"فورين بوليسي" تتساءل: هل الضربات الجوية الأوكرانية في روسيا فعالة؟!
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
نفذت أوكرانيا ضربات جوية لمهاجمة القوات العسكرية الروسية في ساحة المعركة أو بالقرب منها، إلى جانب شن أكثر من 100 هجوم، معظمها بمجموعة من الطائرات بدون طيار، داخل روسيا نفسها وضد شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا عام 2014.
ولم تقصف أوكرانيا العديد من الأهداف العسكرية فحسب، بل قصفت أيضا مجمع المعارض في مركز إكسبو وناطحة سحاب قيد الإنشاء في موسكو، ومنشآت النفط في شبه جزيرة القرم، والبنية التحتية في مناطق أخرى، مثل محطة فرعية للكهرباء.
ورأت مجلة "فورين بوليسي" أن هذه الهجمات ربما تستهدف إعاقة القتال الروسي، وأن القادة الأوكرانيين ربما يسعون إلى إحداث تأثير استراتيجي أكبر، تجلى في تصريح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الضربات الجوية تظهر أن الحرب "تعود تدريجيا" إلى روسيا.
وتساءلت المجلة الأمريكية: كيف يمكن للهجمات الجوية الأوكرانية أن تساهم في تطويع وإخضاع روسيا، إذا كان ذلك ممكنا؟
وفي هذا السياق، تحذر معظم الدراسات من صعوبة التأثير بشكل كبير على عملية صنع القرار لدى الخصم من خلال القوة الجوية وحدها. وبالاعتماد على تاريخ القصف الاستراتيجي في الحرب العالمية الثانية، وفيتنام، وحرب الخليج الأولى، وكوسوفو، وغيرها من الحملات، خلص الباحثون إلى أن التأثيرات الاستراتيجية لاستخدام الضربات الجوية نادرة، حيث تؤدي هذه النوعية من الضربات إلى حشد القادة والشعوب في مواجهة القصف، ويصبحون في بعض الأحيان أكثر دعما لأنظمتهم، أو على الأقل، يجدون أنفسهم غير قادرين على التمرد ضد الحكومات القوية.
ومع ذلك، تشير هذه الأعمال وغيرها أيضا إلى أن القصف الاستراتيجي يمكن أن يكون له مجموعة من التأثيرات، من بينها: رفع الروح المعنوية في الدولة التي تنفذ القصف.
وذكرت "فورين بوليسي" أن الحرب الروسية الأوكرانية تختلف عن الحالات السابقة فيما يتعلق باستخدام القوة الجوية. ففي هذا الصراع، لا يتمتع أي من الطرفين بتفوق جوي حقيقي، إذ يواصل كل منهما قصف الآخر باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ، من بين وسائل أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن العمليات الجوية الاستراتيجية هي في أفضل الأحوال جزء صغير من الصراع الشامل. وأخيرا، في حالة الهجمات الأوكرانية على روسيا، تكون الضربات في أحسن الأحوال طفيفة، وتتسبب في عدد قليل من الضحايا واضطرابات محدودة للغاية في الحياة اليومية، بينما على النقيض من القصف الروسي، فإنه أكثر ضخامة وفتكا لأوكرانيا.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن معظم الجهود الشاملة لإخضاع وتطويع موسكو تنطوي على الضغط الاقتصادي عليها وفتح جبهات مختلفة في ساحة المعركة بأوكرانيا لإرهاق روسيا. كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قاموا بتنسيق عقوبات مالية وحظر على عمليات الاستيراد والتصدير وغيرها من العقوبات على روسيا. وتمكنت موسكو من النجاة من هذه العقوبات حتى الآن، لكن الضغوط لاتزال مستمرة عليها. ويتمثل جزء من جهود إخضاع وتطويع موسكو في تقويض الدعم الشعبي لنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وممارسة الضغوط عليه لإنهاء الصراع. وهناك هدف منفصل يتمثل في زيادة استياء النخبة، وهو ما قد يفرض أيضا ضغوطا على بوتين وقد يؤدي حتى إلى انقلاب على نظامه، على حد قول مجلة "فورين بوليسي".
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشجاعة الأوكرانية المدعومة بمساعدات أمريكية وأوروبية ضخمة أحبطت الأهداف العسكرية الروسية التوسعية. كما أن استمرار المقاومة والهجمات المضادة يبعث بشكل أساسي برسالة إلى موسكو مفادها أنها لن تحقق أهدافها الكبرى.
ولفتت المجلة إلى أن الغارات الجوية في عمق روسيا ليست ذات أهمية كبرى، وإن أحد التأثيرات المحتملة التي كان يسعى إليها الأوكرانيين هو أن يصبح الروس خائفين من الضربات الجوية وينقلبوا على حكومتهم، ولكن هذا أمر غير محتمل إلى حد كبير. ومن غير الواضح ما إذا كانت أوكرانيا قد قتلت أي روس في الهجمات الجوية (على الرغم من أنه من الممكن أن تخفي روسيا عددا صغيرا من القتلى)، ولكن على أي حال فإن الأعداد ستكون صغيرة، خاصة بالنسبة لدولة كبيرة مثل روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الغارات الجوية لم تضرب سوى أجزاء صغيرة من روسيا. ويمكن للغالبية العظمى من الروس أن يمارسوا حياتهم اليومية دون أن تتأثر إلى حد كبير. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنه حتى لو كان المواطنون غاضبين وخائفين، فمن الصعب أن يثوروا ضد نظام بوتين، رغم أن التغيير السريع أمر وارد.
ويتلخص الهدف الأكثر واقعية في أن الغارات الجوية الأوكرانية المستمرة قد تؤدي إلى وقف الدعاية المستمرة للنظام الروسي، حيث نجح بوتين في إقناع ــ أو إجبار ــ المواطنين الروس العاديين على دعم الحرب، لكنهم سيصبحون أقل حماسا كلما أصبح من الواضح أنهم لا ينتصرون فيها.
والأهم من ذلك، أن هذه الضربات الجوية، حتى لو كانت محدودة، يمكن أن تشجع المقاومة الأوكرانية. وفي حين قد تبدو جهود أوكرانيا تافهة بالمقارنة مع حملة القصف الروسية، التي استهدفت المدنيين في كييف ومدن أخرى، فضلا عن شبكة الكهرباء الأوكرانية، ومرافق شحن الحبوب في أوديسا، وغيرها من المواقع، إلا أن كل طرف يحاول إقناع الطرف الآخر بأنه غير قادر على الفوز، وبالتالي ينبغي عليه تقديم تنازلات.
وأخيرا، قد تجبر الضربات الجوية روسيا على تحويل الموارد لحماية مدنها وبنيتها التحتية، بما في ذلك الموارد التي قد يكون من الأفضل استخدامها في ساحة المعركة. وبقدر ما يشعر بوتين بالضغط السياسي بسبب الهجمات الأوكرانية، فقد يشعر بأنه مضطر إلى جعل الجيش الروسي يزيد من دفاعاته الجوية حول المدن الروسية وغيرها من الأهداف، مع تقليل ما هو متاح لساحة المعركة، وبالتالي تخفيف الضغط عن أوكرانيا.
وترى "فورين بوليسي" أنه على الرغم من الفوائد المحتملة سالفة الذكر للضربات الجوية، إلا أنه يمكن أن يكون لهذه الغارات العديد من الآثار السلبية المحتملة، من بينها: المفاهيم الخاطئة وسوء التقدير، حيث أسقطت الولايات المتحدة على سبيل المثال رحلة الخطوط الجوية الإيرانية رقم 655 عام 1988، ظنا منها أنها طائرة عسكرية إيرانية أثناء مواجهة عسكرية في مضيق هرمز، ما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 290 راكبا. وافترضت الحكومة الإيرانية حينها أن الهجوم كان متعمدا كجزء من خطة الولايات المتحدة لمساعدة العراق في حربه ضد إيران.
وفي السياق الروسي الأوكراني، من الممكن أن الضربات الأوكرانية التي تهدف إلى إظهار التصميم أو حمل النخبة الروسية على تصور أن موسكو تخسر، قد تنقل بدلا من ذلك رسالة مختلفة وغير مقصودة تماما، حيث قد يقوم الخصم بتصعيد رده. ومن الممكن أن تعزز هجمات أوكرانيا على المدنيين أو البنية التحتية المدنية حجة بوتين بأن الأوكرانيين همج وأن الفظائع العديدة التي ارتكبتها روسيا لها ما يبررها. كما يمكنها أيضا تشويه الأصوات التي تطالب بالسلام أو ضبط النفس، بل وحتى تعزيز الدعم المحلي لنظام يستطيع في هذه الحالة أن يزعم أنه يتصرف دفاعا عن النفس.
وحذرت المجلة الأمريكية من أن هذه الضربات قد تؤدي في النهاية إلى المزيد من الوحشية ضد المواطنين الأوكرانيين. فعى سبيل المثال، في أغسطس الماضي، أطلقت روسيا وابلا من الهجمات الصاروخية والهجمات بطائرات بدون طيار، زاعمة أن ذلك كان ردا على هجوم أوكراني على ناقلة روسية.
وبالنسبة لأوكرانيا، فإن الخطر الأكثر أهمية قد يكون دبلوماسيا. فعلى الرغم من أن بعض مؤيدي العقوبات وغيرها من التدابير المناهضة لروسيا متشددون، إلا أن الكثيرين منهم لا يهتمون كثيرا بالصراع ويفضلون استئناف التجارة مع روسيا. لذا، يجب النظر إلى الضربات الجوية التي تشنها أوكرانيا في السياق الأوسع، بمعنى أن يظل الاستخدام الأكثر أهمية للقوة الجوية في ساحة المعركة، وأن توازن أوكرانيا بعناية بين الكيفية التي يتم النظر بها إلى مثل هذه الضربات في روسيا وخارجها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الضربات الجوية الأوكرانية روسيا فی ساحة المعرکة الضربات الجویة فورین بولیسی هذه الضربات وغیرها من إلا أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا
أعلنت روسيا، الخميس، سيطرتها على قرية قرب كوراخوفي في شرق أوكرانيا، وهي أحد خطوط الجبهة، حيث تتقدم قواتها في مواجهة الجيش الأوكراني، الذي يتراجع منذ أشهر.
وتعلن روسيا سيطرتها على قرى في شرق أوكرانيا بشكل منتظم منذ هذا الصيف، فيما تواصل هجومها.
Via @euronews: Russian forces advance on Kurakhove and Pokrovsk in Ukraine's Donetsk regionhttps://t.co/rim0tEVkIM
— Blue Mountains (@bali18067) November 14, 2024وقالت وزارة الدفاع الروسية، في تقريرها اليومي بشأن المعارك، إن القوات الروسية "واصلت التقدم في عمق دفاعات العدو وحرّرت بلدة فوزنيسينكا"، الواقعة غرب مدينة دونيتسك، والتي كان يبلغ عدد سكانها حوالي 20 ألف نسمة، قبل أن تشن موسكو هجومها عام 2022.
وتسيطر القوات الروسية الآن على الأراضي الواقعة إلى الشمال مثل كوراخوفي، وشرقها وجنوبها.