هؤلاء شيدوا بتضحياتهم طريق النصر| "البوابة نيوز" تلتقي أبطال التحرير من جنوب سيناء.. عمدة قبيلة المزينة: البدو لم يقتصر دورهم على مساعدة الجيش فقط
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
ستظل ذكرى تحرير سيناء علامة بارزة في ذاكرة ووجدان الشعب المصري، مفخرة أساطير وطنية، كتبت بطولاتها بحروف من نور، على جبين التاريخ، وفي إطار الاحتفال باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر المجيدة، "البوابة نيوز" التقت بعض من كان لهم شرف المشاركة في تحقيق نصر أكتوبر لتسترجع معهم ذكرياتهم عن هذا النصر فماذا قالوا ؟
يقول الشيخ إبراهيم سالم جبلي ( عمدة قبيلة المزينة ورئيس ائتلاف مشايخ جنوب سيناء ):لم يقتصر دور بدو جنوب سيناء في مساعدة الجيش المصري في حرب أكتوبر 73 فقط ولكن قاموا بتضحيات وبطولات منذ نكسة 67 فالبدو والمشايخ هم الذين قاموا بتوصيل الجيش المصري إلى الضفة الغربية لقناة السويس وفي حرب الاستنزاف كنا همزة الوصل مع الأجهزة المصرية لتوصيل المؤن والمواد الغذائية من الغرب للشرق والمعدات الحربية من الشرق للغرب فوق الجمال فالمشايخ والرجال والشباب حتى السيدات كلهم وهبوا أرواحهم فداء لتراب مصرنا الحبيبة .
ويستطرد الشيخ إبراهيم الحديث عن شقيقه الشهيد حميد قائلا: أنه كان دليلا بدويا لقوات الكوماندوز المصرية مع المرحوم سعد جبلي خميس وأنهما زرعا الألغام لتدمير مركبات العدو في طريق شرم الشيخ كما دمر أهدافا كان العدو يسيطر عليها في مطار طور سيناء ، مضيفا أن شقيقه المرحوم الشيخ محمد سالم جبلي كان قائدا لمجموعة مدنية وتم أسره من قبل الاحتلال الإسرائيليالذي حكم عليه بالسجن المؤبد المضاعف لمدة 75 عاما وتم الإفراج عنه بعد 3 سنوات من سجنه ومعه من المزينة سعد خميس وحسين عايدفي حركة تبادل الأسرى بين مصر وإسرائيل وبعد تحقيق النصر في 73 استعانت الدولة بوالدي المرحوم سالم جبلي أبو بريك شيخ مشايخ قبيلة المزينة في عهد الرئيس الراحل مبارك لمعرفة حدود طابا لأنه كان من ضمن مشايخ سيناء الذين لديهم خبرة معرفة العلامات الحدودية والادعاءات الباطلة التي تهمل دور البدو في 73 لا أساس لها من الصحة والتاريخ شاهد عيان والقوات المسلحة هي الجهة الأكثر يقينا بما قام به البدو من تضحيات وشهادة الرئيس جمال عبد الناصر والسادات والرئيس مبارك ومنح أنواط الواجب الوطني من الطبقة الأولى لبدو سيناء لم يأت من فراغ .
وفي تخليد ذكرى اليوبيل الذهبي لنصر أكتوبر المجيد ناشد الشيخ إبراهيم المسؤلين برعاية جمعية مجاهدي سيناء وكل من قدم روحه فداء مصر من بدو سيناء وأسرهم معلقا: "لولا هؤلاء ما كنا اليوم نعيش على هذه الأرض الطاهرة التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء وننعم بهذا الرخاء وهذه التنمية .
ويحث الشيخ إبراهيم الشباب على ضرورة معرفة التاريخ وكفاح جدودهم وآبائهم والتحامهم مع القوات المسلحة وإعادة سيناء الحبيبة ولا بد من تضافر الجهود لدفع عجلة التنمية حتى لا نضيع ما ضحى به أبطالنا وشهداؤنا هباء فتعمير الأرض هو أقل شيء يمكن أن نقدمه لهؤلاء 0
نجل البطل "سعد جبلي خميس":والدي رأى الموت مرات ومرات داخل المعتقل الإسرائيلي
وإن كان التاريخ روى عددًا من بطولات أبناء سيناء، فإن هناك علامات أخرى لم تلق حظها من الشهرة ومنهم المجاهد البطل رحمة الله عليه "سعد جبلي خميس" من قبيلة المزينة ، أكبر قبائل جنوب سيناء ، من كان له شرف المشاركة في تحقيق نصر أكتوبر وتحرير سيناء، و"البوابة نيوز" التقت بنجله الأكبر "حميد سعد" بالتربية والتعليم والمقيم بقرية الجبيل التابعة للعاصمة طور سيناء لتسترجع معه ذكريات والده البطل عن تحرير سيناء، فماذا قال ؟
يقول "حميد سعد": والدي البطل المجاهد "سعد جبلي خميس" ( رحمة الله عليه )، ولد في سيناء عام 1925 ونشأ في أسرة بسيطة الحال كادحة تعتمد في رزقها ومعيشتها على الصيد والعمل في البحر بالمراكب الشراعية تزوج والدي وأنجبنا نحن ثلاثة أولاد وبنت وكان يتميز بحبه الشديد لوطنه مصر ومعروف بوطنيته وفدائه .
وأشار حميد إلى أن رحلة والده في الجهاد بدأت بعد نكسة 1967، مع الجيش المصري لتحرير سيناء ، حيث عمل متطوعا مع الجيش المصري عن طريق المخابرات الحربية .
وأضاف: أن الأسرة آن ذاك لم يكن لها اختيار ، فنداء الوطن فوق كل اعتبار ، مهما كانت التضحيات وتقديم كل ما هو غال ونفيس حتى ولو كانت الروح من اجل تحرير الأرض ، فشرع والدي في نقلنا من سيناء إلى الغردقة بالبحر الأحمر وكنا صغارا وقتها، نقلنا بمركب شراعي بسيط حتى يتفرغ للعمل بحرية مع المخابرات الحربية داخل سيناء .
وتابع: عندما احتلت سيناء عمل والدي البطل خلف خطوط العدو هو ومجموعة ضباط من الجيش المصري وكانوا يتنقلون ليلا من منطقة جبلية إلى أخرى لتنفيذ عمليات كتصوير مواقع إسرائيلية وزرع ألغام لاستنزاف العدو وكانوا يعودون كل فترة ومعهم ما تم تصويره إلى البر الغربي بالبحر الأحمر لمركز القيادة ثم يعودون مرة أخرى عن طريق اللنشات التي تقوم بتنزيلهم على شواطئ سيناء ومعهم طعامهم والماء الذي يكفيهم لمدة أسبوع أو أكثر حسب ظروفهم في عملهم .
واستطرد: كان هناك مواقف كثيرة قصها والدي لنا ويحضرني هنا قصة رواها والدي لي حيث قال إن الطعام معهم قد نفذ ثم طلبوا من والدي أن يتصرف ويذهب للساحل في يوم حضور اللنش البحري الذي يأتي ببعض الضباط والمجاهدين ومعهم الطعام والذي كان عبارة عن بعض المعلبات فذهب والدي لانتظار اللنش ماشيا من الجبل إلى الشط ليلا وفى عتمة شديدة مسافة تتعدى الـــ 30 كيلو على قدميه ليحضر لهم الطعام ، فعند وصوله للشط وجد رجلا ينتظر على الشط فقال له من أنت ؟ قال أنا فلان فقال له ماذا تفعل هنا ؟ اخبره انه ينتظر اللنش للعودة للبر الغربي حيث انه كانت هناك مجموعات من الوطنيين والمجاهدين يعملون في سيناء المهم اخذ والدي طعام من اللنش من المعلبات وبعض الأشياء وعاد مرة أخرى إلى حضن الجبل في نفس الليل وهنا فرحوا به الضباط المصريين الذين كانوا معه يختبئون في الجبال لتنفيذ المهمات وحملوه على أكتافهم واخذوا يرفعونه إلى الأعلى ويقذفونه فرحين به وهم يهتفون تحيا مصر تحيا مصر بعد أن ظنوا أنهم كانوا سيموتون جوعا وعطشا في الجبال الوعرة وظلوا يعملون إلى أن تم القبض عليهم في عام 1970 واعتقل في إسرائيل لسنوات رأى فيها الموت مرات ومرات أثناء تعذيبهم بمعرفة العدو الإسرائيلي .
وعن وسائل تعذيب إسرائيل للمجاهد البطل "سعد جبلي خميس"، قال نجله: اخبرنا والدي أنهم خلعوا أظافر أيديهم بالكماشات وخلعوا ضروسهم بدون بنج بخلاف الضرب والسحق بالكهرباء والنوم على أرضيات مبللة بالماء البارد وخلافه وكانت هناك حفلات تعذيب تمارس عليهم واخبرني والدي انه من التعذيب كان يسقط منهم مجاهدين موتى من شدة تعذيبهم إلى أن تم الإفراج عنهم ومبادلتهم وتسليمهم إلى مصر .
وأضاف: معي شهادة رقم (759) لسنة 1975 ما زلت محتفظا بها تفيد بأن والدي تم اعتقاله بمعرفة العدو لقيامه بأعمال وطنية وأفرج عنه .
وتابع: شارك والدي رحمة الله عليه أيضا في معركة جزيرة شدوان بالبحر الأحمر ، وهي كانت معركة ملحمية أضافت سطرا في سجل البطولات الخالدة للجيش المصري، ورجاله البواسل. ومجاهدي سيناء ، وحصل أيضا والدي على شهادة من الرئيس عبد الناصر ونوط امتياز بفضل جهوده في تلك معركة جزيرة شدوان .
واستطرد: الرئيس السادات كرم والدي ومنحه نوط امتياز من الطبقة الأولى لأعماله الوطنية ودوره في حرب أكتوبر المجيدة ، بجانب شهادة تقدير من اللواء خالد فودة ، محافظ جنوب سيناء تقديرا لما أبرزه من وطنية وتضحيات ساهمت في تحرير وعودة سيناء الحبيبة إلى حضن الوطن مصر، وبعد تحرير سيناء وعودتها إلى حض الوطن عاد والدي على طور سيناء ليعمل صيادا كما كان واخذ يعمل في الصيد إلى أن توفاه الله فرحمة الله على مجاهدي سيناء الأبطال الذين لن يعوضهم التاريخ .
ويقول عياد سالم عطوة ( من قبيلة أولاد سعيد ) :حضرت الحرب وكنت وقتها أعمل في ورشة ميكانيكية بشرم الشيخ وتم ضرب شرم الشيخ وكان عددنا 31 فردًا وفي أثناء الضرب مكثنا مختبئين تحت الحجارة لمدة 24 ساعة وبعد أن توقف الضرب فررنا إلى سانت كاترين سيرًا على الأقدام وتولى محمود حسين كان صاحبًا لمحطة بنزين حماية الفارين في جبل البنات بكاترين بجوار الشيخ عواد ومكثنا بالجبل ما يقرب من 6 شهور وبعدها انتقلنا إلى جبل المعصا بالقرب من قرية الطرفة وكان معنا صديق رحمة الله عليه اسمه عبد الرحمن كان معه جهاز موتورولا وقمنا بالاتصال بالسويس وتم إرسال لنش فيه سالم عطوة رحمة الله عليه وعطية عطوة موسى وتم توصيل قوات الجيش كان بالجمال ليلًا، مؤكدًا أن كل ما فعلوه لأنهم يحبون أرضهم ولا يقبلون أن يحتلها أحد وأختتم حديثه قائلًا: "يكفيني مقابلة الرئيس وقادة الجيش وتقديرهم لما بذلناه" .
المرحوم الشيخ "هويشل"
ومن أبطال جنوب سيناء أيضًا وبالتحديد من مدينة رأس سدر الشيخ هويشل سلمان من إحدى قبائل جنوب سيناء والذين شاركوا في محاربة العدو وكان دليل القوات المسلحة .
والفدائي البطل هويشل سلمان عليه رحمة الله كان له دور في مقاومه الاحتلال حتى أن العدو عذبوه كي يعترف على من معه ورفض وفقد عقله من كثرة التعذيب بالكهرباء، وهو من أبرز الفدائيين و الأبطال اللذين شاركوا في كثير من البطولات مع الجيش المصري . و غيره الكثير و الكثير من أبناء سيناء المباركة .
صورة4 صورة3 صورة2 صورة1 بدون عنوان الشيخ ابراهيم سالم جبلي شيخ قبيلة المزينة
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: رحمة الله علیه الشیخ إبراهیم الجیش المصری تحریر سیناء جنوب سیناء سیناء ا إلى أن
إقرأ أيضاً:
في حواره لـ«البوابة نيوز».. أحمد بهاء شعبان يروي تفاصيل انتفاضة الطلبة 1972: «تم إحياء جماعة الإخوان للقضاء علينا»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
«أنا رحت القلعة وشفت الزين.. أحمد وبهاء والكردي وزين».. لم تكن كلمات الراحل أحمد فؤاد نجم التي تغنى بها الشيخ إمام مجرد "كلمة في أغنية"، ولكنها تشير إلى تاريخ من النضال تجسد في تلك الأسماء التي رددها الشيخ إمام في كلمات نجم، ومن بين تلك الأسماء أحمد بهاء شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، وأحد قادة الحركة الطلابية في سبعينيات القرن الماضي.
لم يكن طالب الهندسة أحمد بهاء الذي ولد في فبراير 1949، يعلم أنه في الوقت الذي كان فيه خلف جدران معتقل القلعة أو "باستيل القلعة" كما أسماه، يردد آلاف الطلبة والعمال والمناضلين اسمه كرمز من رموز العمل الوطني، وأحد قادة اللجنة التنفيذية العليا للطلبة آنذاك .
ساهم أحمد بهاء شعبان فى تنظيم وقيادة الانتفاضة الطلابية التي خرجت رافضة لنكسة 1967، وكان أحد قادة ما سمي بعد ذلك بانتفاضة الطلبة 1968، وهي التي عمت شوارع مصر، طالبت بالتصدى للمؤامرة الأمريكية والصهيونية على مصر والوطن العربى، كما كان أحد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للطلبة عام 1972، وقاد مع بقية قيادات الحركة اعتصام طلاب جامعة القاهرة المفتوح، من أجل الضغط لشن الحرب على إسرائيل وتحويل النكسة إلى انتصار.
اعتقل بهاء شعبان على خلفية عضويته بلجنة الطلبة، وتنظيم اعتصام الجامعة، وزج به في معتقل القلعة، اتُهم بالمشاركة فى تفجير وقيادة الانتفاضة الجماهيرية يومى 18، 19 يناير 1977 والتي عرفت بانتفاضة الخبر، وقُدم للمحاكمة مع 176 من القادة الوطنيين، من المثقفين والعمال والفلاحين والطلبة، ومن المواطنين، بتهمة التحريض على التخريب وقلب نظام الحكم، وبرّأتهم المحكمة فيما بعد.
قضى أحمد بهاء شعبان سنوات من العمل السياسي بداية من قيادته الحركة الطلابية المصرية في الستينيات والسبعينيات وحتى اليوم، شارك في تأسيس حركة كفاية، والمنسق العام للجمعية الوطنية من أجل التغيير، وشغل منصب عضو الأمانة العامة لجبهة الإنقاذ الوطني، كما يشغل منصب الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري.
وإلى نص الحوار..
★في البداية دعنا نتحدث عن تكوين الحركات الطلابية وكيفية نشأتها؟
-الحركات الطلابية نشأت منذ ثورة 1919، وهناك مقولة أعتز بها للكاتب الفرنسي والتر لاكير، يقول فيها: "الحركة الطلابية الوطنية في مصر هي أهم حركة طلابية في العالم لعب فيها الطلاب الدور الوطني"، وهذا منطقي لأن مصر تعرضت لاحتلال متعدد كان آخره الاحتلال البريطاني، وفي عهد محمد علي بدأت النهضة التعليمية بعد سنوات من محاولات تجهيل الشعب من الاحتلال، وكانت الثورة العرابية هي بداية النشاط الطلابي والحركات الطلابية بقيادة مصطفى كامل.
كان للطلبة دور كبير في ثورة 1919 وانتفضوا ضد الاستعمار، ثم انتفض الطلبة مع الشعب اعتراضًا ضد نفي الزعيم سعد زعلول، وفي عام 1935 كان الدور الجديد للحركة الطلابية في انتفاضة 1935 ضد الاستعمار البريطاني وبعدها انتفاضة 1946، التي راح ضحيتها العديد من الطلبة المصريين على كوبري عباس.
وبدأت بذور الوعي للطلبة بضرورة بناء تنظيم يدافع عنهم وعن مطالبهم وتم إنشاء اللجنة التنفيذية العليا للطلبة والعمال، وبعد ثورة 1952 تم تأميم الحركات الطلابية، وأصبح هناك أحزاب وحركات تابعة للسلطة، ولم يعد هناك مجال لحركة منفصلة عن النظام، وكان هناك انبهار بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وشعارات الوطنية والقومية العربية ومقاومة الاستعمار، وهو ما دعا الطلبة للإقبال عليها لأنها تعبر عن مطالبهم، وظلت هذه الحالة طوال الخمسينيات وحتى أواخر الستينيات، وما تسبب في إشعال غضب الطلبة مرة أخرى وخروجها من عباءة النظام كانت النكسة.
تطور جديد
★إذن هل نستطيع القول إن نكسة 1967 كانت بداية لحركة طلابية جديدة؟
-بعد النكسة كانت بداية لطور جديد من الحركة الطلابية وهو من أهم أطوار تطور المجتمع المصري، لأن الحركة كانت أول من شعرت بالصدمة وبدأت في البحث عن بديل وأسباب الهزيمة وكيفية الانتصار، لأنها كانت هزيمة قوية لجيش لم يحارب، وكان الشباب بحكم حماسهم أول من أفاقوا من آثار الهزيمة، وخرج الشباب بعد الهزيمة بأيام لتأييد عبدالناصر، وبعدها قرر عبدالناصر إجراء محاكمة لمن تسببوا في الهزيمة وصدرت أحكام صورية، وهو ما أدى إلى خروج الطلبة لمرتين في عام 1968.. الأولى كانت في فبراير بسبب المحاكمات الصورية التي تمت، وهو ما أدى إلى خروج الرئيس ببيان للشعب للتخفيف من حدة الأحداث، والثانية كانت في نوفمبر من نفس العام، بسبب إصدار الدكتور حلمي مراد وزير التربية والتعليم آنذاك بعض التغييرات في اللوائح الطلابية، والتي لم تكن مرضية لنا كطلبة، وهو ما دعا إلى انفجار مظاهرات الطلاب في المنصورة والإسكندرية ثم القاهرة.
ومن أهم ما ساهم في تثقيف شباب الجامعة وشباب الحركات الطلابية آنذاك هي منظمة الشباب الاشتراكي التي أسسها عبدالناصر، وكانت سببًا رئيسيًا في تعليم جيلنا وتثقيفنا، وساهمت في بناء جيل واعٍ يستطيع أن يعبر عن أفكاره وآرائه بحرية.
★وماذا حدث للحركة الطلابية ونشاطها بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟
-تغيرت الأحداث بوفاة ناصر، وتولي الرئيس الراحل أنور السادات، خاصةً بعدما حدد السادات أن عام 1971 سيكون عام الحسم وتحويل النكسة إلى انتصار، ولكن لم يحارب في هذا العام وخرج بخطاب ليوضح أن أسباب تأخير الحرب هو الأحداث التي شهدها العالم آنذاك مثل حرب باكستان والهند.
سمير عثمان مع أحمد بهاء شعبانخلال تلك الفترة كانت كلية هندسة جامعة القاهرة، تجمع جميع العناصر النشطة في الحركة الطلابية، وشهدت تلك السنوات انتشار العمل الفدائي في الأراضي الفلسطينية، وتم طرح فكرة المقاومة المسلحة والفدائية، وهو ما أدى إلى انفجار الطلاب خاصة في كلية الهندسة، وفي تلك الفترة كان طلاب من هندسة القاهرة في زيارة لكلية الهندسة بجامعة الأردن، وشهدوا انفجار الصراع بين الملك حسين آنذاك وبين المقاومة الفلسطينية، وعند عودتهم إلى مصر شرحوا كل ما شاهدوا لبقية الطلاب، وهو ما دعا طلبة هندسة إلى إنشاء جماعة "أنصار الثورة الفلسطينية"، ولعبت دوراً كبيراً في دعم القضية الفلسطينية ومساندة الشعب الفلسطيني الثائر، وبعد تشكيل هذه الجماعة وتزايد نشاطها داخل الجامعة لفتت أنظار المثقفين والشعب بشكل عام وذلك من خلال صحف الحائط التي كانت طريقنا للتعبير أو الاحتجاج.
بعد خطاب السادات عقدنا مؤتمرًا بمدرج الصاوي بكلية الهندسة، وناقشنا خطاب السادات وطرحنا أفكارنا ومطالبنا فيها، وهو ما أدى دفع السادات إلى إرسال الدكتور أحمد كمال أبو المجد وزير الشباب آنذاك للتفاوض معنا ومعرفة مطالبنا، وواجهنا الوزير بسيل من الأسئلة التي لم يكن لديه إجابة عنها وقال لنا: "أنا مجرد باخد الأسئلة بتاعتكم أوصلها للرئيس وأجيب منه إجابة ليكم"، وهو ما أدى إلى غضب الطلبة من ردوده والدعوة إلى اعتصام مفتوح داخل أسوار كلية الهندسة في 17 يناير 1972.
العمل الجماعى
★كلية الهندسة تقع خارج الحرم الجامعي وكان هناك أكثر من حركة طلابية في العديد من الكليات فكيف كان يتم تنظيم العمل الجماعي بين الطلاب خاصة في ظل التضييق الأمني؟
-بعد إعلان الاعتصام ومن أجل مشاركة عدد أكبر من الطلاب نقلنا الاعتصام إلى الحرم الجامعي، وهناك وتحديدًا تحت قبة قاعة جامعة القاهرة تعرفت على أحمد عبدالله رزة، أحد قادة الحركة الطلابية الذي كان بالغ الذكاء والوعي والشجاعة.
ومن هنا بدأ تنظيم العمل الطلابي، تم اقتراح أن يتم تشكيل لجنة وطنية في كل كلية لها 5 ممثلين بالانتخاب المباشر، وعلى الرغم من أنني لم أرشح نفسي لكن تم انتخابي وأصبحت ممثلًا للجنة كلية الهندسة داخل اللجنة ومعي سهام صبري أحد أبطال الحركة، وتم تشكيل ممثلي اللجان لجميع الكليات لتنظيم حركة الطلاب.
★وماذا عن موقف إدارة الجامعة من الاعتصام؟
-يوجد نقطة مهمة هنا يجب الإشارة إليها، وهي أن أغلب الأساتذة بالجامعة كانوا نموذجا للوعي والإدراك وكانوا يشاهدون الطلبة الذي يشعون وطنية، فلم يقفوا ضدها، لدرجة أن الدكتور حسن إسماعيل مدير الجامعة آنذاك وكان وقتها في مقام طه حسين وأحمد لطفي السيد، أتى إلينا بمفاتيح القاعة التي كان يجتمع فيها أساتذة الجامعة، وقال لنا اجتمعوا فيها ونظموا أموركم داخلها، بل أنه قام بالتوقيع على اعتراف بأن اللجنة العليا للطلبة هي الممثل الوحيد للحركة الطلابية في مصر، وهذا أمر كان محل تقدير من الجميع.
وبعدها أصبحنا نجتمع في قاعة الاجتماعات، وأصبح المسرح الكبير يشهد اعتصام آلاف الطلبة ليلًا ونهارًا من الشباب والفتيات، وكان عدد المعتصمين ليلًا يصل إلى حوالي ألف ونصف طالب وطالبة، ونهارًا كان ينضم إلينا آلاف من الطلبة، وعلى الرغم من وجود هذه الآلاف مختلطين طلبة وطالبات لم تحدث حالة تحرش واحدة أو شكوى وسط الاعتصام، وذلك بسبب الوعي والالتفاف حول قضية وطنية واحدة.
خلال هذه الفترة أصبحت الجامعة مركزًا للإشعاع الوطني، ووصل الأمر إلى أن المثقفين الكبار في مصر أمثال توفيق الحكيم ونجيب محفوظ والدكتور حسين فوزي، وغيرهم أصدروا بيان تضامن مع الحركة الطلابية كتبه توفيق الحكيم، بعدما صور الإعلام الرسمى أن المنضمين للحركة عملاء وخونة، وهو ما أدى إلى وقوع أزمة بينهم وبين النظام بسبب هذا البيان.
التفاوض مع الحركة
★وماذا عن رد فعل الرئيس السادات؟
-الشارع المصري أصبح ملتهبًا بسبب اعتصام الطلبة، وهو ما دعا الدولة إلى التفاوض مع الحركة الطلابية، وتم إجراء حوارات مع طلبة كلية هندسة ومع المهندس سيد مرعي أمين عام الاتحاد الاشتراكي، والدكتور أحمد كمال أبو المجد، داخل مبني الاتحاد الاشتراكي (الذى تحول فيما بعد إلى مبنى الحزب الوطني السابق)، ولكن لم يجد الحوار نفعًا وهو ما أدى إلى انسحابنا.
تفاوض قيادات النظام مع طلاب الحركة بقيادة سيد مرعي وكمال أبو المجدوبعد ذلك تمت دعوتنا إلى حوار داخل مجلس الشعب، ومثل الحركة الطلابية وفد مكون من أحمد عبدالله رزة وزين العابدين فؤاد وكنت أنا ثالثهم، وعقد معنا الاجتماع المهندس محمود العطيفي ومحمود أبو وافية، وكنا قد جهزنا وثيقة بها مطالب الحركة، ومنها مواجهة إسرائيل وإعادة بناء القوات المسلحة ومطالب الحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وسلمنا لهم المطالب وكانت الساعة في حدود الخامسة مساءً، وتم الاتفاق على أن تذاع وثيقة الحركة على الإذاعة المصرية في نشرة أخبار المساء وفي جريدة "الأهرام"، في مقابل فض الاعتصام، وكان ذلك انتصاراً عظيماً بالنسبة للحركة لأن مطالبنا ستصل إلى الشعب كله، على الرغم من حصارنا واتهامنا بالخيانة.
وبعدما عدنا إلى الجامعة أخبرنا الطلبة بما حدث، وفي الساعة الرابعة فجر اليوم التالي، فوجئنا بالقوات تهدم أسوار الجامعة وتحاصرنا من كل اتجاه، وأطلقوا القنابل المسيلة للدموع، واكتشفنا أننا تعرضنا للخيانة، ومع الأحداث المروعة التي تقع حاول أحمد عبدالله رزة مع قيادات الحركة تهدئة الطلاب بأن لنا قضية نعتصم من أجلها، وهذه ليست حرباً خاصة أننا قمنا بإيصال رسالتنا للشعب، وقمنا بترتيب خروج الطلبة ووقفت أواسي الطلاب بسبب ما حدث، وبدأ الطلبة في ترديد نشيد بلادي بلادي، وهنا رأيت بعيني ضباط وجنود يبكون بسبب ما يحدث ولكن ليس بأيديهم شيء يمكن أن يفعلوه، ثم قامت قوات الأمن بالقبض على العديد من المشاركين في الاعتصام، وتم اقتيادنا معصوبين الأعين مكتوفي الأيدي إلى منطقة الأمن المركزي بالدراسة، وتم فصل قيادات الحركة وذهبوا بنا إلى معتقل القلعة، وكانت بداية معرفتي بالشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم الذي ألف قصيدة "أنا رحت القلعة وشفت شباب الجامعة الزين .. أحمد وبهاء والكردي وزين".
كل هذه الأحداث وقعت الساعة الرابعة فجرًا، وهنا بدأ الطلبة في الهتاف "اصحي يا مصر"، وفي صباح اليوم التالي عندما جاء بقية الطلاب ووجدوا أسوار الجامعة مهدومة انفجرت ثورة غضب الطلاب، وما ساعد على اشتداد الأحداث هو وجود العديد من المدارس حول الجامعة، مثل المدرسة السعيدية، وخرج آلاف الطلبة عابرين كوبري عباس إلى ميدان التحرير، واعتصموا في الميدان وتم تشكيل لجنة وطنية مؤقتة لحين خروج قيادات اللجنة المحبوسين.
قيادات الحركة الطلابية داخل الحبس
استمر اعتصام ميدان التحرير وطالب الجميع بخروج الطلبة، وهو ما دعا السادات إلى الإفراج عن المحبوسين، وبعد خروجنا أكملنا الاعتصام داخل الجامعة، وأستطيع بكل جزم أن أقول أن الحركة الطلابية سبب رئيس من أسباب حرب أكتوبر.
★دعنا ننتقل من الماضي إلى الحاضر.. ما الفارق بين الحركات الطلابية أو شباب الجامعة خلال الفترة التي نتحدث عنها وبين شباب الجامعات الآن؟
-الفارق كبير جدًا، نحن نتحدث عن ثقافة مجتمع بالأساس، على أيامنا كانت جميع البرامج الإعلامية توعوية وتثقيفية، وعلى الرغم من أن الإعلام كان تابعاً للنظام إلا أنه كان يقوم بدوره الوطني والتوعوي والتثقيفي، وهو ما أدى إلى خروج أجيال منفتحة قادرة على التفاعل مع كل ما يطرح على الساحة، ولكن الطلبة اليوم مظلومون لأن المجتمع بمفهومه الأوسع لم يعد كما كان، وانشغل بقضايا أخرى غير التوعية والثقافة، كذلك كان هناك منظمة الشباب الاشتراكي التي تعمل على التوعية وتثقيف الشباب، وكان يحاضر بالمنظمة العديد من الكتاب والمفكرين من مختلف الاتجاهات، وذلك فضلًا عن أن مصر وقتها كان يصدر بها كتاب كل 6 ساعات، بمعدل 4 كتب في اليوم الواحد، وكذلك كان هناك قيمة للتعليم لأن التعليم كان وسيلة النهوض لكل الأسر الفقيرة، ومصر وقتها كانت فئات متساوية، فاعتمد الجميع على التعليم من أجل تجاوز الفقر.
تحالف مع الشيطان
★ماذا حدث للحركات الطلابية بعد انتفاضة 1972؟
-بعد أحداث 72 حدثت قطيعة بين المسار الأول للحركات الطلابية وما بعد ذلك، لأن النظام اعتبر أن الحركات الطلابية عدوه الأول، وتم تغيير اللوائح الطلابية، ووضع السادات ما يسمى بقانون: "لا علم في السياسة ولا سياسة في العلم"، وبعد المكتسبات التي حققتها الحركة الطلابية أصبح ينظر للعمل السياسي في الجامعة على أنه معادٍ للدولة، وهو ما أدى إلى القضاء على الحركات الطلابية إلى أن أصبحت في أضعف حالاتها، وخطورة هذا الأمر في أنه بدلًا من أن يتخرج من الجامعة جيل واعٍ ومدرك لكل ما حوله وللمصالح الوطنية، أصبح شباب الجامعات ليس لديهم أي إدراك بالمخاطر المحيطة ولا بالمصلحة الوطنية، على الرغم من أن طلاب الجامعات هم الصف الثاني المفترض أن يقود الدولة في مرحلة ما من مراحل حياتهم.
★ماذا عن دور أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الحركة الطلابية آنذاك؟
-ما حدث بالضبط أن السادات في مواجهة حركة الطلاب وحركة الغليان في المجتمع، اتخذ عدداً من الخطوات منها الاتجاه إلى أمريكا للإصلاح بدلًا من بدء تجربة الإصلاح الذاتية مثلما فعلت فيتنام التي كانت ظروفها مشابهة بل وكانت أسوأ، كما لجأ في الداخل إلى التحالف مع التيار الإسلامي ضد الحركة الطلابية، واعتبر أن انتفاضة يناير 1972 كانت بسبب تنظيمات تعمل ضد الدولة، وعمل على مواجهة المد اليساري داخل الجامعات.
دفع السادات بعناصر التيار الإسلامي بالجامعات، وخلال هذه الفترة كانت جماعة الإخوان تكاد تكون غير موجودة بسبب الاعتقالات التي تعرضوا لها في عهد عبدالناصر، ولكن تم إنشاء تحالفات كونها عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي الذي جاء من المنيا، وهي المجموعات التي أعادت إحياء الإخوان المسلمين، وهو ما اعتبرته أنه صفقة بين النظام والتيار الإسلامي، وعلى الرغم من نفي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في مذكراته أنها صفقة، إلا أنني اعتبرها صفقة بمقتضاها سمح فيها النظام للتيار الإسلامي بالانتشار في الجامعات والنقابات بممارسة نشاط عارم، وكان الهدف الأساسي هو حصار الحركة اليسارية وخنقها، وهذه غلطة كبرى تم ارتكابها في حق مصر.
خلال هذه الأثناء كان يوجد داخل كلية الهندسة ما يسمى بجماعة "قدامي الطلاب"، وهم الطلبة الراسبون في الكلية، تحالفوا مع أعضاء التيار الإسلامي، وفجأة تحولت زاوية الصلاة في الجامعة إلى مسجد ضخم، وأصبحوا يمتلكون إمكانيات ضخمة، كما بدأ طلبة الجماعات والتيارات الإسلامية في مهاجمة الطلبة في كل فعالية، وأذكر أنهم اعتدوا علينا خلال إقامة كلية هندسة مؤتمرًا داخل إحدى قاعات الكلية، واعتدوا على سهام صبري، وذلك تحت سمع ونظر أمن الجامعة، كما اعتدوا علىّ أكثر من مرة وحدث لي ارتجاج في المخ، وكل هذه الأحداث أدت إلى انقضاض الإخوان على السلطة بعد أحداث يناير 2011.
مظاهرة للطالبات المصريات احتياجات على اغتصاب فلسطين عام ١٩٤٨