لجريدة عمان:
2025-01-20@12:54:16 GMT

موسيقى عبر السينما

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

إذا كانت الموسيقى التي تتهادى إلى سمعي الآن غامضة إلى هذا الحد فكيف تحاول الكتابة أن تشرحها؟ كيف للغة أن تُعرِّفها دون أن يكون هذا التعريف أشبه بتشريح الوردة؟ غير أن السؤال الشعري -لا العلمي- عن معنى الموسيقى وهويتها لا يتوقف... ما هي إذن؟ أهي صفة من صفات الشعر؟ شكل من أشكال الكلام ربما؟ أم هي مزيج من الموجات الصوتية المبثوثة في الهواء المُعطَّر؟ وسرعان ما أهرب من محاولات القبض على تعريف وجداني للموسيقى، وتشخيص ماهيتها راضيا بالكتابة عن حبي لها فحسب، مستسلما للكتابة عن المحبة العميقة للموسيقى الخالية من الكلمات، الموسيقى التي تقول كل شيء دون أن تقول شيئا بعينه، تلك التي نفهمها على اختلاف أذواقنا ونؤولها كالرائحة ونتبعها إلى أعماق الآبار الجوفاء، باحثين فيها عن المعنى الغائب، المعنى الهارب من الكلمات، المفزوع من سطوة اللغة وسلطة الخطاب.

دائمًا ما أتذكر الأفلام والمسلسلات، وحتى الرسوم الكرتونية التي شاهدتها في طفولتي، بالعودة إلى الموسيقى، وكثيرًا ما يحدث العكس؛ أي أن تعيدني موسيقى معينة لأجواء فيلم ما كنت قد شاهدته في الماضي دون أن أتذكر اسمه وأحداثه بالضرورة. وربما يكمن سر هذا الارتباط التشعبي، المتأصل في ذاكرتي بين الموسيقى والأفلام، في حقيقة أنني لم أتعرض منذ البداية لموسيقى مستقلة، فلم أعرف الموسيقى في طفولتي (لأسباب تتعلق غالبا بالنشأة المحافظة) كفن خالص، حتى أن مادة الموسيقى التي بقيتُ أتلقاها في المدرسة لمدة عشر سنوات كانت ضعيفة بحيث لم تطبع فيَّ أي أثر معرفي أو فني أكثر من حفظ درجات السلَّم الموسيقي: دو- ري- مي- فا- صول- لا- سي. لذا بقيت الموسيقى فنا يتسرب وينبثق عن فنين آخرين، هما الغناء والسينما. ومنذ عرفت السينما عرفت معها شغفي بتتبع الموسيقى التي تصاحب مشاهدها. وهذا الشغف بملاحقة الموسيقى التصويرية للأفلام شغف خاص، يحتاج لوحده لكتابة أخرى.

أكتشف مثلا أنني أكتب الآن مسترسلا عن الموسيقى على وقع دقات قلب ملحن الأفلام الهوليودية، الأمريكي الشهير إلمر بيرنشتاين، في موسيقاه التصويرية لفيلم «The deep end of the Ocean». وفي الوقت نفسه أستعيد شيئًا قاله بيرنشتاين عن فيلم «The Magnificent Seven»: «إذا شاهدتَه بدون موسيقى فهو بطيء، وهذا أمر غريب بما فيه الكفاية» ويبدو لي أن رأيًا فنيًا كهذا يوحي، دون أن يقول فعلاً، بأن الحياة عمومًا هي أشبه بالفيلم الطويل الممل حين نجردها من خلفيتها الموسيقية.

وبالحديث عن إلمر بيرنشتاين الذي صادف أن دخلت إلى هذه الكتابة عبر موسيقاه، والذي لا تتوقف روائعه الموسيقية تجدُ مكانًا لها في قائمة استماعي على يوتيوب، أتذكر آخرين من أمثال العبقري البولندي زبيغنيو بريسنر، المؤلف الموسيقي الذي يحتل مكانة خاصة عند عشاق البولندي الآخر كريستوف كيشلوفسكي. وطبعًا، لا يكون الحديث عن هذا الثنائي البولندي إلا حديثًا عن ذلك التداخل الموسيقي السينمائي الساحر في ثلاثية ألوان كيشلوفسكي التي أخرجها في التسعينيات: أزرق وأبيض وأحمر. أما فيلم «الحياة المزدوجة لفيرونيكا» أو «حياة فيرونيكا المزدوجة» على حسب هوى المترجمين وآرائهم، الفيلم الحاصل على جائزة مهرجان كان السينمائي عام 1991، فلا أظن أن لأحد ممن شاهدوه أن ينسى موسيقى بريسنر الجنائزية التي رافقته «موسيقى الجنازة» التي تقول النجمة الفرنسية جولييت بينوش إنها سمعتها في بولندا مع مراسم جنازة كيشلوفسكي.

الأفضال الموسيقية للسينما في تجربتي لا تتوقف، والاكتشافات الموسيقية من خلال السينما تأتي مختلفة دائمًا، مصحوبة بحالة من الحنين الذي يتجاوز الإطار البصري للعمل. لا أنسى أن السينما دلتني على الملحن الفرنسي العظيم موريس جار، بعد مرات ومرات من مشاهدة فيلم «الرسالة» للمخرج السوري الأمريكي مصطفى العقَّاد، الفيلم الذي كانت بعض الفضائيات تعيد عرضه على شاشة التلفزيون مع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف. عرفتني السينما المصرية إلى راجح داوود في «أرض الخوف» وإلى الموهبة الفذة والبصيرة الموسيقية الحادة لعمَّار الشريعي، عرفتني إلى عمر خيرت الذي تكلل إعجابي بموسيقاه يوم أن حضرت حفلته الرائعة في دار الأوبيرا بمسقط في فبراير العام الماضي. وعرَّفتني طفلاً، قبل هؤلاء جميعًا، إلى عمر خورشيد في العمل الشهير عن حرب أكتوبر التي نستذكر مآثرها هذه الأيام، فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي».

سالم الرحبي شاعر وكاتب

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الموسیقى التی دون أن

إقرأ أيضاً:

رحاب عمر وغادة آدم نجمتا كلثوميات بمعهد الموسيقى العربية

في إطار خطط وزارة الثقافة لصون التراث الفني، تقيم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة لمياء زايد، حفلاً لفرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية بقيادة المايسترو صلاح غباشىي من سلسلة كلثوميات، وذلك في الثامنة مساء الأحد ١٩ يناير على مسرح معهد الموسيقي العربية.

يتضمن البرنامج نخبة مختارة من أعمال كوكب الشرق أم كلثوم، التي تعاونت فيها مع كبار الملحنين والشعراء خلال مشوارها الفني منها سيرة الحب وهو صحيح.. آداء رحاب عمر وغادة آدم.

يذكر أن سلسلة حفلات كلثوميات تأتي ضمن أهداف دار الأوبرا المصرية، لتخليد أعمال كوكب الشرق أم كلثوم ونشرها للأجيال الجديدة بإعتبارها جزءا أصيلاً من التراث الموسيقى العربي.

أنشطة دار الأوبرا


دار الأوبرا المصرية، أو الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي، افتتحت في عام 1988 وتقع في مبناها الجديد والذي شُيد بمنحة من الحكومة اليابانية لنظيرتها المصرية بأرض الجزيرة بالقاهرة وقد بنيت الدار على الطراز الإسلامي.

ويعتبر هذا الصرح الثقافي الكبير، الذي افتتح يوم 10 أكتوبر عام 1988هو البديل عن دار الأوبرا الخديوية، التي بناها الخديوي إسماعيل العام 1869، واحترقت في 28 أكتوبر العام 1971 بعد أن ظلت منارة ثقافية لمدة 102 عاما.

ويرجع تاريخ بناء دار الأوبرا القديمة إلى فترة الازدهار التي شهدها عصر الخديوي إسماعيل في كافة المجالات، وقد أمر الخديوي إسماعيل ببناء دار الأوبرا الخديوية بحي الأزبكية بوسط القاهرة بمناسبة افتتاح قناة السويس، حيث اعتزم أن يدعو إليه عدداً كبيراً من ملوك وملكات أوروبا.

وتم بناء الأوبرا خلال ستة أشهر فقط بعد أن وضع تصميمها المهندسان الإيطاليان أفوسكانى وروس، وكانت رغبة الخديوي إسماعيل متجهة نحو أوبرا مصرية يفتتح بها دار الأوبرا الخديوية، وهي أوبرا عايدة وقد وضع موسيقاها الموسيقار الإيطالي فيردي لكن الظروف حالت دون تقديمها في وقت افتتاح الحفل.

وفقدمت أوبرا ريجوليتو في الافتتاح الرسمي، الذي حضره الخديوي إسماعيل والإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وملك النمسا وولى عهد بروسيا.

مقالات مشابهة

  • ميزة من واتساب لمشاركة الموسيقى في الحالة
  • سلسلة كلثوميات بمعهد الموسيقى العربية.. الليلة
  • انطلاق الدورة العاشرة لأيام قرطاج الموسيقية في تونس
  • حكم اتخاذ الموسيقى مهنة ومورد رزق
  • عمر مرموش يكشف عن تأثير موسيقى آه يا قلبي في رفع حماسة لاعبي فرانكفورت
  • المطرب أحمد الأسمر: المقامات الموسيقية تستخدم في قراءة القرآن الكريم
  • المطرب أحمد الأسمر: الطبلاوي قرأ القرآن الكريم بالمقامات الموسيقية
  • ليدي غاغا وبيلاي إيليش وغيرهما في "أمسية موسيقى وتضامن" لمساعدة منكوبي حرائق كاليفورنيا
  • رحاب عمر وغادة آدم نجمتا كلثوميات بمعهد الموسيقى العربية
  • ذكرى رحيل فاتن حمامة..أيقونة السينما المصرية التي خلدت تاريخها بفن راقي