كاتب تركي: سياسة التطبيع التركية بشرق المتوسط بدأت تؤتي ثمارها
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
لندن- عربي21
عندما ننظر إلى سياسة تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، نرى أن الخطوات المتخذة في عملية التطبيع بدأت تؤتي ثمارها؛ حيث إن أخذ زمام المبادرة في البحر الأبيض المتوسط لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعاون مع دول المنطقة.
ونشر موقع "كريتر" التركي تحليلا للكاتب مراد أصلان، ترجمته "عربي21" قال فيه إن رياح شرق البحر المتوسط غيّرت اتجاهها بعد الأخبار التي تفيد بأن تركيا وإسرائيل ستنفذان مشاريع طاقة مشتركة، وبينما يتم إصدار توقعات حذرة، فإن الصورة الكبيرة في شرق البحر الأبيض المتوسط تحتاج إلى إعادة النظر.
وأوضح الكاتب أنه من الضروري شرح استراتيجية تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط. أولاً، بينما كان يجري وضع اللمسات النهائية على تطبيع تركيا مع إسرائيل ومصر في شرق البحر الأبيض المتوسط، كان التساؤل: "لماذا كنا نتعامل عاطفيّاً في الماضي إذا كنا سنطبّع؟"؛ حيث يرى الكاتب أن بين حساسيات تركيا السياسية وتوقعات المصلحة الذاتية، بدت الحساسيات العاطفية هي المهيمنة أولاً، وعندما شكلت الدول المتصارعة كتلة، بدت المصالح هي المهيمنة، لافتاً إلى أن التحلي بالمرونة والتصرف بعقلانية أصبح أكثر أهمية في منطقة ديناميكية مثل الشرق الأوسط، وبما أن تركيا أكبر من قوة "إقليمية" وتتمتع بقدرة تفوق القوة العالمية، فإن المتعارضين على الجبهة العريضة يشكلون بسهولة كتلاً جديدة، مما يجعل التطبيع ضروريّاً، وهو ما تحقق مع مصر وإسرائيل بالتوازي مع دول الخليج.
الحسابات في لقاءات قريبة
وأشار الكاتب إلى أنه مع فترة "تكثيف" العلاقات مع إسرائيل ومصر، بدأت إسرائيل ومصر، مثل تركيا، تشعران بفوائد مبدأ "ربح الجانبين". ومع ذلك، فمن الضروري التعامل مع وجهات نظر هذه البلدان بتعاطف وقراءة حساباتها الخلفية؛ حيث يبدو أن إسرائيل تفضل زيادة مستوى علاقاتها مع اليونان والإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص، بالتوازي مع عملية التطبيع مع تركيا. فخلال زيارة نتنياهو لقبرص اليونانية في الأسبوع الأول من شهر أيلول/ سبتمبر، تمت مناقشة الاقتراح القبرصي اليوناني لبيع الغاز عن طريق التسييل عبر قبرص مع ميتسوتاكيس وكريستودوليدس، وبينما ذكر نتنياهو بلغة دبلوماسية أن "القبارصة اليونانيين يجب أن يقرروا كيفية تصدير الغاز"، فقد ظهرت مسألتان مختلفتان.
وأوضح الكاتب أن تصريح نتنياهو يعني استحالة إنشاء خط أنابيب عبر الإدارة القبرصية اليونانية- البحر الأبيض المتوسط- اليونان على المدى القصير والمتوسط، وإذا قام القبارصة اليونانيون باستخراج الغاز وتسويقه، حتى في المناطق المتنازع عليها، فإن نقل الغاز لن يكون بالأمر السهل.
ووفق الكاتب؛ فيبدو أن نتنياهو يريد تسويق الغاز الإسرائيلي إلى ثلاثة، ويفضل أربعة، اتجاهات مختلفة، دون أن يقتصر على اتجاه واحد. إضافة إلى ذلك، عندما تزداد كمية الغاز الإسرائيلي، الذي يتم إنتاجه حالياً بكميات محدودة، قد تكون تركيا المورد الأقرب والأكثر استعداداً، لذا فإن إسرائيل لا تريد المجازفة في الجغرافيا السياسية للطاقة.
ولفت الكاتب إلى أن المشروع اليوناني القبرصي يواجه مشكلة أخرى مع مصر؛ التي تقوم حالياً بتسييل الغاز الإسرائيلي وتواجه صعوبات اقتصادية، وتحصل على دخل من الغاز من خلال هذا التسييل، وإن كان محدوداً بسبب مشاكل البنية التحتية، وإذا قدم القبارصة اليونانيون عرضاً منافساً لمصر، فمن المحتمل أن يدفع ذلك مصر إلى إعادة النظر في قراراتها السابقة.
وفي هذا السياق، يمكن توقع مسارين لسياسة مصر بعد التطبيع مع تركيا؛ الأول هو رغبة مصر، التي تمتلك أغنى احتياطيات في شرق البحر الأبيض المتوسط، في الوصول إلى السوق التركية؛ حيث إن إدارة السيسي، التي تمر بفترة صعبة للغاية على الصعيد الاقتصادي ولا تستطيع التخلص من قلق موجة الربيع العربي الثانية، تعتزم بيع الغاز بطريقة أو بأخرى إلى أقرب سوق رئيسة، وهي تركيا. والمسألة الثانية هي نية إعادة كتابة منطقة الاختصاص البحري التي فقدتها بالاتفاق مع الثنائي اليوناني والقبرصي اليوناني في المعادلة الجديدة. وبعد جزيرتي تيران وصنافير التي منحهما السيسي للسعوديين، تم بالفعل منح منطقة اقتصادية خالصة في البحر الأبيض المتوسط لليونان والقبارصة اليونانيين.
وأكد الكاتب أنه لا ينبغي إهمال لبنان في جيوسياسية الغاز؛ حيث تشكل الحدود البرية، إلى جانب جغرافية قاع البحر، مدخلاً مهماً يحدد اتجاه السلطات البحرية. ولذلك، يبدو أن المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل ستستمر لبعض الوقت. من ناحية أخرى، بدأ استخدام الصلاحيات الممنوحة لتحالف توتال وإيني وقطر للطاقة بشأن الحزمة التاسعة اعتباراً من أيلول/ سبتمبر. ويحتاج لبنان، الذي لا يستطيع التغلب على عنق الزجاجة الاقتصادي بسبب مشاكله الهيكلية، إلى استخراج الغاز والبدء في بيعه في أسرع وقت ممكن.
علاقات تركيا
وذكر الكاتب أنه فيما يخص اليونان والقبارصة اليونانيين، فيعمل كونسورتيوم بقيادة شركة شيفرون الأمريكية على الاكتشافات التي أعلن عنها القبارصة اليونانيون على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات عليها، ولهذا فإن اليونانيين، الذين ما زالوا غير قادرين على كسب الدخل، يريدون تسريع العملية.
ويبين الكاتب أن ما لا يأخذه القبارصة اليونانيون، الذين يحلمون بنقل الغاز الإسرائيلي إلى جنوب قبرص وتحويله إلى طاقة كهربائية وبيعه لأوروبا، في الاعتبار هو حجم الاستثمار الذي يجب القيام بهـ فلا تزال هناك تحديات تتعلق بالبنية التحتية لجلب الغاز إلى السوق بعد تسييله و/أو تحويله إلى كهرباء.
وبالنظر إلى اليونان، يبدو أن القضية الأكثر أهمية في التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل هي شركة إنرجيان، وهي شركة مسجلة في لندن وهي في الواقع مبادرة يونانية، والتي تتابع عن كثب عملية التطبيع التركية الإسرائيلية؛ فإذا نفذت إسرائيل وتركيا مشاريع مشتركة لاستكشاف واستخراج الطاقة، فقد تضطر شركة إنرجيان إلى الاكتفاء بالمشاريع القائمة.
وتساءل الكاتب بأنه بعد أن تجني تركيا ثمار التطبيع مع إسرائيل ومصر، ما نوع الصدمة التي يمكن أن تعيشها اليونان وقبرص اليونانية، أو ما هي الاحتياطات التي يمكن أن تعتمدا عليها معتبراً أن هذين السؤالين مهمان من حيث معرفة أيهما سيهيمن على العلاقات التركية اليونانية في المنطقة؛ التعاون أم المنافسة، فإذا قامت إسرائيل بإضفاء الطابع المؤسسي على تجارة الطاقة مع تركيا، فإن الاحتكار اليوناني القبرصي، الذي سيشعر بالتهميش، قد يدخل فترة من التعثر، ولهذا فإن إدارة أثينا حلت مشاكلها مع تركيا وقرأت بشكل صحيح التطورات في شرق البحر الأبيض المتوسط، وانضمت إلى التآزر وارتبطت بأجندة إيجابية مع تركيا.
وشدد الكاتب على أنه لن يكون من الصحيح استكمال التحليل دون الحديث عن ليبيا؛ حيث تم التوقيع على الاتفاقية بين تركيا وليبيا بشأن تحديد مناطق الاختصاص البحري بتاريخ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ومذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال المحروقات بين الجمهورية التركية وحكومة الوحدة الوطنية الليبية بتاريخ 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وهو ما فتح المجال أمام تركيا لتنفيذ مشاريع الطاقة في منطقة السيادة البرية والبحرية الليبية.
وأوضح أن الديناميكيات الداخلية في ليبيا معقدة، وإذا تمكن الليبيون، الذين يبدو أنهم منقسمون بالفعل، من التعلم من الكارثة التي وقعت في درنة وفهم مدى أهمية وحدة البلاد في الواقع، فمن الممكن تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع تركيا. ومن ناحية أخرى، لا بد من التذكير بأن الحكومات الألمانية والإيطالية والفرنسية والبريطانية والروسية والأمريكية تحاول الحصول على حصة من ليبيا.
وخلص الكاتب إلى أنه عندما ننظر إلى سياسة تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، ينبغي لنا أن نرى أن الخطوات المتخذة في عملية التطبيع بدأت تؤتي ثمارها؛ حيث إن النهج التركي الذي يضع إسرائيل ومصر في المركز دقيق. ومع تنفيذ الاتفاقيات مع ليبيا، من المتوقع أن يتخذ الثنائي القبرصي واليوناني خطوات مضادة. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن تستخدم إسرائيل ومصر الثنائي اليوناني والإدارة القبرصية اليونانية كوسيلة ضغط ضد تركيا. ومن أجل منع مثل هذا السيناريو، هناك حاجة إلى إدارة عملية ذات طابع مؤسسي على أساس "ربح الجانبين".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية تركيا إسرائيل مصر الغاز مصر إسرائيل تركيا الغاز شرق المتوسط سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الغاز الإسرائیلی عملیة التطبیع إسرائیل ومصر مع إسرائیل الکاتب أن مع ترکیا یبدو أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
كاتب أمريكي: ليس كل اليهود مشمولون بحماية ترامب.. فقط من يؤيد من إسرائيل
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفي، بيتر بينارت، الذي كان أحدث كتاب له هو "أن تكون يهوديا بعد تدمير غزة"، قال فيه إن تيس سيغال، وهي طالبة في السنة الثانية بجامعة فلوريدا تبلغ من العمر 20 عاما، انضمت إلى زملائها النشطاء في ساحة بارزة بالحرم الجامعي في 29 نيسان/ أبريل 2024، مطالبة الجامعة بسحب استثماراتها من شركات تصنيع الأسلحة ومقاطعة المؤسسات الأكاديمية في "إسرائيل".
درس بعض المتظاهرين أو لعبوا الورق. لاحقا، قرأوا نعي فلسطينيين قتلوا في قطاع غزة.
ثم تدخلت قوات إنفاذ القانون. ورغم أن سيغال تقول إنها لم تقاوم الاعتقال، إلا أنها كبلت بالأصفاد واقتيدت إلى السجن، حيث احتجزت طوال الليل.
وقد واجهت سيغال تهمة مقاومة الاعتقال دون عنف. أسقطت الولاية قضيتها لاحقا. إلا أن جامعة فلوريدا كانت قد حظرت دخولها إلى الحرم الجامعي.
وكان مسؤولو الجامعة قد حذروا المتظاهرين من احتمال معاقبتهم إذا انتهكوا القيود الصارمة الجديدة على الاحتجاج. كما قال المسؤولون إن ضباط الشرطة أمروا المتظاهرين بالتفرق. وقالت سيغال إن الضجيج كان مرتفعا جدا بحيث لم يمكن بالإمكان سماع هذا التوجيه.
وقالت سيغال أنها منعت من أداء امتحانها النهائي للفصل الدراسي والمشاركة في برنامج صيفي ترعاه الجامعة والذي تم قبولها فيه.
وقضت لجنة تأديبية بالجامعة بأنها لم تتصرف بطريقة مخلة بالنظام، لكنها اعتبرتها مسؤولة عن انتهاك سياسة الجامعة، من بين أمور أخرى. واقترحت اللجنة إيقافها عن الدراسة لمدة عام. وذهب عميد الطلاب المعين حديثا في الجامعة إلى أبعد من ذلك؛ ففي رسالة شاركتها مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير، أعلن أن سلوك سيغال "تسبب في اضطراب كبير في الوظائف العادية للجامعة ومنع ضباط إنفاذ القانون من أداء واجباتهم على الفور" وزاد إيقافها إلى ثلاث سنوات.
تشترط جامعة فلوريدا على أي طالب يتغيب لأكثر من ثلاثة فصول دراسية إعادة التقدم بطلب الالتحاق. صرحت سيغال أنها كانت حاصلة على منحة دراسية كاملة. تعمل الآن في مجال خدمات الطعام ولا تعرف كيف أو متى ستعود إلى الجامعة.
ويعلق بينارت أنه في عصر يختطف فيه عملاء فيدراليون الطلاب الذين لا يحملون الجنسية الأمريكية من الشارع، قد تبدو عقوبة سيغال خفيفة نسبيا. لكن قضيتها تنطوي على مفارقة خاصة، فسيغال يهودية.
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، طالبت العديد من المنظمات اليهودية البارزة وحلفاؤها السياسيون الجامعات مرارا وتكرارا بحماية الطلاب اليهود من خلال معاقبة انتهاكات السلوك والاحتجاج في الحرم الجامعي، بما في ذلك الإيقاف عن الدراسة أو حتى الطرد.
سيغال هي حفيدة أحد الناجين من الهولوكوستوهي خريجة معسكر صيفي يهودي، لماذا لم تشعر المنظمات اليهودية بالقلق بشأنها؟ لأنه على مدار السنوات القليلة الماضية، قام قادة اليهود الأمريكيين الرئيسيين - بالشراكة مع سياسيين متعاطفين - بشيء غير عادي: لقد أعادوا تعريف معنى أن تكون يهوديا بشكل فعال. ولإسكات إدانة "إسرائيل"، ساوا بين دعم الدولة واليهودية نفسها.
قليلون هم من عبروا عن إعادة التعريف هذه بشكل أكثر صراحة من الرئيس ترامب. في الشهر الماضي، في إشارة واضحة إلى دعم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر غير الكافي المزعوم لـ"إسرائيل"، أعلن ترامب، "إنه لم يعد يهوديا".
ترامب ببساطة يوضح ما كان القادة اليهود يلمحون إليه لسنوات. في عام 2023، أعلن الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير، جوناثان غرينبلات، أن "الصهيونية أساسية لليهودية". في عام 2021، شارك المنشق السوفيتي المؤثر ووزير الحكومة الإسرائيلي السابق ناتان شارانسكي في كتابة مقال يصف فيه اليهود الذين يعارضون الصهيونية بأنهم "غير يهود".
تحدث إعادة تعريف اليهودية هذه بالتزامن مع واحدة من أقسى حملات القمع في التاريخ على النشاط اليهودي الأمريكي.
يحمل العديد من اليهود الأمريكيين، وخاصة اليهود الشباب، آراء ناقدة لـ"إسرائيل".
وجد استطلاع للرأي أجراه المعهد الانتخابي اليهودي الوسطي عام 2021، والذي يراقب مشاركة اليهود في التصويت، أن 38% من البالغين اليهود الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما يعتبرون "إسرائيل" دولة فصل عنصري، مقارنة بـ 47% ممن لم يفعلوا ذلك.
وعندما وُجهت إلى "إسرائيل" تهمة ارتكاب إبادة جماعية في غزة في استطلاع أجري العام الماضي، وافق 38% من البالغين اليهود الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 44 عاما على ذلك.
بالنظر إلى هذه الأرقام، فليس من المستغرب أن يلعب اليهود دورا قياديا في الاحتجاجات ضد هجوم "إسرائيل" على غزة.
بعد أحد عشر يوما من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جمعت الجماعات اليهودية التقدمية والمعادية للصهيونية، بما في ذلك "صوت يهودي من أجل السلام" ما يقرب من 400 متظاهر، كان العديد منهم يرتدي قمصانا كُتب عليها "ليس باسمنا"، واحتلوا مبنى الكونغرس.
في وقت لاحق من ذلك الشهر، قادت منظمة "صوت يهودي من أجل السلام" وحلفاؤها عملية استيلاء على محطة غراند سنترال في نيويورك.
وفي جامعة براون، اقتصر الاعتصام الأول للمطالبة بسحب الاستثمارات من الشركات التابعة لـ"إسرائيل" على الطلاب اليهود فقط.
لا يعتبر الطلاب اليهود عموما عرضة للخطر كنظرائهم الفلسطينيين والعرب والمسلمين والسود وغير المواطنين، ولكن هذا الافتراض تحديدا بتوفر قدر أكبر من الأمان هو ما جعلهم أكثر استعدادا للاحتجاج في المقام الأول. وقد دفع الكثيرون ثمنا باهظا.
ومن المستحيل معرفة نسبة الطلاب اليهود الذين عوقبوا بسبب نشاطهم المؤيد للفلسطينيين، نظرا لأن الإجراءات التأديبية الجامعية غالبا ما تكون سرية. لكن الأدلة المروية تشير إلى أهمية هذا الأمر.
وبغض النظر عن آراء المرء حول كيفية تعامل الجامعات مع النشاط الطلابي في الحرم الجامعي، هناك أمر غريب في قمعه باسم سلامة اليهود، في حين أن عددا من الطلاب الذين يتعرضون للقمع هم من اليهود.
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، علّقت أربع جامعات على الأقل مؤقتا أو وضعت تحت المراقبة فروع منظمة "صوت يهودي من أجل السلام".
في عام 2023، في احتجاجات "يهود من أجل وقف إطلاق النار الآن" بجامعة براون، تم اعتقال 20 عضوا(تم إسقاط التهم).
في فعالية مؤيدة لإسرائيل في كلية روكلاند المجتمعية بجامعة ولاية نيويورك في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ورد أن طالبا يهوديا صرخ لفترة وجيزة "من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة" و"يهود من أجل فلسطين" قد تم إيقافه عن الدراسة لبقية العام الدراسي. في أيار/ مايو 2024، قالت أستاذة يهودية دائمة في الأنثروبولوجيا بكلية مولينبيرج إنها طردت بعد أن أعادت نشر منشور على "إنستغرام" جاء فيه جزئيا: "لا تخشوا الصهاينة. افضحوهم. لا ترحبوا بهم في أماكنكم ولا تجعلوهم يشعرون بالراحة".
وفي أيلول/ سبتمبر، وجه المدعي العام في ميشيغان تهما جنائية لمقاومة أو عرقلة ضابط شرطة، بالإضافة إلى تهم جنحية بالتعدي على ممتلكات الغير، ضد ثلاثة ناشطين يهود - بالإضافة إلى أربعة آخرين - بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بمخيم تضامن مع غزة في جامعة ميشيغان في آن أربور. (دفعوا جميعا ببراءتهم).
حتى عندما اتخذ الاحتجاج شكلا دينيا يهوديا، غالبا ما أُغلقت أبوابه. في خريف العام الماضي، عندما بنى طلاب يهود معارضون للحرب خلال عيد العرش (سوكوت) أكواخا تضامنية مع غزة، وهي هياكل مؤقتة تشبه الأكشاك يأكل فيها اليهود ويتعلمون وينامون خلال العطلة، قامت ثماني جامعات على الأقل بتفكيكها بالقوة، أو ألزمت الطلاب بذلك، أو ألغت الموافقة على بنائها. (أعلنت الجامعات أنه لم يُسمح للمجموعات بإقامة هياكل في الحرم الجامعي).
على الرغم من ذلك، أشادت المنظمات اليهودية المؤيدة لـ"إسرائيل" بالجامعات التي قمعت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين.
عندما علّقت جامعة كولومبيا فرعها من منظمة "صوت يهودي من أجل السلام" إلى جانب منظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، هنأت رابطة الدفاع عن الحقوق الجامعة على وفائها "بالتزاماتها القانونية والأخلاقية بحماية الطلاب اليهود".
بعد أن فرقت شرطة نيو هامبشاير مخيم دارتموث التضامني مع غزة، شكرت رابطة الدفاع عن الحقوق رئيس الكلية على "حماية حق جميع الطلاب في التعلم في بيئة آمنة".
لكن التجربة لم تكن آمنة بالنسبة لأنيليس أورليك، الرئيسة السابقة لبرنامج الدراسات اليهودية في الكلية، التي قالت إنها قيدت بقيود بلاستيكية وتعرضت للضرب على جسدها وسحبت بالقوة من قبل ضباط الشرطة عندما دخلوا.
بعد أن أعلنت المدعية العامة للولاية أنها ستوجه اتهامات ضد المتظاهرين في مخيم جامعة ميشيغان الذين زعم أنهم انتهكوا القانون، أشاد بها مسؤول في الاتحاد اليهودي لمدينة آن أربور الكبرى لتصرفها "بشجاعة".
ومع ذلك، يواصل اليهود الاحتجاج. في أوائل نيسان/ أبريل، قامت مجموعة صغيرة من الطلاب اليهود بتقييد أنفسهم ببوابات جامعة كولومبيا احتجاجا على استمرار احتجاز محمود خليل، طالب الدراسات العليا السابق وحامل البطاقة الخضراء، والمحتجز الآن في مركز احتجاز تابع لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في لويزيانا بسبب مشاركته في احتجاج في الحرم الجامعي.
وقبيل عطلة عيد الفصح، وقّع أكثر من 130 طالبا وعضوا في هيئة التدريس وخريجا يهوديا من جامعة جورج تاون رسالة احتجاج على اعتقال بدر خان سوري، وهو زميل ما بعد الدكتوراه متهم بنشر دعاية حماس والترويج لمعاداة السامية.
هناك مفارقة عميقة في التشكيك الواضح من جانب المؤسسة اليهودية الأمريكية في يهودية هؤلاء المعارضين الشباب. لأن ما يميز نشطاء الطلاب اليهود اليوم عن الأجيال السابقة من اليساريين اليهود الأمريكيين هو بالتحديد اهتمامهم بدمج الطقوس اليهودية نفسها في احتجاجاتهم.
في نيويورك وحدها، نشأت ما لا يقل عن 10 مجتمعات صلاة، غير صهيونية أو معادية للصهيونية، في السنوات القليلة الماضية. يسكنها في الغالب يهود لا يتجاوز عمرهم بكثير عمر الطالبة تيس سيغال.
أقامت منظمة "يهود جامعة براون من أجل وقف إطلاق النار الآن" خيمة تضامن مع غزة في الخريف الماضي.
بدأت إحدى الطالبات اليهوديات، خوفا من تخريب الخيمة أو تفكيكها، بحراستها ليلا. حتى أنها انضمت إلى طلاب آخرين ناموا في المبنى المتهالك، الذي يرمز إلى الضعف البشري والحماية الإلهية، كما فعل اليهود منذ آلاف السنين، على الرغم من حظر الإدارة.
لقد أفلتت من الإجراءات التأديبية دون عقاب، لكنها سرعان ما دبرت خطة أخرى تربط يهوديتها بدعمها للقضية الفلسطينية: أن تجري طقوس (بات ميتزفاه) متأخرة، حيث يتم الاحتفاء بالتزام البنت بالشريعة اليهودية عندما تصل سن البلوغ.
في شباط/ فبراير الماضي، دُعيت إلى التوراة لأول مرة، في حفل أقامه بالكامل أعضاء منظمة يهود [جامعة] براون من أجل وقف إطلاق النار الآن، والتي تُسمى الآن "يهود براون من أجل تحرير فلسطين".
بالنسبة لترامب وقادة المؤسسة اليهودية الأمريكية، قد لا تكون يهودية حقيقية. ولكن مثل الكثيرين في جيلها، فهي تثبت لهم خطأهم بغضب وفرح.