لجريدة عمان:
2025-01-24@20:26:09 GMT

جولدا

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

خمسون عامًا مرت على حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، نصف قرن هي فترة مناسبة لدراسة التجربة من كل جوانبها، رغم ما كتب عنها من كتابات، تناولها المؤرخون والعسكريون والساسة، إلا أن الكثير عن هذه الحرب لم يُكتب بعد، فعلى الرغم من الاستعدادات التي أعدها المصريون قبيل الحرب وإعادة تسليح الجيش المصري الذي تعرض لضربة قاضية في حرب ٥ يونيو ١٩٦٧، لكن إسرائيل كانت تملك من العداد العسكري ومن بينها الطائرات والصواريخ ما يفوق إمكانات الجيش المصري بنسبة ٤ إلى ٩، على حد تقدير معظم الخبراء العسكريين، إلا أن الطاقة الهائلة للمقاتل المصري، وإعادة تدريبه وتأهيله ودقة الخطة العسكرية، التي كان يعرف فيها كل جندي مصري موقعه ودوره، وخصوصًا بعد إن التحق بالجيش جميع خريجي الجامعات، وجميعهم كانوا يرغبون في الثأر من الهزيمة التي لحقت بجيشهم في حرب ١٩٦٧، لذا كان المقاتل المصري بطل هذه الحرب بكل اقتدار.

شاهدت منذ عدة أيام فيلما روائيًا عن رئيسة وزراء إسرائيل خلال فترة الحرب «جولدا مائير» من إنتاج فبراير ٢٠٢٣، للمخرج الإسرائيلي «جاي ناتيف»، والمؤلف البريطاني نيكولاس مارتن، من إنتاج إحدى الشركات الإنجليزية، وقد قامت بدور جولدا مائير الممثلة البريطانية هيلين ميرين التي سبق لها الحصول على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم الملكة The Queen، وقد أدت هيلين الدور الذي تقمصت فيه شخصية جولدا باقتدار فائق.

يبدأ الفيلم بمثولها أمام لجنة أجرانات وهو رئيس القضاة الإسرائيلي، وهي اللجنة التي شكّلتها إسرائيل عقب الحرب لمعرفة ماذا حدث؟ ثم تدور أحداث الفيلم من خلال الفلاش باك والعودة إلى اليوم السابق لحرب أكتوبر، عندما استقبلت جولدا موشي ديان وزير الدفاع برفقة بعض قادته، وعندما سألتهم عن المعلومات التي وصلتها بتحرك مصري سوري على الجبهتين مع غروب يوم السادس من أكتوبر، وقد أجابوا جميعا بأن معلوماتهم تقول بأن المصريين رغم الحشود على الجبهة المصرية إلا أنهم ليسوا على استعداد لخوض هذه المغامرة التي قد تبيد جيشهم! ثم تتوالى أحداث الفيلم حينما عبر الجيش المصري بوسائل عبقرية لم ينتبه إليها الإسرائيليون، وخصوصًا لحظة اقتحامهم خط بارليف، الذي كان بمثابة جدار ركامي حصين بطول قناة السويس.

تترنح العجوز جولدا وهي تتلقى خبر الحرب وعدد القتلى وتدمير أكثر من ٤٠٠ دبابة في اليوم الأول و٣٠٠ طائرة، وانهيار الجيش الإسرائيلي على كل مواقعه في الجبهة المصرية، بينما الجيش السوري يتقدم على الجبهة الشمالية وأصبح قريبًا من تل أبيب. تجلس العجوز في غرفتها عقب يوم دامٍ وهي تشعل سيجارتها وأمامها كومة كبيرة من أعقاب السجائر، وفي مشهد حزين تسأل مرافقتها: ماذا لو دخلوا علينا في بيوتنا، ثم تواصل حديثها: لا أريد أن أكون على قيد الحياة في هذا اليوم، وأنت المسؤولة عن هذه المهمة!

تتوالى أحداث الفيلم وكأننا أمام عمل توثيقي لأحداث الحرب، وخلال أسبوع كامل عاشت فيه إسرائيل حالة من الرعب، إلا أن شيئا جديدًا قد حدث على الجبهة المصرية، حينما قاد شارون عملية عسكرية مباغتة أقرب إلى العمل الانتحاري، بعد أن التف خلف الجيش الثالث المصري، واستطاع أن يضرب عليه حصارًا صارمًا، بينما كان ذلك يحدث على جبهة الحرب، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقيم جسرًا جويًا لنقل الأسلحة والذخائر والطائرات التي ملأت سماء إسرائيل، وبقيادة طيارين أمريكيين، لذا قبل الرئيس أنور السادات بمبادرة وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر بوقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات فض الاشتباك بين الجيشين، وقد اضطر الرئيس السادات لقبول هذه المبادرة، قائلا إنه لا يستطيع محاربة أمريكا. وأيا ما كان الحكم على هذه المبادرة، وما أحدثته من تباين في رأي المحللين السياسيين والعسكريين، إلا أن مصر لم تكن تملك أكثر من هذا، وخصوصًا أن الرئيس السادات كان عازمًا على حل القضية سياسيًا.

الفيلم «جولدا» يُسجل قدرة هذه العجوز -كما كان يسميها الرئيس السادات- على إدارة هذه الأزمة رغم أنها لم تكن تملك من الوقت إلا القدر الذي تتلقى فيه علاجها الإشعاعي، وهي تقاوم مرض السرطان، بينما تقود أكبر أزمة في تاريخ إسرائيل.

على الرغم مما جاء في الفيلم من مغالطات وخيالات في محاولة لتقديم صورة إسرائيل القوية، إلا أن الكثير منها يتهاوى أمام الحقائق التي وردت في الوثائق الإسرائيلية التي استطاع فريق من أساتذة اللغة العبرية بجامعة عين شمس اختراق الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وحصلوا على كمٍ كبير من الوثائق وقد ترجموها إلى العربية، وأشرف عليها المرحوم الدكتور إبراهيم البحراوي، وقد نشرت في أربعة مجلدات بدعم من المركز القومي للترجمة، والكثير منها جاء في ترجمات دقيقة لتحقيقات لجنة «أجرانات»، وهي تسجل أحداث الحرب بكل تفاصيلها، والواقع العسكري والاجتماعي الذي واجهته إسرائيل من خلال شهادات القادة العسكريين. وأعتقد أن هذه الوثائق في حاجة إلى الدراسة والتحقيق لنعرف ماذا حدث وكيف حدث؟

المشهد الذي يستحق التسجيل، تلك الخطة الدقيقة التي أعدها العسكريون بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري، التي نفذها الضباط والجنود بكل دقة واقتدار، كما أن أمرًا آخر شديد الأهمية، وهو قدرة الرئيس السادات وكل معاونيه على التكتم على مفاجأة العبور، رغم أن إسرائيل كانت تسجل لحظة بلحظة كل ما كان يحدث على الجبهة المصرية، من خلال أجهزة تنصت عالية الدقة وضعتها في سيناء.

يبقى المقاتل المصري من أبناء الشعب هو البطل الحقيقي لهذه الحرب، التي خاض فيها الجنود والضباط حربا ضارية كانت محفوفة بالمخاطر، وخصوصًا أن نكسة ١٩٦٧، كانت ماثلة أمام أعينهم، كما كانوا على بينة من التباين الواضح ما بين المعدات العسكرية الإسرائيلية مقارنة بالمعدات العسكرية المصرية، وكان مفتاح الحرب من خلال وسيلة غير تقليدية لاختراق خط بارليف، الذي أجمع العسكريون على استحالة اقتحامه، حتى باستخدام القنبلة الذرية، إلا أن فكرة الضابط الشاب المهندس «باقي زكي يوسف»، كانت عبقرية لدرجة أنها أبهرت العالم.

ستبقى حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، بمثابة درس ملهم وعظيم، يمكن استعادته لكي تتجاوز الشعوب هزائمها، ويبقى البطل الحقيقي هو الإنسان القادر على صنع المستحيل.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجبهة المصریة الرئیس السادات الجیش المصری على الجبهة من خلال ما کان إلا أن

إقرأ أيضاً:

الجيش يقاتل باستراتيجية كسب الحرب ككل ولا يقاتل كالميليشيا

في أخوين فاضلين أثناء الحرب دي كتبوا منشورين لحدي حسي ما قادر أبلعهم حسي داير أرد على واحد منهم
لما التحم جيش كرري بجيش المهندسين كتب أحد الفضلاء انو القيادة باعت ولاية كاملة “الجزيرة” بشارع في أمدرمان صراحة زعلت زعل شديد وغضبت لكن كتمتها في نفسي وقلت زلة والزول يتغاضى عنها
وما دام بفضل الله عزوجل الجزيرة تحرر غالبها وصارت في حكم المحررة آن لي أن أقول ما في نفسي
أنا بالنسبة لي كل الانتصارات الحالية دي بعد فضل الله عزوجل يرجع السبب فيها لهذا الالتحام الذي حصل في السنة الماضية
أقوليك كيف ؟
خطة العدو كانت واضحة انو داير يفصل كل معسكر للجيش عن الآخر ثم يقطع الإمداد عنها ليكون لقمة سائغة له
فصلوا القيادة العامة وسلاح الإشارة سويا عن كل مدد ومعسكر وكذلك فصلوا المدرعات عن كل مدد ومعسكر وذلك باحتلالهم للدفاع الجوي بالعمارات و الدفاع الشعبي بالمغتربين و اليرموك و الاحتياطي المركزي دي كلها معسكرات فرعية باعتبارها و ليست ذات أهمية كالمدرعات و القيادة و المهندسين والإشارة لكن كانت تشكل مددا وعونا لهذه المعسكرات الكبيرة
و لولا لطف المولى عزوجل لسقطت المدرعات و سقطت المهندسين ثم لحقت بهم الإشارة و القيادة و لكن لطف الله عزوجل ثم إصرار جيش كرري و المهندسين على هذا الالتحام
خاض جيش كرري معارك ضارية و تكاد تكون هي أشد معارك دارت في هذه الحرب
و كانت فيها صفوة الميليشيا من جنود مهرة و مدربين تدريب عالي جدا مع الأسلحة المتطورة التي كانوا يملكونها حينها حتى حدثني أحد الفضلاء ممن شارك في معارك عديدة أن الذين كانوا يقاتلونهم في أزقة أمدرمان لم ير مثلهم إلى الآن في شدتهم وبأسهم واحترافيتهم ،معارك تشهد لها أزقة سوق أمدرمان و الشهدا وود نوباي و محلية أمدرمان وأمدرمان القديمة عموما،معارك قدم فيها الجيش خيرة أبنائه واستبسلوا فيها استبسالا عظيما معركة يوم ١٦ نوفمبر ٢٠٢٣م و ما أدراك ما هذه المعركة،و لا يفوتني أن أذكر الشه…يد لقمان و الشهي..د محمد الضو ومعهم أخونا إسماعيل حفظه الله ؛الذين بفدائية عالية استطاعوا أن يدخلوا بعض المؤون و التشوين لسلاح المهندسين والذي كان له فضل كذلك في الالتحام فيما بعد وثبات سلاح المهندسين
كذلك أبناء سلاح المهندسين قدموا تضحيات جسيمة رغم أنهم جاعوا و بلغ بهم الجوع مبلغه وكانوا لا يجدون خبزة تسد رمقهم أي والله لمدة أربعة أشهر كاملة؛ إن وجدوا دقيقا خلطوه بالماء و شربوه هذا كان غذاؤهم أو ذلك العدس الذي ليس فيه بصل و لا صلصلة و لا شيء من المنكهات وضعوه في النار مع ماء ثم أكلوه.
صبروا وصابروا ورابطوا وقاتلوا قتالا شديدا حتى جاءت لحظة الالتحام و إلتقاء الجيشين ووالله لهذا أكبر انتصار للجيش في هذه الحرب كلها
وتبقى مباني أمدرمان القديمة شاهدة على كمية التضحيات التي قدمها هؤلاء الأبطال
بعدها استطاع جيش كرري أن يتنفس الصعداء نوعا ما و فتح طريق الإمداد لجيش المهندسين والسلاح الطبي وحتى المدرعات تنفست شيئا ما و تحسن حالها بعد هذا الانفتاح
بعدها صار المدد مفتوحا و الطرق مفتحة لهذين الجيشين و إضافة لهما جيش المدرعات
بعد ذلك جاءت تحركات جيش كرري بكبري الحلفايا والتي خففت كثيرا على إخواننا في الكدرو و الإشارة والقيادة وكان هذا سببا في انفتاح جيش الكدرو فيما بعد، وتحرير الكدرو الحلفايا و السامراب و الدروشاب و الآن سائر بحري بفضل الله
وكذلك جيش المهندسين الذي انفتح وحرر الإذاعة و حرر أجزاء كبيرة من جنوب أمدرمان و ظهر محور أمبدة وغرب الحارات
هذه التحركات أضعفت أقوى أسلحة الميليشيا وهي الفزع مما سمح لبقية الجيوش في كل المحاور أن تتحرك وتهجم على الميليشيا من غير فزع يأتيها
ده شيء يسير من حقائق عظيمة قدمها جنودنا الأبطال الأشاوس جزاهم الله عنا خيرا
وده بيأكد ما قيل
أن الجيش يقاتل باستراتيجية كسب الحرب ككل و لا يقاتل كالميليشيا التي تقاتل لأجل كسب المعركة فقط
جيش واحد شعب واحد
نصر من الله وفتح قريب

مصطفى ميرغني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • لبنان ينتظر اتصالات دولية للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي دخلها 
  • استطلاع: غالبية الجمهور في إسرائيل لا تثق بتحقيقات الجيش
  • إعلام عبري: حالة انتظار عصيبة في إسرائيل لقوائم الأسرى التي ستعلنها “حماس”
  • الجيش يقاتل باستراتيجية كسب الحرب ككل ولا يقاتل كالميليشيا
  • السيسي: تواجد الجيش المصري في الصومال ليس موجها ضد أي دولة
  • أكبر إخفاق في تاريخ إسرائيل.. نتنياهو يواجه مصير جولدا مائير بعد حرب أكتوبر.. عاجل
  • إسرائيل: الجيش يعترف بخطأ في بيان مقتـ.ـل قائد كتيبة بيت حانون
  • الآلية الوطنية لحماية المدنيين تناقش إعادة تشكيل الآلية بما يواكب المستجدات التي فرضتها الحرب
  • البريد المصري "يحذر" من الرسائل النصية والروابط غير معلومة المصدر.. التي تستهدف اختراق حسابات المواطنين
  • ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرا من الحرب؟