 

أما عن مفهوم «الصلاح» فى الطلبة الكنسية فقد وضح البابا أنها صفة من صفات الله، ويقصد بها «التدبير الحسن»، ثم تناول شرحها خلال حروفها الأربعة، ومن حرفها الأول «الصدق: أن يكون الإنسان صادقاً فى أمور الحياة الدنيوية والإيمانية، ومن الحرف الثانى «اللين» أن يكون الإنسان رحيماً وقلبه ممتلئ حناناً، والحرف الثالث هو معنى «الاكتفاء» ألا يكون الإنسان جشعاً أو أنانياً، وأخيراً اشتق منها «الحكمة» أن يكون الإنسان لديه حكمة التصرف. 

وعادة ما يضع البابا تواضروس سبلاً تساعد الأقباط فى تيسير طريقهم إلى الصلاح ووضع قداسته خطة لتنفيذ عبارة «صلاحاً للأغنياء»، وهى مستمدة فى أساسها من رسالة القديس بولس الرسول الأولى لتلميذه «تيموثاوس»، تنقسم إلى ثلاثة أجزاء، ففى الجزء الأول الأمور التى نهى عنها وهى «ألا يستكبر الإنسان»، و«ألا يلقى الإنسان رجاءه على المال». 

وفى الجزء الثانى الأمور التى ينبغى أن يفعلها المسيحى الصالح وهى «أن يستخدم الإنسان المال فى الصلاح»، و«أن يتسع ذهن الإنسان فى تقديم ماله لأعمال الخدمات التى تقدمها الكنيسة»، وأيضاً «أن يكون الإنسان كريماً فى التوزيع»، وفى الجزء الثالث ذكرت الرسالة الأهداف الواجب تحقيقها وهى «أن يكون الإنسان مدبراً صالحاً وبذلك يضع أساساً صالحاً للمستقبل»، و«أن ينظر الإنسان دائماً للحياة الأبدية». 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الكنيسة القبطية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأعياد والمناسبات التمثيل الوطنى البابا تواضروس

إقرأ أيضاً:

السفارة المصرية برومانيا تقيم حفل استقبال على شرف قداسة البابا

أقام السفير مؤيد الضلعي سفير مصر في رومانيا، حفل استقبال على شرف قداسة البابا تواضروس الثاني، وذلك بحضور عدد من سفراء الدول العربية والأجنبية المعتمدين لدى بوخارست، وممثلين عن الكنائس والمنظمات الدولية.

ورحب السفير المصري في كلمته بقداسة البابا قائلاً: "نتشرف جميعًا بوجودكم بيننا، مرحبًا بكم في بيتكم، بيت مصر. نتمنى لزيارتكم كل النجاح والتوفيق".

روح المحبة 

وفي بداية كلمته قال قداسة البابا: "هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها رومانيا الجميلة، والمرة الأولى التي يجتمع فيها القلب المصري مع هذه الدولة الصديقة صاحبة التاريخ العريق والحضارة الغنية. إن مصر الدولة الكبرى في منطقة الشرق، كانت ولا تزال بيتًا لكل العرب"

وأضاف: "لقد علمت مصر العالم فن الأعمدة، حيث ارتفعت المسلة رمزًا للشموخ، تنتهي بالمثلث الذهبي الذي كان يرمز إلى عين الإله المضيئة مع الشمس، فتعلن بدء يوم العمل. وعندما دخلت المسيحية أرض مصر، تحولت المسلة إلى منارة ترمز إلى الاستقامة، ثم جاء الإسلام وأضاف المئذنة كفن معماري أصيل، ليبقى العمود دائمًا تعبيرًا عن طريق الإنسان من الأرض نحو السماء، وهو طريق يحتاج إلى استقامة".

وتابع قداسته: "نحن نصلي قائلين مع صاحب المزامير: قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدد في داخلي"

كما استشهد قداسة البابا بما قاله المفكر المصري الكبير الدكتور جمال حمدان، الذي وصف مصر بأنها "فلتة الطبيعة وعبقرية التاريخ وأم الجغرافيا”، لافتًا إلى عبقرية الموقع والدور عبر العصور.

وأكد قداسته أن مصر وطن عريق تعاقبت عليه حضارات متعددة من الحضارة الفرعونية إلى القبطية، ثم الإسلامية والعربية، وصولاً إلى الحضارة الإفريقية وحضارات البحر الأبيض المتوسط والحضارة اليونانية الإغريقية، وهو ما صنع من مصر بوتقة غنية بالوحدة والتنوع في آن واحد.

وتحدث عن نهر النيل الذي كان محور وحدة المصريين عبر العصور: "إن نهر النيل كان وما يزال سر وحدة المصريين، إذ جمع بين الأرض والإنسان، وزرع في قلوبنا حب الحياة الهادئة، والوحدة الوطنية التي لم تكن صناعة أو قرارًا، بل نتاج طبيعة متجذرة في وجداننا".

صلاة من أجل سلام العالم 

واختتم: "نصلي من أجل السلام في العالم، ومن أجل أشقائنا في غزة والسودان، ونصلي من أجل إنهاء الحروب في أوكرانيا وروسيا، وفي الهند وباكستان، ونطلب من الله أن يفيض بسلامه على الأرض، ويبارك جميع الشعوب والأمم بمحبة وسلام دائمين".

واختتم الحفل في أجواء وطنية مليئة بالحب والتقدير، حيث أعرب الحاضرون عن سعادتهم بلقاء قداسة البابا، وتمنوا لزيارته لرومانيا كل التوفيق والنجاح.

علاقات تاريخية بين البلدين.. قداسة البابا يلتقي رئيس وزراء رومانيا | صورالبابا يلتقي أبناء الكنائس الأرثوذكسية والموارنة برومانيا | صورالبابا تواضروس يستقبل قيادات دار برويما للنشر في رومانياالبابا تواضروس يلتقي قيادات كنيستي الروم والأرمن الأرثوذكس في رومانيا | صور

يأتي هذا اللقاء، في إطار زيارة قداسة البابا الرعوية لإيبارشية وسط أوروبا، والتي بدأت بوصوله إلى بولندا يوم الجمعة الماضي، ثم غادرها قداسته أمس، وصولًا إلى رومانيا التي يقضي فيها عدة أيام بين أنشطة رعوية وزيارات رسمية، وفقًا لأجندة الزيارات الرعوية لقداسته لعام ٢٠٢٥.

طباعة شارك البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني سفير مصر في رومانيا الكنائس

مقالات مشابهة

  • السفارة المصرية برومانيا تقيم حفل استقبال على شرف قداسة البابا
  • البابا تواضروس يستقبل قيادات دار برويما للنشر في رومانيا
  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يستقبل وفد الكنيسة الأرثوذكسية لتقديم التعازي في انتقال البابا فرنسيس
  • كرادلة الكنيسة الكاثوليكية يجتمعون في روما لانتخاب خليفة للبابا فرنسيس
  • البابا تواضروس: أزمة العالم ليست اقتصادية.. بل في نقص المحبة
  • لقاء الأبناء مع أبيهم.. البابا تواضروس يلتقي أقباط بولندا وأبناء الكنيسة الإثيوبية
  • البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تسير في خط مستقيم منذ أيام المسيح
  • البابا تواضروس يجيب على 6 أسئلة تشغل بال الأقباط
  • لقاء الأبناء مع أبيهم.. البابا يلتقي أقباط بولندا وأبناء الكنيسة الإثيوبية |صور
  • وداع البابا فرانسيس.. مشهد جنائزي تاريخي لرجل غيّر وجه الكنيسة الكاثوليكية