محمد قراطاس يكتب: الأعشى وشيطانه مسحل

أثير – الشاعر محمد قراطاس

تنتشرُ في كتب التراث قصص وروايات عن الشعراء وشياطينهم في العصر الجاهلي، وتظهر في العصور الاسلامية أحياناً، بل وحتى عصرنا الحالي في بعض الثقافات الشعبية. لكن العصر الجاهلي كان ربما الأكثر تداولاً لهذه القصص.

فمجمل الشعراء الذين كانوا يحتلون الأسماع في ذلك العصر يُتهمون أو يشيعون أو يعترفون بوجود شياطين تلقنهم هذه القصائد المذهلة.

وهناك أسماء لشياطين الشعراء وهي مشهورة مثل لافظ بن لاحظ شيطان امرؤ القيس وهادر بن ماهر شيطان النابغة الذبياني وغيرهم. وفي الجاهلية كانت القبائل تهتم بمجموعة مناصب- إذا جاز التعبير- هي واجهة القبيلة.

وهذه المناصب هي: سيد القبيلة وكاهنها وشاعرها وفارسها. وأكثر الأدوار تقارباً هما الكاهن والشاعر، واللذان يستمدان قوتهما من قوى خارجية، تتمثل بالجن للكاهن وبالشياطين للشاعر. لذلك قد نجد شخصاً واحدا يحمل اللقبين مثل دريد بن الصمّة والذي كان شاعراً وكاهناً. وهاتان الشخصيتان لديهما أهمية كبيرة جداً سواءً داخل القبيلة أو خارجها.

ولذلك حظي الكاهن والشاعر بشهرة منقطعة النظير. فالكاهن يخبر بما سيكون ويتنبأ بالمستقبل عن طريق معاونيه من الجن، ويلقى اللعنات على الأعداء والبركات على الأصدقاء. وكذلك الشاعر الذي يستعين بالشياطين لإبداع قصائد هي بمثابة الخبر العاجل والحصري في عصرنا الحالي. فهو المصدر الإعلامي الضخم والذي من خلاله يمكن للقبائل أو الأفراد الوصول إلى مبتغاهم سواء مدحاً يخلدهم أو ذماً لأعدائهم فيدمرون سمعتهم.

ولكن هل فعلا استعان الشعراء بالشياطين؟ طبعا هذا سؤال يحتمل الكثير من الإجابات. لكني شخصياً أعتقد أن الشعراء يدّعون ذلك فقط لإعطائهم هالة من القدسية والحماية، وفي تلك العصور فإن امتلاكك لقوى خارجية شيطانية تساعدك في صياغة القصائد يعني أن بإمكانها فعل الكثير غير الشعر. لذلك فالشاعر يحتمي خلف تلك الأسطورة من الذين يريدون قتله أو إيذاءه بسبب قصيدة شعرية، ويحصلُ على الحرية المطلقة في قول مايشاء في من يشاء.

ولذلك حسب رأيي لم يتجرأ الملك عمرو بن هند ملك الحيرة على قتل الشاعر طرفة بن العبد في بلاطه، بل أوعز في رسالة أعطاها لطرفة إلى عامله في البحرين بقتله، لتبتعد لعنة هذا الشاعر وشيطانه عن بلاطه قد الإمكان.

ومن أشهر الأخبار التي تحدث فيها الشاعر معترفا بمقابلته شخصياً للشيطان الذي يلقي لسانه الشعر والقصائد. قصةٌ تحدث فيها الأعشى عن ذلك، مؤكدا وجود شيطانه.

يقول الأعشى أنه كان في طريقه ليمدح ملوك حضرموت، فظلّ عن الطريق وداهمه المطر فرأى خيمة أو خباء فلجأ له، فوجد رجلا رحب به. وسأله الرجل عن أمره فأخبره بإسمه وعن سبب سفره إلى حضرموت، فقال له ماذا قلت في مدح قيس ابن معد يكرب؟ فبدأ الأعشى بإنشادها فلم يتعدى البيت الأول الذي يقول فيه
(رحلت سمية غدوة أجمالها) حتى أوقفه الرجل!، ونادى يا سمية، فخرجت فتاة في مقتبل العمر، فأمرها أن تنشد القصيدة التي قالها هو أيضا في مدح قيس، فألقت نفس القصيدة التي كان سيلقيها فما خرمت فيها بيتاً كما يقول الأعشى مع أنه لم يخبر بها أحداً. فسرى الخوف فيه.

فقال له الرجل ألست قلت شعراً في ابن عمك تهجوه؟ قال نعم فطلب منه أن ينشدها، فأنشدها وما كاد ينتهي من البيت الأول
ودع هريرة إنّ الركب مرتحلُ
حتى أوقفه الرجل ونادى يا هريرة، فخرجت فتاة في نفس عمر الأولى. فقال لها أنشدينا ما قلته في ذم فلان. يقول الأعشى فأنشدت قصيدتي كاملة لم تخرم منها بيتاً.

ففزع الأعشى وأخذه خوف شديد، فقال له الرجل لاتخف وأخبره أنه شيطانه مسحل بن أثاثة الذي يلقي على لسانه الشعر.
يقول الأعشى فسكنت نفسي، وسألته عن الطريق فدلني عليه.

القصة هنا قد تكون من وحي الخيال، لكنها حسب رأيي تدلّ على أنّ الشعراء في ذلك العصر يطلبون الحماية والقدسية التي يتمتّع بها الكهان فيخافهم الناس ويزداد نفوذهم وتتسع حريتهم في الشعر.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

جامعة الإسكندرية تحتفي بالتنوع الثقافي في يوم الجاليات بمشاركة طلاب من 19 دولة

 

احتفلت جامعة الإسكندرية، تحت رعاية الدكتور عبد العزيز قنصوه، رئيس الجامعة، بيوم الجاليات الثقافي من خلال افتتاح فعاليات المعرض التراثي الذي نظمته إدارة الوافدين، بمشاركة طلاب من 19 جنسية مختلفة، وذلك بإستاد الجامعة، في حضور القناصل والمستشارين والملحقين الثقافيين، وعمداء ووكلاء الكليات، وعدد كبير من الطلاب.

وافتتح الفعاليات الدكتور علي عبد المحسن، القائم بأعمال نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب، معربًا عن سعادته بالأجواء المفعمة بالتآلف والتنوع الثقافي، ومشيدًا بروح التعاون التي أظهرها الطلاب الوافدون.

 وأكد  "عبد المحسن" أن الحدث يجسد قيم التسامح والإخاء، ويبعث برسالة قوية عن وحدة الشعوب، مشيرًا إلى حرص الجامعة على دعم الطلاب الوافدين ليس فقط أكاديميًا، بل أيضًا من خلال الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، بما يعزز من مكانة مصر التعليمية والحضارية.

ومن جانبها، أوضحت الدكتورة هالة مقلد، المدير التنفيذي لإدارة الوافدين، أن المعرض يمثل مهرجانًا ثقافيًا عالميًا تتلاقى فيه الحضارات على أرض الجامعة، مشيدة بالإبداعات الفنية التي قدمها الطلاب، والتي تعكس تراث وثقافة بلادهم، مؤكدة على استمرار الإدارة في تقديم الدعم والرعاية للطلاب طوال فترة دراستهم.

وتضمنت الفعاليات أجنحة فنية وثقافية وأعمالًا إبداعية، إلى جانب عروض للمأكولات والمشروبات والملابس التراثية والمشغولات اليدوية، واللوحات التي تعبر عن الهوية الثقافية لكل جالية مشاركة.

وعبّر الطلاب الوافدون عن سعادتهم بالمشاركة في هذا الحدث الذي أتاح لهم تبادل الثقافات والتعرف على تراث الشعوب المختلفة، مؤكدين تقديرهم للدعم المتواصل من الجامعة، مما يسهم في تقديم تجربة تعليمية متكاملة تُمكنهم من المنافسة في أسواق العمل الدولية.

مقالات مشابهة

  • القمة الشرطية العالمية تنطلق في دبي 13 مايو بمشاركة 150 خبيراً من 100 دولة
  • من الأرض إلى الأثير.. الإمارات تستكشف آفاق الفضاء في «إكسبو أوساكا»
  • من الأرض إلى الأثير.. الإمارات تستكشف آفاق الفضاء في إكسبو 2025 أوساكا
  • ناسا توضح حقيقة الجسم الغامض الذي مر أمام الشمس
  • أكاديمية الفضاء تعلن دفعة مسار لتطبيقات مراقبة الأرض
  • «تفاهم» بين الإمارات ومصر لتعزيز التعاون الفضائي السلمي
  • "الشعر النبطي" مسك ختام مهرجان الخليل الأدبي بجامعة السلطان قابوس
  • 13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع المحطة القمرية
  • بمشاركة 11 دولة.. دهوك تحتضن المؤتمر العلمي الدولي الأول حول الإيزيديين
  • جامعة الإسكندرية تحتفي بالتنوع الثقافي في يوم الجاليات بمشاركة طلاب من 19 دولة