الآثار النفسية لحرب أكتوبر على الإسرائيليين
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
في كتاب «إسرائيل انتهاء الخرافة» قال المعلق العسكري أمنون كابليوك: «تقول الحكومة البريطانية كلما كان الصعود عاليًا كان السقوط قاسيًا.. وفي السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلي برج السكينة والاطمئنان الذي كانت قد شيدته لنفسها، وكانت الصدمة على مستوى الأوهام التي سبقتها قوية ومثيرة، وكأن الإسرائيليين قد أفاقوا من حلم طويل جميل لكي يروا قائمة طويلة من الأمور المسلم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التي آمنوا بها لسنوات عديدة وقد اهتزت بل وتحطمت في بعض الأحيان أمام حقيقة جديدة غير متوقعة وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين».
ووفق مجلة بماحنيه الإسرائيلية ٢٠ سبتمبر ١٩٩٨، فإن «هذه الحرب تمثل جرحًا غائرًا في لحم إسرائيل القومي».. إن جرح حرب أكتوبر ما زال غائرًا في التركيبة البشرية الإسرائيلية، يستعيدون الذكرى كل عام، ورغم مرور كل هذه السنوات، ما زال السؤال الاستنكاري عندهم هو: هل هُزمنا حقًا؟، هل هُزمنا بما لدينا من قنابل ذرية واستخبارات لا تجارى وتحالفات مع أقوى دولة في العالم؟، كيف حدث ذلك؟، ويظل الهاجس المؤرق يتردد: هل يمكن أن نفاجأ مرة أخرى؟
في الاجتماع السنوي للجمعية الدولية لعلماء النفس عام ١٩٧٥ والمنعقد في تل أبيب، والذي كان موضوعه الرئيسي هو «الضغوط النفسية، والتوافق النفسي في الحرب والسلام»، كان من بين المتحدثين الرئيسيين في هذا المؤتمر عالم النفس الاجتماعي اليهودي الأمريكي الشهير ريتشارد لازاروس، والذى اختار موضوعًا لخطابه إلى المؤتمرين هو: سيكولوجية المواقف العصيبة ومواجهتها مع إشارة خاصة إلى إسرائيل، وقال «لازاروس» في البداية بأنه يشعر بتوحد كامل مع نضال إسرائيل القومي من أجل خلق وتأمين مكان ليهود العالم في مجتمع إنساني متسامح. ويمضى «لازاروس» موضحًا لآثار حرب أكتوبر على الفعل الإسرائيلى قائلًا: لقد أدت حرب «يوم الكيبور» بخسائرها الكبيرة إلى تغير التقييمات الإسرائيلية السابقة تغيرًا جذريًا، وقد حدد لى بعض أصدقائى وزملائى الإسرائيليين عددًا من المسلمات والافتراضات الشائعة التى انهارت نتيجة لهذه الخبرة، ومنها على سبيل المثال: إن العرب لن يتّحدوا أبدًا ضد إسرائيل، إنهم لن يحاربوا بشجاعة أبدًا، أن قوات الدفاع الإسرائيلية على درجة عالية من الكفاءة، وأن المخابرات الإسرائيلية تضمن انتصارًا دائمًا بأقل قدر من الخسائر، إن لدى قيادة الدولة من الحكمة والخبرة ما يسمح بترك كل شىء لتصرفها، إن الرأى العالمى سوف يبقى مؤيدًا لإسرائيل، إن الوقت فى صالحنا..، ولذلك جاء في مجلة نيوزويك الأمريكية في ١٤ أكتوبر ١٩٧٣: «إن كل يوم يمر يحطم الأساطير التي بنيت منذ انتصار إسرائيل عام ١٩٦٧ وكانت هناك أسطورة أولًا تقول إن العرب ليسوا محاربين وأن الإسرائيلي سوبرمان، لكن الحرب أثبتت عكس ذلك». كما نشر في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في ٢ نوفمبر ١٩٧٣: «لقد أوجدت حرب أكتوبر مفهومًا يبدو إننا لم نعرفه من قبل (منهكي الحرب)، ونعني به أولئك الذين عانوا من الصدمات النفسية والمنتشرين الآن في المستشفيات ودور النقاهة يعالجون من أجل تخليصهم من الآثار التي خلفتها الحرب الضارية..، لقد عرف الجنود الاسرائيليون خلال تلك الحرب ولأول مرة في حياتهم تجربة الحصار والعزلة أثناء القتال وعار الأسر والخوف من نفاذ الذخيرة».
ويؤكد «لازاروس» أن الجمهور الإسرائيلي كان على ثقة فى بداية حرب «الكيبور» من القدرة على التصدى لما يواجه الأمة من مصاعب، ولم يفقد الثقة كثيرًا فى القدرة القتالية لقوات الدفاع الإسرائيلية فى البداية، إلا أن مسار الحرب بعد ذلك قد تطلب تعديلات أساسية لتقييم طبيعة ومدى التهديدات، وكيف ينبغى مواجهتها، ويستشهد «لازاروس» بما نشرته إحدى الصحف الإسرائيلية بعد مضى عام على الحرب حيث قالت: ثمة شيء ما قد تحطم فى حرب يوم «الكيبور» فى العام الماضى، لقد أُنقذت الدولة حقًا، ولكن: إيماننا قد تداعى، ويقيننا قد تحطم، وقلوبنا قد تمزقت حتى الأعماق، وفقدنا ما يقرب من جيل كامل، ويشير «لازاروس» إلى ما لاحظه من انتشار اللامبالاة لدى العديد من الإسرائيليين، ويؤكد «لازاروس» بوضوح: لقد كانت حرب يوم «الكيبور» كارثة سيكولوجية، بمعنى أنها قد هددت أو دمرت عقيدة الإسرائيليين، ولسنا نعرف على وجه اليقين ما الذى حل أو سوف يحل محلها، والخطر الأعظم هو أنها يمكن أن تستبدل بتعاظم الإحساس بالتهديد وانعدام الحياة.
إذا كان أهل الاختصاص فى الأمور العسكرية يحسبون الهزيمة والنصر بمؤشراتها المادية ونتائجها الملموسة على الأرض، فإن علماء النفس يتحدثون عن الوعي بالهزيمة مقابل الوعى بالانتصار، واضعين فى اعتبارهم ومن واقع تخصصهم أيضًا تأثيرات عمليات تزييف الوعى التى قد ترسخ لدى المهزوم وعيًا مصنوعًا أو زائفًا بالانتصار، كما أنها قد ترسخ لدى المنتصر وعيًا زائفًا بالهزيمة.
في العيد الخمسين لانتصارات أكتوبر المجيدة، تحية إجلال وتقدير للقوات المسلحة المصرية، وتهنئة لمصر وشعبها.
محمد أبو حامد: كاتب معنى بقضايا التنمية البشرية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الجمهور الإسرائيلي جولدا مائير الإسرائيليين حرب أکتوبر
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تقتل أكثر من 12 ألف طالب بغزة والضفة منذ أكتوبر 2023
قالت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية في رام الله، اليوم الثلاثاء، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل أكثر من 12 ألف فلسطيني وأصاب 19 ألفا آخرين من طلبة المدارس والجامعات بقطاع غزة والضفة الغربية منذ بدئه حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوضحت الوزارة أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 استشهد 11 ألفا و249، وأصيب 17 ألفا و335 من طلبة مدارس غزة، واستشهد 80 وأصيب 479 وأسر 237 من طلبة مدارس الضفة.
وعلى صعيد الجامعات، تشير معطيات الوزارة إلى استشهاد 697 وإصابة 1523 من طلبة جامعات قطاع غزة، واستشهاد 35 وإصابة 130 واعتقال 229 من طلبة جامعات الضفة خلال الفترة نفسها.
وأضافت الوزارة أن الاحتلال واصل حرمان 88 ألف طالب وطالبة من دراستهم الجامعية، و700 ألف طالب وطالبة من الالتحاق بالمدارس في قطاع غزة.
وعلى صعيد الكوادر التعليمية أفادت معطيات الوزارة باستشهاد 444 وإصابة 2491 من كوادر مدارس غزة، واستشهاد 117 وإصابة 1221 من الكوادر الجامعية بالقطاع.
إحدى مدارس غزة التي تحولت إلى ملجأ للنازحين تعرضت لقصف إسرائيلي أحالها حطاما (رويترز)وفي الضفة، لفتت معطيات الوزارة إلى استشهاد 3 من الكوادر التعليمية للمدارس، وإصابة 17 واعتقال 144، في حين اعتقل 9 من كوادر الجامعات.
وبخصوص الاعتداءات الإسرائيلية على المباني التعليمية، تعرضت 77 مدرسة في غزة لتدمير كلي و171 مدرسة لأضرار بالغة، و126 مدرسة حكومية و65 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لقصف وتخريب.
وتعرضت 91 مدرسة و7 جامعات بالضفة للاقتحام والتخريب، وفق معطيات الوزارة.
وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 146 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وبموازاة حرب الإبادة في قطاع غزة، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته، كما صعّد المستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، مما أسفر إجمالا عن 780 شهيدا، ونحو 6 آلاف و300 جريح، وفق معطيات رسمية فلسطينية.