القدس/غزة/سديروت- رويترز

باغتت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسرائيل اليوم السبت وشنت أكبر هجوم منذ عقود، إذ اجتاز مسلحون إلى داخل بلدات إسرائيلية حيث قتلوا وأسروا العشرات من المدنيين والجنود، مما دفع إسرائيل للرد بضربات جوية مكثفة أودت بحياة العشرات في قطاع غزة.

وأطلق أسوأ هجوم على إسرائيل منذ عقود العنان لحرب تعهد الجانبان بتصعيدها.

وأفادت التقارير بمقتل ما لا يقل عن 200 إسرائيلي وإصابة 1100 آخرين في المعارك المسلحة التي اندلعت في أكثر من 20 موقعا داخل إسرائيل. وفي غزة، أفاد مسؤولو الصحة بمقتل أكثر من 230 شخصا وإصابة 1600 آخرين.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "سيدفع عدونا ثمنا غير مسبوق... نحن في حرب وسننتصر فيها".

وقال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إن الهجوم بدأ في غزة وسيمتد إلى الضفة الغربية والقدس. وتابع "كان هذا الصبح إشراق عزة شعبنا، وصبح الهزيمة والمذلة والانكسار على عدونا ومستوطناته وجنوده". وأضاف "هذه المعركة تكشف عمليات الإعداد والتجهيز، وكذلك تكشف هشاشة هذا العدو".

وتناثرت جثث مدنيين إسرائيليين في جنوب إسرائيل بالقرب من غزة على جانبي طريق سريع في سديروت محاطة بشظايا زجاجية. وشوهدت جثتا امرأة ورجل على المقعدين الأماميين لإحدى السيارات بينما مرت مركبة عسكرية بجوار جثتين أخريين لامرأة ورجل كانتا على الأرض وسط بركة من الدماء خلف سيارة أخرى.

وقال شلومي من سديروت "خرجت ورأيت أعدادا كبيرة من جثث الإرهابيين والمدنيين والسيارات التي تم إطلاق النار عليها. بحر من الجثث داخل سديروت على امتداد الطريق وفي أماكن أخرى. الكثير من الجثث".

وروى إسرائيليون مذعورون، متحصنون في غرف آمنة، محنتهم عبر الهاتف في بث تلفزيوني مباشر.

وقالت امرأة تدعى دورين في تصريحات للقناة 12 الإخبارية الإسرائيلية عبر الهاتف من نير أوز قرب غزة إن مسلحين تسللوا إلى منزلها وحاولوا فتح الملجأ الذي كانت تختبئ فيه. وأضافت "لقد عادوا مرة أخرى، أرجوكم أرسلوا المساعدة... هناك الكثير من المنازل المتضررة... زوجي يغلق الباب... إنهم يطلقون الرصاص".

وقالت إستر بوروشوف التي كانت تحضر حفلا راقصا عندما بدأ الهجوم إن سيارة صدمت سيارتها بينما كانت تحاول الفرار وإن شابا طلب منها ومن صديقتها القفز إلى سيارته قبل أن يتم إطلاق النار عليه من مسافة قريبة. وأضافت أنها تظاهرت بالموت حتى تم إنقاذها.

وقالت لرويترز في المستشفى "لم أستطع تحريك ساقي... جاء الجنود واقتادونا إلى الأدغال".

وبعد حلول المساء تصاعد دخان أسود وألسنة لهب برتقالية في سماء غزة من برج شاهق تعرض لضربة جوية إسرائيلية. وحملت حشود من المشيعين في الشوارع جثث ناشطين قتلوا اليوم ملفوفة بأعلام حماس الخضراء.

وتم نقل القتلى والجرحى في غزة إلى مستشفيات متهالكة ومكتظة في ظل نقص حاد في الإمدادات والمعدات الطبية. وقالت وزارة الصحة إن عدد القتلى بلغ 232.

وخلت الشوارع إلا من سيارات الإسعاف التي هرعت إلى مواقع الغارات الجوية. وقطعت إسرائيل التيار الكهربائي لتغرق المدينة في ظلام دامس.

"يوم المعركة الكبرى"

لم يتم إبلاغ السكان في جنوب إسرائيل حتى حلول مساء اليوم بانتهاء العمليات حتى يستطيعوا مغادرة الملاذات التي يختبؤون فيها من المسلحين منذ الساعات الأولى من الصباح.

وقال داني رحاميم لرويترز عبر الهاتف من أحد الملاجئ حيث لا يزال يختبئ في ناحال عوز بالقرب من سياج غزة "الأمر لم ينته لأن (الجيش) لم يقل إن البلدة خالية من الإرهابيين"، على حد وصفه. وهدأ إطلاق النار لكن لا يزال من الممكن سماع دوي انفجارات متكررة.

وقالت حماس إنها أطلقت وابلا من 150 صاروخا باتجاه تل أبيب مساء اليوم ردا على الغارة الجوية الإسرائيلية التي دمرت المبنى الشاهق الذي يضم أكثر من 100 شقة.

وقال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لقناة الجزيرة إن الجماعة تحتجز عددا كبيرا من الإسرائيليين بينهم مسؤولون كبار. وأضاف أن حماس لديها ما يكفي من الأسرى لحمل إسرائيل على إطلاق سراح جميع الفلسطينيين في سجونها.

وأكد الجيش الإسرائيلي أن ثمة أسرى إسرائيليين في غزة وأن جنودا وضباطا قتلوا. وقال متحدث باسم الجيش إن إسرائيل بوسعها حشد ما يصل إلى مئات الآلاف من جنود الاحتياط وإنها مستعدة أيضا للحرب على جبهتها الشمالية ضد جماعة حزب الله اللبنانية.

وأرجعت حماس الهجوم إلى ما قالت إنه تصعيد الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وعلى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وأعلن قائد هيئة الأركان في كتائب القسام محمد الضيف بدء العملية في بث عبر وسائل إعلام تابعة لحركة حماس، داعيا الفلسطينيين في كل مكان إلى القتال. وقال "اليوم هو يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض"، مشيرا إلى إطلاق خمسة آلاف صاروخ.

وخاضت حماس التي سيطرت على غزة في 2007 أربع حروب ضد إسرائيل منذ ذلك الحين. لكن مشاهد العنف داخل إسرائيل نفسها تختلف تماما عن أي شيء شوهد منذ التفجيرات في الانتفاضة الفلسطينية قبل عقدين.

ومع طبيعة الهجوم الذي كان مباغتا بالنسبة لقوات الأمن الإسرائيلية، يعد هذا أحد أسوأ الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخ البلاد، كما أنه يمثل صدمة في دولة تفتخر باختراقها المكثف ومراقبتها للجماعات المسلحة.

وفي غزة، سارع الناس لشراء المؤن تحسبا لصراع قد يستمر أياما. وأخلى البعض منازلهم وتوجهوا إلى الملاجئ.

واستُشهد عشرات الفلسطينيين وأصيب المئات في اشتباكات على الحدود مع إسرائيل؛ حيث سيطر مقاتلون على معبر حدودي ومزقوا السياج. وكان من بين القتلى مدنيون من الحشود التي حاولت العبور إلى إسرائيل عبر البوابات المتضررة.

ونددت دول غربية على رأسها الولايات المتحدة بالهجوم الفلسطيني وتعهدت بدعم إسرائيل.

وذكر الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان بعد تحدثه مع نتنياهو "أوضحت لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أننا على استعداد لتوفير جميع سبل الدعم المناسبة لحكومة إسرائيل وشعبها". وأضاف "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وشعبها. تحذر الولايات المتحدة أي طرف آخر معاد لإسرائيل من السعي لانتهاز الفرصة في هذا الموقف".

وخرجت احتجاجات دعما لحماس في أنحاء الشرق الأوسط أُحرقت فيها أعلام للولايات المتحدة وإسرائيل ولوح فيها مشاركون بأعلام فلسطينية في العراق ولبنان وسوريا واليمن. واشادت إيران وجماعة حزب الله بهجوم حماس.

وندد منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم السبت بالهجمات على إسرائيل، محذرا في بيان بالقول "هذا منحدر خطير وأناشد الجميع الابتعاد عن حافة الهاوية".

تصاعد الأحداث

ويأتي تفجر الأحداث على خلفية تصاعد العنف بين إسرائيل والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية، التي تشكل مع قطاع غزة جزءا من الأراضي التي يسعى الفلسطينيون منذ فترة طويلة إلى إقامة دولتهم عليها.

كما اندلعت في الضفة الغربية اليوم مواجهات في عدة مواقع حيث تصدى شبان لقوات الاحتلال بالحجارة. وقُتل أربعة من الفلسطينيين، من بينهم فتى يبلغ من العمر 13 عاما. ودعت الفصائل الفلسطينية إلى إضراب عام يوم الأحد.

ويأتي التصعيد كذلك وسط اضطرابات سياسية في إسرائيل التي تعاني من انقسامات عميقة بخصوص تعديلات السلطة القضائية.

وتعمل واشنطن في غضون ذلك على التوصل إلى اتفاق من شأنه تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. ويخشى الفلسطينيون أن يقضي أي اتفاق من هذا القبيل على أحلامهم المستقبلية في دولة مستقلة. وأفادت وكالة الأنباء السعودية بأن وزارة الخارجية السعودية دعت "للوقف الفوري للتصعيد بين الجانبين".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الفلسطینیین فی الضفة الغربیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا

لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.

آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.

لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.

الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.

وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.

فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.

ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.

وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.

مبادرتان استباقيتان

في هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.

صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".

وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.

أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".

والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.

كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".

العامل الأميركي

لم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.

فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.

ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.

وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.

على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.

أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.

وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.

هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الفلسطينيون يرحبون بأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين  
  • إسرائيل توقف أوامر اعتقال المستوطنين بتهمة الاعتداء على الفلسطينيين
  • حماس: 4 إجراءات يتخذها الاحتلال لمنع إغاثة الفلسطينيين
  • بايدن: مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت "أمر مستفز"
  • إسرائيل النازية تبيد الفلسطينيين بـ«الفيتو» الأمريكى
  • حماس: المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في بيت لاهيا نتيجة للفيتو الأمريكي
  • محلل سياسي: إسرائيل تسعي إلى إخلاء المنطقة الشمالية لقطاع غزة من الفلسطينيين
  • كاتب صحفي: أمريكا تشارك إسرائيل في قتل الفلسطينيين واللبنانيين
  • إسرائيل تقدم وعداً لبايدن: لن نسعى لتهجير الفلسطينيين
  • هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا