حرب غزة : نتانياهو يدفع ثمن الغطرسة الذي دفعته جولدا مائير قبل ٥٠ عاما
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
الهجوم الفلسطيني الناجح عسكريا على المستوطنات الإسرائيلية فيما يعرف بغلاف قطاع غزة أمس السبت كان مفاجأة تكتيكية وعملياتية ولكنه لم يكن أبدا مفاجأة استراتيجية.. ولكنها الغطرسة المتكررة لدولة الاحتلال العنصري. فلم يكف محللون من العسكريين والسياسيين المخضرمين الإسرائيليين خلال الأسبوع الماضي عن التحذير من تصعيد متوقع ستقوم به حركة حماس ومعها حركة الجهاد وظهرت عناوين صحفية متعددة من نوعية «حماس لماذا تستيقظون من النوم الآن؟.
وقد كتبت قبل أسبوع كامل مقالا في إحدى المواقع العربية بالذكرى الخمسين لحرب أكتوبر تنبأت فيه أن غطرسة الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل لا تقل عن غطرسة فريق جولدا مائير الحاكم في ١٩٧٣، وأن هذه الغطرسة الحالية قد تقود إلى سوء تقدير مماثل لما حدث في 1973. وتنبأت في هذا المقال أن ليس هناك ما يمنع من أن تتعرض إسرائيل إلى مفاجأة وصدمة كبرى كصدمة عبور الجيش المصري للضفة الشرقية للقناة ولكنها ستكون أسوأ هذه المرة بسبب التطور التكنولوجي وظهور مفهوم وحدة الساحات على الجانب الفلسطيني والعربي المقاوم والذي قد لا يحتاج إلا إلى ثوان وضغطة زر تطلق إما هجوما صاروخيا أو تطلق هجوما سيبرانيا قد يعطل القيادة الإسرائيلية ويشل تفكيرها. وبعبارة أوضح أنه رغم كل التنازلات التي قدمها قادة عرب في اتفاقيات سلام وتطبيع، فإن ما حققته حرب أكتوبر من كسر لنظرية الأمن الإسرائيلي مازال قائما وأن التفوق النوعي ونقل المعارك لأرض الغير كسلوك استراتيجي للدولة العبرية لن يحولا دون تعرض إسرائيل لزلزال وجودي آخر.
وهذا ما حدث فعلا (فالمفاجأة التكتيكية والعملياتية وليست الاستراتيجية) التي حققها الفلسطينيون في الهجوم لعب فيه الرشق الصاروخي الدور الأكبر، كما تحدث محللون فلسطينيون السبت عن احتمالات تلاعب «سيبراني» سمح بإرباك وتشويش وسائل الإنذار العسكري الإسرائيلي وسمح لعملية «طوفان الأقصى» وفي اليوم التالي «ليوم كيبور» أيضا وهو أكبر الأعياد الإسرائيلية في تكرار مذهل للنجاح العربي في مفاجأة إسرائيل بالضبط كما حدث في ١٩٧٣. ولم تكن المباغتة التكتيكية الكاملة في انهيار الدفاعات العسكرية عن المستوطنات كما انهارت دفاعات خط بارليف قبل 50 عاما على جبهة قناة السويس لنقص في المعلومات والتحذيرات من وجود دوافع ملحة إلى التحرك الفلسطيني لعمل عسكري كبير ولكن بسبب الغطرسة الإسرائيلية التي استهانت بكل هذه المعلومات كما استكبر في 1973 الثلاثي دايان واليعازر وإيلي زاعيرا.
امتلكت حماس كل الدوافع الموضوعية والذاتية لشن الهجوم الذي وقع فيه أكبر عدد من القتلى والمصابين الإسرائيليين ربما منذ حرب سبتمبر ٢٠٠٦ مع حزب الله في جنوب لبنان.. ولم تكن هناك مفاجأة استراتيجية من أي نوع:
تراجعت الموارد المالية لحكومة حماس التي تدير القطاع تراجعا كبيرا بسبب تناقص التدفقات المالية من قطر والتي كانت تمثل أحد عناصر الهدوء النسبي في غزة بين ٢٠٢١ و٢٠٢٣ من قبل حماس كما زادت عمليات التضييق المستفزة من قبل حكومة نتانياهو وبن غفير وسمو تيرش على دخول العمال الفلسطينيين من قطاع غزة للعمل في إسرائيل وهو مصدر دخل آخر بالغ الأهمية لأسر القطاع المحاصر وكان لحكومة حماس المسؤولة عن شعب القطاع التحرك لإجبار الجميع على أن القطاع يموت اقتصاديا وتنهار بنيته التحتية في الصحة والكهرباء والطاقة..إلخ. ورغم سوء الأوضاع في القطاع فإن حكومة نتانياهو التي يشل قراراتها وزراء متطرفون مثل بن غفير تباطأت أسابيع وأشهرا في الاستجابة والموافقة على توصيات من المؤسسة العسكرية والأمنية لتخفيف معاناة القطاع وبالتالي منع اشتعال عمل عسكري. وتضمنت التوصيات التي لم تقر السماح بزيادة عدد عمال القطاع للعمل في إسرائيل، وفك الحصار الخانق على دخول البضائع إلى القطاع وتوسيط طرف ثالث مع قطر لإعادة ضخ مساعداتها المالية التي تنقذ القطاع.
ردت حماس بهذه الضربة المذهلة على التدهور الكبير في صورة حماس (النضالية) كحركة مقاومة في السنوات الثلاث الأخيرة. فقد تعرضت حماس لهجوم ضار معنوي وسياسي فلسطيني وعربي بسبب تركها للآلة العسكرية الإسرائيلية تستفرد بحركة الجهاد في غزة وفي الضفة الغربية خلال الفترة المذكورة لدرجة أن أحد أكبر دعاة الإخوان المسلمين «وهو الجذر الأيديولوجي لحركة حماس» نشر قبل عدة أسابيع فيديو يتهم حماس بأنها تخلت عن القضية وأصبحت والسلطة الفلسطينية سواء. (تلمح مصادر فلسطينية أن صمت رصاص حماس في السنوات المذكورة كان تكتيكا ذكيا من كتائب القسام لإخفاء استعداداتها الدقيقة لشن هجوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وتحقيق المفاجأة التكتيكية الكاملة التي صعقت المؤسسة الأمنية).
تمثل عملية طوفان القدس ضربة استراتيجية ستقلب كثيرا من الموازين في المرحلة المقبلة. فهي بامتياز ضربة وقائية موفقة تستهدف إفشال خطة مخيفة لتصفية القضية الفلسطينية التي تعكف عليها إدارة بايدن وحكومة نتانياهو تسعى فيها - دون نجاح كامل حتى الآن - لعملية تطبيع إسرائيلي كامل مع الدول العربية والإسلامية كدول من حجم السعودية واندونيسيا. السلطة الفلسطينية تبدو بكل ظروفها عاجزة عن مقاومة مثل هذه الخطة والنظام الإقليمي العربي أو ما تبقى منه بات أكثر عجزا. ومن شأن دخول المقاومة الفلسطينية لدعم قرار الخط الإقليمي- الدولي الرافض لإعادة المنطقة إلى مرحلة ما قبل اتفاق التطبيع. الإيراني/ السعودي الرافض للهيمنة الأمريكية على المنطقة وخطة بايدن - نتانياهو التطبيعية قبل حل عادل للقضية الفلسطينية من شأنه أن يعرقل هذه الخطة ويخلط كل الأوراق الأمريكية والإسرائيلية لفرض معادلة السلام مقابل السلام وليس السلام مقابل الأرض كما تصر المبادرة العربية وقرارات الأمم المتحدة.
بعد هذه العملية سنكون استراتيجيا أمام شرق أوسط مشتعل بحروب انتقامية إسرائيلية وردود فلسطينية بطولية عليها، شرق أوسط لن يكون ميسورا وسهلا فيه إنجاز صفقات سياسية كبرى كاتفاقيات التطبيع وبناء الممرات اللوجستية التي تضم إسرائيل ودولا عربية.
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
"مزيد من العمليات في الضفة الغربية" عنوان يتصدر الصحف الإسرائيلية (فيديو)
تصدر عنوان "مزيد من العمليات في الضفة الغربية" الصحف الإسرائيلية أمس، بعد موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قانون جديد يتيح قتل الفلسطينيين دون رحمة، وهو ما أكدت عليه الإعلامية هاجر جلال، مقدمة برنامج “منتصف النهار”، المٌذاع عبر شاشة “القاهرة الإخبارية”، اليوم الثلاثاء،
وأوضحت “جلات”، خلال تقديم البرنامج، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تدرك خلو الضفة من وجود عناصر حركة حماس وخضوعها للسلطة الوطنية الفلسطينية، ما يجعلها العقبة الأكبر أمام أحلام بنيامين نتنياهو بضم الأراضي، مشددة على أن تصريحات وزراء الحكومة المتطرفة، مثل إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، تكشف النوايا الإسرائيلية لتحويل الضفة إلى نسخة أخرى من غزة.
وتابعت الإعلامية هاجر جلال، :"وزير المالية المتطرف سموتريتش يدعو إلى تحويل مدن مثل نابلس وجنين إلى "جباليا جديدة"، مع تحريض وزير الأمن القومي على شن حرب شاملة على الضفة"، موضحًا أن مع اقتراب تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب منصبه، تتصاعد المخاوف من استغلال إسرائيل لهذا التوقيت لتنفيذ خططها العدائية.
وتساءلات: "فهل تصبح عملية إطلاق النار شرق قلقيلية ذريعة جديدة لنتنياهو للمضي في مخططاته، أم تتحرك الأطراف الفاعلة لوقف هذه السياسة؟".
باحثة سياسية: الضفة الغربية بالنسبة لإسرائيل أكثر أهمية من غزة
قال الدكتورة تمارا حداد، كاتبة وباحثة سياسية، إن الحكومة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة تفضل الخيار العسكري والحربي في القطاع، مقارنة بالوصول لصفقة أو حالة المفاوضات حتى إخراج الرهائن، إذ أن الاحتلال الإسرائيلي يريد إعادة هيكلية قطاع غزة ديموغرافيا، وجغرافيا، وأمنيا وعسكريا، وبالتالي يحاول قدر الإمكان تقسيم القطاع إلى أكثر من مربع.
وأضافت خلال حوارها عبر فضائية القاهرة الإخبارية، أن الضفة الغربية بالنسبة لإسرائيل أكثر أهمية من قطاع غزة، إذ يعتقدون وجوب ضم الضفة وفقا لعقيدة دينية لديهم، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو يريد تحقيق مشروع التقاطع الأمريكي الإسرائيلي في شمال قطاع غزة.
وأشار إلى أن قطاع غزة له أهمية بالنسبة لإسرائيل من حيث إعادة الحكم والاحتلال العسكري، ولايجرى إعادة ترتيب واقع حركة حماس داخل القطاع، لافتة إلى أن أهداف نتنياهو أصبحت واضحة على أرض القطاع، إذ يرغب في إيجاد إدارة فلسطينية ليس لها علاقة بحماس، ولا تشكل لهم تهديدا مستقبليا يعيد ما حدث في 7 أكتوبر.
جدير بالذكر أن الدكتور أشرف سنجر خبير السياسات الدولية بقطاع أخبار «المتحدة»، قال إنّ القلوب متحجرة في دولة الاحتلال الإسرائيلي وليس هناك أي مشاعر إنسانية، إذ أن القتل لا يزال مستمرا وموت الأطفال بدم بارد سواء بالجوع أو البرد، موضحا أنّ هناك 17 ألف طفل في قطاع غزة يعانون من شبح الموت ويشهدون مجاعة إنسانية.
وأضاف في مداخلة هاتفية ببرنامج «هذا الصباح»، المذاع على ققناة «إكسترا نيوز»، أنّ الشعب الفلسطيني لديه أمل يتزايد في أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في أيامها الأخيرة ستوقف الحرب وتنجح في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكن يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينتظر وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
وتابع: «بالتالي هناك أمل كبير على وجود تأكيد لما قاله ترامب بأنه سيكون رجل سلام ويوقف هذه الحرب»، لافتا إلى أنّ مصر أكدت للإدارة الأمريكية القادمة ضرورة أن يكون هناك وقف لإطلاق النار وإنهاء الحرب العبثية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
جدير بالذكر أنه في ضوء الجرائم والاعتداءات التي ينتهكها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، فقد اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الإثنين، مخيم الفارعة للاجئين ومحيطه جنوب طوباس، وفقًا لما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية"وفا".
وأفادت مصادر محلية، بأن مروحية للاحتلال أنزلت قوة من جنود المشاة على أطراف المخيم، قبل أن يقتحموا المخيم من جهته الشمالية. كما دفعت قوات الاحتلال بعدة آليات وجرافة عسكرية من جهة حاجز الحمرا العسكري باتجاه المخيم، وسط تحليق مكثف وعلى ارتفاع منخفض لطائرات الاستطلاع المسيرة في سماء المنطقة، بالإضافة إلى تحليق الطائرات المروحية.
وقد هاجم مستعمرون، مساء اليوم الإثنين، مركبات المواطنين قرب بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم.
وأفاد مصدر محلي، بأن مجموعة من المستعمرين تجمعوا قرب دوار تقوع على المدخل الغربي، وهاجموا مركبات المواطنين المارة على الشارع الرئيس ورشقوها بالحجارة، دون أن يبلغ عن إصابات.
واصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة مخلفًا المزيد من الضحايا، جلهم من الأطفال والنساء.
ففي أحدث جرائمه، استهدفت طائراته الحربية الليلة، منزلًا لعائلة عبد الهادي في مخيم البريج وسط القطاع، ما أسفر عن استشهاد 4 مواطنين، بينهم أطفال، وإصابة 13 آخرين بجروح متفاوتة، وفق ما أعلن مستشفى العودة بالنصيرات.
وفي وقت سابق اليوم، استُشهد مواطن برصاص طائرة مسيّرة إسرائيلية "كواد كوبتر" استهدفته في منطقة المقوسي شمال غربي مدينة غزة.
وارتفعت حصيلة الشهداء جراء القصف الإسرائيلي المستمر على مختلف مناطق القطاع على مدار اليوم الاثنين، إلى أكثر من 19 شهيدًا، وفقًا لمصادر طبية.