صحيفة أثير:
2025-05-02@23:44:42 GMT

محمد قراطاس يكتب: الأعشى وشيطانه مسحل

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

محمد قراطاس يكتب: الأعشى وشيطانه مسحل

أثير – الشاعر محمد قراطاس

تنتشرُ في كتب التراث قصص وروايات عن الشعراء وشياطينهم في العصر الجاهلي، وتظهر في العصور الاسلامية أحياناً، بل وحتى عصرنا الحالي في بعض الثقافات الشعبية. لكن العصر الجاهلي كان ربما الأكثر تداولاً لهذه القصص. فمجمل الشعراء الذين كانوا يحتلون الأسماع في ذلك العصر يُتهمون أو يشيعون أو يعترفون بوجود شياطين تلقنهم هذه القصائد المذهلة.

وهناك أسماء لشياطين الشعراء وهي مشهورة مثل لافظ بن لاحظ شيطان امرؤ القيس وهادر بن ماهر شيطان النابغة الذبياني وغيرهم.

في الجاهلية كانت القبائل تهتم بمجموعة مناصب- إذا جاز التعبير- هي واجهة القبيلة. وهذه المناصب هي: سيد القبيلة وكاهنها وشاعرها وفارسها. وأكثر الأدوار تقارباً هما الكاهن والشاعر، واللذان يستمدان قوتهما من قوى خارجية، تتمثل بالجن للكاهن وبالشياطين للشاعر. لذلك قد نجد شخصاً واحدا يحمل اللقبين مثل دريد بن الصمّة والذي كان شاعراً وكاهناً. وهاتان الشخصيتان لديهما أهمية كبيرة جداً سواءً داخل القبيلة أو خارجها. ولذلك حظي الكاهن والشاعر بشهرة منقطعة النظير. فالكاهن يخبر بما سيكون ويتنبأ بالمستقبل عن طريق معاونيه من الجن، ويلقى اللعنات على الأعداء والبركات على الأصدقاء. وكذلك الشاعر الذي يستعين بالشياطين لإبداع قصائد هي بمثابة الخبر العاجل والحصري في عصرنا الحالي. فهو المصدر الإعلامي الضخم والذي من خلاله يمكن للقبائل أو الأفراد الوصول إلى مبتغاهم سواء مدحاً يخلدهم أو ذماً لأعدائهم فيدمرون سمعتهم.

ولكن هل فعلا استعان الشعراء بالشياطين؟ طبعا هذا سؤال يحتمل الكثير من الإجابات. لكني شخصياً أعتقد أن الشعراء يدّعون ذلك فقط لإعطائهم هالة من القدسية والحماية، وفي تلك العصور فإن امتلاكك لقوى خارجية شيطانية تساعدك في صياغة القصائد يعني أن بإمكانها فعل الكثير غير الشعر. لذلك فالشاعر يحتمي خلف تلك الأسطورة من الذين يريدون قتله أو إيذاءه بسبب قصيدة شعرية، ويحصلُ على الحرية المطلقة في قول ما يشاء فيمن يشاء.

ولذلك حسب رأيي لم يتجرأ الملك عمرو بن هند ملك الحيرة على قتل الشاعر طرفة بن العبد في بلاطه، بل أوعز في رسالة أعطاها لطرفة إلى عامله في البحرين بقتله، لتبتعد لعنة هذا الشاعر وشيطانه عن بلاطه قدر الإمكان.

ومن أشهر الأخبار التي تحدث فيها الشاعر معترفا بمقابلته شخصياً للشيطان الذي يلقي على لسانه الشعر والقصائد، قصةٌ تحدث فيها الأعشى عن ذلك مؤكدا وجود شيطانه. يقول الأعشى أنه كان في طريقه ليمدح ملوك حضرموت، فظلّ عن الطريق وداهمه المطر فرأى خيمة فلجأ إليها، ووجد عندها رجلا رحب به. وسأله الرجل عن أمره فأخبره باسمه وعن سبب سفره إلى حضرموت، فقال له ماذا قلت في مدح قيس ابن معد يكرب؟ فبدأ الأعشى بإنشادها فلم يتعدى البيت الأول الذي يقول فيه (رحلت سمية غدوة أجمالها) حتى أوقفه الرجل!، ونادى يا سمية، فخرجت فتاة في مقتبل العمر. فأمرها أن تنشد القصيدة التي قالها هو أيضا في مدح قيس فألقت نفس القصيدة التي كان سيلقيها فما خرمت فيها بيتاً كما يقول الأعشى مع أنه لم يخبر بها أحداً. فسرى الخوف فيه.

فقال له الرجل ألست قلت شعراً في ابن عمك تهجوه؟ قال نعم فطلب منه أن ينشدها. فأنشدها وما كاد ينتهي من البيت الأول (ودع هريرة إنّ الركب مرتحلُ) حتى أوقفه الرجل ونادى يا هريرة. فخرجت فتاة في نفس عمر الأولى. فقال لها أنشدينا ما قلته في هجاء فلان. يقول الأعشى فأنشدت قصيدتي كاملة لم تخرم منها بيتاً.

ففزع الأعشى وأخذه خوف شديد. فقال له الرجل لا تخف وأخبره أنه شيطانه مسحل بن أثاثة الذي يلقي على لسانه الشعر. يقول الأعشى فسكنت نفسي، وسألته عن الطريق فدلني عليه.

القصة هنا قد تكون من وحي الخيال، لكنها حسب رأيي تدلّ على أنّ الشعراء في ذلك العصر يطلبون الحماية والقدسية التي يتمتّع بها الكهان من خلال ترويج هذه القصص، فيخافهم الناس ويزداد نفوذهم وتتسع حريتهم في الشعر.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

الحميري ينثر إبداعه في سماء الشرقية

الدمام-البلاد
بحضور عدد من الشخصيات الثقافية والاجتماعية والإعلامية والمهتمين ، أبدع الشاعر عبدالرحمن الحميري الفائز بلقلب أمير الشعراء في نسخته الأخيرة في حضوره ، وتألق شعراً في سماء المنطقة الشرقية في الأمسية التي نظمها نادي وسم الثقافي ، ضمن “مبادرة الشريك الأدبي” وقدمها محمد الغامدي وذلك على مسرح قاعة سعد المعجل بغرفة الشرقية ، حيث قدّم
الشاعر عبدالرحمن عددا من القصائد المميزة التي نالت استحسان الحضور في جمال الكلمة والمعنى ، وتفاعل الحضور معها كثيرا.


وفي ختام الأمسية قدمت عبير العبدالقادر رئيس نادي وسم الثقافي درع التكريم للشاعر، كما أعلنت عن فعالية وسم القادمة والتي تستضيف فيها د.صغير العنزي للحديث عن العنف في خطاب الأمثال العربية، شاكرة للجميع حضورهم واهتمامهم.

مقالات مشابهة

  • د. عبدالله الغذامي يكتب: متعة الشعر وشقاء الناقد
  • محمد صبيح يكتب: الذهب الرهان الرابح.. وتوقعات استثنائية في 2025
  • اعتراض صاروخ فوق اسرائيل اليوم وجيش الإحتلال يقول إن ''25 صاروخا أطلقت من اليمن منذ استئناف الحرب على غزة''
  • محمد كريم يكتب فصلًا جديدًا في هوليوود: نجم مصري في قلب الغرب الأمريكي إلى جانب نيكولاس كيدج
  • محمد المكي إبراهيم الشاعر الذي يشبه النيل
  • قصائد "العازي" و"المنكوس" تنثُر جمالياتها في "أبوظبي الدولي للكتاب"
  • أبرزها توفير مقر مناسب لقصر ثقافة العاصمة.. ننشر توصيات مؤتمر اليوم الواحد الأدبي بالغربية
  • الحميري ينثر إبداعه في سماء الشرقية
  • د. حسن محمد صالح يكتب: مجزرة صالحة (ما بضولا نار)
  • برشلونة يتحدى إنتر ميلان.. التاريخ ماذا يقول؟