القدس المحتلة – أجمع محللون أن جميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أخفقت في التقديرات الاستخباراتية، وفي "سيناريو" التعامل مع مفاجأة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي سمّتها "طوفان الأقصى"، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر كلمة مسجلة، أن "إسرائيل تتعرض إلى حرب من حركة حماس".

كما اتفق محللون أن الإخفاق الاستخباراتي في الحرب التي سمّتها إسرائيل "‫السيوف الحديدية" ضد حماس في قطاع غزة، يختلف كليا عن الإخفاق الاستخباراتي والعملياتي في كل من حرب 1973 وحرب 1982 وحرب لبنان الثانية 2006.

وأكدت تقديرات المحللين أن الإخفاق الاستخباراتي الإسرائيلي بالمرحلة الراهنة مقرون بعدم جهوزية الجيش الإسرائيلي للحرب، وذلك خلافا لما كان يروج له المستوى العسكري بشأن الجهوزية لمثل هذه السيناريوهات، واحتمال تسلل مسلحين من غزة إلى الجنوب، وكذلك عدم جهوزية الجبهة الداخلية للدفاع عن المدنيين وضمان سلامتهم، وعدم اختطافهم من قبل المسلحين.

وفي ظل هذا الإخفاق والإخفاقات الاستخباراتية للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ذكرت تقديرات لمحللين آخرين أن إسرائيل ملزمة بدخول قطاع غزة وخوض عملية برية في القطاع، وشددوا أن حماس أثبتت أنها لن توافق على أي هدنة طويلة الأمد، وتعود بالصراع إلى مرحلة مشابهة للنكبة في 1948.


إخفاقات

ووجه الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، عاموس يدلين، انتقادات شديدة اللهجة إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، مشيرا إلى أن عملية "طوفان الأقصى" إخفاق غير مسبوق للاستخبارات العسكرية ومختلف أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وإخفاق مخابراتي لم تعهده إسرائيل حتى في حرب 1973.

وأكد يدلين أن كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناج العسكري لحركة حماس فاجأت إسرائيل، وشنت حربا في مناطق الجنوب، في مشاهد تعيد إلى الأذهان واقع حرب 1948، لكن بشكل مغاير، وهو أن "حركة حماس احتلت 10 بلدات ومستوطنات في محيط غزة" حسب تعبيره، وهو ما أجبر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إعلان أن إسرائيل في حالة حرب.

وأوضح يدلين أن إسرائيل دفعت ثمن الإخفاق الاستخباراتي بالحصيلة المعلنة من قتلى وجرحى، وكذلك تراجع "هيبة" إسرائيل إقليميا وعالميا، حيث فقدت إسرائيل السيطرة على مناطق واسعة في الجنوب، واشتبكت لساعات طويلة مع العشرات من مسلحي القسام.

وأشار إلى أن هذا اليوم الموافق السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، سيدوّن في التاريخ أن حماس أعلنت الحرب على إسرائيل، لافتا إلى أنه في السابق كانت تتم عمليات تسلل من البر والبحر إلى إسرائيل، وتقتل وتختطف إسرائيليين، لكن ما حصل على الجبهة الجنوبية مع غزة غير مسبوق وصادم للإسرائيليين.

ويعتقد الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، أن إسرائيل وبعد الحرب المباغتة على جبهة قطاع غزة، عليها تغيير آليات التعامل مع حماس والفصائل الفلسطينية في القطاع، وشنّ عملية برية في غزة لتقويض حكم حماس في القطاع، في محاولة لردع أي من يخطط مستقبلا لتنفيذ عمليات شبيهة، حسب تعبيره.

قواعد ومعادلة

وفي حالة تعكس التخبط لدى المؤسسة الأمنية في كيفية التعامل مع قطاع غزة، وسياسة ترحيل الصراع مع الفلسطينيين الذي تنتهجه حكومات إسرائيلية متعاقبة، أوضح محلل الشؤون العسكرية في القناة 12 الإسرائيلية نير دفوري، أن إسرائيل تلقت ضربة موجهة، وهوجمت بشكل قاس، وتزعزعت مكانتها وتشوهت صورتها.

وأوضح دفوري أن الحديث لا يدور حول الإخفاق الاستخباراتي في تقديرات إمكانية تسلل أعداد من المسلحين من غزة إلى الجنوب فقط؛ بل حتى في الإخفاق بالتعامل مع الحدث، سواء عند السياج الحدودي، أو في عمق البلدات الإسرائيلية.

ولفت محلل الشؤون العسكري أن عناصر القسام عملت بشكل مدروس ومخطط له منذ فترة، حيث أظهرت المرئيات كيف فجّر المسلحون الجدار الأول والبوابات في الجدار الثاني، وتوغل عشرات المركبات لكتائب القسام إلى بلدات الجنوب في محيط غزة، دون أن يحرك الجيش الإسرائيلي ساكنا، ما يشير إلى أن قوات الجيش غطّت بنوم عميق، في الوقت الذي كان من المفروض أن تتولى الحراسة.

ورجّح أن حجم الإخفاق الاستخباراتي والإخفاق في التعامل مع المسلحين مع كتائب القسام، سيبقى طي الكتمان حتى بعد الفحص وتشكيل لجان تحقيق، مؤكدا أن إسرائيل بمختلف أجهزتها ومؤسساتها أخفقت في التعامل مع الفلسطينيين، وما حدث وانطلق من قطاع غزة يعكس هذا الإخفاق.

ويعتقد المحلل العسكري أن إسرائيل ملزمة باتخاذ قرارات مصيرية حول كيفية التعامل مع حماس والفصائل في غزة، مشيرا إلى أن قواعد اللعبة القديمة انتهت، وحركة حماس فرضت معادلة جديدة، ودول الجوار والتنظيمات هناك تنظر لما أنجزته حماس، وقد تقدم على تقليدها مستقبلا بمهاجمة إسرائيل من كل الجبهات.


اختطاف ورهائن

سيأتي الوقت لمعرفة من المسؤول عن هذا الإخفاق، وما إذا كان هناك إهمال أو تساهل من جانب قوى الأمن، خاصة شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي والشاباك، حسب المحلل العسكري في موقع "واينت" الإلكتروني، رون بن يشاي.

يقول بن يشاي، إن "المهمة الأكثر إلحاحا التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات في الوقت الحالي، هي التأكد من أن الهجوم المفاجئ في غزة غير منسق، ولن يتزامن مع هجمات إضافية ستأتي من لبنان وسوريا، وربما من أماكن أخرى، من خلال الصواريخ ومحاولات التسلل".

ورجح بن يشاي أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقدّر أن الخطر الرئيس يأتي من الحدود اللبنانية، إلى جانب الجهود المبذولة لاحتواء الهجوم في الجنوب، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية بمختلف أذرعها أمام تحديات مصيرية، من أجل إعادة السيطرة على المناطق الجنوبية.

كما يرى أن أجهزة الاستخبارات ملزمة بتوجيه الموارد إلى الشمال والحدود مع لبنان، قائلا "في الآونة الأخيرة، ظهرت تلميحات من لبنان بشكل رئيس، إلى وجود نية لتنفيذ هجوم منسق لحزب الله والفصائل في غزة".

وذكر أن الجيش الإسرائيلي يخوض اشتباكات مسلحة وواسعة مع المسلحين من كتائب القسام، الذين تسللوا إلى البلدات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، في محاولة لمنعهم من اختطاف ونقل الرهائن، وجثث الإسرائيليين إلى القطاع.

وفي هذا الصباح، أثبت المسلحون من كتائب القسام -حسب بن يشاي- أن "الجدار على حدود غزة، من الممكن اختراقه والالتفاف حول معبر بيت حانون، دون صعوبة كبيرة، وسيصبح هذا الإغفال والإخفاق أكثر وضوحا -أيضا- بعد انتهاء الحرب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأمنیة الإسرائیلیة الجیش الإسرائیلی الأجهزة الأمنیة کتائب القسام أن إسرائیل التعامل مع قطاع غزة إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

طوفان تغيير المعادلات والموازين

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

تتداخل الأحداث في المنطقة، جريمة الإبادة مُستمرة في غزة، وبدأ "طوفان الأقصى" في استعادة مظهر عنصر استرجاع القضية الفلسطينية على خريطة الساحات الإقليمية والدولية، ليذكر العالم الغني بالأحداث، بأنَّ الشعب الفلسطيني ينشد حريته، والقضية في يده، ليس عند سواه، وطوفان مُقاومته يُؤسس لحركة تحرر تستبدل فصائل المقاومة المتعددة، والنتائج المترتبة تهيئ الظروف من الناحية السياسية، إلى جانب نمو قطب المُقاومة حول التحرر.

والأقصى بالنسبة للشعب الفلسطيني والشعوب الحرة، هو الخط الأحمر، ومدينة القدس هي مفتاح السلام والأمن الدوليين، لما كان من المستحيل أن يكون هناك مكان أكثر أهمية للعالمين الإسلامي والمسيحي من بيت المقدس... لا بد لنا أن نقف على مدلولات "عملية طوفان الأقصى" لربط مضمون العملية بالمشاعر، إن كانت سلبية أم إيجابية... لا بد أن حدثًا ما أو أشياء أدت إلى العمل العسكري المقاوم. المعاناة آلت إلى ما توصلت إليه وحدة المقاومة، تحولت إلى جيش تحرير شعبي، تجاوزت مفهوم فصائل منفردة. هناك نقطة أخرى لا بد من لفت النظر إليها، أن "العملية" قد نجحت في كسب معركة الوعي، عرفت بالقضية، المقاومة هي درجة طوفانها، باعتبار أن طوفان الأقصى عتبة التحرير.

وإذا نظرنا إلى "طوفان الأقصى" من الناحية العملياتية، نجده عبارة عن فعل عسكري مقاوم للاحتلال، مطالب بالتحرير... وهنا لا بُد لنا أن نقف أيضاً على مدلول العملية، لنلاحظ أن قادة المقاومة اختاروا لها اسمًا مرتبطًا مع مضمون المعاناة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بدءا من الأمواج العاتية للمشاعر، التي هي عبارة عن نتيجة لما قبل عملية طوفان الأقصى. وهذا ما كشفته وتكشفه جريمة الإبادة الجارية في غزة؛ فالدلالة بارزة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمكان الذي احتله الكيان الغاصب، وبمشاعر سابقة أدت إلى طوفانها.

لقد عانى الفلسطينيون معاناة في صميم حياتهم الدينية والدنيوية، آلت بهم هذه المعاناة إلى عملية عسكرية لم تكن نكرة، بل نتيجة لما أظهره الكيان الغاصب من عجرفة وتغول في العديد من الأمور، قتل وتهجير، وممارسة عنصرية، وتدنيس للمقدسات... من هنا تجدر الإشارة إلى أن قادة المقاومة قد أحسنوا الاختيار من حيث الشعور والحس، ومعنى "طوفان الأقصى"، كونه مجموعة أمواج عاتية من القهر والتنكيل، أدت إلى فوران كبير بحجم الشعور اتجاه القدس والأقصى.

وبعيدًا عن العاطفة أو التحامل... بعيدا عن هذا وغيره، قريبًا من القضية الفلسطينية وقدسيتها، بعقيدة المسلم والمسيحي... تضع الأحرار أمام مرايا إنسانية متعددة، ليرى العالم الصورة كما ينبغي، كما رآها قادة المقاومة... "طوفانا" إنسانيا بحد ذاته، وحركة تغييرية، تحمل معادلات وموازين توبيخ من لا قلب له ولا إحساس... طوفان برداء الدم الزكي الحر، يُواسي الإنسانية المعذبة، يصطحب الضمير الحر لنصرة المظلوم، بأمواج جبهات المقاومة التحررية، باتحاد يصطدم بصخور الظلم، بمعادلة جديدة تستنزف الداخل في الكيان المحتل... بهذا يضع العالم كله أمام موقف، ومشهد متجه نحو خارطة التغيير، يكسر المشروع الذي أريد للمنطقة... انفجر الطوفان، صب أمواج انفجاره في نهر "المعاناة"... كان اصطدامه مأساوياً، لكن ليس فيه تشاؤم في مجرى سفينة المقاومة... الاهتزاز طبيعي لأوضاع انفجاره، ليخرج منه الحزن وقهر الاحتلال...

إنَّ العمل المقاوم يرتبط بأحداث سابقة لجريمة الإبادة في غزة، كانت ترتطم أمواجها بصخور الضعف العربي، وشواطئ العالم المغلوب على أمره، ما إن علت أمواج الطوفان إلّا واشتعلت شرارة التغيير، انطلقت من جنوب لبنان، واليمن، والعراق، وإيران، وكأن قادة المقاومة أرادوا بهذا أن يحمل طوفانهم معادلات إقليمية بجبهات مقاومة متحدة، فيها دفع للأثمان والاستحقاقات، وتفاوضات حول البديل المتعذر والبديل غير المقبول..

في المجمل إن طوفان الأقصى أعلى من صرخات المظلومين وغيَّر المعادلات والموازين.

مقالات مشابهة

  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ269 من "طوفان الأقصى"
  • طوفان تغيير المعادلات والموازين
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ268 من "طوفان الأقصى"
  • مستوطنون إسرائيليون يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
  • مُستوطنون إسرائيليون يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ267 من "طوفان الأقصى"
  • محللون: جيش الاحتلال أدرك أن المقاومة أصبحت واقعا يجب التعايش معه
  • تحقيق صحفي إسرائيلي ألماني يكشف تفاصيل جديدة عن عملية "طوفان الأقصى"
  • تحقيق لصحيفة إسرائيلية وألمانية يكشف تفاصيل عملية طوفان الأقصى
  • أبرز تطورات عملية طوفان الأقصى