لجريدة عمان:
2025-01-03@17:54:52 GMT

الرقابة.. النزاهة والمجتمع

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

تزامن إعلان الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة (2022 - 2030) مع استصدار جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة (ملخص المجتمع)؛ الذي حوى إيجازًا عن أبرز نتائج أعماله الواردة بتقريره السنوي لعام 2022. الحدثان مهمان في سياق تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد كإحدى الدعامات الأساسية لعمل مؤسسات الدولة، ومن ناحية أخرى في سبيل حشد الوعي العام إزاء الضرورة القصوى لبناء مفاهيم النزاهة في كافة المستويات، وعلى كافة الأصعدة.

ما يلفت في الملخص الوارد ثلاث إشارات مهمة؛ الأولى أنه أكد على مستويات متباينة من المخالفات التي تم ضبطها (أتحدث من ناحية المستوى الوظيفي/ المؤسسي لمرتكب المخالفة) أو من ناحية (حجم المخالفة ذاتها)؛ وهذا مهم لتبيان أنه لا يمكن الاستهانة بحجم المخالفة ما دامت تمس الأموال العامة أو أنها تضر بمبادئ النزاهة العامة أو تعطل المصالح الطبيعية للأفراد والمؤسسات. الإشارة الثانية؛ هي في تركيز المخلص على تفاعل الجهاز مع القضايا المحورية التي تقع في إطار مداولات الرأي العام، مثل قضايا اكتظاظ الفصول الدراسية، ومسائل التسريح من العمل في بعض القطاعات، وتأخر المواعيد في المؤسسات الصحية، وهذا في تقديرنا يعزز من ثقة المجتمع في العملية الرقابية، وفي كونها تحديدا متفاعلة مع قضايا الشأن العام، ويتأتى دورها في التحقق المنهجي والدقيق من صحة ما يثار أو يوضع تحت مجهر الرقابة. أما الإشارة الثالثة التي نرصدها هنا؛ فهي الإشارة المباشرة لبعض المؤسسات وإيجاد المقارنات لحالة النزاهة العامة خلال فترتين من استصدار التقرير. وهذا في تقديرنا يعطي إضاءات لحجم الالتزام بالمعايير، كما أنه يسهم في تحقيق الردع المؤسسي، فيما تعطي القضايا المرصودة ونوعيتها وطبيعتها فهما لمواطن التركيز لكفاءة حوكمة العمليات الداخلية في هذه المؤسسات. صاحب استصدار الملخص حملة إعلامية نموذجية، ركزت على توضيح منهجيات عمل الجهاز في إطار مهام الفحص، وبسطت المفاهيم فيما يتعلق بالمعجم الرقابي، وركزت على إيجاد إجابات مباشرة (في إطار اختصاص الجهاز) فيما يتعلق ببعض القضايا الشائكة والمثارة في الشأن العام. إضافة إلى تنظيم مسائل الظهور الإعلامي المتوازن، الذي غطى مختلف وسائط الإعلام سواء الحكومية أو الخاصة. وتفعيل لدور المتحدث الرسمي مواكبة للحدث.

يمكن القول إن حالة التفاعل من المجتمع التي حدثت إزاء استصدار الملخص تشكل مكسبًا للعمل الرقابي، ونعتقد أن المرحلة المقبلة تقتضي التركيز بشكل أكبر على بناء منظومات النزاهة، باعتبارها فعلًا استباقيًا وقائيًا يقلص من حالات الفساد وارتكاب المخالفات في شقيها المالي والإداري. إن إيجاد أنظمة حوكمة (متعددة المستويات: وطنيًا/ قطاعيًا/ مؤسساتيًا / داخل هياكل المؤسسات) من شأنه أن يسد الكثير من الفجوات التي يمكن من خلالها أن تنشأ الشبهات الإدارية والمالية. والأهم هو كفاءة أدوات الفرض والإلزام والمتابعة التي يمكن أن تضمن نفاذ هذه الأنظمة والالتزام بتطبيقها. ينبني مفهوم النزاهة العامة بحسب أطر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD على ثلاثة أركان أساسية:

- النظام: متضمنًا الالتزام، ووضوح المسؤوليات، ووجود الاستراتيجية، بالإضافة لوضوح المعايير.

- المساءلة: متضمنة إدارة المخاطر، ووجود أدوات للإنفاذ، وكفاءة الإشراف، بالإضافة للمشاركة.

- الثقافة: متضمنة الانفتاح على المجتمع، وبناء القدرات، والنظام القائم على الجدارة، ووجود القدرات القيادية، بالإضافة إلى أن تكون أنظمة النزاهة مشتركة بين جميع أعضاء المجتمع.

ويعنينا هنا التركيز على كيفية إشراك المجتمع في تحقيق مفاهيم النزاهة العامة، ونعتقد هنا أن المنطلق يجب أن يكون من المؤسسات التعليمية؛ وإن إدماج مفاهيم النزاهة العامة وممارساتها والمضامين المعرفية لها في قلب النظام التعليمي والمناهج المدرسية والأكاديمية هو أساس مركزي لتعزيز هذه المبادئ مجتمعيًا. لدينا ممارسات أولية يمكن البناء عليها، في المدارس على سبيل المثال تنشط ما يُعرف بمجموعات نشاط (الإدارات الطلابية)، ولا أعلم على وجه الدقة طبيعة ومستوى نشاطها حاليا، ولكنها تمثل إحدى الممارسات الجيدة، التي تعزز رقابة الطلبة ومتابعتهم الداخلية للانضباط والأداء في جوانب معينة في السلوك الصفي وغير الصفي. وأتذكر أن هناك معايير كانت توضع بصرامة لاختيار الطلاب النشطين في هذه الجماعات وتمكينهم من التواصل المباشر مع الهيئة التدريسية والإدارة المدرسية. هذه ممارسة يمكن البناء عليها وتطويرها كإحدى ركائز النظام المدرسي في مساهمته في تعزيز النزاهة العامة. على الجانب الآخر سلوكيًا قد تساهم الأنظمة التي تقوم على عملية «تتبع البلاغات» في تعزيز مشاركة المجتمع في جهود تعزيز النزاهة العامة؛ هذه الأنظمة تقوم على أن البلاغ الذي يقدمه شخص ما على منصة ما يمكنه من تتبع مختلف دورة الإجراءات التي تتم حيال هذا البلاغ حول الشبهة التي وضع البلاغ إزاءها. كما تساعد أنظمة الالتزام في تقليل وقوع المخالفات وشبه الفساد. أحد أشهر التجارب السلوكية التي رصدها (Office of Evaluation Sciences - GSA) تلك المرتبطة بالتحصيل الضريبي. ففي المملكة المتحدة تم إجراء تجربة تقوم على إرسال خطاب إلى حوالي 100 ألف من دافعي الضرائب المتأخرين على السداد بحلول الموعد النهائي. وقد تم تنويع نمط رسائل التذكير بضرورة الدفع على النحو الآتي:

- المجموعة الأولى: كانت رسالة التذكير تقوم على مبدأ المعيار الأساسي: (تسعة من كل عشرة أشخاص يدفعون الضرائب في الوقت المحدد).

- المجموعة الثانية: كانت الرسالة تقوم على مبدأ قاعدة الدولة: (تسعة من كل عشرة أشخاص في المملكة المتحدة يدفعون الضرائب في الوقت المحدد).

- المجموعة الثالثة: كانت الرسالة تقوم على مبدأ قاعدة الأقلية: (تسعة من كل عشرة أشخاص في المملكة المتحدة يدفعون الضرائب في الوقت المحدد. أنت حاليًا ضمن فئة صغيرة جدًا من الأشخاص الذين لم يدفعوا لنا ضريبتهم بعد).

- المجموعة الرابعة: كانت الرسالة تقوم على مبدأ قاعدة المنفعة العامة المؤطرة بالمكاسب: (دفع الضرائب يعني أننا جميعًا نستفيد من الخدمات العامة الحيوية مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية والطرق والمدارس).

- المجموعة الخامسة: كانت الرسالة قائمة على مبدأ الصالح العام في إطار الخسارة: (عدم دفع الضرائب يعني أننا جميعًا نخسر الخدمات العامة الحيوية مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية والطرق والمدارس).

- المجموعة السادسة: كان التذكير المباشر دون إضافة أي رسالة.

كانت النتيجة أن الأشخاص الذين أرسلت لهم الرسائل وفقًا لقاعدة (الأقلية) أكثر استجابة ومسارعة للدفع من غيرها من المجموعات. مما وفر على الحكومة البريطانية 1.9 مليون جنيه استرليني خلال 22 يومًا كان يمكن أن تكون متأخرة بفعل عدم السداد.

هذه تدخلات سلوكية محددة الكلفة لكن عائدها يعتبر كبيرًا على النظام. وهو ما توفره لنا المقاربات السلوكية والتي نعتقد أنها تستطيع أن تقدم الكثير لمهمة تعزيز النزاهة العامة وجهودها خلال المرحلة المقبلة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النزاهة العامة تعزیز النزاهة کانت الرسالة فی إطار

إقرأ أيضاً:

النزاهة النيابية تؤكد على تفعيل استجواب المسؤولين

آخر تحديث: 2 يناير 2025 - 12:06 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- شدد عضو لجنة النزاهة النيابية، حميد الشبلاوي،اليوم الخميس ، على أهمية تفعيل ملف استجواب المسؤولين داخل قبة البرلمان ، فيما حذر من المماطلة والتسويف .وقال الشبلاوي في تصريح صحفي ،إن” هناك العديد من الطلبات البرلمانية بغية تفعيل ملف الاستجوابات وممارسة عمل مجلس النواب الرقابي “.وأضاف ان ” الفترة الماضية لم تشهد تفعيل ملف استجواب الوزراء والمسؤولين بسبب تدخل الاحزاب الكبيرة بعمل السلطة التشريعية”.واشار الى ان ” الهدف من الاستجواب هو إصلاح عمل الحكومة من باب التعاون والمصلحة العامة”.وطالب الشبلاوي بـ”تفعيل ملف استجواب الوزراء والمسؤولين خلال الجلسات النيابية لعودة ثقة المواطن بالمؤسسة التشريعية “.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد العام للمنتجين العرب يطلق الشعبة العامة لتمكين ذوي الهمم .. الأحد المقبل
  • انطلاق الشعبة العامة لتمكين ذوي الهمم في احتفالية مميزة بدار الأوبرا
  • «البلديات والنقل» تدعو الجمهور للإبلاغ عن مشوهات المظهر العام
  • السجيني: 80% من المحال العامة كانت دون رخصة تشغيل حتى صدور قانون 154 عام 2019
  • النزاهة النيابية تؤكد على تفعيل استجواب المسؤولين
  • أهم أنواع الأسلحة الروسية التي لا يمكن التصدي لها في عام 2024
  • أمين عام حزب الله: الاعتداء الإسرائيلي على جنوب لبنان اعتداء على الدولة والمجتمع الدولي
  • محافظ الدقهلية يحيل 336 محضر مخالفات تموينية للنيابة العامة
  • ‏نعيم قاسم: الاعتداءات الإسرائيلية في جنوب لبنان تستهدف الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي
  • «الرقابة الصحية» تعلن حصولها على الاعتماد الدولي لدليل معايير المستشفيات لعام 2025