حقق أعظم نصر عسكري في التاريخ الحديث.. المشير أحمد إسماعيل وإذلال إسرائيل
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
تعد حرب أكتوبر المجيدة، علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة، فقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات في أن تكون مفتاحا لنصر مبين، دفع فيه المصريين أثمانًا غاليةً من دمائهم الطاهرة، ليستردوا جزءًا غاليًا وعزيزًا من أرض الوطن، وهي سيناء.
حرب أكتوبر المجيدة لم تكن مجرد معركةٍ عسكريةٍ خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، وإنما كانت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الشعب المصري على تحويل الحلم إلى حقيقة، فلقد تحدى الجيش المصري المستحيل ذاته، وقهرهُ، وانتصر عليه، وأثبت تفوقه في أصعب اللحظات التي قد تمر على أي أمة.
فقد كان جوهر حرب أكتوبر هو الكفاح من أجل تغيير الواقع من الهزيمة إلى النصر ومن الظلام إلى النور ومن الانكسار إلى الكبرياء، فقد غيرت الحرب خريطة التوازنات الإقليمية والدولية.
غرفة عمليات حرب أكتوبرحرب أكتوبرفي السادس من أكتوبر عام 1973، كانت صيحات الله أكبر تزلزل قناة السويس، حينما عبر عشرات الآلاف من أبطال القوات المسلحة إلى الضفة الشرقية للقناة، لاستعادة أرض الفيروز من العدو الإسرائيلي، تكبد فيها العدو خسائر لا يمكن أن ينساها أبدًا، واستعاد المصريين معها كرامتهم واحترامهم أمام العالم.
حرب السادس من أكتوبرفلقد علّمنا نصر أكتوبر العظيم أن الأمة المصرية قادرةٌ دومًا على الانتفاض من أجل حقوقها وفرض احترامها على الآخرين، تعلمنا في حرب أكتوبر أن الحق الذي يستند إلى القوة تعلو كلمته وينتصر في النهاية، وأن الشعب المصري لا يفرط في أرضه وقادرٌ على حمايتها.
نصر أكتوبروتمُر علينا الذكرى الخمسين على نصر السادس من أكتوبر عام 1973، فقد حققت مصر في حرب أكتوبر معجزة بكل المقايس، ستظل خالدة في وجدان الشعب المصري وفي ضمير الأمة العربية، وقام جيل حرب أكتوبر برفع راية الوطن على ترابه المقدس، وأعاد للعسكرية المصرية الكبرياء والشموخ في النصر العظيم.
نصر أكتوبر 73المشير أحمد إسماعيلمنذ صغره كان يهوى دائما قراءة كتب التاريخ والسيرة وبطولات القادة العسكريين، فقد نشأ وتربى على الحياة العسكرية حيث كان يعمل والده ضابطًا بوزارة الداخلية، إنه المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية المصري.
نشأتهولد المشير أحمد إسماعيل فى الرابع من أكتوبر عام 1917 بحى شبرا، وقد حصل على شهادة البكالوريا "الثانوية العامة" في عام 1934، ثم تقدم إلى الكلية الحربية مع الرئيس أنور السادات إلا أن أوراقهما رفضت والتحق الطالب بكلية التجارة عندما رفضت الكلية الحربية قبوله ورغم نجاحه بتفوق لمدة عامين، إلا أنه لم يقبل حرمانه من الالتحاق بالكلية الحربية وأخذ يسعى دون ملل حتى تمكن من الالتحاق بها عام 1937.
الكلية الحربيةأمضي المشير أحمد إسماعيل فترة الإعداد فى الكلية بنجاح، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان وتم تعيينه بسلاح المشاة فى عام 1938 ضمن الدفعة الثامنة حربية وعمل ضابطا للاستطلاع وقائدا لفصيلة في إحدى كتائب المشاة ومن ضمن من زامله فى الخدمة الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس محمد أنور السادات، والفريق عبد المنعم رياض، ويوسف السباعى، وأحمد مظهر.
وفي الأول من مايو سنة 1940 ترقية الملازم أحمد إسماعيل إلي رتبة الملازم أول وقاد سرية بإحدى كتائب المشاة، وفي الخامس من سبتمبر من عام 1942 منح رتبة النقيب، ولعقليته العسكرية الفذة اختير لمنصب أركان حرب إحدى كتائب المشاة في السابع من يوليو من عام 1948 ثم تم ترقيته إلي رتبة رائد وتولي قيادة سرية في رفح.
تدرجه الوظيفيلتفوق المشير أحمد إسماعيل والتزامه العسكري التام تم اختياره ليكون واحدا من أحد أعضاء دورة تدريبية عسكرية في دير ياسين بفلسطين وكانت الحكومة الإنجليزية هي الجهة المسئولة عن هذا الالتزام، وفي هذه الدورة التدريبية حقق مفاجأة مذهلة وأظهر بلاءً حسنا بأن يكون ترتيبه الأول فى الدورة على جميع الضباط الإنجليز والمصريين، وهذا ما شجع القيادة العسكرية على أن ترسله فى دورة تدريبية أخرى في بريطانيا ورجع منها مجتازا إياها بنجاح فائق وعلى جميع الطلاب الحاضرين فيها وكان ترتيبه أيضا الأول.
والتحق عام 1948 بكلية أركان الحرب وهو برتبة صاغ "رائد"، إلا أن نشوب حرب فلسطين 15 مايو 1948 أدت إلى توقف الدراسة حتى انتهاء الحرب وصدرت له أوامر عسكرية بالمشاركة في حرب 1948 وبإنشاء خط دفاعي منيع في مدينة رفح، وطبق في هذا الالتزام خبراته التدريبية ونجح فى عمل خط دفاع قوى، ولذلك كان محل اهتمام من القيادة العسكرية بعد الهدنة وتم دراسة خططه الناجحة ووجدت ذات كفاءة مما جعله ينجح فى هذا الخط الدفاعى مما جعل القيادة العسكرية تصدر تكليف أحمد إسماعيل بإعداد خطة دفاعية مماثلة لصد الهجوم الإسرائيلي علي مدينة العريش فى ذلك الوقت.
عاود "أحمد إسماعيل" إعداد وتثقيف نفسه في مواد العلوم العسكرية حتى يستفيد هو شخصيا بما هو جديد في تكنولوجيا التسليح والإستراتيجية العسكرية، فتقدم إلى الدراسة في كلية القادة والأركان للقوات المسلحة المصرية فى عام 1950 للحصول على درجة الماجستير في العلوم العسكرية ولما كان هدفه الاستفادة جاء ترتيبه الأول على الدفعة.
وتمت ترقيته إلى رتبة المقدم في الحادي عشر من فبراير سنة 1951 وبعدها بفترة قصيرة تم اختياره مدرسا بكلية القادة والأركان الحرب، والتي كان يدرس فيها وصار يشغل هذا المنصب بالكلية، وكان معروفا عنه النشاط والإفادة فى العلوم العسكرية والجدية فى نظام التدريس لطلبة الفرق التعليمية وعندما قامت ثورة 23 يوليو عام 1952 قامت قيادة الجيش بعمل تغييرات فى القيادات العسكرية ومنها إصدار أوامر عسكرية لأحمد إسماعيل بتولي رئاسة أركان حرب إحدى فرق المشاة.
مهنة التدريسفي السادس من أغسطس عام 1952 عاد لمزاولة مهنة التدريس التي كان يقول عنها إنها طريق النصر، وذلك فى كلية أركان الحرب في سبتمبر عام 1952 وبعد ذلك صدرت إليه أوامر عسكرية لتولي قيادة الكتيبة السابعة المشاة فى السابع من سبتمبر 1953 ومن خلال قيادته للكتيبة تم اختياره عضوا ضمن اللجنة العليا للمفاوضات العسكرية مع إنجلترا عام 1954 وهي من أهم الأحداث التاريخية التى حدثت في هذا الوقت وبعد هذه العملية.
وتم إصدار أمر عسكري لأحمد إسماعيل بتكوين أول تشكيل عسكري مقاتل وذلك طبقا للتعليمات العسكرية وقام بتعبئة وتدريب التشكيل العسكري وفق خطة عسكرية تحقق المهام المكلفة بها.
عضو ضمن لجنة لشراء صفقة الأسلحة التشيكيةتم اختياره ليكون عضوا ضمن لجنة لشراء صفقة الأسلحة التشيكية خاصة القوات المسلحة عام 1955.
إنشاء أول وحدة لقوات الصاعقةفي أول يناير من عام 1955 ترقى إلي رتبة العقيد وفى هذا الوقت راودته فكرة كانت تسايره من فترة طويلة وهى إنشاء أول وحدة لقوات الصاعقة وتكون ضمن وحدات القوات المسلحة الأساسية والتي يعتمد عليها فى تنفيذ المهام والأوامر التي تصدر إليهم.
وتم تكوينها من مجموعة من الضباط الصغار المتفوقين في العلوم العسكرية ذوي قدرة عالية في التدريب القتالى ومقاتلين ذوي نزعة وطنية خاصة لأن طبيعة عملهم تكون له صفة الجرأة، وبدأ هو في الإشراف على تدريبهم وإعدادهم معنويا ونفسيا لأنهم نواة قوات الصاعقة.
التصدي للعدوان الثلاثيتولى قيادة لواء مشاة عام 1956، والذى كان من ضمن الألوية المتمركزة فى سيناء ولقد شارك أحمد إسماعيل بلوائه فى التصدى للعدوان الثلاثى حين وقع فى التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1956، واستطاع المشير أن يتقدم بلوائه حتى وسط سيناء، واشتبك في عدة معارك مع العدو، ثم صدرت التعليمات له بالتوجه إلى مدينة بورسعيد وقد كلف باستلام مدينة بورسعيد بعد انسحاب الإنجليز منها وخروج آخر جندي أجنبى ورفع أحمد إسماعيل علم مصر على مدينة بورسعيد فى 21 ديسمبر 1956.
وقد مارست قوات الصاعقة المصرية التى كان قد أنشأها أحمد إسماعيل عملياتها ضد العدو طوال معارك بورسعيد على أعلى درجة من الكفاءة والاقتدار.
وبعد فترة زمنية قصيرة تم إيفاد أحمد إسماعيل للقيام بالالتحاق في دورة تدريبية بأكاديمية فروتز العسكرية العليا بالاتحاد السوفيتي "روسيا" بناءً على أوامر عسكرية، ودخل أحمد إسماعيل مرحلة جديدة من الفكر العسكري وشهد له بالامتياز والكفاءة وسط جميع زملائه في هذه الدورة التدريبية وتخرج وكان ترتيبه الأول على زملائه عام 1957.
كبير المعلمين بالكلية الحربيةومع بداية اليوم الأول من شهر يناير 1958 تمت ترقيته إلى رتبة العميد وعاد إلى عملية التدريب تنفيذا للأوامر العسكرية ولكن هذه المرة تم اختياره ككبير معلمين بالكلية الحربية، وذلك في الحادي والثلاثين من شهر مارس 1959 وفى هذا المنصب وجد فى نفسه القدرة على تخريج ضباط ذوي كفاءة عالية في التخطيط العسكري والتدريب المهارى واتيحت له فرصة تطوير نفسه والضباط الخريجين علي المهام العسكرية التي تؤهلهم للنصر في المعارك الحربية القادمة.
أول تشكيل مقاتل فى القوات المسلحة المصريةوتولى قيادة فرقة مشاة فى السادس من يوليو 1962 والتى أعاد تشكيلها لتكون أول تشكيل مقاتل فى القوات المسلحة المصرية وتولى رئاسة هيئة تدريب القوات البرية فى الرابع من مايو 1965م وهو المنصب الذى كان يشغله حين قامت حرب 1967 والتحق بأكاديمية ناصر العسكرية "بكلية الحرب العليا"، حيث حصل على درجة الزمالة قبل حرب يونيو 1967.
رئاسة هيئة تدريب القوات المسلحةعقب حرب يونيو 1967، تولى رئاسة هيئة تدريب القوات المسلحة فى الرابع عشر من يونيو 1967 حين أعيد تشكيل القيادة بعد حرب يونيو 67 مباشرة، ولكنه لم يستمر فى هذا المنصب إلا أسبوعين ثم تولى قيادة قوات الجبهة غرب قناة السويس، وكلف وقتها باستعادة الكفاءة القتالية للقوات المصرية، وبناء الدفاعات المصرية غرب القناة، وإدارة أعمال قتال حرب الاستنزاف فى وقت واحد.
تمكن المشير إسماعيل من التخطيط وإدارة أعمال قتال حرب الاستنزاف فى المهام التى أسندت لقواته وقتها بنجاح ، وكانا أكثرها أهمية:
- معركة الجزيرة الخضراء.
- معركة رأس العش شرق القناة.
- إغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات" فى المياه الإقليمية المصرية قبالة ميناء بورسعيد.
رئيس لهيئة العمليات ورئيسًا للأركانتم تعيينه فى عام 1968 رئيسًا لهيئة العمليات، ثم رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في مارس 1969، بعد استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض كما عين في منصب الأمين العسكرى المساعد بجامعة الدول العربية إلى أن اختاره الرئيس محمد أنور السادات فى مايو 1971، ليرأس جهاز المخابرات العامة وكشف الجهاز خلال رئاسته عددًا من قضايا التجسس.
تعيينه وزيرًا للحربيةتم تعيين المشير أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية فى 26 أكتوبر 1972وفي يناير عام 1973عُين قائدًا عامًا للقوات المسلحة المصرية وبعد أسبوع من تعيينه، تم تعيينه قائدًا عامًا للجبهات الثلاث الشرقية "الأردن" والشمالية "سوريا" والجنوبية "مصر"، من قبل مجلس الدفاع العربي.
قاد الفريق أول أحمد إسماعيل قوات الجبهتين الشمالية والجنوبية في حرب أكتوبر 1973 وقام بإدارة الحرب أكتوبر 1973 بمهارة وثبات وصبر مما ساعد على اجتياز الأوقات العصيبة للحرب بنجاح، كما نجح في تنسيق الجهود والتعاون مع القوات السورية أثناء الإعداد للحرب وبدء الأعمال القتالية في 6 أكتوبر 1973 وحقق النصر الكبير ثم قاد عملية تطوير وتحديث القوات المسلحة المصرية عقب الحرب مباشرة.
أصدر الرئيس السادات فى أعقاب حرب أكتوبر قرارًا بترقية الفريق أول أحمد إسماعيل إلى رتبة "المشير"، أرفع الرتب العسكرية، فى احتفال مجلس الشعب يوم 19 فبراير 1974، وفي يوم 26 أبريل 1974 عين نائبًا لرئيس الوزراء، بالإضافة إلى مناصبه السابق ذكرها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المشير أحمد إسماعيل حرب اكتوبر سيناء حرب السادس من أكتوبر نصر اكتوبر أحمد إسماعيل القوات المسلحة المصریة العلوم العسکریة الکلیة الحربیة من أکتوبر عام حرب أکتوبر السادس من فى هذا فی حرب
إقرأ أيضاً:
NYT: بعد 7 أكتوبر غيّرت إسرائيل قواعد الاشتباك ولم تعد تهتم بالمدنيين
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا، لمجموعة من مراسليها قالت فيه إنّ: "إسرائيل تساهلت في القواعد لملاحقة مقاتلي حماس بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما أدى إلى مقتل المزيد من المدنيين في غزة".
وتابع التقرير الذي ترجمته "عربي21" أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي "أصدر في الساعة الواحدة مساء تماما من يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر أمرا أطلق العنان فيه لواحدة من أكثر حملات القصف كثافة في الحروب المعاصرة".
وأضاف: "اعتبارا من ذلك الوقت، بات لدى الضباط الإسرائيليين من ذوي الرتب المتوسطة سلطة ضرب آلاف المسلحين والمواقع العسكرية، وهي التي لم تكن أبدا أولوية في الحروب السابقة في غزة".
وأضاف: "بموجب الأمر أصبح للضباط الآن فرصة ملاحقة ليس فقط كبار قادة حماس، ومستودعات الأسلحة وقاذفات الصواريخ التي كانت محور الحملات السابقة، ولكن أيضا المقاتلين من ذوي الرتب الدنيا".
"سمح الأمر للضباط في كل ضربة، بالمخاطرة بقتل ما يصل لـ20 مدنيا. ولم يحدث أن صدر هذا الأمر، الذي ليس له مثيل في تاريخ إسرائيل العسكري. ومنح ضباط الوسط صلاحية لضرب أكبر عدد من الأهداف ذات الأهمية العسكرية وبثمن كبير على المدنيين" وفقا للتقرير نفسه.
وأكد: "كان هذا يعني على سبيل المثال، ضرب الجيش للمسلحين العاديين وهم في منازلهم ووسط أقاربهم وجيرانهم، بدلا من استهدافهم فقط عندما يكونون بمفردهم في الخارج".
وأبرز: "في الصراعات السابقة مع حماس، لم تتم الموافقة على العديد من الضربات الإسرائيلية إلا بعد أن خلص الضباط بعدم تعرض أي مدني للخطر"، مردفا: "في بعض الأحيان، كان الضباط يخاطرون بقتل ما يصل إلى خمسة مدنيين، ونادرا ما ارتفع الحد إلى 10 أو أكثر، على الرغم من أن عدد القتلى الفعلي كان أعلى من ذلك بكثير في بعض المرات".
وأكد: "لكن القيادة العسكرية غيّرت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر قواعد الاشتباك، حيث اعتقدت أن إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا، وفق مسؤول عسكري أوضح الأمر بشرط عدم الكشف عن هويته".
وقال المسؤول، وفقا للصحيفة، إنه: "بعد ساعات من دخول مقاتلي حماس إسرائيل وسيطرتهم على بلدات وقواعد عسكرية، وقتل 1,200 شخص واحتجاز 250 أسيرا، خشيت إسرائيل من غزو يأتي من الشمال وتنفذه الجماعات الموالية لإيران، مثل حزب الله اللبناني".
وفي خطاب ألقاه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في 7 تشرين الأول/ أكتوبر: "كل الأماكن التي انتشرت فيها حماس بغزة، وكل الأماكن التي اختبأت فيها حماس وتعمل منها، سوف تتحول إلى أنقاض".
إلى ذلك، توصل تحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أضعفت بشدة نظام الضمانات الذي كان يهدف إلى حماية المدنيين، واعتمدت أساليب تعاني من القصور للعثور على الأهداف، وتقييم خطر وقوع إصابات بين المدنيين.
كذلك، بحسب التحقيق نفسه: "فشلت بشكل روتيني في إجراء مراجعات ما بعد الضربة وتقييم الأذى الذي لحق بالمدنيين أو معاقبة الضباط على المخالفات وتجاهلت التحذيرات من داخل صفوفها ومن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين بشأن هذه الإخفاقات".
إثر ذلك، راجعت الصحيفة عشرات السجلات العسكرية وأجرت مقابلات مع أكثر من 100 جندي ومسؤول، بمن فيهم أكثر من 25 شخصا ساعدوا في فحص الأهداف أو الموافقة عليها أو ضربها.
وتوفر رواياتهم مجتمعة صورة لا مثيل لها لكيفية شن الاحتلال الإسرائيلي لواحدة من أعنف الحروب الجوية في هذا القرن. فيما نقلت الصحيفة شهادات الجنود والإسرائيليين شريطة عدم الكشف عن هويتهم. وقامت "نيويورك تايمز" بالتثبت من الأوامر العسكرية مع ضباط على معرفة بمحتواها.
وجد التحقيق الذي قامت به "نيويورك تايمز" الآتي:
أولا: وسع الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير نطاق الأهداف العسكرية التي يسعى إلى ضربها في الغارات الجوية الاستباقية، وزاد في الوقت نفسه عدد المدنيين الذين قد تعرضهم أوامر الضباط للخطر في كل هجوم.
ما أدّى إلى إسقاط ما يقرب من 30,000 قذيفة على غزة في أول 7 أسابيع من الحرب، وهو ما يزيد عن عددها في الأشهر الثمانية التالية مجتمعة.
ثانيا: في عدد من المناسبات، وافق المسؤولون البارزون على هجمات ضد قادة حماس، كانوا يعرفون أنها تعرض حياة 100 من المدنيين أو غير المقاتلين لخطر الموت.
ثالثا: ضرب جيش الاحتلال بوتيرة سريعة، كان من الصعب التأكد فيما إن كان يضرب أهدافا شرعية. استنفدت الغارات كل الأهداف العسكرية التي تم التأكد منها في قاعدة بيانات ما قبل الحرب، وخلال عدة أيام.
وتبنى الجيش نظاما لم تتم الموافقة عليه للبحث عن أهداف جديدة واستخدم الذكاء الاصطناعي وعلى قاعدة واسعة.
رابعا: اعتمد جيش الاحتلال على نموذج إحصائي بدائي لتقييم خطر إلحاق الضرر بالمدنيين، وفي بعض الأحيان شنّ غارات على الأهداف بعد عدّة ساعات من تحديد موقعها، الأمر الذي زاد من نسبة الخطأ.
واعتمد النموذج بشكل أساسي على تقديرات استخدام الهاتف المحمول في الأحياء، بدلا من المراقبة المكثفة لمبنى محدد، كما كان شائعا في الحملات الإسرائيلية السابقة.
خامسا: منذ اليوم الأول للحرب، قلّل جيش الاحتلال ممّا يطلق عليه الطرق على الأسطح أو الطلقات التحذيرية التي منحت المدنيين فرص الهروب من هجوم محتوم. وعندما كان بوسع الجيش استخدام ذخائر أصغر حجما وأكثر دقة لتحقيق نفس الهدف العسكري، كانت الضربات تتسبب أحيانا بأضرار أكبر من خلال إسقاط "القنابل الغبية"، فضلا عن القنابل التي تزن 2,000 رطل.
إلى ذلك، تعلق الصحيفة أن الحملة العسكرية ضد غزة كانت في أعلى المستويات كثافة خلال الأشهر الأولى الخمسة من الحرب. واستشهد أكثر من 15,000 فلسطيني، أو ثلث الحصيلة الكاملة للقتلى، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 فصاعدا، بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي بالتقليل من الهجمات وتشديد قواعد الاشتباك، وخفض عدد المدنيين الذين قد يتعرضون للخطر عند ضرب المسلحين من ذوي الرتب المنخفضة الذين لا يشكلون أي تهديد وشيك، إلى النصف.
وفي الأسابيع الأولى من الحرب، استشهد أكثر من 30,000 فلسطيني. وفي الوقت الذي شككت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بالأرقام إلا أن أعداد الشهداء استمرت بالارتفاع.
وعندما قدمت الصحيفة نتائج تحقيقها لجيش الاحتلال الإسرائيلي، رد ببيان مكتوب من 700 كلمة، اعترف فيه بأن قواعد الاشتباك تغيرت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فيما زعم أن قواته استخدمت وبشكل متناسق الوسائل والأساليب الملتزمة بقواعد القانون.
وأضاف البيان أن: "التغييرات جاءت في سياق صراع غير مسبوق ولا يمكن مقارنته بمسارح أخرى للأعمال العدائية في جميع أنحاء العالم"، مبررا أنها أتت إثر هجوم حماس وجهود المسلحين للاختباء بين المدنيين في غزة وشبكة الأنفاق الواسعة.
وكان أقارب أحد القادة في حركة مرتبطة بحماس، شلدان النجار، أول الضحايا لتغير قواعد الاشتباك الإسرائيلية. فعندما ضرب طيران الاحتلال الإسرائيلي بيته قبل 9 أعوام لم يصب أحد من أفراد عائلته بمن فيها نفسه.
ولكن بحسب التقرير، عندما استهدفت البيت في الحرب الجديدة لم يقتل النجار فحسب بل و20 فردا من عائلته، وذلك حسب شقيقه سليمان الذي عاش في البيت الذي ضرب وشاهد آثار ما بعد الضربة مباشرة.
وتزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، المتّهمة بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية أنها تتخذ الإجراءات قبل الضربات، من ناحية إفراغ مدن بكاملها وإسقاط الملصقات.
وبحسب البروتوكول العسكري الإسرائيلي فهناك أربع فئات لتجنب تعريض المدنيين للخطر: مستوى صفر، الذي يمنع الجنود من تعريض المدنيين للخطر. مستوى واحد، ويسمح بقتل خمسة مدنيين. مستوى اثنين، ويسمح بقتل على الأقل 10 مدنيين. مستوى ثلاثة، ويسمح بقتل 20 مدنيا على الأقل. وقد أصبح الأخير هو المعيار المعمول به بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وفجأة، أصبح بإمكان الضباط أن يقرّروا إسقاط قنابل تزن طنا واحدا على قطاع من البنية التحتية العسكرية، بما في ذلك مخازن الذخيرة الصغيرة ومصانع الصواريخ، علاوة على قتل جميع مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي.
وكان تعريف الهدف العسكري يشمل أبراج المراقبة والصرافين المشتبه في تعاملهم مع أموال حماس، وكذا مداخل شبكة الأنفاق تحت الأرض. ولم يكن الحصول على إذن من كبار القادة مطلوبا إلا إذا كان الهدف قريبا للغاية من موقع حساس، مثل مدرسة أو منشأة صحية، رغم أن مثل هذه الضربات كانت تتم الموافقة عليها بانتظام أيضا.
وكان الأثر حاسما، فقد وثقت "إيروارز"، التي ترصد النزاعات من مقرها في لندن، 136 هجوما قتل فيها على الأقل 15 مدنيا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتقول المنظمة إن الرقم هو خمسة أضعاف ما وثقته في نزاع آخر، ومنذ بداية عملها قبل عقد من الزمان. وبحسب أربعة ضباط إسرائيليين شاركوا في اختيار الأهداف، سمح أحيانا باستهداف حفنة من قادة حماس، طالما وافق كبار الجنرالات أو القيادة السياسية في بعض الأحيان.
وقال ثلاثة منهم إن واحدا من المستهدفين كان إبراهيم بياري، وهو قائد كبير في حماس استشهد في شمال غزة في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، في هجوم قدرت منظمة "إيروارز" أنه أسفر عن استشهاد 125 آخرين على الأقل.
أمر آخر، أصدرته القيادة العسكرية العليا في الساعة 10:50 مساء يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر ويعطي صورة عن حجم الخسائر المدنية التي تعتبر مقبولة. وقالت إن الضربات على الأهداف العسكرية على غزة سمح لها بتعريض ما يصل إلى 500 مدني للخطر كل يوم.
ووصف المسؤولون العسكريون الأمر بأنه إجراء احترازي يهدف للحد من عدد الضربات التي يمكن أن تحدث كل يوم. وقال الباحث في الأكاديمية العسكرية، ويست بوينت، مايكل شميدت، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ: "الأمر قد يفهم من قبل الضباط من ذوي الرتب المتوسطة على أنه حصة يجب عليهم الوصول إليها".
كذلك، زاد الخطر على المدنيين بسبب الاستخدام الواسع النطاق لجيش الاحتلال الإسرائيلي للقنابل التي يبلغ وزنها 1,000 و2,000 رطل، وكثير منها من صنع الولايات المتحدة، والتي شكلت 90 في المئة من الذخائر التي أسقطها الاحتلال الإسرائيلي في الأسبوعين الأولين من الحرب.
وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر، قال ضابطان، إن: القوات الجوية ألقت عددا كبيرا من القنابل التي يبلغ وزنها طنا واحدا حتى أنها بدأت تعاني من نقص في مجموعات التوجيه التي تحول الأسلحة غير الموجهة، أو "القنابل الغبية"، إلى ذخائر موجهة بدقة. وهو ما أجبر الطيارين على الاعتماد على قنابل أقل دقة.