د. صالح الفهدي

بين مصدومٍ ومدهوش، جاءتني التعليقات على مقالي "تقلُّص أعداد السُّكان" في عُمان خلال السنوات الأخيرة، استعنتُ فيه بالإحصائيات المتعلقة بأعداد المواليد خلال الخمس سنوات الأخيرة (2017- 2022).

وقد بادرت الكثير من المواقع الإخبارية في وسائل التواصل الاجتماعي بنشر عبارات من المقال، وتصدَّر المقالُ قائمة المقالات الأكثر قراءة في صحيفة الرؤية خلال أُسبوع، لهذا رأيتُ أن هذا الموضوع يستحقُّ أن أفردَ له مقالًا آخر، لأهميَّته الوطنية القصوى؛ فهو يمسُّ وجود الأُمة العُمانية على هذه الأَرض خلال العقود القادمة.

وفي البدءِ أُنوِّهُ على أنني أكبرتُ ما قامت به إحدى الولايات بإدراجها المقال لنقاش محتواه في اجتماع لجنة التنمية تقديرًا منها لأهمية ما جاءَ فيه، ورفعت توصياتها إلى الوزارة المعنية، وهذا التحرُّك إِنما ينمُّ عن تقدير والي الولاية ورئيس اللجنة لما يجب تداركهُ من النتائج التي تسيرُ نحو منحنى تنازلي في أعداد المواليد بالسلطنة، ولو أنَّ كل ولايةٍ ومحافظةٍ قد أدرجت هذا الموضوع لسرَّع ذلك من اتخاذ تدابير وإجراءات من شأنها اقتراح الحلول الناجعة لارتفاع أعداد السكَّان.

إذا قارنَّا بعينٍ بصيرة الوضع السكَّاني خلال عشرين عامًا (2003- 2023) فإننا سنجد أنه عدد سكان السلطنة عام (2003) قد بلغ 2,340,815 نسمة، منهم 1.7 مليون عماني 76.1%، و559257 وافدًا بنسبة 23.9%، في حين بلغ إجمالي عدد سكان السلطنة عام (2023) 4 ملايين و977 ألفًا و909 نسمات، شكَّل العمانيون نسبة 57.77% من عدد السكان؛ إذ بلغ عددهم 2 مليون و875 ألفًا و874 نسمة. في المقابل فقد بلغت نسبة الوافدين 42.23% من عدد سكان السلطنة؛ حيث بلغ عددهم 2 مليون و102 ألف و530 نسمة.

يتضَّحُ من هذه المقارنة أن عدد السُّكان العمانيين قد زادوا بنصف مليون نسمة فقط (بمتوسط زيادة سنوية قدرها 25 ألف نسمة خلال العشرين عامًا فقط)، في حين زادت أعداد الوافدين بنسبة تفوق المليون ونصف أي أن الوافدين زادوا بأكثر من ثلاثة أضعاف السكَّان خلال العشرين سنة الماضية، وهذه الزيادة وإن كانت مبرَّرة لما شهدته السلطنة من نموِّ وتوسُّع إلا أن الزيادة البسيطة في عدد السكان العمانيين (نصف مليون) غير مبرَّرة خلال عشرين عامًا، ناهيكم عن الانخفاض الذي تشهده السلطنة في أعداد المواليد؛ مما ينذرُ بتناقص سكَّاني مُقلق جدًا في القادم من السنوات، يقابله تنامي في نسبة الوافدين.

هنا أطرحُ السؤال الآتي: إذا كانت رؤية "عمان 2040" قد رسمت توقُّعاتها ببلوغ سكَّان السلطنة إلى 8 ملايين نسمة، فهذا الرقم لا يعني نسبة العمانيين وإنما مضافٌ إليها نسبة الوافدين، إذن ما هي نسبة أعداد العمانيين من هذا الرقم الكبير؟!

لستُ ضليعًا في هذا المجال، بيد أنَّ النظرة الموضوعية تشيرُ إلى أن الأرقام لا تبشِّرُ بنتائج طيبة في هذا المسار المهم لأية دولة تريدُ أن تحافظ على تركبيتها الديموغرافية بصورة متوازنة، ووفقًا على ذلك فإِنني أحثُّ -مرة أخرى- صنَّاع القرار على وضع هذا الأمر موضع الاهتمام الكبير، كما أحثُّ المجتمع على إدراك هذه الحقيقة التي تقع في إطار مسؤولية الجميع.

لقد نشرت الكاتبة البحرينية سوسن الشاعر منذ أيام مقالًا ذكرت فيه خبرًا مُقلقًا للغاية أقتبسُ منه الآتي: "أن مجموعة من البرلمانيين الآسيويين قدّمت الأسبوع الماضي مشروع قرار في «الجمعية البرلمانية الآسيوية» يقضي بتوطين العمالة الآسيوية في الدول الخليجية باعتبارهم مهاجرين، وذلك خلال اجتماعها الأخير، وتلك لم تكن المحاولة الأولى فهذا الطرح يتجدَّد بين الفينة والأخرى"، وقبلها بسنوات نشر الكاتب الإماراتي الراحل د. حسين غباش مقالًا يحذِّرُ فيه من الخلل في التركيبة السكَّانية المؤرِّقة لدول الخليج العربي عامَّة.

أعتقدُ أَنَّ علينا ألَّا نتأخَّر في تنفيذ سياسة سُكانيَّة متنامية تحفظُ للأُمة العمانية وجودها البشري على هذه الأَرض التي توارثتها أُمم عمانية بعد أُخرى عبر آلاف السنين، ودُحِرَ منها غزاةٌ جاؤوا لأطماعٍ في موقعها وثرواتها، أما اليوم فالوضع أكثرُ خطورة لأنه غير محسوس؛ حيث تتنامى أعداد الوافدين بصورة مهولة، في حين تقلُّ أعداد العمانيين لأسباب معروفة ذكرتها في مقالي السابق حول هذا الموضوع.

إنها قضيَّة وطنيَّة جدُّ مهمة، أرجو أن تلتفتُ لها الحكومة والمجالس التشريعية وجميع المؤسسات المعنية والمجتمع بصورة عامة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يعلن وصول عدد سكانه إلى 10 ملايين نسمة.. أين يتواجدون وكم كانوا وقت النكبة؟

ارتفع عدد سكان الأراضي المحتلة (عام 1948 إضافة إلى المستوطنات) إلى نحو 10 مليون نسمة، بواقع أكثر من 7.2 مليون يهودي ويشكلون ما يزيد عن 73 بالمئة من السكان، ونحو 2.1 مليون من فلسطينيي الداخل بواقع 21 بالمئة.

وتأتي النسبة المتبقية بمقدار نحو 6 بالمئة وأكثر من نصف مليون شخص من مجموعات أقلية أخرى بما في ذلك المسيحيون غير العرب بحسب ما ذكر المكتب المركزي للإحصاء.

وعن ذلك، قال موقع "واينت" الإسرائيلي في تقرير مطول، إن "حظر التجوال فُرض على جميع سكان دولة إسرائيل بعد ظهر يوم 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، ولم يكن السبب وراء ذلك حرب الاستقلال (النكبة) التي كانت لا تزال جارية ضد الدول العربية، ولا جائحة أجبر الفضاء العام على الإغلاق".


وأوضح أن "الهدف كان السماح للعديد من الموظفين الذين تم تعيينهم من قبل المكتب المركزي للإحصاء (CBSS)، الذي تم إنشاؤه في تلك الأيام، بالتنقل من منزل إلى منزل في المدن والمستوطنات الزراعية والقرى ومراكز المهاجرين وقواعد الجيش، كجزء من أول تعداد سكاني للدولة، وكانت النتيجة حوالي 872 ألف شخص، وتشير التقديرات حينها إلى أن أكثر من 200 ألف منهم وصلوا بعد تصويت الأمم المتحدة على خطة التقسيم في العام السابق".

وأضاف "تجاوز عدد سكان إسرائيل المليون نسمة في العام التالي، في المراحل الأولى مما أطلق عليه الهجرة الجماعية، وكان من المقرر أن تستمر هذه الهجرة طيلة السنوات التالية، وفي عام 1949، كان الأمر لا يزال مزيجًا من اليهود القادمين من الدول الأوروبية ومخيمات النازحين في القارة وبداية الهجرة الجماعية من الدول العربية والإسلامية، في إشارة في المقام الأول إلى عشرات الآلاف من اليهود اليمنيين الذين وصلوا في ذلك العام كجزء من عملية أطلق عليها اسم "على أجنحة النسور".

وأشار إلى أن "هذه كانت هذه مجرد البداية، وفي السنوات التالية وصل مئات الآلاف من المهاجرين إلى إسرائيل، ومعظمهم من الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية ودول البلقان، وكانت النتيجة أنه بحلول عام 1958 كان عدد سكان إسرائيل قد تجاوز بالفعل المليونين نسمة، أي أنه تضاعف فعليا خلال عقد من الزمان".

وأكد أنه بعد ذلك "تباطأ معدل النمو الديموغرافي في إسرائيل، ووصل عدد السكان إلى المليون الثالث بعد 12 عاماً فقط، في عام 1970. واستمرت الهجرة خلال هذه السنوات، خاصة من دول شمال أفريقيا، ولكن بأعداد أقل بكثير مقارنة بالفترة التي تلت تأسيس الدولة".

وبين أنه "خلال الستينيات كان هناك ركود اقتصادي ومخاوف أمنية أدت إلى إشعال شرارة العملية المعاكسة، الهجرة إلى خارج إسرائيل، ورغم أن هذه الأرقام لم تكن دراماتيكية، فإن النكتة الحزينة القائلة بأن آخر شخص في مطار اللد سوف يطفئ الأضواء كانت شائعة في شوارع إسرائيل في تلك الأيام".


وذكر أنه "حتى في وقت لاحق، ورغم بعض الانتعاش الاقتصادي بعد حرب الأيام الستة (نكسة 1967) وبداية الهجرة من بلدان أخرى من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية والجنوبية، والاتحاد السوفييتي، فقد مرت 12 سنة أخرى قبل أن يصل عدد سكان إسرائيل إلى المليون الرابع في عام 1982، ولكن هذه كانت نقطة تحول".

وأضاف الموقع "وصل عدد سكان دولة إسرائيل إلى خمسة ملايين نسمة في عام 1991، خلال تسع سنوات، ومن ثم جاءت الهجرة، ومعدلات المواليد، ومتوسط العمر المتوقع، والنمو الأسّي لتفرض ضرائبها، وقد تم تجاوز حاجز الستة ملايين نسمة بعد سبع سنوات فقط، في عام 1998 وبعد ثماني سنوات في عام 2006 وصل عدد سكان البلاد إلى سبعة ملايين نسمة".

وأوضح "مرت سبع سنوات أخرى، وفي عام 2013 تجاوز عدد السكان ثمانية ملايين نسمة، ثم خلال ست سنوات وصل عدد السكان إلى تسعة ملايين في عام 2019، ولم تمر سوى خمس سنوات حتى اكتمل المليون العاشر".

وأشار إلى أنه "ظاهريًا يبدو هذا وكأنه حساب بسيط، ولكنه ليس كذلك، فوزارة الداخلية يجب أن تقرر من يدخل في التعداد السكاني: ماذا عن الإسرائيليين الذين يقيمون في الخارج لفترة طويلة؟ هل يجب احتساب العمال المهاجرين الذين لا يحملون تصاريح؟ وماذا عن طالبي اللجوء؟ والفلسطينيون؟ لقد تغيرت المعايير على مر السنين، واليوم يتم حساب عدد السكان وفق آلية محددة".


ولا تتضمن هذه الآلية الإسرائيلي الذي أمضى 275 يومًا خارج الأراضي المحتلة في عام واحد ومنها 90 يومًا متتالية، في تعداد سكان البلاد، كما لا يتم تضمين أعداد الفلسطينيين في الضفة الغربية ضن "سكان دولة إسرائيل"، ومع ذلك، فإن الفلسطينيين من شرق القدس والدروز من مرتفعات الجولان، وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى منهم ليسوا إسرائيليين فإنه يتم احتسابهم من عدد السكان.

ويشمل تعداد السكان الأجانب الذين يحملون تصريح عمل ساري المفعول، أو أولئك الذين دخلوا "إسرائيل" بتأشيرة سياحية وبقوا فيها حتى بعد انتهاء صلاحيتها، وبحسب وزارة العمل، سيصل هذا العدد في عام 2024 إلى 215 ألف شخص.

مقالات مشابهة

  • المشاط: إطلاق دليل «معايير الاستدامة البيئية».. و50% نسبة المشروعات الخضراء بخطة 2024/2025
  • الجزائر ضمن قائمة أكبر 10 دول مساحة في العالم (إنفوغراف)
  • بلغوا 6.2 مليون شخص.. “هيئة الإحصاء”: ارتفاع أعداد المعتمرين خلال الربع الثالث من عام 2024
  • الأهلي كابيتال القابضة تستحوذ على نسبة إضافية قدرها 46.55% من رأس مال شركة إيزيليس
  • “الإحصاء”: “التمور” و”الروبيان” يحققان أعلى نسبة اكتفاء ذاتي نباتيًا وحيوانيًا خلال 2023
  • الولايات المتحدة تسجل أعلى نسبة مشردين في تاريخها
  • الاحتلال يعلن وصول عدد سكانه إلى 10 ملايين نسمة.. أين يتواجدون وكم كانوا وقت النكبة؟
  • ارتفاع أعداد المشردين في الولايات المتحدة بنسبة 18%
  • نسبة كبيرة من الأوروبيين تعتقد أن ترامب سيوقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا
  • "القاهرة للدراسات": مصر حققت 2.9% نموًا رغم الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية خلال 2024