لماذا تحولت بولندا من حليفة أوكرانيا الصلبة إلى منافستها الشرسة؟
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
ترجمة - أحمد شافعي -
اجتذبت مسيرة استثنائية في وارسو يوم الأحد الماضي حشودًا وصلت إلى ثمانمائة ألف من أنصار المعارضة لوَّح كثير منهم بعلمي بولندا والاتحاد الأوروبي في شوارع العاصمة البولندية. كان الجو السائد هو القلق السلمي على مصير البلد. ولمَّا كانت تلك من أضخم المظاهرات في تاريخ بولندا الحديث فقد كانت استعراضًا مذهلًا لدعم معارضة الائتلاف المدني وزعيمه رئيس الوزراء السابق دونالد تاسك الذي يتهيأ لتحدي حزب القانون والعدالة الحاكم اليميني الشعبوي في انتخابات الخامس عشر من أكتوبر.
وبدلا من أن تكون هذه الحملة الانتخابية تنافسا ديمقراطيا -أي لحظة في دورة مطالبة الشعب بالمحاسبة- فإنها لا تعدو تعبيرًا آخر عن مناهضة الليبرالية. إذ قوبلت تحذيرات المعارضة من التهديدات التي تتعرض لها الديمقراطية بالسخرية أو الرفض. وأصبح تحييد الفضائح السياسية قالبا فنيا راسخا. واستُعمل جهاز الدولة بأكمله، وقد سيطر عليه حزب القانون والعدالة، لترجيح الكفة لصالح الحزب. وقطعنا شوطا طويلا على طريق استبدادية التكنولوجيا الفائقة، إذ تتدفق الدعاية الموالية للحكومة عبر كل منصات التواصل الاجتماعي.
وطغا العنف على الحملة. فلم تشهد بولندا منذ عام 1989 فترة حملة انتخابية أكثر وحشية. إذ أن أكثر من 64% ممن شملهم استطلاع للرأي يصفون هذه الحملة بأنها أعنف من سابقاتها، ويعتقد 58% أن الحزب الحاكم هو المسؤول عن هذا التدهور. وقد تعرّض نواب البرلمان المعارضون للاعتقال وللاعتداء الجسدي أو اللفظي علنا. وتعرّض مواطنون عاديون للضرب في الشوارع لارتدائهم رموز المعارضة. وشهدت الإنترنت حملات تصييد وحشية، وغالبا ما شارك فيها سياسيون، ومنهم وزراء.
من الواضح أن المواجهة والإدانة تشكلان جزءًا من التقلب السياسي في بلاد أوروبية أخرى. ولكن الفرق هنا هو أن الخطوط الحمراء يجري تجاوزها واحدا تلو الآخر في هذه الحملة، وتجريد الطرف المعارض من إنسانيته يعد من قبيل المسلَّمات. والأمر الفاصل هو أن الشعبويين ما عادوا يدينون العنف الذي يقع على خصومهم السياسيين. ولذلك كانت مسيرة وسط وارسو السلمية استثناء لهذا «الوضع الطبيعي الجديد».
وثمة بعد إضافي يأتي من الحرب في أوكرانيا. فلقد تأثرت البلاد المجاورة بالحرب تأثرا شديدا، وأصبحت الحرب، بشكل مباشر وغير مباشر، جزءًا من تجربة الحياة اليومية. وكان الخوف من انتشار الصراع عبر الحدود سببا في ظهور موجة أولية من التضامن البولندي مع اللاجئين الأوكرانيين. فقد سبق أن أزيلت بلاد في المنطقة عن الخريطة في مناسبات عديدة، ولذلك فإن موقفها من السيادة ناجم عن تجربة مع صدمات.
لهذا السبب، حرص البولنديون على الترحيب باللاجئين الأوكرانيين وفتح بيوتهم لهم، مدركين أنهم أنفسهم ضحايا محتملون لروسيا في المستقبل. أصبحت عبارة «سنكون نحون التالين» هو العبارة الرائجة في الرد على الغزو والدعوة للتضامن مع أوكرانيا.
لطالما قسم التاريخ بولندا وأوكرانيا، ولكن في الفترة ما بعد السوفييتية سادت المصالحة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الخوف المشترك من روسيا، ولكنه يرجع أيضًا إلى فعاليات من قبيل بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2012، التي اشتركت الدولتان في استضافتها، والدعم البولندي لحركة الميدان الأوروبية (Euromaidan movement ) في العام التالي.
غير أنه بعد مرور ثمانية عشر شهرا على الحرب الروسية-الأوكرانية، باتت الحرب الجارية على الجانب الآخر من الحدود الشرقية لبولندا أمرا طبيعيا. وهذه مفارقة الصمود العسكري الأوكراني الاستثنائي: فقد يكون هجومها المضاد متوقفا في الوقت الراهن ولكن تقدم روسيا توقف على الأقل حاليا. ولكن مع انحسار الخوف من موسكو باعتبارها تهديدًا وشيكًا وانتشار إجهاد الحرب بين الشعب البولندي وكذلك في الدوائر الحكومية، تراجع التضامن أيضا. وعادت شعبوية السلطة إلى مسارها «الطبيعي» الموثوق به والمتمثل في المركزية البولندية الخالصة. هذا هو السياق الجيوسياسي الجديد الذي كان من الممكن أن يصل فيه حزب القانون والعدالة -وهو من أكبر المدافعين عن المساعدات العسكرية الغربية لكييف في المرحلة الأولى من الحرب- إلى حد القول بأنه سيوقف دعم الأسلحة البولندية لأوكرانيا كجزء من النزاع حول واردات الحبوب الأوكرانية وخفضها الأسعار بالنسبة للمزارعين البولنديين. وفي انتخابات متقاربة، يسعى الحزب الحاكم بشدة إلى مطاردة كل أصوات القوميين. لقد كانت الحبوب الأوكرانية منخفضة السعر مثيرة للجدل بين المزارعين في كل مكان في المنطقة. ومع ذلك، لم يكن من الممكن تصور نبرة هذا النزاع بين وارسو وكييف قبل أشهر قليلة لا أكثر. وفي خريف عام 2023، يبدو أن الخوف من فقدان السلطة أقوى بالنسبة للحزب الحاكم في بولندا من الخوف من روسيا.
ومع وجود قلب الدبلوماسية العالمية الآن في كييف ونشوء تحالف عبر أطلسي حولها، فإن الحكومة القومية في وارسو تجد صعوبة بالغة في البقاء حليفا بلا قيد أو شرط. إذ يبدو البلدان متنافسين على الزعامة الإقليمية أكثر من كونهما حليفين مقربين. وباعتبارها واحدة من أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعضوا في حلف شمال الأطلسي، فإن أهمية بولندا واضحة، ولكن ميزان القوى سوف يتغير على الفور إذا تم قبول أوكرانيا في أي من المنظمتين.
وإذا ما عادت الشعبوية البولندية الآن إلى أساليبها القديمة، فما الذي يهدد أوروبا في هذه الانتخابات؟ بداية، من شأن فوز حزب القانون والعدالة أن يعني أن الدعم لتوسيع الاتحاد الأوروبي بحيث يشمل أوكرانيا سوف يتراجع بكل تأكيد. ولنا أيضًا أن نتوقع موجة جديدة من الحمائية والسيادية والنهج المتصلب تجاه البلاد المجاورة. لقد أصبحت المشاكل الداخلية التي تعاني منها بولندا الآن أوروبية، إن لم تكن عالمية. وإلى جانب ضعف التضامن الدولي، فإن صندوق العقارب غير الليبرالي يحتوي على العديد من المفاجآت السيئة الأخرى. وفي إهانة للاتحاد الأوروبي، كانت بروكسل أو ألمانيا حاضرة في هذه الحملة الانتخابية، وسوف تصبح وارسو شريكا ضاريا داخل الاتحاد الأوروبي بعد فوزها في الانتخابات. ففي ظل الحكم الشعبوي لن تعمل بولندا من أجل أجندة أوروبية جماعية، بل ستعمل -جنبًا إلى جنب مع المجر في ظل حكم فيكتور أوربان، وسلوفاكيا في ظل حكم روبرت فيكو ودول أخرى- من أجل أولوية الدولة القومية. فالمسار غير الليبرالي يؤدي بصورة شبه دائمة إلى الأنانية الوطنية والمواجهة الدولية.إن مسيرة المعارضة الضخمة التي أقيمت يوم الأحد الماضي تعطينا على الأقل أملًا أخيرًا عندما تغادر المخلوقات الوحشية الأخرى صندوق العقارب. والائتلاف المدني بقيادة دونالد تاسك ليست لديه سوى فرصة ضئيلة للفوز. ولكن المسيرة أظهرت حاجة قوية لأن يتجمع معارضو هذه الحكومة الشعبوية وتقاسم أجواء خالية من الأحقاد والانقسام والعدوان. وسوف نعرف في الأسابيع المقبلة إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الأمل في السنوات المقبلة.
كارولينا فيجورا مؤرخة، وعضوة مجلس إدارة صحيفة كولتورا ليبرالانا في وارسو
ياروسلاف كويش محلل سياسي ورئيس تحرير مجلة كولتورا ليبرالنا البولندية الأسبوعية.
عن صحيفة الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حزب القانون والعدالة الاتحاد الأوروبی هذه الحملة بولندا من الخوف من
إقرأ أيضاً:
رئيس مدينة سمالوط يتابع أعمال رفع تراكمات القمامة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد سعيد محمد احمد رئيس مركز ومدينة سمالوط على استمرار أعمال الحملة المكبرة للنظافة ورفع القمامة والمخلفات الصلبة ومخلفات تطهير الترع والمصارف بنطاق الوحدات المحلية القروية على مستوى المركز.
هذا وقد تابع أعمال رفع نواتج التطهير ورفع تراكمات القمامة والمخلفات الصلبة الموجودة بنطاق أحياء مدينة سمالوط.
وقد أكد رئيس المركز علي المتابعة المستمرة لرفع الأتربة والقمامة والتراكمات من الطرق والشوارع الرئيسية وتطهير أماكن تجميع الأتربة والقمامة بعد رفعها أولا بأول.