هجوم عملية "طوفان الأقصى" الذي نفذته حركة "حماس" ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، دخل التاريخَ من أبوابه الواسعة. حتماً، ما حصل، أمس، كان غير متوقع ومُباغتا، ويمكن القول إنّ إنجاز "حماس" التاريخيّ فرضَ رسالة حازمة ضد إسرائيل ومضمونها هو التالي: "المقاتلون لن يكونوا فقط خلف الجدران، بل أصبحوا أمامها وداخل التحصينات العسكرية المخروقة ميدانياً".

 
المفارقة هيَ أنَّ آثار تلك العملية ونتائجها قد لا تبقى محصورة ضمن الداخل الفلسطينيّ، والدليل على ذلك العملية التي نفذها "حزب الله"، صباح اليوم الأحد، إذ استهدف بصواريخ موجّهة 3 مواقع إسرائيلية وهي: الرادار، زبدين، ورويسات العلم. الإنعطافة الأكثر خطورة على هذا الصعيد تمثلت في الرد الإسرائيلي على عملية الحزب، خصوصاً أن القصف الذي شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية طال إلى جانب خراج مزارع شبعا وكفرشوبا، خيمة "حزب الله" التي تم نصبها في المزارع قبل أشهر قليلة. 
هنا، فإنّ الأمور يمكن أن تشهد تصعيداً كبيراً لاسيما أنّ إسرائيل استغلت التوتر لتصفية حسابها مع "حزب الله" بشأن الخيمة، كما أنّه وجدت الإستنفار القائم ذريعة لإنهاء أي أمرٍ كان يهددها في السابق على قاعدة أن "الحرب مفتوحة". 
"لا حرب موسعة"؟
الآن، وبعد العملية التي نفذها الحزب في الجنوب وعقب إستهداف الخيمة، تتجهُ الأنظار إلى الرد الذي سينفذه "حزب الله". ضمنياً، الخيمة تعتبرُ ورقة قوّة كبيرة إستخدمها الحزب مراراً للضغط على إسرائيل في ملف مزارع شبعا، كما أنها كانت عنواناً بارزاً لتوترٍ كبير عند الحدود خلال الأشهر الماضية. 
ورغم كل التطورات القائمة، لا يمكن حسم ما إذا كانت الأمور ستذهب باتجاه حرب موسعة على جبهات عديدة، فالأمور ما زالت مضبوطة والسيناريوهات التي حصلت اليوم وقعت سابقاً. حالياً، ما يظهر هو أن "حزب الله" لم يقُم بعملية مماثلة لعملية غزة، فلا اقتحام ولا توغل داخل الأراضي الفلسطينية، كما أنّه لا اختراق للتحصينات الإسرائيلية، وبالتالي تبقى الأمور محصورة بمواجهة صاروخية "تقليدية" كما كان يحصلُ سابقاً.
وبالعودة إلى عملية "طوفان الأقصى" التي شكلت عصباً للتوتر في الجنوب، فإنه يجب الوقوف عند 3 أمورٍ أساسية أظهرتها وهي على النحو التالي: 
أولاً: ما فعله المقاومون الفلسطينيون كان متوقعاً حصوله عند جبهة لبنان قبل غزّة، باعتبار أن "حزب الله" هدّد باقتحام الجليل من جنوب لبنان والتوغل باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة وإحتلال قواعد عسكريّة.  
ثانياً: آثار "الطوفان" الذي حصلَ من غزة باتجاه المستوطنات كانت معروفة مسبقاً بالنسبة للإسرائيليين، والدليل على ذلك كان من خلال الحديث عنها في تقارير كثيرة سابقاً، لكن الكلام هنا لم يكن يتعلق بهجوم من غزة، بل كان يتطرق إلى هجومٍ بري سيجري من لبنان وينفذه "حزب الله". وإستكمالاً لهذه النقطة، كان الحديث الإسرائيلي يشيرُ إلى أنَّ أي عملية توغل لمقاتلي الحزب داخل المستوطنات سيؤدي إلى سقوط قواعد عسكريّة وأسرِ جنودٍ إسرائيليين وبسط سيطرة إستراتيجية على مواقع متقدمة. حقاً، هذا ما حصل في غلاف غزة وهو الأمر الذي كان متوقعاً حصوله أيضاً عند الحدود مع لبنان. 
ثالثاً: في الواقع، كان التوغل الفلسطيني بالشكل الذي حصلَ مُفاجئاً جداً وكشف عن هشاشةٍ إستخباراتية لدى الجانب الإسرائيليّ. فعلياً، كانت خطوات تنفيذ العملية غير سهلة، إذ بدأت بإسناد صاروخي كثيف تبعها توغلٌ عنيف وعمليات أسر، في حين أن الإنعطافة الأكبر كانت في قدرة المقاتلين الفلسطينيين على العودة باتجاه غزة من دون مواجهة أي ردة فعل إسرائيلية فورية.  
الأمورُ الثلاثة المذكورة تقودُ إلى إستنتاجٍ واحد أساسه إن إنجازَ غزّة كان "البروفة" التي يمكن أن تمهّد لـ"ضربة أكبر" على ساحات مختلفة. من جهةٍ أخرى، كانت إسرائيل تتهيأ لإقتحامٍ ينفذه "حزب الله" لكنها لم تتوقع أن تبادر كتائب "القسام" إلى خطوةٍ كان الحزب يهدّد بها مراراً وتكراراً. إضافة إلى ذلك، كشف مستوى تنفيذ العملية الأخيرة عن تحضيرٍ معمق لها وذلك رغم الإمكانيات المحدودة والحصار المفروض على غزة والذي من شأنه أن يقيّد حركة المقاومين. ضمنياً، لا يمكن مقارنة قدرات "القسام" العسكرية بتلك التي يمتلكها "حزب الله"، فالتفاوت كبير وجبهة لبنان أكثر "متانة" عسكرياً، لكنه رغم ذلك كان الإنجاز النوعي الكبير الذي حققته "القسام"، وبالتالي فإن ما سيفعله "حزب الله" يجب أن يكونَ أكثر ضخامة تبعاً لقدراتهِ العسكرية .
لهذه الأمور وغيرها، بقيَ الإنجاز "فلسطينياً" بإمتياز، ولهذا السبب نأى "حزب الله" بنفسه عن الإنخراط مباشرة بأي عملية "مماثلة" من حيث نوعية التنفيذ والإقتحام، لأن ما حصل كان بمثابة "شرارة" لأخرى قد تأتي لاحقاً وقد يكون ذلك من لبنان هذه المرة. أما الأمر الأهم فهو أن ما حصل يعتبرُ إشارة من الفلسطينيين مفادها إنّ عمليات الإقتحام ليست صعبة ويمكن أن تتمّ تحت كثافة نارية وصاروخية من جهة، وضمن خطة واحدة منسقة تُدخل إسرائيل في حالة من التخبط العسكري والأمني من جهة أخرى. 
إنطلاقاً من كل ذلك وأكثر، يمكن اعتبار عملية "طوفان الأقصى" بمثابة نقطة التحول الإستراتيجية على صعيد حركات المقاومة، ومن خلالها يمكن للجبهات الأخرى أن تستخلص العبر منها ودراسة نقاط القوة والضعف والإستثمار في النتائج خلال عملية أكثر توسعاً وتأثيراً.. وهنا، يُطرح السؤال الأكثر جدية: هل ستكون جبهة لبنان هي الوجهة المقبلة لـ"طوفان جديد"؟ 
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: طوفان الأقصى حزب الله ما حصل

إقرأ أيضاً:

في ظلال طوفان الأقصى “117”

في ظلال #طوفان_الأقصى “117”

#إسرائيل تستبيح دماء #المتضامنين مع #فلسطين

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

أعادت جريمة قتل بل إعدام المواطنة الأمريكية عائشة نور أغي إيجي التركية الأصل، برصاص جنود جيش العدو الإسرائيلي، بينما كانت تشارك في مسيرة شعبيةٍ سلميةٍ في قرية بيتا بمدينة نابلس، لا تشكل خطورةً على أمن جنود العدو ومستوطنيه، ولا يحمل المشاركون فيها أسلحةً تهدد حياتهم وتعرضها للخطر، وذلك تضامناً مع الشعب الفلسطيني، ضد سياسة الاستيطان والاقتحامات المتكررة، وعمليات القتل المتعمدة، وممارسات جيش الإحتلال العنصرية ضدهم في عموم الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

مقالات ذات صلة انقلاب لهذه الأسباب 2024/09/14

أعادت الجريمة البشعة التي ارتكبت عمداً وبدمٍ باردٍ، المجزرة الكبرى التي ارتكبها جيش العدو بحق عددٍ من المتضامنين الأتراك مع الشعب الفلسطيني، خلال عملية الإنزال والقرصنة التي قامت بها بحريته العسكرية ضد سفينة “مافي مرمرة” المدنية التركية، التي كانت تحمل مؤناً ومساعداتٍ إنسانيةً لسكان قطاع غزة المحاصرين، ضمن مجموعة أخرى من السفن التي شكلت بمجموعها “أسطول الحرية” التي شارك فيها 750 ناشطاً دولياً من 36 دولة في العام 2010، حيث قتل جيش الاحتلال عامداً وقاصداً عشرة مواطنين أتراك، وأصاب 56 آخرين، وساق البقية إلى مراكز الشرطة والتحقيق، حيث تعرضوا للاستجواب والتحقيق، والتعذيب وسوء المعاملة، قبل إعادتهم جميعاً إلى تركيا وبلدانهم الأصلية.

لا تقتصر جرائم العدو الإسرائيلي ضد المتضامنين مع الشعب الفلسطيني على هاتين الجريمتين، وإن كان يبدو جلياً أنها ضد الأتراك، وأنها تستهدفهم عمداً وقصداً أكثر من غيرهم، فهي تغتاظ من نشاطهم، ويزعجها تضامنهم مع الفلسطينيين، ولا ترضى عن جمعياتهم العاملة في القدس والضفة الغربية وغزة، وتتمنى لو أنها تستطيع بالقوة منعهم من زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وتقديم الدعم والمساعدة للمدارس الدينية والمصاطب العلمية، والمرافق العامة والتكيات الخيرية وغيرها.

وقد صرح عددٌ من المسؤولين الإسرائيليين أن “البزة التركية”، والشارات الدالة عليها، تغيظهم وتستفزهم وهي أكثر خطراً عليهم من “البزات العسكرية”، وأنهم يتمنون لو أنهم يستطيعون تصنيف حامليها بالإرهاب، وأنهم غير مرغوبٍ فيهم، وغير مسموحٍ دخولهم وعملهم في المناطق الفلسطينية، وقد سعى بعضهم فعلاً لتشريع قوانين تحد من نشاطهم، وتخضع أعمالهم للمراقبة والتدقيق، وتحيل المخالفين منهم وفق معاييرهم للمساءلة والتحقيق والمحاكمة.

لكن جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تقتصر على المتضامنين الأتراك فقط، بل طالت أغلب المتضامنين الدوليين وصنفتهم، ولاحقت الكثير منهم وطاردتهم وطردتهم، ومنعت بعضهم من الدخول إلى الأراضي المحتلة، ونعتتهم بأسوأ النعوت وأبشع الصفات، فقط لأنهم يتضامنون مع الشعب الفلسطيني، ويدينون الممارسات الإسرائيلية، ويسلطون الضوء عليها، ويصفون سياسة حكوماتها بالعنصرية، ويفضحون في وسائل الإعلام بالصوت والصورة والأدلة والشواهد والبراهين، جرائمهم المقصودة وعدوانهم ومستوطنيهم ضد الفلسطينيين وعلى حقوقهم وممتلكاتهم.

لا ينسى الفلسطينيون والمتضامنون معهم المواطنة الأمريكية راشيل كوري، التي سحقتها جنازير الجرافات الإسرائيلية في مدينة رفح في العام 2003، بينما كانت تحاول منعها من تجريف بيوت الفلسطينيين وهدمها، رغم علم جيش الاحتلال أنها أجنبية أمريكية، وكانت تلبس زياً مدنياً برتقالي اللون يميزها عن غيرها، ولكن لونها الأبيض، ولسانها الإنجليزي، وجنسيتها الأمريكية، لم تشفع لها عند جيش الاحتلال الذي اعتبر تضامنها مع الفلسطينيين جريمة تستوجب القتل والإعدام.

وكذلك المواطن البريطاني توم هندل الذي قتل في نفس الفترة والمكان مع الأمريكية راشيل، بينما كان يحمل طفلاً فلسطينياً صغيراً بين يديه، ويحاول حمايته من رصاص جنود جيش الاحتلال الذي كان يستهدفه، فما كان من الجنود إلا أن قتلوهما معاً.

وكذلك مواطنه جيمس هنري ميللر، الذي قتل بدوره في نفس الفترة لكن في مدينة غزة، بينما كان يعد ويصور فيلماً وثائقياً لصالح هيئة الإذاعة البريطانية، يوثق جرائم جيش الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين بالصوت والصورة والأدلة الحية والشواهد الدامغة.

ولعلها ليست آخر جرائمهم المقصودة، عندما استهدفت طائراته طاقم المطبخ الملكي الأمريكي، الذي كان يعمل في قطاع غزة بعلمهم وموافقتهم، ولكنه على الرغم من معرفته سيارتهم ومسار حركتهم وإحداثيات مكانهم، إلا أن طائراته الحربية استهدفتهم بصواريخها وقتلتهم.

الغريب في الأمر والمستنكر في هذه المسائل والقضايا، عدا المواقف التركية الجادة والمسؤولة، هي مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الحليفتين الأساسيتين للكيان الصهيوني، إذ أنهم غالباً ما يبررون للكيان جرائمه، ويسكتون عنها، ويبرؤونه أحياناً منها، ويكتفون منه بتشكيل لجان تحقيق وهمية وشكلية لا قيمة لها ولا تأثير لقرارتها، ولا جدية أو مصداقية فيها، ثم يطوون الملفات ولا يعيدون فتحها من جديد.

وهذا التواطؤ المعيب ينسحب أيضاً على جرائم قتل المواطنين الفلسطينيين من حملة الجنسيات الأخرى مثل إعلامية فضائية الجزيرة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي تعمد جنود العدو قتلها برصاصةٍ خارقةٍ حارقةٍ، أطلقها قناصٌ إسرائيليٌ يعرفها وهويتها وشخصيتها ومهمتها، وربما جنسيتها وعملها الذي تميزه البزة والشارة الصحفية.

إنها سياسة العدو الإسرائيلي الفاضحة التي لا يخاف منها ولا يخشى عواقبها، ويتعمد تكرارها ويقصد ارتكابها، وتساعده عليها أنظمةٌ وحكوماتٌ تتآمر معه وتعمل من أجله، فهو لا يريد أن يرى متضامناً مع الشعب الفلسطيني، ولا يريد للغرب أن يسمع غير روايته، فتراه يقتل كل متضامنٍ غربيٍ، ويكسر كل قلمٍ حرٍ، ويحطم كل كاميرا مستقلة، ويعدم كل طبيبٍ يعالجٍ، أو عاملٍ في المؤسسات الإنسانية يغيث ويساعد، ظناً منه أنه يستطيع أن يخرس الألسنة، ويعمي العيون، ويغير الوقائع، ويبدل الحقائق، ويقنع العالم بروايته الزائفة وأدلته الباطلة.

بيروت في 14/9/2024

moustafa.leddawi@gmail.com

مقالات مشابهة

  • صاروخ يمني واحد يُرعب الصهاينة ويُوقظ العالم
  • النص الكامل لرسالة القائد المجاهد يحيى السنوار للسيد القائد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
  • (نص) رسالة رئيس حركة حماس يحيى السنوار إلى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
  • رئيس حماس يبعث برسالة إلى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
  • نص رسالة رئيس حركة حماس يحيى السنوار إلى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
  • نص رسالة يحي السنوار إلى قائد أنصار الله
  • نص رسالة السنوار للسيد القائد
  • فصائل المقاومة تبارك عملية القوات المسلحة وتعتبرها نقلة نوعية في مسار معركة طوفان الأقصى
  • تطورات اليوم الـ345 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • في ظلال طوفان الأقصى “117”