لجريدة عمان:
2024-11-18@13:28:36 GMT

جولدا

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

خمسون عامًا مرت على حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، نصف قرن هي فترة مناسبة لدراسة التجربة من كل جوانبها، رغم ما كتب عنها من كتابات، تناولها المؤرخون والعسكريون والساسة، إلا أن الكثير عن هذه الحرب لم يُكتب بعد، فعلى الرغم من الاستعدادات التي أعدها المصريون قبيل الحرب وإعادة تسليح الجيش المصري الذي تعرض لضربة قاضية في حرب ٥ يونيو ١٩٦٧، لكن إسرائيل كانت تملك من العداد العسكري ومن بينها الطائرات والصواريخ ما يفوق إمكانات الجيش المصري بنسبة ٤ إلى ٩، على حد تقدير معظم الخبراء العسكريين، إلا أن الطاقة الهائلة للمقاتل المصري، وإعادة تدريبه وتأهيله ودقة الخطة العسكرية، التي كان يعرف فيها كل جندي مصري موقعه ودوره، وخصوصًا بعد إن التحق بالجيش جميع خريجي الجامعات، وجميعهم كانوا يرغبون في الثأر من الهزيمة التي لحقت بجيشهم في حرب ١٩٦٧، لذا كان المقاتل المصري بطل هذه الحرب بكل اقتدار.

شاهدت منذ عدة أيام فيلما روائيًا عن رئيسة وزراء إسرائيل خلال فترة الحرب «جولدا مائير» من إنتاج فبراير ٢٠٢٣، للمخرج الإسرائيلي «جاي ناتيف»، والمؤلف البريطاني نيكولاس مارتن، من إنتاج إحدى الشركات الإنجليزية، وقد قامت بدور جولدا مائير الممثلة البريطانية هيلين ميرين التي سبق لها الحصول على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم الملكة The Queen، وقد أدت هيلين الدور الذي تقمصت فيه شخصية جولدا باقتدار فائق.

يبدأ الفيلم بمثولها أمام لجنة أجرانات وهو رئيس القضاة الإسرائيلي، وهي اللجنة التي شكّلتها إسرائيل عقب الحرب لمعرفة ماذا حدث؟ ثم تدور أحداث الفيلم من خلال الفلاش باك والعودة إلى اليوم السابق لحرب أكتوبر، عندما استقبلت جولدا موشي ديان وزير الدفاع برفقة بعض قادته، وعندما سألتهم عن المعلومات التي وصلتها بتحرك مصري سوري على الجبهتين مع غروب يوم السادس من أكتوبر، وقد أجابوا جميعا بأن معلوماتهم تقول بأن المصريين رغم الحشود على الجبهة المصرية إلا أنهم ليسوا على استعداد لخوض هذه المغامرة التي قد تبيد جيشهم! ثم تتوالى أحداث الفيلم حينما عبر الجيش المصري بوسائل عبقرية لم ينتبه إليها الإسرائيليون، وخصوصًا لحظة اقتحامهم خط بارليف، الذي كان بمثابة جدار ركامي حصين بطول قناة السويس.

تترنح العجوز جولدا وهي تتلقى خبر الحرب وعدد القتلى وتدمير أكثر من ٤٠٠ دبابة في اليوم الأول و٣٠٠ طائرة، وانهيار الجيش الإسرائيلي على كل مواقعه في الجبهة المصرية، بينما الجيش السوري يتقدم على الجبهة الشمالية وأصبح قريبًا من تل أبيب. تجلس العجوز في غرفتها عقب يوم دامٍ وهي تشعل سيجارتها وأمامها كومة كبيرة من أعقاب السجائر، وفي مشهد حزين تسأل مرافقتها: ماذا لو دخلوا علينا في بيوتنا، ثم تواصل حديثها: لا أريد أن أكون على قيد الحياة في هذا اليوم، وأنت المسؤولة عن هذه المهمة!

تتوالى أحداث الفيلم وكأننا أمام عمل توثيقي لأحداث الحرب، وخلال أسبوع كامل عاشت فيه إسرائيل حالة من الرعب، إلا أن شيئا جديدًا قد حدث على الجبهة المصرية، حينما قاد شارون عملية عسكرية مباغتة أقرب إلى العمل الانتحاري، بعد أن التف خلف الجيش الثالث المصري، واستطاع أن يضرب عليه حصارًا صارمًا، بينما كان ذلك يحدث على جبهة الحرب، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقيم جسرًا جويًا لنقل الأسلحة والذخائر والطائرات التي ملأت سماء إسرائيل، وبقيادة طيارين أمريكيين، لذا قبل الرئيس أنور السادات بمبادرة وزير الخارجية الأمريكي كيسنجر بوقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات فض الاشتباك بين الجيشين، وقد اضطر الرئيس السادات لقبول هذه المبادرة، قائلا إنه لا يستطيع محاربة أمريكا. وأيا ما كان الحكم على هذه المبادرة، وما أحدثته من تباين في رأي المحللين السياسيين والعسكريين، إلا أن مصر لم تكن تملك أكثر من هذا، وخصوصًا أن الرئيس السادات كان عازمًا على حل القضية سياسيًا.

الفيلم «جولدا» يُسجل قدرة هذه العجوز -كما كان يسميها الرئيس السادات- على إدارة هذه الأزمة رغم أنها لم تكن تملك من الوقت إلا القدر الذي تتلقى فيه علاجها الإشعاعي، وهي تقاوم مرض السرطان، بينما تقود أكبر أزمة في تاريخ إسرائيل.

على الرغم مما جاء في الفيلم من مغالطات وخيالات في محاولة لتقديم صورة إسرائيل القوية، إلا أن الكثير منها يتهاوى أمام الحقائق التي وردت في الوثائق الإسرائيلية التي استطاع فريق من أساتذة اللغة العبرية بجامعة عين شمس اختراق الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وحصلوا على كمٍ كبير من الوثائق وقد ترجموها إلى العربية، وأشرف عليها المرحوم الدكتور إبراهيم البحراوي، وقد نشرت في أربعة مجلدات بدعم من المركز القومي للترجمة، والكثير منها جاء في ترجمات دقيقة لتحقيقات لجنة «أجرانات»، وهي تسجل أحداث الحرب بكل تفاصيلها، والواقع العسكري والاجتماعي الذي واجهته إسرائيل من خلال شهادات القادة العسكريين. وأعتقد أن هذه الوثائق في حاجة إلى الدراسة والتحقيق لنعرف ماذا حدث وكيف حدث؟

المشهد الذي يستحق التسجيل، تلك الخطة الدقيقة التي أعدها العسكريون بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري، التي نفذها الضباط والجنود بكل دقة واقتدار، كما أن أمرًا آخر شديد الأهمية، وهو قدرة الرئيس السادات وكل معاونيه على التكتم على مفاجأة العبور، رغم أن إسرائيل كانت تسجل لحظة بلحظة كل ما كان يحدث على الجبهة المصرية، من خلال أجهزة تنصت عالية الدقة وضعتها في سيناء.

يبقى المقاتل المصري من أبناء الشعب هو البطل الحقيقي لهذه الحرب، التي خاض فيها الجنود والضباط حربا ضارية كانت محفوفة بالمخاطر، وخصوصًا أن نكسة ١٩٦٧، كانت ماثلة أمام أعينهم، كما كانوا على بينة من التباين الواضح ما بين المعدات العسكرية الإسرائيلية مقارنة بالمعدات العسكرية المصرية، وكان مفتاح الحرب من خلال وسيلة غير تقليدية لاختراق خط بارليف، الذي أجمع العسكريون على استحالة اقتحامه، حتى باستخدام القنبلة الذرية، إلا أن فكرة الضابط الشاب المهندس «باقي زكي يوسف»، كانت عبقرية لدرجة أنها أبهرت العالم.

ستبقى حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، بمثابة درس ملهم وعظيم، يمكن استعادته لكي تتجاوز الشعوب هزائمها، ويبقى البطل الحقيقي هو الإنسان القادر على صنع المستحيل.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجبهة المصریة الرئیس السادات الجیش المصری على الجبهة من خلال ما کان إلا أن

إقرأ أيضاً:

قرار يفجّر أزمة بين الجيش الإسرائيلي وآلاف المتدينيين

في أعقاب طلب الجيش الإسرائيلي زيادة 12 ألف جندي أو وقف الحرب، أعلن وزير الدفاع الجديد، يسرائيل كاتس، الجمعة، مصادقته على إرسال 7 آلاف أمر تجنيد للخدمة العسكرية إلى الشبان المتدينين (الحريديين)، وفجّر بذلك أزمة ائتلافية لحكومة بنيامين نتنياهو. وقالت مصادر في كتلة «يهدوت هتوراة» للمتدينين الأشكناز إن «حزب الليكود قرر إعلان الحرب على الحريديين» الذين يرفضون التجنيد.

اقرأ ايضاًأول اتصال هاتفي منذ سنتين بين شولتس وبوتين.. على ماذا اتفقا؟

وأكدت قيادة الحريديين أنها ترفض بشكل قاطع خدمة شبانها في الجيش، وقالت إن هؤلاء الشبان متفرغون للدراسة في معاهد تدريس التوراة، وهو ما يُعد موازياً للخدمة العسكرية. كما أعلن القادة الدينيون للحريديين رفض التجنيد، مشيرين إلى أنهم سيفضّلون الخروج من إسرائيل على الخدمة العسكرية. وهددوا بتفكيك الائتلاف الحكومي إذا أصر كاتس على قراره. وعدّوا تصرفه استفزازاً لهم. وقالوا: «كانوا يدعون أن المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، ووزير الدفاع المقال، يوآف غالانت، هما المسؤولان عن تجنيد الشبان المتدينين، لكن ما يتضح الآن هو أن حزب الليكود هو المسؤول، وهو بذلك يعلن الحرب على الحريديين».

يُشار إلى أن قرار كاتس بتجنيد الحريديين يأتي في وقت أبلغت فيه قيادة الجيش رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عن أزمة نقص شديد في عدد الجنود بشكل بات يؤثر في قراراته الحربية. ووضع الجيش بذلك نتنياهو أمام أحد خيارين؛ فإما أن يوقف الحرب، وإما أن يغيّر سياسة التجنيد.

ونشر الجيش معطيات أفاد فيها بأن عدد الجنود في منظومته القتالية، حالياً، يشكّل 83 في المائة من حجم القوات التي يحتاج إليها، وقال إن النقص في القوى البشرية نابع من «عدد القتلى والمصابين الكبير» في صفوفه منذ بداية الحرب على غزة واتساعها إلى لبنان. وتوقع الجيش أن تهبط نسبة المجندين إلى 81 في المائة في العام المقبل، وفي حال تمديد مدة الخدمة الإلزامية إلى ثلاث سنوات، فإن هذه النسبة سترتفع إلى 96 في المائة.

وحسب معطيات الجيش، فإن نقصاً حاصلاً في المنظومة التقنية؛ حيث نسبة المجندين فيها 74 في المائة من المطلوب، و66 في المائة في منظومة السائقين، ويتوقع أن تتراجع هذه النسب أكثر في العام المقبل. وأفادت معطيات الجيش الإسرائيلي بأن 793 جندياً قُتلوا منذ بداية الحرب، بينهم 370 جندياً قُتلوا منذ بدء المناورة البرية في قطاع غزة، و41 جندياً قُتلوا منذ بدء المناورة البرية في جنوب لبنان. وقُتل خلال الحرب 192 ضابطاً، أي ربع العسكريين القتلى، وبينهم 4 ضباط قادة لواء، و5 ضباط قادة كتيبة، و63 قائد سرية، و20 نائب قائد سرية، و67 قائد وحدة عسكرية صغيرة.

وأضافت المعطيات أن 48 في المائة من الجنود القتلى نظاميون، و18 في المائة في الخدمة الدائمة، و34 في المائة جنود في قوات الاحتياط.

اقرأ ايضاًقتلى وجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي بصواريخ "حزب الله"

وطلب الجيش إضافة 12 ألف جندي جديد للخدمة، بينهم 8 آلاف مقاتل، والبقية في الشؤون الإدارية واللوجيستية. لكنه قال في رسالة إلى المستشارة القضائية للحكومة، بهاراف ميارا، قبل أيام، إن الجيش بحاجة إلى زيادة عدد الجنود بـ10 آلاف على الأقل، بينهم 7500 جندي في وحدات قتالية.

وجاء في بيان لوزارة الأمن، الجمعة، أن إرسال أوامر تجنيد الحريديين سيبدأ يوم الأحد بشكل تدريجي «بموجب اعتبارات الجيش الإسرائيلي». وذكرت «إذاعة الجيش الإسرائيلي» أنه سيجري إرسال ألف أمر تجنيد إلى حريديين، الأحد، وأن إرسال 6000 أمر تجنيد سيمتد لفترة شهر ونصف الشهر، أي حتى نهاية العام الحالي.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، أنه يتوقع استدعاء جنود الاحتياط في بداية العام المقبل للخدمة العسكرية لمدة 42 يوماً على الأقل، وأن مدة خدمتهم العسكرية لن تكون محدودة، وقد تمتد بسبب الحرب إلى 70 يوماً. وأشار إلى أن نسبة الحريديين الذين التحقوا بالخدمة العسكرية لا تزال ضئيلة، بعد إرسال أكثر من 3000 أمر تجنيد للحريديين منذ بداية الحرب، وأنه صدر 930 أمر اعتقال ضد حريديين بسبب عدم امتثالهم للخدمة العسكرية.
 

Via SyndiGate.info


Copyright � Saudi Research and Publishing Co. All rights reserved.

محرر البوابة

يتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة

الأحدثترند قرار يفجّر أزمة بين الجيش الإسرائيلي وآلاف "المتدينيين" الكشف عن تفاصيل مشروع الاتفاق بين إسرائيل ولبنان أول اتصال هاتفي منذ سنتين بين شولتس وبوتين.. على ماذا اتفقا؟ مقترح أوروبي بتعليق الحوار السياسي مع "إسرائيل" وفرض حظر الاستيراد أسامة مروة يعلن خطوبته من شيرين بيوتي بفيديو مؤثر Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • شبان سودانيون: نقاتل إلى جانب الجيش الذي عارضناه بالأمس
  • ما الذي يفكر فيه سفير واشنطن الجديد في إسرائيل؟.. هذه أهم مواقفه السابقة
  • قوات الاحتياط.. جدار الأمن الإسرائيلي الذي يريد أن ينقض
  • تعرف على محمد عفيف المسؤول الإعلامي في حزب الله الذي اغتالته إسرائيل
  • شبان سودانيون: نقاتل إلى جانب جيش البلاد الذي عارضناه بالأمس
  • بعد 14 شهر حرب.. تخبط داخل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين
  • الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان
  • ما الدور الذي يمكن أن يلعبه ترامب في حرب روسيا بأوكرانيا؟ زيلينسكي يعلق
  • إسرائيل نشرت فيديو للغارات على الضاحية الجنوبية.. ما الذي زعمت أنّها استهدفته؟
  • قرار يفجّر أزمة بين الجيش الإسرائيلي وآلاف المتدينيين