مفاجآت حرب يوم الغفران على صفحات الكتب.. «حرب أكتوبر وأزمة المخابرات الإسرائيلية» أثار ضجة أدت للتعتيم عليه
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
«ما أعظم أن تكون انتصاراتك بشهادة خصمك»، هكذا كان الحال منذ انتهاء حرب السادس من أكتوبر 1973 وحتى الآن، من خلال الكتب الأجنبية والإسرائيلية التى ناقشت الحرب وتفاصيلها، وحللت كيف هزم رجال الجيش المصرى جيش الاحتلال، رغم الفرق فى قوة التسليح والاستعداد علاوة على وجود خط «بارليف» المنيع، ووصفوا ما حدث بأنه عبقرية من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وفشل ذريع من إسرائيل وإخفاق لن يغفر.
ولعل أحد هذه الكتب المهمة هو «حرب أكتوبر وأزمة المخابرات الإسرائيلية»، لكاتبه «لشفى لائير» أحد كبار المفكرين الإسرائيليين فى مجال الدراسات الاستراتيجية، الذى أثار ضجة كبيرة داخل إسرائيل بكتابه، ما أدى فى النهاية إلى اختفائه والتعتيم الشديد عليه وتجاهله تماماً فى الكتابات العسكرية والتحليلات السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية، التى تتناول حرب أكتوبر بالتحليل والدراسة والنقد، وهو ما دفع مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة إلى ترجمته إلى العربية وإصداره فى إطار سلسلة الدراسات الدينية والتاريخية التى يصدرها المركز. ويتكون كتاب «حرب أكتوبر وأزمة المخابرات الإسرائيلية»، الذى ترجمه محمد أوغدير من ثلاثة فصول، الأول تحليل ما إذا كانت المفاجأة فى فشل تقديم المخابرات معلومات مسبقة تؤكد إعداد سوريا ومصر لشن الحرب، ويؤكد الكاتب أن هزيمة إسرائيل لم تكن لهذا السبب، فالإنذار المبكر من جانب المخابرات يسمح بالتعبئة المنظمة لقوات الاحتياط الإسرائيلية، وهى الأساس الراسخ فى جيش الدفاع، إلا أن هذا الأساس سقط وبالتالى فشل الجيش الإسرائيلى فى تنفيذ خططه الحربية، لأنه يعتمد اعتماداً أساسياً على وحدات الاحتياط وانتشارها، واستدعاء الاحتياط يعتمد على الإنذار المبكر الذى لم يتم، فقد قضت لجنة أجرانات عقب حرب يوم الغفران بأن المخابرات العسكرية أمان فشلت لأنها لم تقدم الإنذار المبكر المطلوب، ولذلك رأت اللجنة أن أمان مسئولة بدرجة كبيرة عن النجاحات غير المتوقعة التى حققتها كل من مصر وسوريا خلال أيام الحرب الأولى.
وفى الفصل الثانى يناقش المؤلف الفارق بين المفاجآت الآتية والمفاجآت الأساسية، وأن صدمة يوم الغفران تتركز فى اكتشاف المجتمع الإسرائيلى للصور الذاتية الخاطئة عن أنفسهم وعن قدرتهم العسكرية والاجتماعية وعن قدرتهم المعنوية، إذ رأت لجنة أجرانات أن مفاجأة حرب يوم الغفران وقعت لأن التصور الخاص بشعبة المخابرات فى القيادة العامة كان خاطئاً، وقد ربطت اللجنة ذلك بافتراضين استراتيجيين، وهما أن مصر لن تبدأ الحرب ضد إسرائيل إلا إذا ضمنت لنفسها من البداية توافر القدرة الجوية على مهاجمة العمق الإسرائيلى، خاصة مهاجمة المطارات الإسرائيلية الرئيسية، لكى يصاب السلاح الجوى الإسرائيلى بالشلل، وأن سوريا لن تشن هجوماً واسعاً على إسرائيل إلا إذا حدث ذلك فى توقيت واحد مع مصر.
ومن بين الكتب المهمة أيضاً كتاب التقصير «المحدال»، الذى ألفه «يشعبا هوين، فوارت، يهونتان جيفين، أورى دان، آيتان هيفر، حيزى كرمل، إيلى لنداو، إيلى تابور»، وهم مجموعة ممن شاركوا فى الحرب ورصدوا كل نقاط التقصير التى أدت للهزيمة، لذا حققت لجنة أجرانات عقب الحرب، وقدمت تقريرها فى كل الاتهامات التى وجهها مؤلفو الكتاب إلى القيادات، وهو دليل صدق الكثير مما جاء فى الكتاب، خاصة أن المؤلفين كانوا قادمين لتوهم من خط النار.
محور كتاب «التقصير» ناقش كيف تحولت إسرائيل فى أقل من 24 ساعة، من دولة عسكرية كبرى إلى دولة تقاتل بشراسة من أجل وجودها، إذ كانت المقارنة بين الخسائر التى لحقت بالجانب الإسرائيلى فى اليوم الأول فقط مقارنة بحجم الخسائر فى الحروب السابقة سبباً فى قول موشيه ديان لجولدا مائير «إننا نفقد البيت الثالث».
فى مقدمة الكتاب المترجم كتب المؤلفون أنهم لم يصدقوا أنها الحرب، وهم يشاهدون المقاتلين فى أصعب اللحظات وأشدها إيلاماً، شاهدوا ميادين القتال وغرف العمليات ورصدوا حزن الشعب وصدمته، كتبوا عن أنفسهم، أنهم ليسوا لجنة تحقيق ولا يدعون أنهم يصدرون الأحكام، كما أن الكتاب ليس بحثاً تاريخياً بل إنه عمل صحفى فيه وصف للتقصير وخلفيته حتى لا يشعروا بذنب المشاركة فى مؤامرة السكوت والإسكات.
الفصل الأول كُتب تحت عنوان «ظل النكبة»، ويحكى عن الوضع الذى وصفوه بالميئوس منه، وقال إيلى تابور أحد الكتاب فى شهادة تاريخية: «شاركت فى 3 حروب، حرب الأيام الستة، وحرب الاستنزاف، وهذه الحرب -يقصد أكتوبر- وعندما سمعت من الإذاعة عن هذه الحرب أخذت أرتعد كنت واثقاً بأنه سيقضى علىّ هذه المرة، اللاسلكى توقف والقادة لم يكن فى وسعهم فعل شىء، دبابتى كان عليها ما يقرب من 14 قتيلاً، وشعرت بأننى سأكون فى تعداد الموتى فى أى لحظة».
«1973.. الطريق إلى الحرب» كشف كثيراً من الأسرار وتعامل قادة إسرائيل مع مبادرة روجرز التى وصفت الحرب بالتقصير السياسىيأتى كتاب «1973 الطريق إلى الحرب»، للدكتور يجئال كيبنيس المؤرخ والكاتب الإسرائيلى، والصادر عام 2021 ليتحدث عن وجهة نظر جديدة على الجانب الإسرائيلى، كاشفاً كثيراً من الأسرار حول طريقة تعامل قادة إسرائيل مع مبادرة روجرز، إذ أرجع أسباب اندلاع حرب 1973 لما أطلق عليه «التقصير السياسى»، الذى وصفه بأنه أخطر بكثير من عمى رجال الاستخبارات الإسرائيليين الذين ما زالت مسئولية الهزيمة تلاحقهم حتى اليوم، على حد تعبيره. يشرح الكتاب لقاء مستشار السادات للأمن القومى حافظ إسماعيل وهنرى كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومى، بواشنطن فى 25 فبراير 1973، بمبادرة السادات نفسه. وتقوم المبادرة على فتح قناة للتفاوض بين مصر وإسرائيل بواسطة الولايات المتحدة، وأن تنسحب إسرائيل من قناة السويس وتعترف بسيادة مصر على كل سيناء، وأن تقبل مصر بتسويات أمنية وغيرها من التفاصيل التى تضمن السلام للدول العربية فى موعد أقصاه سبتمبر 1973.
لم يكن كتاب «1973 الطريق إلى الحرب» الكتاب الوحيد الذى تناول أهمية دور «كيسنجر» فى الحرب، إذ سلط كتاب «سيد اللعبة: هنرى كيسنجر وفن الدبلوماسية فى الشرق الأوسط»، للدبلوماسى الأمريكى مارتن إنديك، الضوء على هنرى كيسنجر الذى يعد أحد أذكى وأدهى السياسيين فى تاريخ أمريكا فيما يخص نزاعات الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا والعالم.
ويسرد الكتاب تجربة كيسنجر الدبلوماسية الذى كان وزيراً للخارجية الأمريكية فى عام 1973، عبر 5 أقسام ولكل قسم عدة فصول، يبلغ مجموعها 17 فصلاً، يتحدث خلالها عن مشاركة هنرى كيسنجر فى مفاوضات سلام الشرق الأوسط، وتبعات ذلك على الصراع المستمر، إذ يتحدث إنديك عن كل تحركات كيسنجر الدبلوماسية فى أثناء الحرب وما بعدها ويذكر تفاصيل لقاءاته مع القادة والزعماء لتسيير عملية السلام. وعلى لسان الجانب الآخر من المعركة نطق القادة الإسرائيليون فى مذكراتهم عن الحرب، إذ أفسح ديفيد أليعازر، رئيس أركان الجيش الإسرائيلى أثناء حرب أكتوبر، صفحات مذكراته للحديث عن ذلك الموقف الجلل فى مذكرات وصفها النقاد بأنها أدق ما كتب عن الحرب من الجانب الإسرائيلى، متناولاً أحداث ما قبل الحرب والنظرة الإسرائيلية والدور الأمريكى فى إنقاذ إسرائيل من هزيمة أكبر من الهزيمة التى لحقت بهم.
«زعيرا» يعترف فى مذكراته: الإسرائيليون رفضوا تبرئة لجنة التحقيق لـ«جولدا مائير وموشيه ديان» مما أجبرهما على الاستقالةأما إيلى زعيرا الذى عُين رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية فى الأول من أكتوبر 1973، وبعد 6 أيام فقط نشبت الحرب فقد كتب فى مذكراته التى عنونت بـ«حرب يوم الغفران» ما شهده الداخل الإسرائيلى تحديداً بعد الحرب، إذ أوصت لجنة التحقيق المنعقدة بعد الحرب الحكومة برئاسة رئيس المحكمة العليا الدكتور شمعون أجرانات، بنقل رئيس هيئة الأركان الفريق ديفيد اليعازر، وقائد المنطقة الجنوبية اللواء شموئيل جونين ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء إيلى زعيرا ومساعد رئيس شعبة المخابرات العسكرية للبحوث العميد أرييه شيلو من مناصبهم.
وبرأت اللجنة كبار القادة وعلى رأسهم رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان، وهو الحكم الذى رفضه الجمهور الإسرائيلى ما أجبر جولدا مائير وموشيه ديان على الاستقالة.
ويتحدث عما يعرف شعبياً بأسطورة حرب الغفران التى ألقت اللوم عليه وعلى الصف الثانى من القادة المحكوم عليهم من اللجنة، وأن هذه الأسطورة دعمتها الحاجة لإيجاد كبش الفداء يعلقون عليه خسران الحرب، وكتب إيلى زعيرا مذكراته لتبرئة نفسه.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: نصر أكتوبر الصراع العربي الإسرائيلي حرب یوم الغفران حرب أکتوبر
إقرأ أيضاً:
اللواء وائل ربيع: الجيش السوري لم يتلق رواتبه منذ 6 أشهر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال اللواء وائل ربيع إنه لم يتوقع أحد ما حدث في سوريا حيث تراجع الجيش أمام الفصائل المسلحة رغم أن هذه الفصائل لا تملك أي أسلحة ثقيلة وهذا ما أوحى بأن ما جرى كان في إطار اتفاق.
وكشف ربيع مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر خلال الندوة التي نظمتها لجنة الشئون الخارجية بنقابة الصحفيين برئاسة الكاتب الصحفي حسين الزناتي وكيل النقابة أن الجيش السوري لم يتلق راتبه منذ ٦ أشهر.
ونوه إلى أن الجيش السوري لم يحارب منذ عام 1973 وحينما اندلعت المواجهات المسلحة في 2011 تمت مواجهتها عن طريق الجيش الروسي والمسلحين الإيرانيين.
وأكد حسين الزناتى وكيل نقابة الصحفيين رئيس لجنة الشئون العربية والخارجية بها على أن منطقتنا العربية أصبحت وكأنها قدر مكتوب عليها أن تبقى ومعها حياة شعوبها على صفيح ساخن طوال الوقت، فلايمضى عام تلو الآخر إلا ونرى المزيد من التحديات فى مواجهتها، والكثير من الصراعات مستمرة عليها، والمزيد من التوترات والانتهاكات التى وصلت إلى حد سفك الدماء من دولة الاحتلال ضد الأبرياء العرب،فى فلسطين ولبنان وغيرها تحولت أمام العالم وكأنه أمر عادى ومعتاد دون.
وقال على هامش ندوة " سوريا.. ومستقبل المنطقة " التى نظمتها لجنة الشئون العربية والخارجية بنقابة الصحفيين: كل هذا يأتى فى ظل مجتمع دولى يعيش وكأنه لايسمع ولايرى، أوأنه يسمع ويرى الحقيقة بعينيه، لكن المشهد اصبح رائقا له، بل ورُبما يحث عليه لتحقيق مصالحه فى المنطقة، التى تسعى دولها أن تعيش فى هذا الأمان الذى يكفله لها المواثيق وأهداف المنظمات الدولية، لكنهاعلى المحك تجد وجهًا آخر ليتحول هذا الأمان إلى خوف، والسلام إلى حرب، والمستقبل إلى ماض بممارساته المستمرة من الظلم والواقع المرير على دول بسبب دول أخرى لاتترك لها سوى فُتات العيش وأدنى مقوماته.
مشيرًا إلى أنه فى هذا السياق تأتى ندوة لجنة الشئون العربية عن مستقبل المنطقة العربية، بعد عام مرير من الأحداث عليها، أنهت أيامها الأخيرة بما جرى فى سوريا وسقوط نظام بشار الأسد، وصعود قوة جديدة، الكثيرون يبحثون فى ماهية وجودها وتداعيات ذلك ليس على سوريا فقط، ولكن على المنطقة كلها، بعد هذا الصعود السريع والمفاجئ لها.
فكان هذا اللقاء الذى دعونا فيه قامات كبيرة لتقدم رؤاها وتحليلها، فيما حدث خلال العام التى انتهت بماجرى فى سوريا، وكيف ترى المستقبل فى المنطقة فيما هو قادم، وفى مقدمة هذه القامات المفكر والسياسى البارع د. مصطفى الفقى، الأستاذ الذى تعلم على يديه أجيال وأجيال علوم السياسة، مابين النظريات والتطبيق، وصاحبتها التجربة العملية، التى جعلته دائما قريبًا من الأحداث، ودائرة صناعة القرارات وبخبرته وحنكته ووطنيته بقى عطائه إلى الآن فينتظره الكثيرون للاستماع إلى رؤيته فى هذا اللقاء الهام، وهو السياسي المصري، الذى شغل سابقا منصب سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات والمتابعة وكان سفيرًا لمصر فى النمسا، وسلوفانيا وكرواتيا، ومستشار السفارة المصرية في «الهند» وأستاذ العلوم السياسية ومدير معهد الدراسات الدبلوماسية، ورئيس الجامعة البريطانية في مصر وعضو لجنة الشرق الأوسط في اتحاد البرلمان الدولي اللجنة الاستشارية لاتحاد البرلمان الدولي الخاصة بالأمم المتحدة ومدير مكتبة الإسكندرية.
وأيضًا فى هذا اللقاء كانت الدعوة للسفير حازم عهدى خيرت سفير مصر الأسبق بدمشق، فهو صاحب التجربة العملية هناك على مدار أربعة سنوات هناك فى الفترة من 2003 إلى 2007، وكان سفيرا لمصر فى تشيلى ودولة الاحتلال الإسرائيلى، غير عمله فى سفارات مصر فى هولندا وواشنطن، ودوره الدبلوماسى على مدار تاريخه بالخارجية المصرية، وهو الآن مستشار وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية للتعاون الدولى.
وكذلك سيادة اللواء الدكتور وائل ربيع مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، بخبرته العسكرية والعلمية، ورؤاه الاستراتيجية التى نستعين بها فى التحليلات الموضوعية للجانب العسكرى، والمرتبطة بعناصر الأمن القومى، ونحن فى أشد الاحتياج للإستماع إليها الآن، فى ظل هذه التوترات العصيبة سياسيًا وعسكريًا فى المنطقة.
وأيضًا اللواء أركان حرب أيمن عبد المحسن، عضو مجلس الشيوخ، المتخصص فى الشأن العسكرى والاستراتيجى بخبرته العلمية والعملية، والسياسية، على الأرض، لنرى معه تحليله، لواقع الأمن القومى العربى فى ظل هذه التوترات فى سياقه العسكرى.