خلل يضرب في النخبة السياسية الأمريكية ويجعلها تبدو خارج تقاليد درجت عليها منذ الاستقلال
إقالة رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي الثلثاء الماضي، كانت تعبيراً مكثفاً عن عمق الانقسام في واشنطن. والتمرّد الذي قاده الجمهوريون المتشدّدون بقيادة النائب مات غايتس، لم يصنع سابقة فقط في التاريخ الأميركي، بل أعطى مؤشراً إلى الاضطراب الذي يسود الحياة السياسية الأميركية.حفنة من النواب الجمهوريين الذين تسبّبوا بخلع مكارثي، هم من الموالين للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يواجه 91 اتهاماً في 4 قضايا جنائية، قبل 13 شهراً من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تتجه إلى جولة إعادة بين الرئيس الديموقراطي جو بايدن وترامب.
ولتلمّس خلفيات إطاحة مكارثي، يتعيّن التذكير بالظروف التي أحاطت بالحدث، من مضي أيام على اتفاق بين مكارثي والديموقراطيين على تمويل موقت للحكومة الفيدرالية، كي تتجنّب الإغلاق الجزئي وحرمان قطاع كبير من الموظفين الحكوميين، وبينهم العسكريون، من رواتبهم، إلى اسقاط بند المصادقة على مساعدة عسكرية وإنسانية لأوكرانيا بـ 24 مليار دولار بطلب من بايدن، فمثول ترامب أمام محكمة في نيويورك بتهمة تضخيم أصوله في "منظمة ترامب" التجارية من أجل الحصول على قروض أكبر من البنوك، وهي تهمة في حال تمّت إدانته بها من شأنها أن تهدّد امبراطوريته التجارية.
الجمهوريون المتمرّدون لم يوافقوا على التمويل الفيدرالي الموقت لمدة 45 يوماً، كانوا يريدون الضغط أكثر على البيت الأبيض كي يقبل بخفض أكبر في النفقات، ومنها المساعدات لأوكرانيا. والديموقراطيون كانوا يريدون من مكارثي أن يُلزم الجمهوريين بمبلغ الـ 24 مليار دولار التي يعتبرونها مسألة حاسمة في تقرير مصير الحرب في أوكرانيا، ووافقوا على مضض على التمويل الموقت، كي يتجنّبوا الإغلاق الحكومي والهزّة التي كان سيُحدثها على أبواب بدء الحملات الانتخابية لعام 2024.
الديموقراطيون كانوا ممتعضين من مكارثي الذي بدأ إجراءات لمساءلة بايدن بتهمة التواطؤ مع نجله هانتر بايدن في ارتكاب مخالفات في شركات تجارية في أوكرانيا وفي الصين. والجمهوريون المتشدّدون ناقمون عليه، لأنّه وضع تشريعاً، تمّت المصادقة عليه بأصوات الديموقراطيين أكثر منه بأصوات الجمهوريين، من شأنه وضع حدّ لمأزق الموازنة، ومدّد تمويل الحكومة حتى منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، متجنّباً إغلاق الحكومة. وفي وقت سابق، أغضب مكارثي المحافظين لأنّه أبرم اتفاقاً مع الديموقراطيين لرفع سقف الدين.
حصل هنا تقاطع بين الديموقراطيين والجمهوريين المتشدّدين، فكانت الإقالة بفارق 6 أصوات فقط، لكنّ أصداءها ستكون بعيدة المدى على صعيد انتظام الحياة السياسية في واشنطن.
ولن يكون ما يحصل في الكونغرس ومصير المساعدة المطلوبة لأوكرانيا بعيدين من الأجواء المرافقة للمحاكمات التي يخضع لها ترامب. والمتشدّدون الجمهوريون يريدون زرع الفوضى في كل مكان، لإشغال بايدن قبل موسم الانتخابات. وكما الرئيس السابق منهمك بالذهاب إلى المحاكم للدفاع عن نفسه، فإنّ التشويش على انتظام العمل الحكومي يهدّد صورة بايدن.
هذا يدلّ على خلل يضرب في النخبة السياسية الأميركية، ويجعلها تبدو خارج تقاليد درجت عليها منذ الاستقلال. ويساهم في ذلك ارتفاع الاستجابة للخطاب الشعبوي الذي يعبّر عنه ترامب، والذي يعلن الحرب على ما يسمّيه "الدولة العميقة" التي يتّهمها بالوقوف بجانب بايدن من أجل حرمانه من الترشح لانتخابات يتفوّق فيها على كل منافسيه الجمهوريين، ويتنافس فيها بشدّة ويتفوّق أحياناً على بايدن في بعض الاستطلاعات.
ومن شأن هذا الانقسام المتمدد على مستويات مختلفة في الولايات المتحدة، مضاعفة القلق على الديموقراطية، وفق ما يكرّر بايدن التحذير منه في خطبه، بينما يقود ترامب التمرّد على الأعراف، ويجد قبولاً لتوجّهاته من قِبل غالبية القاعدة الجمهورية.
وظاهرة الانقسام وتردداتها ستزداد مع حماوة الحملات الانتخابية أوائل العام المقبل.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: غزة وإسرائيل زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة
إقرأ أيضاً:
بايدن يوقع على مشروع قانون التمويل ويجنب إغلاق الحكومة الأميركية
ديسمبر 22, 2024آخر تحديث: ديسمبر 22, 2024
المستقلة/- وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع قانون تمويل ثنائي الحزبية يتجنب إغلاق الحكومة، بعد أيام من دخول الكونجرس في حالة من الاضطراب بعد رفض الرئيس المنتخب دونالد ترامب لاتفاق أولي.
وأعلن البيت الأبيض يوم السبت أن بايدن وقع على التشريع، الذي يمول الحكومة حتى منتصف مارس.
وقال بايدن في بيان: “يمثل هذا الاتفاق تسوية، مما يعني أن أيًا من الجانبين لم يحصل على كل ما يريده. لكنه يرفض المسار السريع لخفض الضرائب للمليارديرات الذي سعى إليه الجمهوريون، ويضمن قدرة الحكومة على الاستمرار في العمل بكامل طاقتها”.
“هذه أخبار جيدة للشعب الأمريكي، خاصة مع تجمع العائلات للاحتفال بموسم الأعياد هذا”.
أقر مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، بأغلبية 85 صوتًا مقابل 11 صوتًا، مشروع القانون لمواصلة تمويل الحكومة بعد 38 دقيقة من انتهاء صلاحيته في منتصف الليل (05:00 بتوقيت جرينتش) في واشنطن العاصمة يوم السبت.
أقر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون مشروع قانون الميزانية في وقت سابق من مساء الجمعة بدعم من الحزبين.
يختتم التوقيع يوم السبت أسبوعًا مضطربًا في الكونجرس الأمريكي بعد أن أثار ترامب، الذي يتولى منصبه في يناير، ومستشاره، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، معارضة الاتفاق الحزبي الأولي.
أصر ترامب على أن تتضمن الصفقة زيادة في حد اقتراض الحكومة. وقال إنه إذا لم يكن الأمر كذلك، فلندع إغلاق الحكومة “يبدأ الآن”.
أمضى المشرعون عدة أيام في محاولة التوصل إلى اتفاق آخر، مع التهديد بتوقف هائل للخدمات الحكومية خلال موسم العطلات في نهاية العام.
كان الإغلاق يعني إغلاق العمليات غير الأساسية، مع إجازة ما يصل إلى 875000 عامل وإجبار ما يصل إلى 1.4 مليون آخرين على العمل بدون أجر.
تمول النسخة النهائية من التشريع الحكومة بالمستويات الحالية حتى 14 مارس. كما يوفر 100 مليار دولار من مساعدات الكوارث بالإضافة إلى 10 مليارات دولار من المساعدات للمزارعين.
لكن الصفقة جردت بعض الأحكام التي دافع عنها الديمقراطيون، الذين اتهموا الجمهوريين بالاستسلام للضغوط من الملياردير ماسك.
صوت بعض الجمهوريين ضد الحزمة لأنها لم تخفض الإنفاق.
قال رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون إن الحزب سيكون له نفوذ أكبر العام المقبل، عندما يكون له الأغلبية في مجلسي الكونجرس وسيكون ترامب في البيت الأبيض.
وقال للصحفيين بعد تصويت مجلس النواب: “كانت هذه خطوة ضرورية لسد الفجوة، لوضعنا في تلك اللحظة حيث يمكننا وضع بصماتنا على القرارات النهائية بشأن الإنفاق”، مضيفًا أن ترامب أيد الصفقة.
وأضاف جونسون أن التسوية كانت “نتيجة جيدة للبلاد”.
ومع ذلك، تثير الحلقة تساؤلات حول ما إذا كان جونسون سيكون قادرًا على الاحتفاظ بوظيفته في مواجهة زملائه الجمهوريين الغاضبين.
ومن المقرر أن ينتخب مجلس النواب الرئيس القادم في 3 يناير/كانون الثاني، عندما ينعقد الكونجرس الجديد.
من المتوقع أن يحصل الجمهوريون على أغلبية ضئيلة، 220-215، وهو ما يترك لجونسون هامشًا ضئيلًا للخطأ بينما يحاول الفوز برئاسة مجلس النواب مرة أخرى.