جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-27@18:54:12 GMT

محاربة الفساد بين الواقع والطموح!

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

محاربة الفساد بين الواقع والطموح!

 

د. محمد بن عوض المشيخي

الفساد المالي والإداري من الأمراض الفتاكة التي ابتلت بها مُعظم دول العالم في الشرق والغرب، فعندما يتولى ضعاف النفس والانتهازيون والأنانيون الإشراف على المال العام دون رقابة قوية وخبرات واسعة تُمكِّن القائمين بالأجهزة الرقابية المتخصصة في هذا الشأن من القيام بعملهم على أكمل وجه، وكذلك دون تفويض مطلق من رأس الهرم في السلطة العليا في أي دولة تحرص على محاربة الفساد والمفسدين في الأرض، هنا يُصنَّف مثل هذا البلد وكرًا يُعشعش في أرجائه اللصوص الذين ينهبون المال العام ويحولون موارده إلى الخارج، فيدخل المجتمع بمختلف أفراده في دائرة الفقراء، من هنا تُجبرهم ظروف الحياة القاسية على الهجرة إلى صقاع الأرض للبحث عن مصدر الرزق خارج الوطن، وذلك كما كان حال آبائنا وأجدادنا قبل أكثر من خمسين سنة.

ومن حسن الطالع وتحقيقًا للشفافية وبتوجيه كريم من لدن قائد هذا البلد، اطلع الجميع عبر قنوات الإعلام التقليدية والرقمية بمختلف أنواعها الرسمية والخاصة، على تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للعام الماضي 2022، والذي كان في فترة من الفترات حكرًا على السلطة التنفيذية من أعضاء الحكومة ثم يتم فلترته وإرساله في وقت لاحق إلى مجلس عُمان.

كشف التقرير الجديد، عن تحصيل واسترجاع عشرات الملايين من الريالات إلى خزينة الدولة لتُستخدم من جديد لبناء الوطن ومرافقه الحيوية كالمدارس والطرق والمستشفيات، ولأهم من ذلك كله كشف أسماء الوزارات والهيئات الحكومية التي تسببت في إهدار المال العام أو عليها بعض الملاحظات والذي يفترض أن يتحمل تلك المسؤولية رئيس الوحدة، حتى ولو كان غير متسبب في تلك المخالفات. وقد اشتمل تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية الوحدات الحكومية على بعض الملاحظات الإدارية أو المالية وعددها عشر بهدف التذكير بالحقوق والواجبات المترتبة على مثل تلك المخالفات وتصحيحها بأسرع وقت ممكن ومعظمها وزارات خدمية. 

يبدو لي أن الوقت حان لمحاصرة الفساد والقضاء نهائيًا على من تسول له نفسه أيًّا كان من هؤلاء الطامعين بثروات هذا الوطن العزيز، وكذلك المخالفين والمشجعين على منح المناصب بالواسطة للأقارب وأصحاب النفوذ. ولا يمكن يتحقق ذلك بشكل كامل إلا بتضافر جهود أجهزة الدولة الأمنية منها والمدنية والقانونية، وأفراد المجتمع العماني بشكل عام، وفي مقدمة هذه الجهات جهازي الادعاء العام وجهاز الرقابة المالية وقبل ذلك القضاء العماني النزيه.

بالفعل فقد أثبتت الأيام تفاني أبناء عمان وحرصهم على مصلحة الوطن، وعلى وجه الخصوص الذين يعملون في الأجهزة الأمنية والرقابية وإخلاصهم لله وعمان والسلطان، فتلك الثوابت والأركان الأساسية التي لا يُغيِّرها الزمن أصبحت واضحة المعالم ويشار لها بالبنان على مستوى المنطقة العربية والإقليم بشكل خاص، وذلك من خلال ما تنعم به السلطنة هذه الأيام من أمن واستقرار ورخاء اقتصادي، فالسلطنة واحة للأمن والأمان في منطقة ملتهبة بالصراعات والحروب والخلافات بين الأشقاء، وعلى الرغم من ذلك، نجح قائد هذا البلد المعطاء، جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، بفضل من الله وحكمته المعهودة ونظرته الثاقبة للحاضر والمستقبل، في انتشال هذا البلد من الأزمات الاقتصادية التي كانت تعصف بالعالم في بداية توليه مقاليد الأمور، وكذلك نهجه الجديد في محاربة الفساد بكل أنواعه. وفي خطابه الثاني في فبراير، والثالث في نوفمبر قبل أكثر من عامين، عبر جلالته بوضوح عن عزم الحكومة على محاربة الفساد، وترسيخ دولة المؤسسات والقانون على هذه الأرض الطيبة.

الكل في هذا الوطن يُثمِّن الجهود الجبارة المبذولة من جهاز الرقابة والتي طالت كل من يقع في المحظور مهما كانت مكانته في الدولة، كما أن تشديد الرقابة وتوسيع نطاقها على الكبار من عالي القوم الذين في عهدتهم مئات الملايين؛ بل والمليارات لدى البعض منهم، وذلك قبل صغار الموظفين الذين تحت يديهم القليل من المال؛ أصبح مطلب شعبي من عامة الناس.

فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تنزيه أو التسامح مع المواطن العادي عند وقوعه في مستقنع الفساد؛ فهو شريك أساسي في النزاهة والمحاسبة، وعليه تقع مسؤوليات كبيرة في محاربة الفساد؛ ففساد المواطن العادي لا يقل خطورة عن فساد المسؤول الكبير، الذي كان بالأمس في مرتبة وظيفية أقل مما هو عليه الآن، والموظف الذي يقتضي عمله إنهاء إجراءات المراجعين ويُماطل أو يغيب عن عمله، ويتهاون في القيام بواجبه المقدس، والتاجر الذي يغش الناس في البضائع؛ يجب أن يتم إخضاع هؤلاء لمبدأ الرقابة ثم المحاسبة؛ مثلهم كمثل المسؤول الكبير المقصر بالواجب الوطني.

يجب التأكيد هنا على أن محاربة الفساد والقضاء على أسبابه، لا يمكن أن تتحقق بالنوايا الحسنة للمسؤولين؛ فالنفس أمارةٌ بالسوء؛ بل يجب إطلاق سلطة الإعلام، وخاصةً الصحافة المستقلة؛ للقيام بدورها الرقابي المعهود؛ إذ لا يُمكن للإعلام كسلطة رابعة أن يتناغم مع الأحداث ويقوم بدوره الرقابي إلّا في ظل وجود الجناح الآخر للحرية والمراقبة، والمتمثل بمجلس الشورى، هذا المجلس الذي أصبح ناضجًا، وتجاوزت تجربته البرلمانية عقودًا ثلاثة.

وفي الختام.. أصبح من الضروري دمج جميع أجهزة الدولة الرقابية، تحت مظلة واحدة، ولا يستثنى أحدٌ من الرقابة والمحاسبة في هذا البلد؛ مهما كبر منصبه أو ارتفع شأنه، فمعايير النزاهة والشفافية والحوكمة، التي يوجه بها جلالة السلطان المعظم، تتطلب منَّا ذلك؛ خاصة وأن قطار محاربة الفساد قد انطلق ولن يتوقف.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أنا يقظ.. منظمة تونسية تحارب الفساد

"أنا يقظ" هي منظمة رقابية تونسية تسعى لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتمكين الشباب وحماية المستهلك، وتعمل على مراقبة عمل الحكومة والمسؤولين ورجال الأعمال إلى جانب الفعاليات السياسية الحزبية والعمليات الانتخابية بكافة مراحلها. أصبحت المنظمة فرعا للمنظمة الدولية للشفافية في تونس عام 2017، وتصنف أول منظمة تونسية والثانية عربيا في مجال الرقابة السياسية.

تأسست منظمة "أنا يقظ" في 21 مارس/آذار 2011 بهدف ملاحقة مظاهر الفساد في كامل تراب الجمهورية التونسية، وكان من أولى أنشطتها إطلاق أكبر حملة سبر آراء في تونس، استهدفت بها نحو 15 ألف تونسي، من أجل تقييم عمل رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان بعد ثورة 2011.

وشاركت المنظمة في مراقبة الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستفتاء الدستوري في مصر عامي 2011 و2012، وأقامت ورشا تدريبية عدة في مجال مراقبة الانتخابات لصالح عدد من منظمات المجتمع المدني في ليبيا، كما شاركت في مراقبة انتخابات مجلس النواب الليبي عام 2014.

وأطلقت المنظمة عام 2014 موقعا إلكترونيا للتصويت على فصول الدستور التونسي بهدف إيصال النتائج إلى نواب المجلس التأسيسي قبل مناقشتها والمصادقة على الدستور، كما نشرت مجموعة من المقاطع التفسيرية للنقاشات الدائرة في المجلس بشأن النظام السياسي والهرم التشريعي وغير ذلك.

وفي العام ذاته، أطلقت مشروعا لمراقبة أداء رئيس الحكومة آنذاك مهدي جمعة تحت عنوان "جمعة متر"، وذلك عبر مقارنة الوعود التي قدمها في خطاب نيل الثقة أمام البرلمان مع ما أنجزته حكومته بالفعل في ملف تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية عام 2014، إلى جانب ملفات الأمن والاقتصاد، وهو ما تكرر مع رؤساء الحكومة اللاحقين ورئيس الجمهورية قيس سعيد.

إعلان

وأطلقت المنظمة مشروعا لمساعدة المواطنين للتبليغ على الفساد بما يتماشى مع بنود اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهو ما ساعد في نشر تقرير سنوي عن "مؤشر مدركات الفساد" لمتابعة جهود تونس في مكافحة الفساد وتقديم التوصيات للحكومة والبرلمان.

وأقامت المنظمة منذ تأسيسها عددا من الدورات التدريبية والورشات التوعوية عن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، بما في ذلك إقامة مسابقة للمرافعة في قضايا متعلقة بحماية المبلغين عن الفساد والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.

وعقدت المنظمة مؤتمرا عام 2015 بشأن الصعوبات التي تواجه الحكومة التونسية لاسترجاع الأموال المنهوبة، تلاه إطلاق حملة "رجّع الفلوس"، والدعوة لإصلاح قانون التصريح بالممتلكات للنواب بالبرلمان والوزراء ورؤساء الجمهورية، من أجل الحد من مظاهر الإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي وتهريب الأموال.

كما أطلقت المنظمة حملة "وينو الفسفاط (الفوسفات)" لتسليط الضوء على تعزيز الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية ومساءلة مسؤولي شركة "فوسفات قفصة" عن أنشطتهم وسير عمليات التنقيب والتصدير، تلا ذلك تقديم عريضة للحكومة للمطالبة بتدقيق شامل في حسابات قطاع الطاقة.

المنظمة تعقد مؤتمرا سنويا لنشر مؤشر معدلات الفساد في تونس (موقع منظمة أنا يقظ) تحقيقات وطعون وقضايا

في عام 2016 أصدرت "أنا يقظ" على موقعها الالكتروني سلسلة تحقيقات عن الفساد، تمحورت حول قضايا المال السياسي وتضارب المصالح وشخصيات ومنظمات وقنوات تلفزية بعينها، بما فيها شركة بتروفاك والاتحاد العام التونسي للشغل وغيرها.

وكان من بين التحركات القضائية الأولى للمنظمة تقديم طعن في نتائج تعيين الملحقين القضائيين عام 2015.

وفي عام 2019 برزت المنظمة باعتبارها طرفا مشتكيا على المرشح الرئاسي حينها ومالك قناة نسمة نبيل القروي، بعد إيداعه في السجن في قضية فساد تتعلق بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال، وهو ما أسهم في تراجع أصواته وخسارته أمام قيس سعيد الذي حصد نحو 70% من الأصوات.

إعلان

وقد رفعت المنظمة بالتزامن مع ذلك قضايا أخرى ضد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد بتهمة رفع التجميد عن أموال مروان المبروك، صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وهو ما نتج عنه تراجع أصوات الشاهد في الانتخابات الرئاسية عام 2019.

كما اتهمت المنظمة حركة النهضة بتقديم مبلغ نحو 30 ألف دولار لشركة أميركية بهدف تحسين صورتها في الخارج أثناء انتخابات 2019، وهو ما يمنعه القانون التونسي. وقد نفت الحركة الاتهامات الموجهة إليها وأكدت أنها تخضع لإجراءات القانون التونسي، وأن حساباتها وعقودها تراقبها محكمة المحاسبات.

نبيل القروي خسر الانتخابات الرئاسية بفارق كبير بسبب تهم في قضية فساد (الفرنسية) استدامة مكافحة الفساد

أقامت المنظمة عددا من المشاريع المستدامة لتعزيز جهود مكافحة الفساد، منها مركز "يقظ" لدعم وإرشاد ضحايا الفساد، الذي يعمل على تقديم المساعدة للمبلغين وضحايا الفساد في صياغة الدعاوى القضائية والتحري وتقديم الأدلة بما يخدم تقصي الحقيقة.

وأطلقت المنظمة عام 2017 برنامجا تحت عنوان "آي أسيست" قدمت فيه دعما لوجيستيا وفنيا لأكثر من 80 جمعية ومنظمة جهوية في مناطق مختلفة داخل تونس، وذلك بهدف نقل خبرات المنظمة في النفاذ إلى المعلومة والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والمساءلة.

وقدمت المنظمة حتى عام 2023 نحو 13 طعنا، ورفعت 17 دعوى قضائية وقدمت نحو 180 تبليغا عن شبهة فساد و240 مطلبا للنفاذ إلى المعلومة.

ويضم فريق منظمة "أنا يقظ" نحو 200 متطوع و24 عضوا، و46 موظفا بدوام كامل، بينما أقامت أكثر من 70 مشروعا لتعزيز الشفافية ودعم جهود مكافحة الفساد في تونس.

وتعيش المنظمة منذ عام 2023 حالة من الأخذ والرد مع السلطات في تونس، وبالأخص مع الرئيس قيس سعيد، وسط اتهامات بحصولها على تمويلات خارجية، وضحت المنظمة مصدرها في وقت لاحق عبر بيانات رسمية نشرتها على موقعها الإلكتروني، بينما تتهم سعيد بإنفاق المال العام على حملته الانتخابية عام 2024 وتشكك في قانونية قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

إعلان

مقالات مشابهة

  • مليشيا الحوثي تمهد لحملة جديدة من الابتزاز والنهب تحت غطاء محاربة "ستارلينك"
  • أنا يقظ.. منظمة تونسية تحارب الفساد
  • السرّ في ورقة صغيرة.. ماذا يحدث لجسمك عند تناول الزعتر بانتظام؟
  • العثماني والداودي وأفتاتي وأمكراز ومصلي أبرز قيادات "البيجيدي" التي ظفرت بعضوية المجلس الوطني الجديد
  • ثمانية وكلاء للنائب العام يتلقون تدريبًا متقدمًا ضمن اتفاق تعاون دولي مع فرنسا
  • تحقيقات الفساد في بلدية إسطنبول الكبرى.. اعتقالات جديدة تشمل شخصيات بارزة
  • مركز البحوث الجنائية; برنامج لتعزيز القدرات في مجال مكافحة جرائم الفساد
  • تعزيز القدرات في مجال مكافحة جرائم الفساد
  • وكيل محافظة المهرة يكشف أسباب التدهور الخدمي وتراكم الأزمات
  • عيد تحرير سيناء| من تحرير أرض الفيروز إلى محاربة الإرهاب.. أبناء سيناء يسطرون تاريخًا جديدًا من العطاء والتنمية