نفذت أوكرانيا ضربات جوية لمهاجمة القوات العسكرية الروسية في ساحة المعركة أو بالقرب منها، إلى جانب شن أكثر من 100 هجوم، معظمها بمجموعة من الطائرات بدون طيار، داخل روسيا نفسها وضد شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا عام 2014. 

ولم تقصف أوكرانيا العديد من الأهداف العسكرية فحسب، بل قصفت أيضا مجمع المعارض في مركز إكسبو وناطحة سحاب قيد الإنشاء في موسكو، ومنشآت النفط في شبه جزيرة القرم، والبنية التحتية في مناطق أخرى، مثل محطة فرعية للكهرباء.

وأصبحت هذه الضربات حاليا أمرا متكررا، ورغم أنها تسببت في عدد قليل من الضحايا، إلا أنها أدت إلى إغلاق مطارات روسية مختلفة مؤقتا وتعطيل الحياة اليومية في بعض المناطق.
ورأت مجلة "فورين بوليسي" أن هذه الهجمات ربما تستهدف إعاقة القتال الروسي، وأن القادة الأوكرانيين ربما يسعون إلى إحداث تأثير استراتيجي أكبر، تجلى في تصريح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الضربات الجوية تظهر أن الحرب "تعود تدريجيا" إلى روسيا. 
وتساءلت المجلة الأمريكية: كيف يمكن للهجمات الجوية الأوكرانية أن تساهم في تطويع وإخضاع روسيا، إذا كان ذلك ممكنا؟
وفي هذا السياق، تحذر معظم الدراسات من صعوبة التأثير بشكل كبير على عملية صنع القرار لدى الخصم من خلال القوة الجوية وحدها. وبالاعتماد على تاريخ القصف الاستراتيجي في الحرب العالمية الثانية، وفيتنام، وحرب الخليج الأولى، وكوسوفو، وغيرها من الحملات، خلص الباحثون إلى أن التأثيرات الاستراتيجية لاستخدام الضربات الجوية نادرة، حيث تؤدي هذه النوعية من الضربات إلى حشد القادة والشعوب في مواجهة القصف، ويصبحون في بعض الأحيان أكثر دعما لأنظمتهم، أو على الأقل، يجدون أنفسهم غير قادرين على التمرد ضد الحكومات القوية.
ومع ذلك، تشير هذه الأعمال وغيرها أيضا إلى أن القصف الاستراتيجي يمكن أن يكون له مجموعة من التأثيرات، من بينها: رفع الروح المعنوية في الدولة التي تنفذ القصف.
وذكرت "فورين بوليسي" أن الحرب الروسية الأوكرانية تختلف عن الحالات السابقة فيما يتعلق باستخدام القوة الجوية. ففي هذا الصراع، لا يتمتع أي من الطرفين بتفوق جوي حقيقي، إذ يواصل كل منهما قصف الآخر باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ، من بين وسائل أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن العمليات الجوية الاستراتيجية هي في أفضل الأحوال جزء صغير من الصراع الشامل. وأخيرا، في حالة الهجمات الأوكرانية على روسيا، تكون الضربات في أحسن الأحوال طفيفة، وتتسبب في عدد قليل من الضحايا واضطرابات محدودة للغاية في الحياة اليومية، بينما على النقيض من القصف الروسي، فإنه أكثر ضخامة وفتكا لأوكرانيا.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن معظم الجهود الشاملة لإخضاع وتطويع موسكو تنطوي على الضغط الاقتصادي عليها وفتح جبهات مختلفة في ساحة المعركة بأوكرانيا لإرهاق روسيا. كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قاموا بتنسيق عقوبات مالية وحظر على عمليات الاستيراد والتصدير وغيرها من العقوبات على روسيا. وتمكنت موسكو من النجاة من هذه العقوبات حتى الآن، لكن الضغوط لاتزال مستمرة عليها. ويتمثل جزء من جهود إخضاع وتطويع موسكو في تقويض الدعم الشعبي لنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وممارسة الضغوط عليه لإنهاء الصراع. وهناك هدف منفصل يتمثل في زيادة استياء النخبة، وهو ما قد يفرض أيضا ضغوطا على بوتين وقد يؤدي حتى إلى انقلاب على نظامه، على حد قول مجلة "فورين بوليسي".
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشجاعة الأوكرانية المدعومة بمساعدات أمريكية وأوروبية ضخمة أحبطت الأهداف العسكرية الروسية التوسعية. كما أن استمرار المقاومة والهجمات المضادة يبعث بشكل أساسي برسالة إلى موسكو مفادها أنها لن تحقق أهدافها الكبرى.
ولفتت المجلة إلى أن الغارات الجوية في عمق روسيا ليست ذات أهمية كبرى، وإن أحد التأثيرات المحتملة التي كان يسعى إليها الأوكرانيين هو أن يصبح الروس خائفين من الضربات الجوية وينقلبوا على حكومتهم، ولكن هذا أمر غير محتمل إلى حد كبير. ومن غير الواضح ما إذا كانت أوكرانيا قد قتلت أي روس في الهجمات الجوية (على الرغم من أنه من الممكن أن تخفي روسيا عددا صغيرا من القتلى)، ولكن على أي حال فإن الأعداد ستكون صغيرة، خاصة بالنسبة لدولة كبيرة مثل روسيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الغارات الجوية لم تضرب سوى أجزاء صغيرة من روسيا. ويمكن للغالبية العظمى من الروس أن يمارسوا حياتهم اليومية دون أن تتأثر إلى حد كبير. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنه حتى لو كان المواطنون غاضبين وخائفين، فمن الصعب أن يثوروا ضد نظام بوتين، رغم أن التغيير السريع أمر وارد.
ويتلخص الهدف الأكثر واقعية في أن الغارات الجوية الأوكرانية المستمرة قد تؤدي إلى وقف الدعاية المستمرة للنظام الروسي، حيث نجح بوتين في إقناع ــ أو إجبار ــ المواطنين الروس العاديين على دعم الحرب، لكنهم سيصبحون أقل حماسا كلما أصبح من الواضح أنهم لا ينتصرون فيها.
والأهم من ذلك، أن هذه الضربات الجوية، حتى لو كانت محدودة، يمكن أن تشجع المقاومة الأوكرانية. وفي حين قد تبدو جهود أوكرانيا تافهة بالمقارنة مع حملة القصف الروسية، التي استهدفت المدنيين في كييف ومدن أخرى، فضلا عن شبكة الكهرباء الأوكرانية، ومرافق شحن الحبوب في أوديسا، وغيرها من المواقع، إلا أن كل طرف يحاول إقناع الطرف الآخر بأنه غير قادر على الفوز، وبالتالي ينبغي عليه تقديم تنازلات.
وأخيرا، قد تجبر الضربات الجوية روسيا على تحويل الموارد لحماية مدنها وبنيتها التحتية، بما في ذلك الموارد التي قد يكون من الأفضل استخدامها في ساحة المعركة. وبقدر ما يشعر بوتين بالضغط السياسي بسبب الهجمات الأوكرانية، فقد يشعر بأنه مضطر إلى جعل الجيش الروسي يزيد من دفاعاته الجوية حول المدن الروسية وغيرها من الأهداف، مع تقليل ما هو متاح لساحة المعركة، وبالتالي تخفيف الضغط عن أوكرانيا.
وترى "فورين بوليسي" أنه على الرغم من الفوائد المحتملة سالفة الذكر للضربات الجوية، إلا أنه يمكن أن يكون لهذه الغارات العديد من الآثار السلبية المحتملة، من بينها: المفاهيم الخاطئة وسوء التقدير، حيث أسقطت الولايات المتحدة على سبيل المثال رحلة الخطوط الجوية الإيرانية رقم 655 عام 1988، ظنا منها أنها طائرة عسكرية إيرانية أثناء مواجهة عسكرية في مضيق هرمز، ما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 290 راكبا. وافترضت الحكومة الإيرانية حينها أن الهجوم كان متعمدا كجزء من خطة الولايات المتحدة لمساعدة العراق في حربه ضد إيران.
وفي السياق الروسي الأوكراني، من الممكن أن الضربات الأوكرانية التي تهدف إلى إظهار التصميم أو حمل النخبة الروسية على تصور أن موسكو تخسر، قد تنقل بدلا من ذلك رسالة مختلفة وغير مقصودة تماما، حيث قد يقوم الخصم بتصعيد رده. ومن الممكن أن تعزز هجمات أوكرانيا على المدنيين أو البنية التحتية المدنية حجة بوتين بأن الأوكرانيين همج وأن الفظائع العديدة التي ارتكبتها روسيا لها ما يبررها. كما يمكنها أيضا تشويه الأصوات التي تطالب بالسلام أو ضبط النفس، بل وحتى تعزيز الدعم المحلي لنظام يستطيع في هذه الحالة أن يزعم أنه يتصرف دفاعا عن النفس.
وحذرت المجلة الأمريكية من أن هذه الضربات قد تؤدي في النهاية إلى المزيد من الوحشية ضد المواطنين الأوكرانيين. فعى سبيل المثال، في أغسطس الماضي، أطلقت روسيا وابلا من الهجمات الصاروخية والهجمات بطائرات بدون طيار، زاعمة أن ذلك كان ردا على هجوم أوكراني على ناقلة روسية.
وبالنسبة لأوكرانيا، فإن الخطر الأكثر أهمية قد يكون دبلوماسيا. فعلى الرغم من أن بعض مؤيدي العقوبات وغيرها من التدابير المناهضة لروسيا متشددون، إلا أن الكثيرين منهم لا يهتمون كثيرا بالصراع ويفضلون استئناف التجارة مع روسيا. لذا، يجب النظر إلى الضربات الجوية التي تشنها أوكرانيا في السياق الأوسع، بمعنى أن يظل الاستخدام الأكثر أهمية للقوة الجوية في ساحة المعركة، وأن توازن أوكرانيا بعناية بين الكيفية التي يتم النظر بها إلى مثل هذه الضربات في روسيا وخارجها.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الضربات الجوية الأوكرانية روسيا فی ساحة المعرکة الضربات الجویة فورین بولیسی هذه الضربات وغیرها من إلا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

روسيا بين جبهتين.. انسحاب من سوريا وهجوم في أوكرانيا

في الوقت الذي تسحب فيه روسيا قواتها ومعداتها من سوريا، يشير هجومها الصاروخي يوم الجمعة على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا إلى أن الكرملين عازم على إظهار قوته العسكرية بعد تراجعه في سوريا.

وتقول الكاتبة إيمي نوز في مقالها بصحيفة "وول ستريت جورنال" إن انهيار حكومة بشار الأسد، التي تدعمها موسكو عسكريًا منذ ما يقرب من عقد من الزمان، والخسارة المحتملة للقاعدة البحرية الروسية الرئيسية في طرطوس، إلى جانب قاعدتها الجوية في اللاذقية، بمثابة ضربة مدمرة لصورة روسيا كلاعب رئيسي على الساحة العالمية".
وترى الكاتبة أن الاضطرابات في سوريا تهدد أيضًا مكانة فلاديمير بوتين في الداخل. مرارًا وتكرارًا، تعهد بوتين بحماية نظام الأسد. في يوليو(تموز)، رحب الأسد في الكرملين لإجراء محادثات فردية. وفي الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، في مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أعرب بوتين عن دعمه غير المشروط للرئيس السوري، لكنه كان قد قرر بالفعل التخلص منه.

"The swift fall of Assad's regime is likely to embarrass Putin and his ex-KGB cohort at home. Russian hardliners have been critical of Putin for the…war in Ukraine. They and other Russian elites may now also blame him for 'losing Syria.'" — @courtneywmh https://t.co/uV5J7Uz1ed

— RAND (@RANDCorporation) December 17, 2024

وتشير التقارير إلى أن الرئيس السوري السابق زار الكرملين في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) للتوسل من أجل التدخل العسكري الروسي ضد فصائل المعارضة المسلحة في سوريا، وتلقى ردًا سلبيًا.
وترى الكاتبة أن محاولات الكرملين للسيطرة على الأضرار تسلط الضوء فقط على فشله في سوريا. ففي حديثه بالدوحة في 7 ديسمبر (كانون الأول)، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى هيئة تحرير الشام، باعتبارها منظمة إرهابية. ولكن بحلول اليوم التالي، كانت وزارة الخارجية تطلق عليها اسم "جماعة معارضة مسلحة".
كما وكتب المحلل السياسي مكسيم كاتز، أن "الطيران الروسي في سوريا كان يقصف بشكل مكثف القوات المتقدمة لأكثر الناس فظاعة على وجه الأرض.. ولكن فجأة.. تحول هؤلاء من إرهابيين إلى معارضة.. في الشرق الأقصى كانوا لا يزالون إرهابيين، وفي موسكو كانوا بالفعل معارضة مسلحة".

Opinion | Putin’s Humiliation in Syria Reverberates in Russia https://t.co/6BSpcuLHDJ

— Levan Ramishvili (@levanrami) December 18, 2024

وفقا لمصدر مقرب من الكرملين، طالب بوتين بتفسير لماذا فشلت أجهزة الاستخبارات الروسية في اكتشاف التهديد المتزايد لنظام الأسد قبل فوات الأوان. لكن المسؤولية تقع على عاتق الرئيس الروسي.
في حين لم يجرؤ أعضاء النخبة العليا على انتقاد استراتيجية روسيا في سوريا، فإن خبراء السياسة الخارجية المقربين من الكرملين يناقشون علانية التداعيات السلبية.
وقال بيوتر أكوبوف، وهو محلل في وكالة الأنباء المملوكة للدولة ريا نوفوستي: "الآن في الغرب، تقول الأصوات المنتصرة إن إيران وروسيا خسرتا، وحتى أن هذه الهزيمة التاريخية يجب أن تصبح حافزًا إضافيًا لزيادة الدعم لأوكرانيا.. يمكن أن تكون مثل هذه التصريحات ببساطة جزءاً من حرب دعائية، لكن بعض النخب الغربية تصدقها".
ولكن في الوقت نفسه، لم يعد هناك أي أمل في أن تنجح روسيا في تحقيق أهدافها. فقد غير رسلان بوخوف، المحلل العسكري الروسي الذي أشاد في السابق بالتدخل العسكري الروسي في سوريا باعتباره نجاحاً كبيراً، موقفه. وفي مقال كتبه في صحيفة "كومرسانت" الروسية اليومية، انتقد بوخوف موسكو "لحماية نظام الأسد المتدهور والمنزوع الشرعية"، وخلص إلى أن المغامرة السورية أظهرت "القيود الكبيرة التي تفرضها "القوة العظمى" الروسية وسياستها التدخلية في الخارج. فموسكو لا تملك قوات عسكرية كافية، وموارد، ونفوذا، وسلطة للتدخل الفعال بالقوة خارج الاتحاد السوفييتي السابق".
وقبل بضع سنوات، كتب فيودور لوكيانوف، الذي يرأس مجلساً استشاريا للسياسة الخارجية في الكرملين، مقالاً (مع صورة لبوتين وهو يعانق الأسد) أشاد فيه بالتدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 لدعم نظام الأسد، قائلاً: "لقد أثبتت روسيا نفسها بالفعل باعتبارها اللاعب الأكثر نفوذا في المنطقة. ولا يتم إنجاز أي شيء تقريبا في سوريا دون موافقة موسكو ومشاركتها.. بفضل أنشطتها في الشرق الأوسط، ارتفعت مكانة روسيا في التسلسل الهرمي الدولي بشكل كبير". في الأسبوع الماضي، قال لوكيانوف في مقالة لشبكة "روسيا اليوم"، وهي شبكة إخبارية يسيطر عليها الكرملين، إن "المسعى الرمزي لاستعادة مكانة روسيا كقوة عظمى - وهو الدافع الرئيسي للعملية السورية في عام 2015 - أصبح الآن قديماً".

حق اللجوء السياسي

ولفتت الكاتبة إلى أن المشكلة الأخرى التي تواجه بوتين هي أنه منح الأسد حق اللجوء السياسي في روسيا. ولا يمكن تجاهل وجود الأسد في موسكو، إلى جانب عائلته الممتدة. وقد أصدر بياناً من موسكو يوم الاثنين، دافع فيه عن قراره بمغادرة بلاده.

مقالات مشابهة

  • روسيا بين جبهتين.. انسحاب من سوريا وهجوم في أوكرانيا
  • روسيا عن منفذ اغتيال ضابط بارز: تم تجنيده من الاستخبارات الأوكرانية
  • ‏أوكرانيا: روسيا باشرت هجوما مضادا في منطقة كورسك
  • روسيا تعلن السيطرة على بلدة جديدة في شرق أوكرانيا
  • ترامب: استخدام أوكرانيا للصواريخ الغربية في ضرب روسيا غباء
  • روسيا: شروطنا لإنهاء الأزمة الأوكرانية واضحة ومنطقية
  • بوتين: روسيا "حررت" 189 بلدة في أوكرانيا
  • أوكرانيا: روسيا قصفت إقليم زابوروجيا 201 مرة خلال 24 ساعة
  • روسيا تسيطر على قرية في شرق أوكرانيا
  • روسيا تسيطر على مناطق استراتيجية في شرق أوكرانيا