لجريدة عمان:
2024-10-04@23:40:30 GMT

الرقابة.. النزاهة والمجتمع

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

تزامن إعلان الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة (2022 - 2030) مع استصدار جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة (ملخص المجتمع)؛ الذي حوى إيجازًا عن أبرز نتائج أعماله الواردة بتقريره السنوي لعام 2022. الحدثان مهمان في سياق تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد كإحدى الدعامات الأساسية لعمل مؤسسات الدولة، ومن ناحية أخرى في سبيل حشد الوعي العام إزاء الضرورة القصوى لبناء مفاهيم النزاهة في كافة المستويات، وعلى كافة الأصعدة.

ما يلفت في الملخص الوارد ثلاث إشارات مهمة؛ الأولى أنه أكد على مستويات متباينة من المخالفات التي تم ضبطها (أتحدث من ناحية المستوى الوظيفي/ المؤسسي لمرتكب المخالفة) أو من ناحية (حجم المخالفة ذاتها)؛ وهذا مهم لتبيان أنه لا يمكن الاستهانة بحجم المخالفة ما دامت تمس الأموال العامة أو أنها تضر بمبادئ النزاهة العامة أو تعطل المصالح الطبيعية للأفراد والمؤسسات. الإشارة الثانية؛ هي في تركيز المخلص على تفاعل الجهاز مع القضايا المحورية التي تقع في إطار مداولات الرأي العام، مثل قضايا اكتظاظ الفصول الدراسية، ومسائل التسريح من العمل في بعض القطاعات، وتأخر المواعيد في المؤسسات الصحية، وهذا في تقديرنا يعزز من ثقة المجتمع في العملية الرقابية، وفي كونها تحديدا متفاعلة مع قضايا الشأن العام، ويتأتى دورها في التحقق المنهجي والدقيق من صحة ما يثار أو يوضع تحت مجهر الرقابة. أما الإشارة الثالثة التي نرصدها هنا؛ فهي الإشارة المباشرة لبعض المؤسسات وإيجاد المقارنات لحالة النزاهة العامة خلال فترتين من استصدار التقرير. وهذا في تقديرنا يعطي إضاءات لحجم الالتزام بالمعايير، كما أنه يسهم في تحقيق الردع المؤسسي، فيما تعطي القضايا المرصودة ونوعيتها وطبيعتها فهما لمواطن التركيز لكفاءة حوكمة العمليات الداخلية في هذه المؤسسات. صاحب استصدار الملخص حملة إعلامية نموذجية، ركزت على توضيح منهجيات عمل الجهاز في إطار مهام الفحص، وبسطت المفاهيم فيما يتعلق بالمعجم الرقابي، وركزت على إيجاد إجابات مباشرة (في إطار اختصاص الجهاز) فيما يتعلق ببعض القضايا الشائكة والمثارة في الشأن العام. إضافة إلى تنظيم مسائل الظهور الإعلامي المتوازن، الذي غطى مختلف وسائط الإعلام سواء الحكومية أو الخاصة. وتفعيل لدور المتحدث الرسمي مواكبة للحدث.

يمكن القول إن حالة التفاعل من المجتمع التي حدثت إزاء استصدار الملخص تشكل مكسبًا للعمل الرقابي، ونعتقد أن المرحلة المقبلة تقتضي التركيز بشكل أكبر على بناء منظومات النزاهة، باعتبارها فعلًا استباقيًا وقائيًا يقلص من حالات الفساد وارتكاب المخالفات في شقيها المالي والإداري. إن إيجاد أنظمة حوكمة (متعددة المستويات: وطنيًا/ قطاعيًا/ مؤسساتيًا / داخل هياكل المؤسسات) من شأنه أن يسد الكثير من الفجوات التي يمكن من خلالها أن تنشأ الشبهات الإدارية والمالية. والأهم هو كفاءة أدوات الفرض والإلزام والمتابعة التي يمكن أن تضمن نفاذ هذه الأنظمة والالتزام بتطبيقها. ينبني مفهوم النزاهة العامة بحسب أطر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD على ثلاثة أركان أساسية:

- النظام: متضمنًا الالتزام، ووضوح المسؤوليات، ووجود الاستراتيجية، بالإضافة لوضوح المعايير.

- المساءلة: متضمنة إدارة المخاطر، ووجود أدوات للإنفاذ، وكفاءة الإشراف، بالإضافة للمشاركة.

- الثقافة: متضمنة الانفتاح على المجتمع، وبناء القدرات، والنظام القائم على الجدارة، ووجود القدرات القيادية، بالإضافة إلى أن تكون أنظمة النزاهة مشتركة بين جميع أعضاء المجتمع.

ويعنينا هنا التركيز على كيفية إشراك المجتمع في تحقيق مفاهيم النزاهة العامة، ونعتقد هنا أن المنطلق يجب أن يكون من المؤسسات التعليمية؛ وإن إدماج مفاهيم النزاهة العامة وممارساتها والمضامين المعرفية لها في قلب النظام التعليمي والمناهج المدرسية والأكاديمية هو أساس مركزي لتعزيز هذه المبادئ مجتمعيًا. لدينا ممارسات أولية يمكن البناء عليها، في المدارس على سبيل المثال تنشط ما يُعرف بمجموعات نشاط (الإدارات الطلابية)، ولا أعلم على وجه الدقة طبيعة ومستوى نشاطها حاليا، ولكنها تمثل إحدى الممارسات الجيدة، التي تعزز رقابة الطلبة ومتابعتهم الداخلية للانضباط والأداء في جوانب معينة في السلوك الصفي وغير الصفي. وأتذكر أن هناك معايير كانت توضع بصرامة لاختيار الطلاب النشطين في هذه الجماعات وتمكينهم من التواصل المباشر مع الهيئة التدريسية والإدارة المدرسية. هذه ممارسة يمكن البناء عليها وتطويرها كإحدى ركائز النظام المدرسي في مساهمته في تعزيز النزاهة العامة. على الجانب الآخر سلوكيًا قد تساهم الأنظمة التي تقوم على عملية «تتبع البلاغات» في تعزيز مشاركة المجتمع في جهود تعزيز النزاهة العامة؛ هذه الأنظمة تقوم على أن البلاغ الذي يقدمه شخص ما على منصة ما يمكنه من تتبع مختلف دورة الإجراءات التي تتم حيال هذا البلاغ حول الشبهة التي وضع البلاغ إزاءها. كما تساعد أنظمة الالتزام في تقليل وقوع المخالفات وشبه الفساد. أحد أشهر التجارب السلوكية التي رصدها (Office of Evaluation Sciences - GSA) تلك المرتبطة بالتحصيل الضريبي. ففي المملكة المتحدة تم إجراء تجربة تقوم على إرسال خطاب إلى حوالي 100 ألف من دافعي الضرائب المتأخرين على السداد بحلول الموعد النهائي. وقد تم تنويع نمط رسائل التذكير بضرورة الدفع على النحو الآتي:

- المجموعة الأولى: كانت رسالة التذكير تقوم على مبدأ المعيار الأساسي: (تسعة من كل عشرة أشخاص يدفعون الضرائب في الوقت المحدد).

- المجموعة الثانية: كانت الرسالة تقوم على مبدأ قاعدة الدولة: (تسعة من كل عشرة أشخاص في المملكة المتحدة يدفعون الضرائب في الوقت المحدد).

- المجموعة الثالثة: كانت الرسالة تقوم على مبدأ قاعدة الأقلية: (تسعة من كل عشرة أشخاص في المملكة المتحدة يدفعون الضرائب في الوقت المحدد. أنت حاليًا ضمن فئة صغيرة جدًا من الأشخاص الذين لم يدفعوا لنا ضريبتهم بعد).

- المجموعة الرابعة: كانت الرسالة تقوم على مبدأ قاعدة المنفعة العامة المؤطرة بالمكاسب: (دفع الضرائب يعني أننا جميعًا نستفيد من الخدمات العامة الحيوية مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية والطرق والمدارس).

- المجموعة الخامسة: كانت الرسالة قائمة على مبدأ الصالح العام في إطار الخسارة: (عدم دفع الضرائب يعني أننا جميعًا نخسر الخدمات العامة الحيوية مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية والطرق والمدارس).

- المجموعة السادسة: كان التذكير المباشر دون إضافة أي رسالة.

كانت النتيجة أن الأشخاص الذين أرسلت لهم الرسائل وفقًا لقاعدة (الأقلية) أكثر استجابة ومسارعة للدفع من غيرها من المجموعات. مما وفر على الحكومة البريطانية 1.9 مليون جنيه استرليني خلال 22 يومًا كان يمكن أن تكون متأخرة بفعل عدم السداد.

هذه تدخلات سلوكية محددة الكلفة لكن عائدها يعتبر كبيرًا على النظام. وهو ما توفره لنا المقاربات السلوكية والتي نعتقد أنها تستطيع أن تقدم الكثير لمهمة تعزيز النزاهة العامة وجهودها خلال المرحلة المقبلة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النزاهة العامة تعزیز النزاهة کانت الرسالة فی إطار

إقرأ أيضاً:

محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات

أبوظبي - وام
استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، عدداً من الأمهات الحاضنات.
ورحب سموه بالأمهات ــ خلال استقبالهن في قصر البحر في أبوظبي ــ معرباً سموه عن شكره وتقديره لمبادراتهن الإنسانية الطيبة في احتضان هؤلاء الأطفال ودمجهم في المجتمع وتوفير حياة أسرية ونفسية واجتماعية صحية لهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع.
وأكد سموه أن احتضانهن هؤلاء الأطفال يجسد الشعور بالمسؤولية المجتمعية.. مشيراً إلى أنهن يمثلن قدوة لغيرهن في تعزيز قيم العطاء والإنسانية والتكافل الاجتماعي الذي يتميز به مجتمع دولة الإمارات.
وشدد سموه على دعم الدولة للأفراد والجهات التي ترعى هؤلاء الأطفال.. مؤكداً أهمية مشاركة المجتمع في تحمل المسؤولية تجاههم من خلال احتضانهم وتوفير حياة أسرية لهم.

مقالات مشابهة

  • هذه حقيقة السيدة اليزيدية التي كانت في قطاع غزة / فيديو
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: الألفة الصادقة تقوم على حسن الظن وطيب المعشر.. وارتقاء سلوك المجتمع باستشعار مراقبة الله
  • محافظ الدقهلية: ضبط 263 مخالفة تموينية وإحالة أصحابها للنيابة العامة 
  • احالة 263 مخالفة تموينية إلى لنيابة العامة بالدقهلية
  • محافظ الدقهلية يقرر إحالة 263 محضرا بمخالفات الرقابة على الأسواق للنيابة العامة
  • محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات
  • معرض صوت المرأة يلقي الضوء على التحديات التي تواجه المرأة المبدعة بالإمارات
  • “قادربوه” يبحث التحديات التي تواجه الرقابة على صندوق الإنماء الاقتصادي
  • حصاد الهيئة العامة للخدمات البيطرية خلال شهر سبتمبر 2024 في الرقابة البيطرية والتفتيش على اللحوم
  • «الرقابة المالية» تنظم برنامجا تدريبيا لتنمية قدرات أعضاء وحدات تكافؤ الفرص