تحت رعاية هيئة الصحة دبي، انطلقت اليوم السبت فعاليات اليوم الأول من الدورة الخامسة لمؤتمر الجمعية الأمريكية للكيمياء السريرية في الشرق الأوسط الذي تنظمه مختبرات «لايف دياجنوستكس» والجمعية الأمريكية للكمياء السريرية (AACC)  لمدة يومين في فندق جراند حياة دبي، بمشاركة 1800  خبير وطبيب ومختص وفني في مجالات الطب والتحاليل الطبية من مختلف دول العالم.

 


وتعتبر مشاركة الخبراء والمختصين في الدورة الحالية الأكبر مقارنة بالدورات السابقة نظراً لأهمية المحاور والنقاشات المطروحة في المؤتمر والتي يأتي على رأسها طرق الاستفادة من البيانات الضخمة (البيج داتا) التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي في المختبرات، وكيفية الاستفادة من الفحوصات الشاملة التي تجرى للأجنة من عمر 10 أسابيع فما فوق في اسشراف الأمراض المتوقعة والوقاية منها، وآليات الاستفادة من فحوصات الدم لحديثي الولادة من عمر الولادة وحتى 5 سنوات في إيجاد خارطة وقائية من الأمراض المستعصية، إضافة إلى دراسة دور التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في تطوير مهارات الكوادر العاملة في مجال المختبرات.


وأشاد الدكتور حسام فؤاد، المؤسس والرئيس التنفيذي لمختبرات لايف دياجنوستكس، «الشريك الاستراتيجي للمؤتمر»، بالدور الحيوي الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة دبي ممثلة في هيئة الصحة في استضافة المؤتمرات الدولية المهمة في القطاع الصحي، مشيراً إلى أن الإمارات هي الدولة الوحيدة التي تستضيف مؤتمر الجمعية الأمريكية للكيمياء السريرية الذي يمتد عمر إقامته لأكثر من 50 عاماً في الولايات المتحدة الأمريكية.


وأضاف فؤاد إن أهمية المؤتمر تنبع من أنه يناقش القضايا العالمية الحديثة في علم المختبرات ويستشرف مستقبل تلك التحديات التي تواجهها المختبرات ويضع حلولاً قابلة للتطبيق لها، موضحاً أن المؤتمر يضم نخبة من الخبراء والمختصين في علوم المختبرات حول العالم من الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة الشرق الأوسط حيث سجل اليوم الأول حضور 1800 مختص في علوم المختبرات للاطلاع على المستجدات العالمية سواء من خلال الأبحاث العلمية أو التقنيات الحديثة المستخدمة.


وكشف فؤاد عن افتتاح مختبرات لايف دياجنوستكس، أكاديمية ومركز تشخيصي متكامل للفحوصات المخبرية والإشعاعية في مدينة أبوظبي بالشراكة مع جامعات أكاديمية في الدولة خلال الربع الأول من 2024، موضحاً أن الأكاديمية ستهتم بتدريب المختصين في علم المختبرات من المواطنين والمقيمن في الدولة لاسيما في التطورات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها طب المختبرات والتي تحتم علينا اطلاعهم على أحدث التوجهات العالمية والدراسات العلمية الحديثة المتعلقة بالمختبرات والكيمياء السريرية.


من ناحيتها قالت الدكتورة رانيا بدير، عضو اللجنة العلمية للمؤتمر والمدير الطبي لمختبرات لايف دياجنوستكس، إن المؤتمر فرصة  سنوية لتعزيز الابتكار وتطوير الكيمياء السريرية عبر فعاليات الدورة الخامسة للمؤتمر مشيرة إلى أهمية طب المختبرات في العصر الحديث حيث ان قرارات الأطباء تعتمد بنسبة تفوق الـ80% على نتائج المختبر.


وأوضحت بدير أنه جرى التركيز خلال الدورة الحالية للمؤتمر على أهمية تشخيص الأمراض المستعصية للأطفال حديثي الولادة من خلال مسوحات شاملة وبالتالي تجنب كثير من الأمراض المتوقعة، لافتة إلى أهمية إجراء فحوصات شاملة للحوامل والأجنة بداية من الأسبوع العاشر في الحمل لاكتشاف الأمراض المتوقعة ووضع خطة علاجية استباقية لها.


من ناحيته أشار الدكتور أحمد الفارس كبير علماء الأبحاث الاستشاريين- مركز الجينوم الطبي بمستشفى الملك فيصل التخصصي،  إلى أهمية فحوصات الأمراض الوراثية في الحد من ارتفاع الأمراض الوراثية مما يؤدي لإبعاد شبح هذه الأمراض أو على الأقل الحد من نسبة حدوثها على المدى البعيد، لافتاً إلى أهمية وسائل التشخيص المبكر الحديثة التي تساعد في كشف الأمراض في مرحلة مبكرة لاسيما في مرحلة الأطفال من حديثي الولادة وبالتالي تقديم العلاج في الوقت المناسب لمنع تفاقم الأمراض الوراثية التي تؤثر على الفرد، والأسرة، والمجتمع، وبالتالي فهم المعلومات الوراثية والطبية المعقدة بأبسط طريقة ممكنة.


واستعرض الخبراء المشاركون في المؤتمر برنامجاً علمياً مكثفاً تم إعداده من قبل نخبة من خبراء الجمعية الأمريكية وأساتذة الطب المخبري في الشرق الأوسط، حيث تطرق جدول أعمال المؤتمر إلى عدة موضوعات حيوية خلال الجلسات التفاعلية وورش العمل التي تهدف إلى إحداث ثورة في عالم خدمات المختبرات السريرية من خلال 6 مسارات علمية رئيسية تم خلالها تسليط الضوء على أحدث التطورات في مجال المختبرات وتقنيات الفحص وتطبيقاتها وذلك استكمالا للنجاح الذي حققته الدورات السابقة للمؤتمر.


وناقش المؤتمر عدة موضوعات من بينها طرق الاستفادة المثلى من تحليل البيانات في دعم خدمات المختبرات السريرية وفحوصات حديثي الولادة ومراحل الطفولة مع التركيز على الفحوصات المعملية والطب الوقائي والموضوعات الحيوية في التشخيص المخبري وكيفية عمل المختبرات وطب الطوارئ وطرق استخدام فحص"التروبونين" عالي الحساسية فضلا عن مناقشة أحدث المستجدات في مجال علم الجينوم سريع التغير لمساعدة الأطباء.


كما تطرقت نقاشات اليوم الأول للمؤتمر إلى عدة موضوعات من بينها طرق الاستفادة المثلى من تحليل البيانات في دعم خدمات المختبرات السريرية، وفحوصات حديثي الولادة ومراحل الطفولة، مع التركيز على الفحوصات المعملية والطب الوقائي والموضوعات الحيوية في التشخيص المخبري.

 

 

a434407d-1fb2-4b89-a62e-d04bc8044475 3b59f7eb-19ab-4a78-b8b9-2402ffca2bbf 11e1cbca-57f1-43eb-ba0c-d999f1d4f11a ec454de6-b068-40fe-ace5-596623274931 3ca743c3-b474-42a9-85b3-e265c8f23882 b9d36538-cd4c-4dd4-84cc-c0846a9f95dd c4a343f4-f870-497d-bc6b-afe45c1b1b92 ea09d444-2957-4d04-a3c9-ad842ec82306 84ef0569-ba7a-44a0-8871-285daa2be616 a7f4beaf-18bd-4b5a-986e-0e2635ccaa5b

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الجمعیة الأمریکیة حدیثی الولادة الشرق الأوسط إلى أهمیة

إقرأ أيضاً:

ديفيد هيرست: الفوضى التي تبثها إسرائيل في الشرق الأوسط ستعود لتلاحقها

قال الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، إن الفوضى التي تبثها "إسرائيل" في شتى أرجاء الشرق الأوسط ستعود لتحلاقها، معتبرا أنه لا يوجد أفضل من عدوانها الجامح لدرء الانقسامات التي أحدثتها الثورات المضادة للربيع العربي.

وأضاف هيرست وهو رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" في مقال له، إنه "لا شيء يمكن أن يقنع جيران إسرائيل العرب بأنها لا قبل لها بالعيش في سلام معهم أكثر من المسار الذي ينتهجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حالياً".

ولفت إلى أن "إسرائيل" بإعادة هندسة الشرق الأوسط بأسره حتى يصبح كارهاً لها، بينما تظل القضية الفلسطينية بلا حل، وهي هندسة معاكسة لكل ما تم إنجازه على مدى ثلاثة عقود، منذ اتفاقيات أوسلو، حينما فقد الصراع الفلسطيني أولويته ومركزيته في العالم العربي. 


تاليا نص تقرير ديفيد هيرست كاملا:
إنها شعيرة تؤدى في كل مرة تبدأ إسرائيل حرباً أخرى، قبل أن ينهمر الفوسفور الأبيض، وقبل الخوف والهلع الذي يتملك الناس وهم يهربون من بيوتهم، وقبل انتشار المقاطع المصورة للناجين المصدومين وهم يبحثون عن البقايا بين أنقاض مجمعاتهم السكنية المنهارة. 

يطلق عليها شعيرة وقف إطلاق النار – استعراض على الملأ لعملية غسل اليدين. إنها تمثيلية التظاهر بأن ثمة دبلوماسيين نزهاء يحاولون البحث عن كل سبيل، ويبذلون قصارى جهدهم، من أجل الحيلولة دون انطلاق هذه الدورة من الجنون. 

وجل ذلك مصمم ومرسوم بعناية، وإن كانت بعض أجزائه مرتجلة. ولكن، كن على يقين من شيء واحد: إنها تمثيلية إيمائية، لا تمت بصلة إلى الواقع. 

قبل ساعات من إعلان إسرائيل عن أن هجومها البري على لبنان قد بدأ، كان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو يصر عبثاً في مؤتمر صحفي عقده في بيروت على أن مقترحه لوقف إطلاق نار يستمر واحداً وعشرين يوماً "مازال على الطاولة". 

وبينما كان منهمكاً في مؤتمره الصحفي، كانت الولايات المتحدة، المشاركة في تبني المقترح مع فرنسا، تقول للصحفيين إن محادثات وقف إطلاق النار قد توقفت. تكرر هذا الموقف مرات عديدة طوال ساعات ما بعد الظهيرة. وتراكمت التناقضات. 

كانت الولايات المتحدة تسعى للوصول إلى حل دبلوماسي في نفس الوقت الذي وصفت فيه اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله بأنه "خير محض". ثم زعمت أنها قيدت إسرائيل بعملية محدودة على الحدود، في نفس الوقت الذي راحت فيه تعبر عن قلقها إزاء الجانب الإنساني من العملية. وبينما تعهدت بالاستمرار في العمل من أجل تخفيف التوترات، أقرت في نفس الوقت بأن إسرائيل بلد ذو سيادة يصنع قراراته بنفسه. 

إذا ما بدت هذه الأحجية مألوفة إلى حد رهيب، فما ذلك إلا لأنها بالفعل كذلك. 

دعك من الإطناب، الخلاصة – وكما أكدت ذلك وزارة الدفاع الأمريكية – هي أن الولايات المتحدة تدعم الغزو البري للبنان، ولتشنق مخططات وقف إطلاق النار نفسها. 


الرغبة في الانتقام
نفس الشيء حصل في غزة قبل عام، حيث كانت عبارة "لدى إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها" تعنى أن تخضع للتسوية بالأرض كل الأحياء السكنية التي كان من سوء حظها التواجد بجوارها. 

تحقق هذه الرقصة البشعة غاية واحدة: كل منصات الإعلام في العالم الغربي تقريباً خرجت يوم الثلاثاء لتصف العملية الجارية في لبنان بأنها "مستهدفة" أو "محدودة" – هجمات دقيقة تنفذها مجموعات من المغاوير، تدخل ثم تخرج – تماماً كما حصل في المرحلة الأولى من الحرب على غزة. 

ففي تصريح لصحيفة واشنطن بوست، قال أحد المسؤولين الأمريكيين: "لا نتوقع أن تكون شبيهة بما حصل في عام 2006." 

أما الدبلوماسيون والجنرالات الإسرائيليون، فلم يتمكنوا من ضبط ألسنتهم والامتناع عن التلفظ بالحقيقة. ومن هؤلاء سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، مايك هيرزوغ، الذي قال: "لم تقيدنا الإدارة الأمريكية زمنياً، فهم أيضاً يدركون أنه بعد اغتيال نصر الله، ثمة وضع جديد في لبنان، وثمة فرصة لإعادة التشكيل." 

"إعادة تشكيل" لبنان لا تعني عملية مستهدفة محدودة تقتصر على التخوم. كما أن المحدودية لم تخطر ببال أحد قادة الجيش الإسرائيلي الذي قال: "نحظى بشرف عظيم أننا، وكما فعلنا في غزة، سنكتب التاريخ هنا في الشمال." 

بلغ السخط وخطاب الكراهية مستويات جنونية في إسرائيل، وسرعان ما وجدت الرغبة في الانتقام، التي وُجهت ضد أهل غزة، هدفاً جديداً: إنهم أهل لبنان. 

تباهى نير دفوري، من القناة الإخبارية 12، بالقول إن "نصر الله مات معذباً"، وذلك في خضم تقارير تفيد بأن زعيم حزب الله قضى نحبه اختناقاً. أما رئيس مجلس بلدة شلومي فرحب بالغزو البري قائلاً: "إنه ضروري من أجل تطهير المنطقة." 

أعرب المعلق السياسي بن كاسبيت عن حلمه في رؤية "اليوم التالي" الذي يأتي بعد مثل تلك العملية من التطهير، مقترحاً أنه حتى جدات أي مقاتل في قوة الرضوان، قوة النخبة التابعة لحزب الله، ممن عادوا وجاوزوا نهر الليطاني، يجب أن "تموت في تلك الحظة." 

من المضحك أن يأتي على ذكر نهر الليطاني، الذي ورد اسمه مراراً وتكراراً باعتباره الحد الأقصى في جنوب لبنان الذي ترغب إسرائيل في تكريسه من أجل التخلص من صواريخ حزب الله – لأن ذلك أيضاً تحول إلى خرافة، وذلك أن الطموحات العسكرية لهذه العملية باتت تتجاوز ذلك إلى العمق اللبناني نفسه. 

لم تكد تمر اثنتا عشرة ساعة على إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أنها فرضت قيوداً على العملية الإسرائيلية، حتى أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر بالإخلاء لسكان ما يزيد عن عشرين بلدة وقرية في جنوب لبنان. هذا ما غرد به عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، الذي قال: "عليكم التوجه حالاً إلى شمال نهر الوالي"، بالقرب من صيدا. 


إعادة تصميم الشرق الأوسط
وهذا يشير إلى أن إسرائيل تعتبر الجنوب اللبناني بأسره مسرحاً لعملياتها العسكرية، أي ما يعادل ثلث مساحة البلد. وهكذا تكون إسرائيل، وبخطة قلم، قد ضاعفت مساحة مسرح عملياتها. 

وهذا يتفق تماماً مع ما تعهد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الساعات الأولى التي تلت هجوم حماس قبل سنة. 

ففي لقائه مع المسؤولين الإسرائيليين الذين كانوا يزورون القدس من جنوب البلاد، الذي شنت عليه حماس هجومها في السابع من أكتوبر 2023، قال نتنياهو: "لسوف نقوم بتغيير الشرق الأوسط." 

أما جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والمستثمر في قطاع العقارات، والذي قضى فيما يبدو ساعات في دراسة حزب الله وبات يعتبر نفسه خبيراً في الموضوع، فكتب عبر منصة إكس يقول: "إن السابع والعشرين من سبتمبر [اليوم الذي قتل فيه نصر الله] هو أهم يوم في الشرق الأوسط منذ النجاح الباهر لاتفاقيات أبراهام. كل من يدعو إلى وقف لإطلاق النار في الشمال فهو خاطئ."

ومضى يقول: "لا يمكن لإسرائيل أن تتراجع الآن. لا يملكون الآن التوقف دون إنهاء المهمة والقيام بشكل تام بتفكيك الترسانة التي لم تزل موجهة ضدهم. لن يحظوا أبداً بفرصة أخرى." 

سوف يغير نتنياهو وداعموه الأمريكيون الشرق الأوسط عبر غزو لبنان، هذا مؤكد. ولكن ليس تماماً بالطريقة التي يتصورونها. 

بعد أن قاد تحرير جنوب لبنان بعد ثمانية عشر عاماً من الاحتلال، وبعد أن قاد المعركة ضد إسرائيل في عام 2006، بنجاح من وجهة نظر حزب الله، حافظ نصر الله على هدوء الحدود الشمالية لما يقرب من عقدين من الزمن. 

في ظل حكم نصر الله، انهمك حزب الله بشكل تام في قتال آخر، مختلف تماماً: تلك كانت الحرب الأهلية في سوريا. وكان لذلك تداعيات كثيرة، منها أنه همش أولوية النضال من أجل تحرير فلسطين، ومنها أن حزب الله، الذي نما حجمه وزادت أهميته السياسية، غدا أيسر اختراقاً من قبل الموساد الإسرائيلي. 

لا ريب أن بعض العمليات الكبرى التي نفذت خلال الشهر الماضي، مثل توريد أجهزة مناداة (بيجرز) وأجهزة لاسلكي (ووكي توكي) مفخخة، استغرق الإعداد لها أعواماً. كما أن التعرف على معاقل ومستودعات حزب الله، وتحرك الأشخاص المستهدفين بينها، كان أيضاً حصيلة أعوام من العمل والبحث. 


تقابل دراماتيكي
لم يكن أي مما تم فعله لتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله بدون إعداد مسبق، ولهذا فهو يتقابل دراماتيكياً مع المصاعب التي واجهتها إسرائيل في مساعيها لجز رأس حماس في غزة. 

كما استفادت إسرائيل من "الصبر الاستراتيجي" الذي مارسه حزب الله ومارسته إيران، أو لنقل من انعدام الرد من قبلهما على الهجمات المتكررة والمتصاعدة ضد قادتهما الميدانيين وضد زعمائهما. لم يحصل أن انتقم حزب الله لاغتيال عماد مغنية، قائد جناحه العسكري، في عام 2008. كما لم يرد بالمثل على اغتيال صالح العاروري، أحد كبار المسؤولين في حركة حماس، في وقت مبكر من هذه السنة في عقر دار الحزب، في الضاحية الجنوبية من بيروت. 

بل ازدادت إسرائيل ثقة بفضل وداعة الردود الصادرة عن حزب الله وإيران بأن بإمكانها مضاعفة ضرباتها لكل من لبنان وسوريا. 

في كل مرة حدث فيها هذا الأمر، كان كل من حزب الله وإيران يبذلان وسعهما للتأكيد على أنهما لم يرغبا في إشعال حرب مع إسرائيل، وأن حملتهما إنما هدفها التضامن مع حماس في غزة، وأنها سوف تتوقف بمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار هناك. 

وعندما ضربا بالفعل، كان الضرب بشكل عام، وإن لم يكن حصرياً، موجهاً ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، ولا أدل على ذلك من أن صواريخ حزب الله، ومقاطع الفيديو الدعائية، إنما صممت لاستعراض القوة وليس من أجل استخدامها. 

بالنظر إلى ما حدث، لقد أثبتت هذه الاستراتيجية أنها خطأ استراتيجي يدفع ثمنه حزب الله اليوم – لأنه منح من خلالها إسرائيل الثقة بأن بإمكانها أن تفعل ما تفعله الآن في لبنان. 

لقد تجاوز عدد هجمات إسرائيل على حزب الله مقابل ردود الحزب عليها ما نسبته خمسة إلى واحد. 

لا تقتصر هذه الحسبة الخاطئة على من يوصمون عادة بالتشدد في لبنان وفي إيران. فهذا الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان يقول إن الأمريكان كذبوا عليه حين وعدوه بوقف لإطلاق النار في غزة فيما لو ضبطت إيران نفسها وامتنعت عن الرد على اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران. 

لقد كان إخفاق انضباط إيران الاستراتيجي هو ما أدى ليلة الثلاثاء إلى إطلاق ما يزيد عن 180 صاروخاً على أهداف في جميع أرجاء إسرائيل. ثم بعد الهجوم، ظل بزشكيان على موقفه من أن إيران لا تسعى لخوض حرب مع إسرائيل، وذلك على الرغم من أنه تم بجلاء التخلي عن سياسة الانضباط. يتوقع المرء أن يكون حزب الله وسائر المجموعات المسلحة في اليمن والعراق أكثر تفاعلاً. 

إلا أن الحسبة الخاطئة الأكبر هي تلك التي تقع فيها إسرائيل من خلال رغبتها في الضرب على الحديد وهو ساخن. 


عدوان جامح
تقوم إسرائيل بإعادة هندسة الشرق الأوسط بأسره حتى يصبح كارهاً لها، بينما تظل القضية الفلسطينية بلا حل. وهي هندسة معاكسة لكل ما تم إنجازه على مدى ثلاثة عقود، منذ اتفاقيات أوسلو، حينما فقد الصراع الفلسطيني أولويته ومركزيته في العالم العربي. 

لا يوجد أفضل من عدوان إسرائيل الجامح سبيلاً لبرء الانقسامات التي أوجدتها في العالم العربي الثورة المضادة لثورات الربيع العربي.  

عندما تُسقط من المتفجرات ما زنته 80 طناً من أجل قتل نصر الله، وتقتل معه في سبيل ذلك 300 آخرين، فأنت تحوله من رمز للمقاومة إلى أسطورة. 

وهذا ما عبر عنه السياسي اللبناني سليمان فرنجية، سليل واحدة من العائلات المارونية الرائدة في البلاد، بقوله: "رحل الرمز، وولد الأسطورة، وتستمر المقاومة." 

أما إبراهيم الأمين، محرر صحيفة الأخبار، وهي الصحيفة المقربة من حزب الله، فشبه نصر الله بالحسين، حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والذي يعتبره الشيعة الإمام الثالث. 

كتب إبراهيم الأمين يقول: "لم يكن السيد حسن نصر الله يتخيل نفسه على صورة الحسين عندما سقط شهيداً. وهو ليس في وضعية الحسين عندما خذله العالم. بل هو على صورة الحسين الذي نهض وقاتل دفاعاً عن حق يعرف ان كلفة تحصيله عالية جداً .... السيد حسن صار رمزاً ابدياً لكل ثائر في وجه الظلم، وبأنه استشهد دفاعاً عن القدس وفلسطين."

كان نصر الله يتمتع بجاذبية خاصة، كخطيب مفوه، يحظى بإعجاب دائرته الشيعية والجماهير المؤيدة لفلسطين في العالم العربي، بوضعية مشابهة لتلك التي كان يحظى بها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر داخل الحركة القومية العربية في عهده. 

وهذا ما يعد به نصر الله بعد موته. 


عواقب بعيدة الغور
بالطبع ليست هذه وجهة نظر النخب العربية التي أمضت حياتها في استرضاء كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن حتى هؤلاء لا يملكون سوى الاعتراف بحقيقة المشاعر التي تستحوذ على شعوبهم. 

استخدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إسرائيل سبيلاً لإقناع واشنطن بأن تأخذه على محمل الجد. ولكن حتى هو أعرب صراحة، بكل ألم، عن قدراته المحدودة كزعيم لبلاده، حيث قال، كما نُقل عنه، مخاطباً وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في وقت مبكر من هذا العام: "سبعون بالمائة من شعبي هم أصغر مني سناً. معظمهم في الواقع لم يكونوا يعرفون الكثير عن القضية الفلسطينية، وها هم الآن يتعرفون عليها للمرة الأولى من خلال هذا الصراع. وهذه مشكلة كبيرة. هل أنا مهتم شخصياً بالقضية الفلسطينية؟ لا، لست مهتماً، ولكن شعبي مهتم، ولذلك فأنا بحاجة للتأكد من أن هذا أمر ذو دلالة." 

نفى مسؤول سعودي صحة ما قيل عن حديث محمد بن سلمان مع بلينكن، ولكن محتوى ما نقل عنه صواب من حيث المبدأ. 

نعم، يجري الآن إعادة تصميم المنطقة من قبل إسرائيل التي أفلتت من عقالها. 

ولكن لا شيء يمكن أن يقنع جيرانها العرب بأن إسرائيل لا قبل لها بالعيش في سلام معهم أكثر من المسار الذي تنطلق فيه إسرائيل حالياً – وهو مسار يستهدف ويهدد المسيحيين والمسلمين والشيعة والسنة على حد سواء. 

يقنعهم نتنياهو، أكثر من أي شخص آخر، أن إسرائيل التي تتصرف بهذا الشكل لا تنتمي إلى المنطقة. 

وهذا ما سوف تكون له عواقب بعيدة الغور على المستقبل. فهل كان موت نصر الله، حقيقة، "خيراً محضاً" بالنسبة للمنطقة؟ 

حذار مما تتمنى، فقد يتحقق لك ما تتمناه. 

مقالات مشابهة

  • تراجع حاد للعقود الأمريكية بسبب توترات الشرق الأوسط
  • قطر تستضيف مؤتمر M360 الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2024 لأول مرة
  • الخارجية الأمريكية: الوضع في الشرق الأوسط على حافة الهاوية
  • ديفيد هيرست: الفوضى التي تبثها إسرائيل في الشرق الأوسط ستعود لتلاحقها
  • وزير الإسكان: إطلاق مسابقة "عقول" لاستكشاف حلول هندسية مستدامة لتحديات العمران
  • روسيا: السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط فشل ذريع
  • بلينكن يناقش مع نظيره البريطاني الحاجة إلى تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط
  • مؤتمر الرسول الأعظم يؤكد أهمية بلورة مخرجاته البحثية على الواقع العملي
  • في مكتب السوداني.. ائتلاف ادارة الدولة يناقش التطورات الخطيرة في الشرق الأوسط
  • «الدفاع الأمريكية»: سنرسل آلاف الجنود إلى الشرق الأوسط لمساعدة إسرائيل