لماذا لم يناد الله النبي محمد باسمه المجرد في القرآن؟ علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
“لماذا لم يناد الله النبي محمد باسمه المجرد في القرآن؟”، سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث قال إن نبينا ﷺ ما ناداه الله تعالى في كتابه العزيز باسمه مجردا قط، بل كان دائما يناديه بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، أو (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)، أو (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ)، أو (يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ).
وأضاف علي جمعة، من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “كان ﷺ يستحق تلك المكانة التي جعلها الله له، ويستحق أن نحبه بكل قلوبنا، فهو الذي كان يتحمل الأذى من أجلنا، ولا يخفى ما يؤثر من حلمه ﷺ واحتماله الأذى، وإن كل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، وهو ﷺ لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما”.
وتابع: "يؤكد هذا الخلق العالي دعاؤه لقومه الذين آذوه وعادوه، وما دعى عليهم، وإن كان الدعاء عليهم ليس بمنقصة، فإن الدعاء على الظالم المعاند لا شيء فيه وفعله أولي العزم من رسل الله كنوح وموسى عليهما السلام. فكان دعاء سيدنا نوح فقد قال القرآن عنه في دعائه على قومه : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً)، وسيدنا موسى عليه السلام فقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ).
وأوضح: “وقد كانا عليهما السلام على حق، ولكن كان المصطفى ﷺ أحق، فقد روى الطبراني وذكره الهيثمي في مجمعه وقال رجاله رجال الصحيح : أن النبي ﷺ لما كسرت رباعيته، وشج وجهه الشريف ﷺ يوم أحد، شق ذلك على أصحابه شقا شديدا، وقالوا : لو دعوت عليهم. فقال : إني لم أبعث لعانا، ولكني بعثت داعيا ورحمة : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”.
واختتم علي جمعة بحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها (قالت للنبي ﷺ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك فسلم علي ثم قال : يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي ﷺ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة النبى محمد هيئة كبار العلماء الدعاء علی جمعة
إقرأ أيضاً:
محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت
بعد أن فقد بصره وهو ابن ثلاث سنوات سأل والده: "متى النهار يطلع يا بابا؟"، فبكى الأب بحرقة وقال "سترى بقلبك يا بني أكثر مما ترى بعينيك"، لم يعرف الأب وقتها أن صوت ابنه سيكون كالشمس في تاريخ مصر، لا يبدأ النهار إلا بسماعه عندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السابعة صباحا.
إنه الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- الذي تلاحم صوته مع نسيج الوعي المصري ووجدانه، فأراد الله أن يحيا صوت الشيخ رفعت في مناسبتين، الأولى طوال العام عند الساعة السابعة صباحا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هذا الوقت الذي يتعلق بذاكرة كل مصري أثناء ذهابه إلى المدرسة ونزوله إلى عمله صباحًا، إذا سمع صوت الشيخ رفعت أدرك أن الشمس قد أشرقت إيذانًا بميلاد يوم جديد مصحوب بصوت الشيخ محمد رفعت.
وأما الثانية فطوال شهر رمضان المبارك مع أذان المغرب، هذا الأذان الذي إن سمعه المصريون في أي وقت استشعروا بنسمات شهر الصيام، ارتبط أذان الشيخ محمد رفعت بالإعلان عن وقت الإفطار كل يوم في رمضان، فأصبح له خصوصية يتفرد بها عن أي أذان آخر.
الشيخ محمد رفعت هذا الصوت الملائكي الخالد الذي تجددت فيه معجزة القرآن، إلا أن التسجيلات التي وصلتنا لم توفه حقه، ذلك لأن أغلب التسجيلات كانت قديمة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فغير المونتاج الصوتي شيئا من حقيقة صوت الشيخ رفعت، والأمر الثاني أن التسجيلات بدأت في فترة مصاحبة المرض لهذا الصوت، كما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في إحدى لقاءاته إن تسجيلات الشيخ محمد رفعت تحمل تأثير مرضه وكأنك تسمع صوتا جميلا لكن عليه مسحة من المرض، وذكر أن تسجيل سورة مريم هو الذي يعطي بعضا من صوت الشيخ رفعت في اكتماله وشبابه ومقدرته.
في حي المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت سنة 1882 لأب يعمل ضابط شرطة بقسم الخليفة، وأم طيبة ترعى بيتها وتقوم على شئون الزوج والأولاد، واسم محمد رفعت هو اسم مركب أما والده فاسمه محمود رفعت وهو اسم مركب أيضًا، ولأن كل إنسان منا يسير إلى قدره المكتوب في الحياة، فقد واجه الشيخ محمد رفعت مصيره في الحياة مبكرا، المأساة الأولى عندما فقد بصره وهو في الثالثة أو الرابعة من عمره، والمأساة الثانية عندما فقد والده وهو ابن تسع سنوات.
ولأن في المنع عطاء، وفي كل محنة منحة، فكانت المأساة الأولى هي سبب العطاء الأعظم في حياة الشيخ محمد رفعت بعد أن قرر والداه أن يهباه للقرآن، وأتم حفظ القرآن وتجويده وهو طفل صغير في مسجد فاضل باشا، والذي عين فيه قارئا للسورة يوم الجمعة إلى أن أقعده المرض، وأما المأساة الثانية فكانت السبب في أن يتحمل الشيخ رفعت مسئولية أسرته الصغيرة المكونة من أمه وخالته وأخيه الأصغر بعد أن أصبح هو العائل الوحيد لهم، وظل على هذا الحال حتى ذاع صيته وأصاب سحر صوته كل من سمعه وتأثر به.
الشيخ محمد رفعت هو معجزة القرن العشرين في تلاوة القرآن الكريم، كان لصوته مفعول السحر على مستمعيه، فلا تسمع تلك الصيحات أثناء تلاوته كما يحدث في السرادقات مع قراء اليوم، ولكن طريقة قراءة الشيخ رفعت بما فيها من هيبة ووقار وإبهار كانت تجعل المستمعين لا يحركون ساكنا، يخشعون رهبة وإجلالا لعِظم ما يُقرأ عليهم.
تقليد الشيخ رفعت يحتاج لإمكانيات صوتية خاصة ولطبقة صوت اختص بها الله الشيخ رفعت، فيصعب جدا تقليده، تمتع الشيخ رفعت بصوت ماسي حاد جدا رنان كأنه الياقوت والمرجان، وبصوت عميق عريض جدا كأنه زئير الأسد في أدنى طبقات صوته، والعجيب أن في علو صوت الشيخ رفعت وهبوطه لا يشعر المستمع بأنه ينتقل بين القرار والجواب فهو يقرأ بطريقة السهل الممتنع، يلون الآيات بصوته وبما يناسب كل آية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكنها تحتاج لذكاء يوظفها بطريقة صحيحة، والشيخ محمد رفعت وهبه الله من الذكاء الفطري والبصيرة الربانية ما جعله يقرأ القرآن بوعي وتدبر وذكاء.
عاش الشيخ محمد رفعت واهبًا حياته لخدمة القرآن الكريم ينشر صوته في كل مكان ويلبي الدعوات بعفة نفس خدمة للقرآن، لم يكن طالب مال ولا شهرة أو جاه، ترك لأبنائه ساعة يد وروشتة طبيب ومصحفًا، كما أخبر بذلك ابنه الأكبر محمد رحمه الله، وأصيب الشيخ رفعت بمرض الزغطة الذي اتضح أنه سرطان الحنجرة، فتوقف عن القراءة سنة 1943 بعد أن حبسه المرض وهو يقرأ ولم يخرج صوته في بعض الآيات فسكت ثم غادر المسجد وسط بكاء كل الحاضرين، وظل يعاني من هذا المرض الذي فشل الطب في علاجه، كان راضيا صابرا ولم يسخط، وفي يوم التاسع من مايو سنة 1950 أخذ يردد (الحمد لله) ويسأل زوجته عن أولاده، ويقول (الحمد لله) ثم فاضت روحه إلى رب العالمين، ليترك لنا صوتا لم ينطفئ يومًا، هذا الإرث الذي يشهد له بما قدمه في حياته لخدمة القرآن وإيصال رسالته، رحم الله قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.