غزة – "والله ليس فيلما، إنها حقيقة"، قسم كرره الصحفي مثنى النجار في نفسه مرارا، وهو يجوّل لأكثر من ساعتين داخل ما تسمى "مستوطنات غلاف غزة"، ومع أعداد كبيرة من الغزيين، اجتاحوا السياج الأمني الإسرائيلي الفاصل مع قطاع غزة، إثر عملية مباغتة أطلقتها المقاومة الفلسطينية، باسم "طوفان الأقصى".

لم يكن هذا الصحفي الشاب يتوقع في أجمل أحلامه أن تطأ أقدامه مستوطنات الغلاف، ويجوّل في شوارعها ومنازل مستوطنيها، الذين وقع كثير منهم بين قتيل وجريح وأسير في "قبضة" المقاومة، تتقدمها كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

 

 

صورة غير مسبوقة

يقول النجار للجزيرة نت، "لم يكن فيلما سينمائيا، وإن كانت الأحداث الدائرة من حولي، وكأنها مشاهد في أحد أفلام الرعب والإثارة، شاهدت شهداء وجرحى، لا تزال أعداد كبيرة منهم لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول لانتشالهم، وكذلك قتلى وجرحى من المستوطنين في الشوارع وداخل المنازل".

بفخر كبير يقول الصحفي، إنه كان من أوائل الذين تجاوزوا السياج الأمني، بعد نصف ساعة فقط من انطلاق آلاف الصواريخ من غزة بشكل مباغت، إيذانا من المقاومة ببدء عمليتها "طوفان الأقصى"، ويضيف "لم يكن أحد يعلم ما الذي يحدث، انفجارات دوت في أرجاء قطاع غزة، انطلقت مسرعا نحو السياج الأمني، وكنت شاهدا على دبابة محروقة، نجحت المقاومة في احتجاز جثامين جنودها".

يقطن النجار في بلدة خزاعة الزراعية المتاخمة للسياج الأمني جنوب شرقي القطاع، وهو أحد أبرز الصحفيين الشباب الميدانيين في غزة، ودائم التغطية للأحداث على مقربة من السياج.

يقول، "كان الوضع مغايرا هذه المرة، والصورة غير مسبوقة، لقد وجهت المقاومة ضربة استباقية لكل المواقع العسكرية وأبراج المراقبة ودوريات جيش الاحتلال، ما مكنها من الوصول إلى عمق مستوطنات غلاف غزة على بعد كيلومترات عدة، دون أي وجود لقوات الاحتلال".

سار النجار على قدميه داخل العمق الإسرائيلي لنحو ساعتين ونصف الساعة، وأصوات الانفجارات وتبادل إطلاق النار بين المقاومين وبعض المستوطنين ترج أرجاء المكان، والنيران تشتعل من حوله في سيارات وآليات عسكرية، دون وجود بري أو جوي لقوات الاحتلال.

 

 

مشاهد مؤثرة

وصل الصحفي النجار إلى أقرب مستوطنة إسرائيلية تبعد عن غزة حوالي 5 كيلومترا، وفي الطريق إليها كان متأثرا بمشاهد لم يعتد رؤيتها في غزة من مساحات زراعية شاسعة على مرمى البصر، وأنواع مختلفة من الأشجار، وشوارع حديثة وواسعة ونظيفة، وداخل المستوطنة يقول، إنه تأكد من حديث الأجداد عن "النعيم الذي حرموا منه إثر النكبة في 1948".

رصد بدقة منازل المستوطنين المحاطة بمساحات خضراء واسعة، يقول، "كنت أحدث نفسي وأقول، هذه الخيرات من حقنا، وقد تحققت عودتنا، ولو كانت جزئية ومؤقتة، إلى حين العودة الكبرى".

العديد من المشاهد المؤثرة التي رصدها النجار في مقاطع مصورة، انتشرت بشكل واسع على شاشات الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي؛ كان منها:

امرأة مستوطنة تحتضن طفليها الصغيرين، وقد غطّى المقاومون جسمها العاري، وبثّوا لها الأمان والطمأنينة. طفل مستوطن في العاشرة من عمره مصاب بجروح، ويتعامل معه المقاومون برفق شديد. مستوطن سبعيني ساعده مقاومون بالجلوس على متن عربة صغيرة، وعاملوه بالحسنى دون أي يعتدي عليه أحد. سيارة إسعاف فلسطينية تعرضت لاستهداف إسرائيلي، أسفر عن استشهاد المسعف مروان أبو ريدة. جثث شهداء ملقاة على الأرض، وسط صعوبة بالغة في الوصول إليها من جانب سيارات الإسعاف لانتشالها.

يقول النجار، الذي استقل "توكتوك" (عربة بثلاث عجلات) في طريق عودته إلى غزة، "هذه التجربة أكدت لي أن جيش الاحتلال تعرض لصدمة عنيفة، ولساعات طويلة لم يكن يعلم حقيقة ما يدور في الميدان، واستغرق وقتا طويلا قبل تحريك طائراته، لاستهداف المقاومين، وحتى المدنيين".

الصحفيون الفلسطينيون وثقوا مشاهد دبابة محروقة نجحت المقاومة في احتجاز جثامين جنودها (الجزيرة) تجربة استثنائية

اقتصرت ردة الفعل الإسرائيلية خلال الساعات الأولى للعملية على اشتباكات بين المقاومين ومستوطنين مسلحين، أسفرت عن ارتقاء شهداء وسقوط جرحى، قبل فرض المقاومة سيطرتها شبه التامة على مساحة واسعة من مستوطنات الغلاف.

وأبدى الفلسطينيون رغبة شديدة، وجرأة ليست غريبة عليهم في العودة إلى ديارهم وأراضيهم المحرومين منها منذ 75 عاما، وظهر ذلك من خلال أعداد كبيرة لمن اجتازوا السياج الأمني، أحدهم جاء بسيارته الشخصية، وجوّل في شوارع مستوطنات الغلاف.

هذه الجرأة كانت لافتة لدى بعض المقاومين ممن لا يكتفون بالمشاهدة فقط، وقد اصطحبوا معهم في طريق عودتهم إلى غزة جثث قتلى، واستولوا على مركبات لمستوطنين.

يصف الصحفي النجار هذه التجربة بأفضل تجاربه الصحفية، ونقل على صفحته الشخصية على فيسبوك عن صحيفة معاريف العبرية تعليقا على تغطيته من داخل المستوطنات، "أمر لا يمكن استيعابه، مراسل صحفي فلسطيني يبث تقريره من كيبوتس باري".

وحرص النجار على تأكيد التعامل الإنساني والأخلاقي لرجال المقاومة الفلسطينية، مع الأسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في قبضتها، ونجحت في اصطحابهم إلى داخل حدود القطاع، ما يفتح بابا من الأمل والحرية للأسرى في سجون الاحتلال.

الغزيون وصفوا المساحات الزراعية داخل المستوطنات بأنها جزء من النعيم الذي حرموا منه طوال السنوات الماضية (الجزيرة) مشاهد غطتها الدموع

بكلمات مقتضبة قال الصحافي حسن اصليح للجزيرة نت "اليوم تحقق حلمي بنقل هذا الحدث المميز وتوثيقه من داخل أراضينا المحتلة".

وأضاف اصليح، الذي تجوّل لساعات في مستوطنة "كفار غزة" أحد مستوطنات الغلاف "مجرد الاقتراب من السياج الأمني كان مخاطرة كبيرة، ويحرم على الفلسطيني الوصول إلى الأراضي القريبة منه".

ووثق كثيرا من المشاهد، يقول عن أبرزها، "رأيت بأم عيني مشهد لسحب 7 جنود إسرائيليين ما بين قتيل وجريح، من داخل دبابة إسرائيلية استهدفتها المقاومة بشكل مباشر، داخل المنطقة المحاذية للسياج الأمني جنوب القطاع"، متفقا بذلك مع ما تحدث به زميله النجار.

كان التكبير والتهليل أول ما صدح بها الصحفي إسماعيل أبو عمر لحظة دخوله المستوطنات، دون أن تحتمل عيناه المشهد فامتلأت بالدموع، وقال للجزيرة نت، "لأول مرة أعيش المشاهد التي لطالما سمعنا عنها بشكل حيّ ومباشر".

وقال المحلل السياسي المحسوب على حركة حماس مصطفى الصواف للجزيرة نت، "إن الاحتلال سيكون حذرا أكثر من أي وقت مضى، في اتخاذ ردة فعل على هزيمته الأمنية، خشية تعدد جبهات المواجهة في الساحات الفلسطينية و العربية".

وبدوره، قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب، "إن شرارة معركة التحرير قد انطلقت، وكل الاحتمالات متوقعة، والخيارات مفتوحة أمام المقاومة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مستوطنات الغلاف السیاج الأمنی للجزیرة نت لم یکن

إقرأ أيضاً:

هل نجح الاحتلال في إلغاء تأثير المصلين والأقصى في شهر رمضان؟

#سواليف

رغم التحذيرات السنوية الصادرة عن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ” #شاباك “، الذي وصف #المسجد_الأقصى بأنه ” #برميل_بارود ” على وشك #الانفجار، فرضت سلطات #الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مشددة على #الاعتكاف في المسجد، ومنعت المكوث فيه طوال شهر #رمضان، باستثناء العشر الأواخر فقط.

وفي هذا السياق، صرّح الشيخ #عكرمة_صبري، خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا، بأن “الاحتلال منع الاعتكاف أيام الخميس والجمعة السابقة للعشر الأواخر، وأباحه بصلاحيات محدودة لأهالي الضفة تحت شروط أمنية مشددة”.

وفي خطوة غير مسبوقة منذ عام 1967، حدّد الاحتلال عدد #المصلين القادمين من #الضفة_الغربية لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى بعشرة آلاف فقط. وترافقت هذه الخطوة مع سلسلة من #الإجراءات_القمعية، شملت إجبار المصلين على مغادرة المسجد قبل غروب الشمس لمنع الاعتكاف، وتنفيذ حملات اعتقال واسعة، وتركيب مئات الكاميرات بتقنية 360 درجة في أزقة البلدة القديمة لرصد كل حركة، ومنع دخول الأسرى المحررين وإبعاد العشرات منهم عن القدس.

مقالات ذات صلة صحيفة: الحل العسكري بعيد المنال في غزة و”إسرائيل” تكرر أخطاء الماضي والفلسطينيون لا يرون بديلا لوطنهم 2025/03/30

كما كشف الخبير في الشأن المقدسي، عبدالله معروف، أن “الشرطة تعمّدت تفتيش المصليات المسقوفة والساحات بعد صلاة التراويح للتأكد من خلوّها من المصلين، لوأد أي محاولة للاعتكاف منذ بداية الشهر، بادّعاء أن هذه العبادة غير مسموح بها سوى في العشر الأواخر من الشهر الفضيل”.

في المقابل، استمرت الدعوات الفلسطينية للرباط وشد الرحال إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، الذي انتهى في فلسطين المحتلة أمس السبت، في محاولة لكسر الحصار المفروض عليه.

وأكدت هذه الدعوات على ضرورة الدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته من اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين، والاستمرار في الجهود الشعبية لكسر الحصار المفروض عليه منذ عدة أشهر.

وقد رصدت “قدس برس” عشرات الحراكات المقدسية التي دعت إلى الحشد والمشاركة المستمرة طيلة أيام رمضان، لإعمار المسجد وإحياء جميع الصلوات فيه، والتصدي لاقتحامات المستوطنين، مشددة على أهمية كسر الطوق الإسرائيلي المفروض على المسجد من خلال توافد المصلين إليه، لا سيما من كافة مناطق القدس.

ودعا “الحراك الشبابي المقدسي” إلى النفير العام، مطالبًا بإغلاق مساجد القدس كافة والتوجه للصلاة في المسجد الأقصى طيلة أيام الشهر المبارك.

كما طالب الأردن، بصفته صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، بالرد على هذه الإجراءات الاستفزازية، في حين دعت جهات فلسطينية المجتمع الدولي إلى التحرّك العاجل لوقف هذه الانتهاكات وضمان حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم داخل المسجد الأقصى.

من جهتها، دعت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الفلسطينيين إلى شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى والرباط والاعتكاف فيه، في ظل تضييقات الاحتلال المتزايدة خلال شهر رمضان. وقالت الحركة في بيان صدر مع بداية الشهر: “ندعو جماهير شعبنا في عموم الضفة والقدس والداخل المحتل إلى حشد كلّ الطاقات عبر شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى والرباط والاعتكاف فيه”.

كما دعت حماس الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم حول العالم إلى إطلاق أوسع المبادرات والفعاليات التضامنية مع أهلهم في غزة والضفة والقدس.

ويحذّر الباحث الفلسطيني المختص في شؤون القدس، زياد ابحيص، من خطورة محاولات الاحتلال فصل القدس عن الضفة الغربية باستخدام الحواجز والقيود، بهدف السيطرة على المدينة والتحكم بها، ومحاولة إلغاء حقيقة أن القدس تقع في قلب الضفة الغربية.

إلغاء تأثير المصلين في الأقصى على مشاريع تهويده

يقول هشام يعقوب، رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في “مؤسسة القدس الدولية” (مقرها بيروت)، إن أخطر ما في قيود الاحتلال على الوصول إلى الأقصى هو “تحويله إلى مكان غير ملهم للفلسطينيين لإطلاق الثورات، ويُمنع فيه التعبير عن المواقف أو التضامن أو الهتاف لأهل غزة، بحيث يُفقد الآلاف من الموجودين في الأقصى أي تأثير”.

في السياق ذاته، أشار الباحث في شؤون القدس، علي إبراهيم، إلى أن قوات الاحتلال “تعمّدت التجول بين صفوف المصلين أثناء الصلوات، خصوصًا صلاة التراويح، من دون أن تقابل بردة فعل جماهيرية”.

وفي خضم ذلك، نشرت “جماعات المعبد” الصهيونية المتطرفة رسالة وجهها عدد من وزراء الاحتلال وأعضاء الكنيست (برلمان الاحتلال) إلى نظرائهم في الكونغرس الأمريكي، طالبوا فيها بإقرار تشريع يعترف بما أسموه “الحق الأبدي في جبل المعبد”، في إشارة إلى المسجد الأقصى المبارك.

وعلّق الدكتور عبدالله معروف على ذلك قائلًا: “خلال الحرب على قطاع غزة، يرى أتباع تيار الصهيونية الدينية أن الفرصة التاريخية سانحة لانتزاع اعتراف أمريكي رسمي بحقوق دينية لليهود في المسجد الأقصى المبارك”.

وأضاف: “يخطط الاحتلال منذ سنوات لتحويل المُرابط الفلسطيني في الأقصى إلى مجرد سائح ديني، وتحويل المسجد من رمز للأمة إلى مسجد حارة عادي”.

وفي ظل هذه التحديات، دعت حركة “حماس” في بيان صدر بتاريخ 25 آذار/مارس، جماهير الشعب الفلسطيني وأبناء الأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى “النفير العام والشامل”.

وقالت الحركة: “في ظل تصعيد الاحتلال لعدوانه الهمجي وارتكابه المجازر بحق شعبنا في قطاع غزة، واستمراره في جرائمه في الضفة الغربية والقدس والمسجد الأقصى، بدعم أميركي كامل وصمت دولي مطبق، فإننا ندعو لتصعيد المسيرات والفعاليات التضامنية في كل المدن والعواصم، وجعل هذه الأيام المباركة من رمضان أيامًا للنفير الشامل”.

كما ناشد الشيخ عكرمة صبري الدول العربية والإسلامية لتكثيف جهودها، وتعزيز مواقفها، وتوحيد صفوفها لحماية المسجد الأقصى من الأخطار المحدقة به.

مقالات مشابهة

  • 6 خطط لتوسيع مستوطنات أو إقامة جديدة بشرقي القدس
  • مسؤول بالدفاع المدني بغزة للجزيرة نت: الاحتلال يرتكب جرائم إعدام ميداني
  • سرايا القدس تقصف قاعدة “حتسريم” الجوية الإسرائيلية وغلاف غزة / شاهد
  • الاحتلال ينشر نتائج صادمة للتحقيق في اختراق منطقة إيرز خلال طوفان الأقصى
  • خبير بالشأن الأمني: نتنياهو السبب الرئيسي في تعطيل المفاوضات
  • هل نجح الاحتلال في إلغاء تأثير المصلين والأقصى في شهر رمضان؟
  • مدير عام مجمع ناصر الطبي للجزيرة نت: الاحتلال يستهدف المستشفيات لإيجاد بيئة طاردة
  • تكبيرات العيد تصدح في المسجد الأقصى في أول أيام عيد الفطر.. فيديو
  • شهود عيان يكشفون تفاصيل إصابة سيدة بنزيف خلال مشاجرة في كرداسة
  • الحركة الإسلامية في القدس تحذر من مخاطر كبيرة على الأقصى