محمد قراطاس يكتب: الأعشى وشيطانه مسحل
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
أثير – الشاعر محمد قراطاس
تنتشرُ في كتب التراث قصص وروايات عن الشعراء وشياطينهم في العصر الجاهلي، وتظهر في العصور الاسلامية أحياناً، بل وحتى عصرنا الحالي في بعض الثقافات الشعبية. لكن العصر الجاهلي كان ربما الأكثر تداولاً لهذه القصص. فمجمل الشعراء الذين كانوا يحتلون الأسماع في ذلك العصر يُتهمون أو يشيعون أو يعترفون بوجود شياطين تلقنهم هذه القصائد المذهلة.
في الجاهلية كانت القبائل تهتم بمجموعة مناصب- إذا جاز التعبير- هي واجهة القبيلة. وهذه المناصب هي: سيد القبيلة وكاهنها وشاعرها وفارسها. وأكثر الأدوار تقارباً هما الكاهن والشاعر، واللذان يستمدان قوتهما من قوى خارجية، تتمثل بالجن للكاهن وبالشياطين للشاعر. لذلك قد نجد شخصاً واحدا يحمل اللقبين مثل دريد بن الصمّة والذي كان شاعراً وكاهناً. وهاتان الشخصيتان لديهما أهمية كبيرة جداً سواءً داخل القبيلة أو خارجها. ولذلك حظي الكاهن والشاعر بشهرة منقطعة النظير. فالكاهن يخبر بما سيكون ويتنبأ بالمستقبل عن طريق معاونيه من الجن، ويلقى اللعنات على الأعداء والبركات على الأصدقاء. وكذلك الشاعر الذي يستعين بالشياطين لإبداع قصائد هي بمثابة الخبر العاجل والحصري في عصرنا الحالي. فهو المصدر الإعلامي الضخم والذي من خلاله يمكن للقبائل أو الأفراد الوصول إلى مبتغاهم سواء مدحاً يخلدهم أو ذماً لأعدائهم فيدمرون سمعتهم.
ولكن هل فعلا استعان الشعراء بالشياطين؟ طبعا هذا سؤال يحتمل الكثير من الإجابات. لكني شخصياً أعتقد أن الشعراء يدّعون ذلك فقط لإعطائهم هالة من القدسية والحماية، وفي تلك العصور فإن امتلاكك لقوى خارجية شيطانية تساعدك في صياغة القصائد يعني أن بإمكانها فعل الكثير غير الشعر. لذلك فالشاعر يحتمي خلف تلك الأسطورة من الذين يريدون قتله أو إيذاءه بسبب قصيدة شعرية، ويحصلُ على الحرية المطلقة في قول ما يشاء فيمن يشاء.
ولذلك حسب رأيي لم يتجرأ الملك عمرو بن هند ملك الحيرة على قتل الشاعر طرفة بن العبد في بلاطه، بل أوعز في رسالة أعطاها لطرفة إلى عامله في البحرين بقتله، لتبتعد لعنة هذا الشاعر وشيطانه عن بلاطه قدر الإمكان.
ومن أشهر الأخبار التي تحدث فيها الشاعر معترفا بمقابلته شخصياً للشيطان الذي يلقي على لسانه الشعر والقصائد، قصةٌ تحدث فيها الأعشى عن ذلك مؤكدا وجود شيطانه. يقول الأعشى أنه كان في طريقه ليمدح ملوك حضرموت، فظلّ عن الطريق وداهمه المطر فرأى خيمة فلجأ إليها، ووجد عندها رجلا رحب به. وسأله الرجل عن أمره فأخبره باسمه وعن سبب سفره إلى حضرموت، فقال له ماذا قلت في مدح قيس ابن معد يكرب؟ فبدأ الأعشى بإنشادها فلم يتعدى البيت الأول الذي يقول فيه (رحلت سمية غدوة أجمالها) حتى أوقفه الرجل!، ونادى يا سمية، فخرجت فتاة في مقتبل العمر. فأمرها أن تنشد القصيدة التي قالها هو أيضا في مدح قيس فألقت نفس القصيدة التي كان سيلقيها فما خرمت فيها بيتاً كما يقول الأعشى مع أنه لم يخبر بها أحداً. فسرى الخوف فيه.
فقال له الرجل ألست قلت شعراً في ابن عمك تهجوه؟ قال نعم فطلب منه أن ينشدها. فأنشدها وما كاد ينتهي من البيت الأول (ودع هريرة إنّ الركب مرتحلُ) حتى أوقفه الرجل ونادى يا هريرة. فخرجت فتاة في نفس عمر الأولى. فقال لها أنشدينا ما قلته في هجاء فلان. يقول الأعشى فأنشدت قصيدتي كاملة لم تخرم منها بيتاً.
ففزع الأعشى وأخذه خوف شديد. فقال له الرجل لا تخف وأخبره أنه شيطانه مسحل بن أثاثة الذي يلقي على لسانه الشعر. يقول الأعشى فسكنت نفسي، وسألته عن الطريق فدلني عليه.
القصة هنا قد تكون من وحي الخيال، لكنها حسب رأيي تدلّ على أنّ الشعراء في ذلك العصر يطلبون الحماية والقدسية التي يتمتّع بها الكهان من خلال ترويج هذه القصص، فيخافهم الناس ويزداد نفوذهم وتتسع حريتهم في الشعر.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
محمد عثام يكتب: رئيس الوزراء ورجال الأعمال.. وطن يسع الجميع
استمع وشاهد الجميع لقاء دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي مع رجال الأعمال المصريين...
اللقاء جاء ضمن سلسلة لقاءات دورية يجريها باستمرار الدكتور مصطفي مدبولي مع كافة أطياف وفئات المجتمع بدأ من البيان الأسبوعي الموجه للمواطن البسيط في الشارع، والذي يشرح له أهم القرارات الحكومية، ليضعه أمام الصورة الحقيقة؛ لموقف البلاد على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى لا يترك عقله لقمة صائغة للإعلام المعادي...
ومرورا باجتماعاته مع طبقة المثقفة من كتاب وصحفيين ونخبة سياسية؛ ليستمع لي آرائهم فيما يمر به الوطن من تحديات.
والأمس تجدد لقاءات مدبولي هذه المرة برجال الأعمال المصريين، في وقت يعلم فيه الجميع بحجم التحديات الاقتصادية الملقاة على الاقتصاد المصري، وأنه لا رفاهية لإضاعة الوقت في عمليات الإصلاح وإعادة الهيكلة.
ولست هنا بصدد أن أناقش ما دار في اجتماع رئيس الوزراء مع رجال الأعمال وما أثير خلاله من أفكار ومقترحات لإعادة بناء الاقتصاد المصري واستعادة معدلات نموه المرتفعة مرة أخرى، ومعظمها كانت مناقشات مثمرة …وهذا لا يمنع أن هناك بعض ما تم طرحه يحتاج الوقوف أمامه ومراجعة جيدا قبل اتخاذ أي قرار فيه.
وكل ما يهمني في هذا اللقاء أو ما قبلها من لقاءات أخرى.
أن الوطن أصبح يسع الجميع بمختلف فئاتهم واطيافهم وطبقاتهم ويتقبل أفكارهم، وينصت ويستمع ويحلل لما يدور في أذهانهم بلا يراجع نفسه في كثير من الأحيان إذ تطلب الأمر المراجعة.
فالجميع غرضه البناء والتعمير، والدولة بتلك اللقاءات أرست مبدأ كان غائبا عنها منذ سنوات "اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية".
وما يعجبني في تلك اللقاءات.. اتساع صدر رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي؛ واستماعه فيه لجميع الآراء، وتقبله بصدر رحب الانتقادات التي توجه للحكومة، وحتى وإن كانت مبنية على معلومات وبيانات خاطئة فهو يصححها بكل بساطة دون ثور أو غضب.
في النهاية نشكر الدكتور مصطفي مدبولي، على تلك اللافتة الطبية، ولكن يبقى الأهم أن تسفر تلك اللقاءات عن نتائج حقيقية وتغيرات ملموسة على أرض الواقع يشعر بها المواطن.
فما يهم المواطن ليس أن تسمع الحكومة لما يدور في ذهنه فقط.. ولكن أن تسمع وأن تتغير معا.
حفظ الله مصر ووقاها شر الفتن.