شهود عيان للجزيرة نت: هكذا بدت مستوطنات غزة خلال طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
غزة – "والله ليس فيلما، إنها حقيقة"، قسم كرره الصحفي مثنى النجار في نفسه مرارا، وهو يجوّل لأكثر من ساعتين داخل ما تسمى "مستوطنات غلاف غزة"، ومع أعداد كبيرة من الغزيين، اجتاحوا السياج الأمني الإسرائيلي الفاصل مع قطاع غزة، إثر عملية مباغتة أطلقتها المقاومة الفلسطينية، باسم "طوفان الأقصى".
لم يكن هذا الصحفي الشاب يتوقع في أجمل أحلامه أن تطأ أقدامه مستوطنات الغلاف، ويجوّل في شوارعها ومنازل مستوطنيها، الذين وقع كثير منهم بين قتيل وجريح وأسير في "قبضة" المقاومة، تتقدمها كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
صورة غير مسبوقة
يقول النجار للجزيرة نت، "لم يكن فيلما سينمائيا، وإن كانت الأحداث الدائرة من حولي، وكأنها مشاهد في أحد أفلام الرعب والإثارة، شاهدت شهداء وجرحى، لا تزال أعداد كبيرة منهم لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول لانتشالهم، وكذلك قتلى وجرحى من المستوطنين في الشوارع وداخل المنازل".
بفخر كبير يقول الصحفي، إنه كان من أوائل الذين تجاوزوا السياج الأمني، بعد نصف ساعة فقط من انطلاق آلاف الصواريخ من غزة بشكل مباغت، إيذانا من المقاومة ببدء عمليتها "طوفان الأقصى"، ويضيف "لم يكن أحد يعلم ما الذي يحدث، انفجارات دوت في أرجاء قطاع غزة، انطلقت مسرعا نحو السياج الأمني، وكنت شاهدا على دبابة محروقة، نجحت المقاومة في احتجاز جثامين جنودها".
يقطن النجار في بلدة خزاعة الزراعية المتاخمة للسياج الأمني جنوب شرقي القطاع، وهو أحد أبرز الصحفيين الشباب الميدانيين في غزة، ودائم التغطية للأحداث على مقربة من السياج.
يقول، "كان الوضع مغايرا هذه المرة، والصورة غير مسبوقة، لقد وجهت المقاومة ضربة استباقية لكل المواقع العسكرية وأبراج المراقبة ودوريات جيش الاحتلال، ما مكنها من الوصول إلى عمق مستوطنات غلاف غزة على بعد كيلومترات عدة، دون أي وجود لقوات الاحتلال".
سار النجار على قدميه داخل العمق الإسرائيلي لنحو ساعتين ونصف الساعة، وأصوات الانفجارات وتبادل إطلاق النار بين المقاومين وبعض المستوطنين ترج أرجاء المكان، والنيران تشتعل من حوله في سيارات وآليات عسكرية، دون وجود بري أو جوي لقوات الاحتلال.
مشاهد مؤثرة
وصل الصحفي النجار إلى أقرب مستوطنة إسرائيلية تبعد عن غزة حوالي 5 كيلومترا، وفي الطريق إليها كان متأثرا بمشاهد لم يعتد رؤيتها في غزة من مساحات زراعية شاسعة على مرمى البصر، وأنواع مختلفة من الأشجار، وشوارع حديثة وواسعة ونظيفة، وداخل المستوطنة يقول، إنه تأكد من حديث الأجداد عن "النعيم الذي حرموا منه إثر النكبة في 1948".
رصد بدقة منازل المستوطنين المحاطة بمساحات خضراء واسعة، يقول، "كنت أحدث نفسي وأقول، هذه الخيرات من حقنا، وقد تحققت عودتنا، ولو كانت جزئية ومؤقتة، إلى حين العودة الكبرى".
العديد من المشاهد المؤثرة التي رصدها النجار في مقاطع مصورة، انتشرت بشكل واسع على شاشات الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي؛ كان منها:
امرأة مستوطنة تحتضن طفليها الصغيرين، وقد غطّى المقاومون جسمها العاري، وبثّوا لها الأمان والطمأنينة. طفل مستوطن في العاشرة من عمره مصاب بجروح، ويتعامل معه المقاومون برفق شديد. مستوطن سبعيني ساعده مقاومون بالجلوس على متن عربة صغيرة، وعاملوه بالحسنى دون أي يعتدي عليه أحد. سيارة إسعاف فلسطينية تعرضت لاستهداف إسرائيلي، أسفر عن استشهاد المسعف مروان أبو ريدة. جثث شهداء ملقاة على الأرض، وسط صعوبة بالغة في الوصول إليها من جانب سيارات الإسعاف لانتشالها.يقول النجار، الذي استقل "توكتوك" (عربة بثلاث عجلات) في طريق عودته إلى غزة، "هذه التجربة أكدت لي أن جيش الاحتلال تعرض لصدمة عنيفة، ولساعات طويلة لم يكن يعلم حقيقة ما يدور في الميدان، واستغرق وقتا طويلا قبل تحريك طائراته، لاستهداف المقاومين، وحتى المدنيين".
الصحفيون الفلسطينيون وثقوا مشاهد دبابة محروقة نجحت المقاومة في احتجاز جثامين جنودها (الجزيرة) تجربة استثنائيةاقتصرت ردة الفعل الإسرائيلية خلال الساعات الأولى للعملية على اشتباكات بين المقاومين ومستوطنين مسلحين، أسفرت عن ارتقاء شهداء وسقوط جرحى، قبل فرض المقاومة سيطرتها شبه التامة على مساحة واسعة من مستوطنات الغلاف.
وأبدى الفلسطينيون رغبة شديدة، وجرأة ليست غريبة عليهم في العودة إلى ديارهم وأراضيهم المحرومين منها منذ 75 عاما، وظهر ذلك من خلال أعداد كبيرة لمن اجتازوا السياج الأمني، أحدهم جاء بسيارته الشخصية، وجوّل في شوارع مستوطنات الغلاف.
هذه الجرأة كانت لافتة لدى بعض المقاومين ممن لا يكتفون بالمشاهدة فقط، وقد اصطحبوا معهم في طريق عودتهم إلى غزة جثث قتلى، واستولوا على مركبات لمستوطنين.
يصف الصحفي النجار هذه التجربة بأفضل تجاربه الصحفية، ونقل على صفحته الشخصية على فيسبوك عن صحيفة معاريف العبرية تعليقا على تغطيته من داخل المستوطنات، "أمر لا يمكن استيعابه، مراسل صحفي فلسطيني يبث تقريره من كيبوتس باري".
وحرص النجار على تأكيد التعامل الإنساني والأخلاقي لرجال المقاومة الفلسطينية، مع الأسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في قبضتها، ونجحت في اصطحابهم إلى داخل حدود القطاع، ما يفتح بابا من الأمل والحرية للأسرى في سجون الاحتلال.
الغزيون وصفوا المساحات الزراعية داخل المستوطنات بأنها جزء من النعيم الذي حرموا منه طوال السنوات الماضية (الجزيرة) مشاهد غطتها الدموعبكلمات مقتضبة قال الصحافي حسن اصليح للجزيرة نت "اليوم تحقق حلمي بنقل هذا الحدث المميز وتوثيقه من داخل أراضينا المحتلة".
وأضاف اصليح، الذي تجوّل لساعات في مستوطنة "كفار غزة" أحد مستوطنات الغلاف "مجرد الاقتراب من السياج الأمني كان مخاطرة كبيرة، ويحرم على الفلسطيني الوصول إلى الأراضي القريبة منه".
ووثق كثيرا من المشاهد، يقول عن أبرزها، "رأيت بأم عيني مشهد لسحب 7 جنود إسرائيليين ما بين قتيل وجريح، من داخل دبابة إسرائيلية استهدفتها المقاومة بشكل مباشر، داخل المنطقة المحاذية للسياج الأمني جنوب القطاع"، متفقا بذلك مع ما تحدث به زميله النجار.
كان التكبير والتهليل أول ما صدح بها الصحفي إسماعيل أبو عمر لحظة دخوله المستوطنات، دون أن تحتمل عيناه المشهد فامتلأت بالدموع، وقال للجزيرة نت، "لأول مرة أعيش المشاهد التي لطالما سمعنا عنها بشكل حيّ ومباشر".
وقال المحلل السياسي المحسوب على حركة حماس مصطفى الصواف للجزيرة نت، "إن الاحتلال سيكون حذرا أكثر من أي وقت مضى، في اتخاذ ردة فعل على هزيمته الأمنية، خشية تعدد جبهات المواجهة في الساحات الفلسطينية و العربية".
وبدوره، قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب، "إن شرارة معركة التحرير قد انطلقت، وكل الاحتمالات متوقعة، والخيارات مفتوحة أمام المقاومة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مستوطنات الغلاف السیاج الأمنی للجزیرة نت لم یکن
إقرأ أيضاً:
دمشق تعلن العثور على مفاجأة داخل المربع الأمني للنظام المخلوع
كشف مصدران أمنيان تابعان لوزارة الداخلية بحكومة تصريف الأعمال عن مفاجأة عثرت عليها السلطات الأمنية الجديدة داخل المربع الأمني التابع للنظام المخلوع بمنطقة كفرسوسة وسط العاصمة دمشق.
وقال أحد المصدرين لوكالة الصحافة الفرنسية إن السلطات الجديدة في سوريا أحرقت كميات كبيرة من المخدّرات منها نحو مليون من حبوب الكبتاغون التي كانت تنتج على نطاق واسع خلال حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وأفاد مصوّر الوكالة بأنّ عناصر أمن أشعلوا النار في كميات من القنب الهندي وصناديق من عقار الترامادول (المهدئ) ونحو 50 كيسا صغيرا تحتوي على حبوب كبتاغون وردية اللون في باحة المربع الأمني للنظام السابق بدمشق.
وقال مصدر في إدارة الأمن العام "قامت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية الجديدة بالعثور على مستودع للمواد المخدرة أثناء تمشيط العاصمة دمشق وبالتحديد داخل المربع الأمني في منطقة كفرسوسة"، بينما أكد مصدر آخر العثور على "ما يقارب أو يفوق المليون حبة قمنا بحرقها على الفور".
وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أطاحت فصائل سورية مسلحة ببشار الأسد، بعد هجوم خاطف بدأته في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من شمال سوريا.
إعلانوبعدما حكم البلاد على مدى 24 عاما، فرّ الأسد إلى موسكو، ما مثّل نهاية أكثر من 50 عاما من حكم آل الأسد للبلاد.
وعُرف حكم بشار الأسد بإنتاج الكبتاغون، ما أدى إلى تحويل البلاد إلى دولة مخدّرات وإغراق الأسواق في الشرق الأوسط بهذه المادة، وهي آفة وصلت إلى العراق المجاور وإلى بعض دول الخليج.
وفُرضت عقوبات أميركية على عدد من المسؤولين السوريين، لاشتباه واشنطن في أنّهم متورّطون في تجارة المخدرات هذه.
"حماية المجتمع"
ومنذ الانهيار السريع لحكم بشار الأسد، عُثر في مناطق مختلفة من سوريا على كميات كبيرة من أقراص الكبتاغون المكدّسة في مستودعات أو قواعد عسكرية.
ويقول مقاتلو تحالف الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام إنهم عثروا على كمية هائلة من المخدرات وتعهدوا باتلافها.
وتم إتلاف المخدرات اليوم الأربعاء في "المربع الأمني" الذي كان يحظى إبان النظام المخلوع بحراسة مشددة ومطوقا في حي كفرسوسة بدمشق كما يحوي على سجون ومعتقلات في أقبية تحته.
وأوضح عنصر في هذه القوات يدعى حمزة "قامت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية الجديدة بالعثور على مستودع للمواد المخدرة أثناء تمشيط العاصمة دمشق وبالتحديد داخل المربع الأمني في منطقة كفرسوسة".
وأوضح أن إتلاف المخزون من "مواد منها الخمور ومنها القنب الهندي وحبوب الكبتاغون وكفوف الحشيش" يأتي "لحماية المجتمع السوري وقطع طرق التهريب التابعة لشركات كانت تقوم عليها عائلة الأسد".
وأضاف أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها فقد عثرت الأجهزة الأمنية على مستودعات أخرى ومصانع لإنتاج المخدرات وقامت بإتلافها.
وحوّل الكبتاغون سوريا إلى أكبر دولة في العالم تعتمد على عائدات المخدرات البالغة أكثر من 10 مليارات دولار، وأصبح أكبر صادرات سوريا متجاوزا جميع صادراتها القانونية مجتمعة، وفقًا لتقديرات مستمدة من بيانات رسمية جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية خلال تحقيق أجري عام 2022.
إعلانوأدى الصراع الذي اندلع في 2011 بعد حركة احتجاجية سلمية تم قمعها بعنف من نظام بشار الأسد، إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص ونزوح الملايين.