صحيفة أثير:
2025-02-05@09:07:52 GMT

محمد قراطاس يكتب: الأعشى وشيطانه مسحل

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

محمد قراطاس يكتب: الأعشى وشيطانه مسحل

أثير – الشاعر محمد قراطاس

تنتشرُ في كتب التراث قصص وروايات عن الشعراء وشياطينهم في العصر الجاهلي، وتظهر في العصور الاسلامية أحياناً، بل وحتى عصرنا الحالي في بعض الثقافات الشعبية. لكن العصر الجاهلي كان ربما الأكثر تداولاً لهذه القصص. فمجمل الشعراء الذين كانوا يحتلون الأسماع في ذلك العصر يُتهمون أو يشيعون أو يعترفون بوجود شياطين تلقنهم هذه القصائد المذهلة.

وهناك أسماء لشياطين الشعراء وهي مشهورة مثل لافظ بن لاحظ شيطان امرؤ القيس وهادر بن ماهر شيطان النابغة الذبياني وغيرهم.

في الجاهلية كانت القبائل تهتم بمجموعة مناصب- إذا جاز التعبير- هي واجهة القبيلة. وهذه المناصب هي: سيد القبيلة وكاهنها وشاعرها وفارسها. وأكثر الأدوار تقارباً هما الكاهن والشاعر، واللذان يستمدان قوتهما من قوى خارجية، تتمثل بالجن للكاهن وبالشياطين للشاعر. لذلك قد نجد شخصاً واحدا يحمل اللقبين مثل دريد بن الصمّة والذي كان شاعراً وكاهناً. وهاتان الشخصيتان لديهما أهمية كبيرة جداً سواءً داخل القبيلة أو خارجها. ولذلك حظي الكاهن والشاعر بشهرة منقطعة النظير. فالكاهن يخبر بما سيكون ويتنبأ بالمستقبل عن طريق معاونيه من الجن، ويلقى اللعنات على الأعداء والبركات على الأصدقاء. وكذلك الشاعر الذي يستعين بالشياطين لإبداع قصائد هي بمثابة الخبر العاجل والحصري في عصرنا الحالي. فهو المصدر الإعلامي الضخم والذي من خلاله يمكن للقبائل أو الأفراد الوصول إلى مبتغاهم سواء مدحاً يخلدهم أو ذماً لأعدائهم فيدمرون سمعتهم.

ولكن هل فعلا استعان الشعراء بالشياطين؟ طبعا هذا سؤال يحتمل الكثير من الإجابات. لكني شخصياً أعتقد أن الشعراء يدّعون ذلك فقط لإعطائهم هالة من القدسية والحماية، وفي تلك العصور فإن امتلاكك لقوى خارجية شيطانية تساعدك في صياغة القصائد يعني أن بإمكانها فعل الكثير غير الشعر. لذلك فالشاعر يحتمي خلف تلك الأسطورة من الذين يريدون قتله أو إيذاءه بسبب قصيدة شعرية، ويحصلُ على الحرية المطلقة في قول ما يشاء فيمن يشاء.

ولذلك حسب رأيي لم يتجرأ الملك عمرو بن هند ملك الحيرة على قتل الشاعر طرفة بن العبد في بلاطه، بل أوعز في رسالة أعطاها لطرفة إلى عامله في البحرين بقتله، لتبتعد لعنة هذا الشاعر وشيطانه عن بلاطه قدر الإمكان.

ومن أشهر الأخبار التي تحدث فيها الشاعر معترفا بمقابلته شخصياً للشيطان الذي يلقي على لسانه الشعر والقصائد، قصةٌ تحدث فيها الأعشى عن ذلك مؤكدا وجود شيطانه. يقول الأعشى أنه كان في طريقه ليمدح ملوك حضرموت، فظلّ عن الطريق وداهمه المطر فرأى خيمة فلجأ إليها، ووجد عندها رجلا رحب به. وسأله الرجل عن أمره فأخبره باسمه وعن سبب سفره إلى حضرموت، فقال له ماذا قلت في مدح قيس ابن معد يكرب؟ فبدأ الأعشى بإنشادها فلم يتعدى البيت الأول الذي يقول فيه (رحلت سمية غدوة أجمالها) حتى أوقفه الرجل!، ونادى يا سمية، فخرجت فتاة في مقتبل العمر. فأمرها أن تنشد القصيدة التي قالها هو أيضا في مدح قيس فألقت نفس القصيدة التي كان سيلقيها فما خرمت فيها بيتاً كما يقول الأعشى مع أنه لم يخبر بها أحداً. فسرى الخوف فيه.

فقال له الرجل ألست قلت شعراً في ابن عمك تهجوه؟ قال نعم فطلب منه أن ينشدها. فأنشدها وما كاد ينتهي من البيت الأول (ودع هريرة إنّ الركب مرتحلُ) حتى أوقفه الرجل ونادى يا هريرة. فخرجت فتاة في نفس عمر الأولى. فقال لها أنشدينا ما قلته في هجاء فلان. يقول الأعشى فأنشدت قصيدتي كاملة لم تخرم منها بيتاً.

ففزع الأعشى وأخذه خوف شديد. فقال له الرجل لا تخف وأخبره أنه شيطانه مسحل بن أثاثة الذي يلقي على لسانه الشعر. يقول الأعشى فسكنت نفسي، وسألته عن الطريق فدلني عليه.

القصة هنا قد تكون من وحي الخيال، لكنها حسب رأيي تدلّ على أنّ الشعراء في ذلك العصر يطلبون الحماية والقدسية التي يتمتّع بها الكهان من خلال ترويج هذه القصص، فيخافهم الناس ويزداد نفوذهم وتتسع حريتهم في الشعر.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

محمد كركوتي يكتب: الإمارات.. آفاق مستدامة للذكاء الاصطناعي

يبدو واضحاً، أن مسار قطاع الذكاء الاصطناعي يمضي بقوة نحو المستهدفات التي وضعتها دولة الإمارات في هذا الميدان المتنامي، الذي بات جزءاً أصيلاً من الحراك الاقتصادي والتنموي العالمي. الإمارات تحتل اليوم المركز الأول على صعيد منطقة الشرق الأوسط، والخامس دولياً، في قائمة البلدان الأكثر تفوقاً وحيوية في هذا المجال، وفق مؤشر «جلوبل فايبرنسي» الصادر عن جامعة «ستانفورد» الأميركية.

ولأن الأمر كذلك، ارتفع عدد العاملين في هذا القطاع 4 أضعاف في عامين فقط، ليصل إلى 120 ألف خبير ومتخصص، وفي هذا السياق يجري تطوير بنية تحتية مستقبلية متكاملة توظف الذكاء الاصطناعي، عبر شراكات عالمية، ومبادرات ومشاريع عالية الجودة.

هذا القطاع الذي يتوقع أن تصل قيمته عالمياً إلى 1772 مليار دولار بحلول عام 2032. وعلى الساحة الإماراتية، بات مؤكداً وفق المسار الراهن، أن يساهم الذكاء الاصطناعي بـ 353 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030 أي ما يوازي 13.6%، الأمر الذي يدعم استراتيجية البلاد لتحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071. وفي هذا السياق، سيصل -وفق الجهات المختصة- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بالإمارات في الخدمات وتحليل البيانات إلى 100% بحلول 2031، ما يفسر بلوغ الدولة المرتبة الثانية عالمياً في مؤشر مواكبة الحكومات للتقنية، وفق تقرير صادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي».


تدفق الاستثمارات الخارجية إلى جانب المحلية في هذا الميدان يعكس في الواقع القفزات المهمة التي تحققت في فترة قصيرة جداً، بما في ذلك الاستثمار الاستراتيجي لشركة «مايكروسوفت» العملاقة في شركة G42 الإماراتية، الذي بلغ 5.5 مليار درهم. القطاع يتسع ويحقق قفزات نوعية على الساحة المحلية، بما في ذلك تقديرات بوصول قيمة سوق الروبوتات، إلى أكثر من 360 مليون دولار قبل نهاية العقد الحالي.

أخبار ذات صلة بطولة خالد بن محمد بن زايد للجوجيتسو.. تجربة فريدة في صالة النصر شيخة الجابري تكتب: الأسرة في عام المجتمع

الإمارات صارت بالفعل رائداً في مجال الذكاء الاصطناعي، كما قال رئيس «مايكروسوفت» براد سميث أخيراً، في حين أن أبوظبي تتصدر المدن في توظيف التطبيقات والبيانات لخدمة المجتمع ككل. ولا شك في أن كل خطوة في هذا المجال الذي لا يتوقف عن التطور والابتكار، ستكون بمثابة قفزة كبيرة نحو تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071. هي محاكاة لمستقبل يصنع اليوم. الإمـــارات.. آفاق مستدامة للــذكــــاء الاصطناعي

مقالات مشابهة

  • الشاعر السوري فواز قادري: دير الزور حكاية حب لا تنتهي.. والكتابة لا تهادن الواقع
  • شارع الأعشى مسلسل سعودي في رمضان تدور أحداثه بالرياض
  • معرض الكتاب يناقش الشاعر العراقي علي الشلاه في التراث والهوية وتحديات الإبداع
  • سلطان القاسمي يفتتح "الشارقة للشعر النبطي"
  • سلطان يفتتح الدورة الـ 19 لمهرجان الشارقة للشعر النبطي
  • سلطان القاسمي يفتتح مهرجان الشارقة للشعر النبطي
  • الكاتب محمد قراطاس: الشعر أكثر كرمًا وإيثارًا من جميع أنواع الكتابات الأدبية
  • شعر بادية مطروح والإسكندرية في ندوة بمعرض القاهرة للكتاب
  • محمد كركوتي يكتب: الإمارات.. آفاق مستدامة للذكاء الاصطناعي
  • البريكي: وقلـتُ لـهُ: يا نيلُ، مصرُ صباحُها معي قهوةٌ أخرى بشعري مزعفَرَة