النزوح السوري الكثيف مقدمة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
من يراقب تسارع الأحداث في المنطقة بدءًا باليمن وصولًا إلى لبنان ومرورًا بالعراق وسوريا، وما يتداخل مع هذه الاحداث من نشاطات تركية وإيرانية غير عفوية، لا يسعه إلاّ وضع الأمور في نصابها الطبيعي، مع ما يُحكى في الكواليس الدولية عن إعادة تموضع الحدود المتداخلة لهذه الدول، خصوصًا أن الحديث عن إعادة رسم خارطة "الشرق الأوسط الجديد" لم يغب مرّة واحدة عن أذهان الدول، التي لها مصالح استراتيجية واقتصادية في المنطقة، وذلك منذ أن أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس هذه المعادلة للمرّة الأولى في العام 2006.
فمن خلال ما يجري اليوم في اليمن من مفاوضات لا تزال خجولة بين المملكة العربية السعودية وإيران، بعد سنوات من القتال الداخلي ، وكذلك ما يجري في العراق وفي سوريا من تطورات متسارعة، وما نتج عنها من فتح الحدود السورية – اللبنانية لتسهيل عمليات النزوح السوري في اتجاه لبنان، وهو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة المتشابكة، يمكن لأي متعاطٍ في الأمور السياسية أن يستنتج بأن مخطّط رايس بدأ تنفيذه بالفعل على أرض الواقع، وإن بخطوات متهاودة لا تزال في بداياتها تمهيدًا لإعادة طرح مشروع صفقة القرن، بالتزامن مع إحياء فكرة انشاء كيان كردي مستقل.
فما قالته رايس في حينه عن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" بدأ يشق طريقه نحو التنفيذ، وهي التي اعتبرت أنه سيحقق "حلاً سحريًا لعلاج أزمات المنطقة المزمنة". وما يُرسم اليوم من حدود لدول "الشرق الأوسط الجديد" لن يكون هذه المرّة على الورق كما حصل في خارطة سايكس – بيكو، بل سترسم بـ "الدم"، بحيث تتحوّل الدولة الواحدة إلى دويلات، على أن تنشأ في المقابل دول جديدة كبيرة وصغيرة.
وعليه، وبالتوازي مع تفاقم النزوح السوري في كل من تركيا والأردن، وبالأخصّ في لبنان، يتوقع أكثر من محلّل ديبلوماسي واستراتيجي ان يعود الحديث عن "صفقة القرن" بقوة عبر الاعلام، وبوتيرة متصاعدة بحيث لا يعود أمام معارضي هذه الصفقة، وقد دفع لبنان ثمنًا باهظة نتيجة رفضه لها، سوى الرضوخ للمنطق الذي ساد أثناء تفاوض لبنان في شكل غير مباشر، مع عدوّه الأول والأخير حول ترسيم الحدود البحرية.
ومع تزايد أعداد النازحين السوريين في لبنان تسهل عملية "بلقنة" المنطقة، التي ستبدأ بتقسيم العراق، وتمتد في مراحل لاحقة إلى تقسيم سوريا، وصولًا إلى ما يسعى إليه البعض في لبنان من خلال تنامي فكرة "الفدرلة"، التي ستصبح أكثر واقعية مع هذا الوجود السوري الكثيف الآخذ في التوسّع، بعد أن يتبيّن للجميع استحالة تأمين عودة "آمنة وطوعية" للنازحين السوريين إلى الداخل السوري، الذي ستعود إلى ساحته الإضطرابات الأمنية المتنقلة. وقد يكون ما حصل في حمص، وما يحصل في السويداء، بمثابة عود على بدء.
من هنا، يمكن فهم العلاقة غير المباشرة بين كل هذه التطورات وعدم التوصّل إلى الحدّ الأدنى من التفاهم على انتخاب رئيس جديد، مع ما يشي بدخول لبنان في مرحلة متقدمة من الفوضى، من خلال إثارة بعض الفتن المتنقلة بين اللبنانيين والنازحين السوريين، وذلك بعدما تمت تهيئة الأجواء الملائمة نتيجة الاحتقان، الذي يساهم في تأجيجه بعض الحوادث الفردية العابرة للمناطق.
فعندما تحدّث قائد الجيش العماد جوزاف عون عن "الخطر الوجودي"، في جلسة لمجلس الوزراء خُصّصت للبحث في الإجراءات التي يجب اتخاذها لضبط الحدود والحدّ من موجات النزوح، كان كلامه مبنيًا على تقارير استخباراتية دقيقة وخطيرة في آن. ومن هنا تُفهم أيضًا طبيعة الحملات المنظمة على المؤسسة العسكرية تمهيدًا لشّل قدرة الجيش على منع الفتنة وضرب الاستقرار.
وما حصل في منطقة الدورة ليس سوى عيّنة عمّا سيحصل في كل منطقة لبنانية، من دون أن ننسى أن من بين النازحين الجدد مئات من الإرهابيين المنتمين إلى "داعش". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
هكذا أعادت هجمات 7 أكتوبر تشكيل الشرق الأوسط
عندما شن مقاتلو حركة حماس غارة قاتلة عبر حدود غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تسببوا في إشعال حرب مع إسرائيل أسفرت عن تدمير القطاع. كما أطلقت الغارة موجات صادمة كان من شأنها إعادة تشكيل الشرق الأوسط بطرق غير متوقعة.
انهارت الشبكة القوية من التحالفات الإقليمية، مما ترك البلاد عرضة للخطر
وكتبت إيريكا سولومون في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن التحالفات القوية شهدت انقلاباً رأساً على عقب، بعد تجاوز "الخطوط الحمراء" الراسخة، وقضي على ديكتاتورية استمرت لعقود في قلب المنطقة.وبعد مرور 15 شهراً على هجمات أكتوبر، ومع سريان اتفاق وقف النار بين إسرائيل وحماس اليوم، استعادت الصحيفة التحول الجذري الذي طرأ على المنطقة.
أعادت إسرائيل تأكيد هيمنتها العسكرية، لكنها قد تكون في صدد مواجهة تكاليف ديبلوماسية ومحلية باهظة. وتعامل قادة البلاد مع الهجمات التي قادتها حماس باعتبارها تهديداً وجودياً، وكانوا عازمين على هزيمة الحركة وإضعاف داعمتها الرئيسية، إيران. ولم تنجح إسرائيل في إضعاف حماس في غزة فحسب، بل نجحت أيضاً في القضاء على جحزب الله الشيعي اللبناني، ووجهت ضربة قوية لشبكة حلفاء إيران في الشرق الأوسط.
VERY IMPORTANT TO WATCH
The birth of pragmatic Political Jihadism in the Middle East
We are witnessing a critical shift in the history of the Middle East. What we are seeing today is similar to what happened in the 1980s after the Islamic Revolution took over Iran.
The… pic.twitter.com/ZJAM0uta8l
وفي الداخل، وفي الرأي العام العالمي، كانت النجاحات التي حققتها إسرائيل أكثر غموضاً. ورغم أن هجومها على غزة أدى إلى إضعاف حماس بشدة، فإنه لم يدمرها، كما وعدت الحكومة.
ولحقت أضرار بالاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب، ويبدو أن سياسات البلاد التي يهيمن عليها الاستقطاب قد تم التغاضي عنها لفترة وجيزة عندما بدأت الحرب، عادت إلى الانقسام. وباتت مكانة البلاد الدولية في حالة يرثى لها، ما يهدد أهدافها الديبلوماسية، مثل تطبيع العلاقات مع السعودية.
وقد تتغير هذه الديناميات مرة أخرى مع تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب الاثنين، والذي دفع في ولايته الأولى إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وقد يسعى إلى إحياء هذه الجهود.
ومن الصعب على المدى الأبعد، التكهن بالتهديدات التي قد تواجهها إسرائيل من جيل الشباب اللبنانيين والفلسطينيين، الذين أصيبوا بصدمة نفسية بسبب الموت والدمار، الذي أحدثه القصف الإسرائيلي لعائلاتهم وبيوتهم.
أرادت حماس وزعيمها الراحل يحيى السنوار، أن تؤدي هذه الهجمات إلى إشعال حرب إقليمية أوسع بين إسرائيل وحلفاء الحركة. لكنها فشلت في توقع الكيفية التي قد ينتهي بها الصراع.
وبالنسبة للمدنيين الفلسطينيين، يبدو المستقبل أكثر قتامة من أي وقت مضى. وقد أجبر القصف والغزو الإسرائيلي جميع سكان غزة تقريباً على ترك منازلهم، بينما قتل أكثر من 45 ألفاً، وفقاً للسلطات الصحية في غزة، التي لا تميز بين المدنيين والمقاتلين. وحولت إسرائيل مساحات شاسعة من القطاع إلى أنقاض.
وقتلت إسرائيل السنوار وبقية كبار القادة العسكريين والسياسيين في حماس، وتلاشت شعبية الحركة بين سكان غزة، رغم أن المسؤولين الأمريكيين يقدرون أن حماس جندت عدداً من المقاتلين يماثل تقريباً ما خسرته على مدى 15 شهراً من القتال.
How the Oct. 7 Attacks Transformed the Middle East https://t.co/vOQoQ6IY3T
— Colin P. Clarke (@ColinPClarke) January 18, 2025أما حزب الله الذي هزته الحرب، وكان ذات يوم جوهرة التاج في ما يسمى محور المقاومة في إيران، فقد ارتخت قبضته على لبنان. لكن الغزو والقصف الإسرائيلي، تركا لبنان في مواجهة تكاليف إعادة الإعمار بمليارات الدولارات، في ظل أزمة اقتصادية سابقة للحرب.
تراجع صارخوعانى الحزب، القوة السياسية والعسكرية المهيمنة سابقاً في لبنان، من تراجع صارخ في حظوظه منذ هجمات 2023. لقد قتلت إسرائيل معظم كبار قادته، بمن فيهم حسن نصر الله. وضعفت راعيته إيران. كما أن خطوط إمداده عبر سوريا مهددة. وعلى نطاق أوسع، تخلى عن الوعد الأساسي الذي قطعه الحزب على نفسه للبنان، وهو أنه وحده القادر على حماية البلاد من إسرائيل.
وقد خفت حدة الجمود السياسي الذي استمر لسنوات، والذي ألقي باللوم فيه إلى حد كبير على الحزب المسلح، بما يكفي هذا الشهر لتمكين البرلمان اللبناني، من انتخاب رئيس جديد، وتكليف رئيس وزراء تدعمه الولايات المتحدة والسعودية.
ورغم الضربات، لا يزال في إمكان حزب الله الاستعانة بآلاف المقاتلين، ويحظى بدعم الطائفة الشيعية الكبيرة في لبنان. وقد يجد طريقة لإعادة البناء داخل النظام السياسي المنقسم في لبنان.
وفي سوريا، أدت الإطاحة ببشار الأسد في الشهر الماضي، في واحدة من أكثر النتائج دراماتيكية لـ7 أكتوبر، إلى تفكيك نظام مستبد. لكن الاضطرابات الحتمية التي أعقبت ذلك خلقت الظروف الملائمة لصراعات جديدة على السلطة.
وعلى مدار ما يقرب من 13 عاماً، نجح الأسد في احتواء التمرد إلى حد كبير على السلطة المستمرة منذ خمسة عقود، بمساعدة روسيا وحزب الله وإيران.
ومع تراجع إيران وروسيا، أصبحت تركيا الآن في موقع رئيسي للعب دور محوري في سوريا. وتأمل موسكو الحفاظ على بعض قواعدها البحرية والجوية، لكن مصير مفاوضاتها مع هيئة تحرير الشام، غير مؤكد.
ويراقب جيران سوريا والدول الأوروبية التي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين، الوضع عن كثب لمعرفة إذا كانت البلاد قادرة على تحقيق الاستقرار أم أنها ستنزلق مرة أخرى إلى الفوضى العنيفة.
وفي إيران، انهارت الشبكة القوية من التحالفات الإقليمية، ما ترك البلاد عرضة للخطر، وربما تحفزها لصنع سلاح نووي.
وبدت إيران، التي يُنظر إليها منذ فترة طويلة باعتبارها واحدة من القوى الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط، في حالة من الضعف الشديد بعد إعادة التنظيم التي شهدتها خلال الأشهر الـ15 الماضية. وفعلاً، فقدت طهران الكثير من "محور المقاومة"، الذي كان قوياً ذات يوم، وهو شبكة الحلفاء التي استخدمتها لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن غير الواضح أين بالضبط سيترك ذلك طهران. إن الحكومة الإيرانية الضعيفة، التي تشعر بأنها مهددة على نحوٍ متزايد، قد تضطر إلى عسكرة برنامجها النووي المستمر منذ عقود. وقال مسؤولون أمريكيون، إن إيران قد تحتاج إلى بضعة أسابيع فقط لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات يمكن استخدامها في صنع قنبلة نووية.