القطبة المخفيّة في لائحة الدوحة: عون أم البيسري ؟
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
كتب نقولا ناصيف في "الاخبار": في اللائحة التي شاع ان الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني حملها معه في زيارته المستمرة لبيروت، اربعة اسماء: عسكريان ومدنيان. ضابطان وسياسيان. الاولان قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام بالانابة للامن العام اللواء الياس البيسري، والاخيران النائب نعمة افرام والوزير السابق زياد بارود.
ليس الاربعة هؤلاء مواصفات وامزجة فحسب، بل ظروف متباينة غير متشابهة تجعل كلاً منهم فرصة لصاحبها فقط دون الآخر. ليسوا حتماً المرشحين الوحيدين ولا غير المستغنى عنهم، الا ان طرح اسمائهم في الوقت الحاضر يجعلهم اكثر تداولاً لا اكثر حظوظاً من سواهم. لم يُسقط اي منهم حتماً ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وهو في الواقع اقوى المرشحين مستمداً تقدمه من وقوف الثنائي الشيعي الى جانبه لا يتزحزح عنه. الاصح انه الوحيد الآن خصم المرشحين الاربعة الذين حمل الموفد القطري اسماءهم.
المرشحان الفعليان الظرفيان الحاليان، لا النهائيان حتماً في مرحلة ما بعد جلسة 14 حزيران، هما عون والبيسري. هو الاستنتاج الطبيعي اذا كان لا بد من الاخذ في الحسبان ان الوساطتين الفرنسية والقطرية معاً - او منفردتين - وضعتا قاعدة جديدة لمقاربة الاستحقاق الرئاسي، هي تجاوز نتائج جلسة 14 حزيران باستبعاد مرشحيْها فرنجيه والوزير السابق جهاد ازعور، والذهاب الى مرشح ثالث يتاح التوافق عليه. بالتأكيد يجبه قائد الجيش المشكلة نفسها لرئيس تيار المردة، مفادها تعذّر التوافق عليه بين القوى الرئيسية الناخبة في الاستحقاق، وتعذّر استقطاب كل الطوائف اللبنانية - وهم ما بات الاهم الآن - الى جلسة انتخابه.في ذلك تكمن المفارقة: يحظى قائد الجيش بتأييد غير معلن من الدول الخمس المعنية بلبنان اقرب ما يكون الى اجماعها، بينما يفتقر الى الاجماع الداخلي والى التوافق عليه حتى. الا انه يستمر مرشحاً رئيسياً وندّاً لفرنجية، وإن فهم البعض المؤثر من تحرّك آل ثاني وكلامه المستجد عن مرشح ثالث كأنه يتنصل من قائد الجيش كي يذهب الى سواه. ذلك ما فسّر طرح اسم البيسري.
مع طرح اسم البيسري في اللائحة القطرية كأحد الاحتمالات المتداولة، يُعاد طرح المشكلة نفسها: تعديل المادة 49.ثمة وجهتا نظر متناقضتان:اولى تقول ان لا حاجة الى تعديل المادة كونه يحل في المديرية العامة للامن العام بالانابة وليس بالاصالة، اضف صدور قرار تعيينه عن وزير الداخلية في 3 آذار الفائت لا عن مجلس الوزراء، فلم يخضع التعيين للحالات المرعية في المادة 65 في الدستور لتعيين موظفي الفئة الاولى، كي تنطبق عليه شروط هؤلاء.ثانية تذهب الى ابعد من ذلك باستنادها الى المادة 49 بالذات. ما تورده الفقرة الثالثة فيها انها تمنع «انتخاب القضاة وموظفي الفئة الاولى وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم» ما لم يكونوا استقالوا من الوظيفة وانقطعوا عنها او تقاعدوا في السنتين اللتين سبقتا موعد انتخاب الرئيس. تأتي المادة 49 صراحة على ذكر القضاة وموظفي الفئة الاولى ولا تأتي على ذكر قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان. كلا مَن شغل اخيراً المنصبيْن قالا - او نُقل عنهما - ان قانونيْ وظيفتيْهما لم يشيرا الى ان اياً منهما هو موظف فئة اولى، في قانون الدفاع الوطني وفي قانون النقد والتسليف، ما يستثنيهما من التحظير الدستوري المطبق صراحة على القضاة (كرئيس مجلس القضاء الاعلى) وموظفي الفئة الاولى المنصوص عليه في المادة 49. واقع الامر ان الربط حاصل في العبارة المفتاح التالية «وما يعادلها» في الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام مدة قيامهم بوظيفتهم.
عندما عُدلت المادة 49 في الدستور عام 1990 وأُدخِلت اليها فقرة ثالثة جديدة لا تمت بصلة الى تلك القديمة منذ عام 1926، لم يُقصد بين المحظّر انتخابهم سوى قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان بالذات.صلة الربط تلك تقيم في الجدول المطبق على الجيش وسائر الاسلاك العسكرية والامنية النظيرة المسمّى «جدول تماثل الرتب العسكرية وفئات الوظيفة العامة» بتصنيفه حامل رتبة عميد وما فوق مماثلة لموظفي الفئة الاولى، ورتبة عقيد ومقدم مماثلة لموظفي الفئة الثانية، وهكذا دواليك...لأن قائد الجيش والضباط المماثلين لرتبته في اسلاكهم يتولون مهمات مطابقة لتلك المعهودة الى المدير العام في الوظيفة العامة، يمسي من الطبيعي انصياعهم للالزام المنصوص عليه في المادة 49، المحظّر انتخاب اي منهم لرئاسة الجمهورية ما لم يصر الى ازالة المانع الدستوري.على اهمية هذا الشرط المقيِّد، الرائج منذ عقد التسعينات، وهو الدرس السوري الاول في تطبيق اتفاق الطائف، ان السياسة فوق الدستور الذي ليس له الا الخضوع اليها. حدث ذلك اعوام 1995 و1998 و2004 و2008، ويمكن ان يحدث في اي وقت عندما يحين أوان التسوية والتفاهمات السياسية.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الفئة الاولى قائد الجیش
إقرأ أيضاً:
تغريدة قائد الجيش الأوغندي والبعد الإقليمي لحرب السودان
وجه الحقيقة – إبراهيم شقلاوي
وأنا أبدأ كتابة هذا المقال على خلفية تغريدة قائد الجيش الأوغندي تحدثت مع أحد جنرالات الجيش السوداني السابقين الذين شهدوا حرب جنوب السودان قال: “يعلم العسكريون الأوغنديون الذين خاضوا معارك ضد الجيش السوداني في الاستوائية خلال أيام تمرد جون قرنق أن السودانيين يجيدون القتال المفتوح والمواجهة المباشرة من المسافة صفر حتى أن الأوغنديين كانوا يقيدون جنودهم بالسلاسل ليمنعوهم من الفرار من ساحة المعركة” .
لكن دعونا نحاول قراءة الدوافع والأهداف الكامنة خلف هذه التغريدة المثيرة للجدل ، والتي تم تداولها على نطاق واسع بين السودانيين في سياق الحرب الدائرة الآن . الجنرال “موهوزي كاينروجابا”، وهو أيضًا نجل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ، غرد بالأمس على منصة “إكس”: “نحن ننتظر فقط أن يصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وبدعمه سوف نستولي على الخرطوم”. وأضاف أن ما أسماها “الفوضى” سوف تنتهي في السودان قريبًا ، وقال: “إذا كان هؤلاء الشباب في الخرطوم لا يعرفون ما هي الحرب فسوف يتعلمون” .
هذه التصريحات تفتح الباب لتحليل أوسع حول الأبعاد الإقليمية والدولية المتشابكة في حرب السودان خصوصًا في ضوء التاريخ المعقد بين السودان وأوغندا . إن تصريحات كاينروجابا ليست مجرد تهديدات عابرة بل هي جزء من سياق طويل ومعقد بين البلدين . فكما نعلم شهدت العلاقات بين السودان وأوغندا توترات متعددة ، بدءً من دعم أوغندا للحركات الانفصالية في جنوب السودان مرورًا بتدخلاتها في دارفور وانتهاءً بالدعم غير المعلن لقائد مليشيا الدعم السريع ، الذي كان أول ظهور له عقب اندلاع الحرب في أوغندا التي استقبلته استقبال المنتصرين . كما سعى الرئيس موسيفيني مرارًا لجمع قائد التمرد مع الرئيس البرهان لإيجاد موطئ قدم لمليشيا الدعم السريع في اليوم التالي من الحرب .
هذه الخلفية التاريخية تجعل تصريحات قائد الجيش الأوغندي أكثر دلالة على التوجهات الاستراتيجية لأوغندا في المنطقة . فالسودان الذي يُعد نقطة تقاطع استراتيجية بين العالم العربي وأفريقيا كان ولا يزال مسرحًا لصراعات سياسية وعسكرية معقدة . لذلك تأتي تصريحات كاينروجابا في وقت حساس ، ويمكن تفسيرها بأنها محاولة لتعزيز الحضور الأوغندي في المشهد الإقليمي خاصة مع احتمالية سعي بعض الدول لتوسيع نفوذها في ظل الحرب في السودان . ومن خلال الإشارة إلى إمكانية الدعم الأمريكي يفتح كاينروجابا المجال لتدخل دولي محتمل ، ظل يُلوح به بعض الأطراف كلما اقترب الجيش السوداني من حسم الحرب .
لذلك في تقديري من الضروري أن يتبنى السودان موقفًا دبلوماسيًا حازمًا في مواجهة مثل هذه التهديدات، باستدعاء السفير الأوغندي ومطالبته بتوضيحات . كما يجب أن تعمل الحكومة السودانية على فتح قنوات تواصل مباشرة مع الحكومة الأوغندية لتفادي التصعيد العسكري مع توضيح أن أي تدخلا عسكريا في الأراضي السودانية تحت أي عنوان سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها ، وأن هذا يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي لن ينجو منه أحد .
كذلك يجب على السودان أن يتقدم بشكوى عاجلة للمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد ضد هذا التدخل الأوغندي . وبجانب ذلك تعزيز التعاون مع دول أخرى بما يشكل جبهة إقليمية موحدة يعزز موقف السودان ، ويقلل من تأثير الضغوط الأوغندية أو أي ضغوط محتملة من أطراف تخدم أجندة المليشيا . وعلى الصعيد الدولي يجب أن يسعى السودان للحصول على دعم القوى الكبرى لإدانة المليشيا وتصنيفها كجماعة إرهابية .
من أبرز التساؤلات التي تثيرها تصريحات الجنرال الأوغندي أنها تزامنت مع أنباء عن لقاء بين عبد الرحيم دقلو الرجل الثاني في مليشيا الدعم السريع ورئيس تنسيقية القوى المدنية “تقدم” عبد الله حمدوك في نيروبي. وقد تكون تصريحات الجنرال الأوغندي بمثابة تحذيرا أو محاولة تنسيقا معلنا مع هذا التحالف ، بالنظر إلى الحديث عن حكومة محتملة في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع للضغط على الحكومة السودانية . وربما تمثل محاولة لإعلان موقف من أوغندا داعم لهذه الحكومة .
أما حديثه عن “الشباب في الخرطوم”، فمن المؤكد أن الجنرال الأوغندي يشير إلى الشباب السودانيين الذين انخرطوا في الدفاع عن بلدهم. هؤلاء الشباب يعرفهم تاريخ المواجهة مع الأوغنديين إبان حرب جنوب السودان . وبالتالي، فإن تصريحاته بلا شك تمثل تهديدًا مباشرًا ، ليس بعيدًا عن بصمة تنسيقية القوى المدنية “تقدم” ، وربما تعكس نية أوغندا في اتخاذ مواقف عدائية تجاه القوات المسلحة السودانية والشعب السوداني قاطبة .
تصريحات الجنرال الأوغندي يمكن أن تُفهم في إطار محاولات ضغط إقليمي على السودان. قد يكون الهدف منها دفع الحكومة السودانية لقبول شروط معينة ، سواء سياسية أو أمنية أو الذهاب إلى تفاوض بحسب رؤية الداعمين المحليين والإقليميين . لذلك يرى مراقبون أن مثل هذه التصريحات قد تكون جزءً من مؤامرة أوسع تسعى إلى تغيير موازين القوى في البلاد بعد الانتصارات التي بدأ يحققها الجيش على المليشيا في عدد من جبهات القتال .
عليه، وبحسب ما نراه من “وجه الحقيقة” من المهم أن يصدر ردا رسميا حازما من الحكومة السودانية على هذه التهديدات ، حفاظًا على سيادة السودان وكرامته . كما يجب على القوى السياسية الوطنية والمدنية في السودان تبني موقف موحد لرفض التدخلات الخارجية ، وإرسال رسالة واضحة بأن السودان لن يقبل المساس بأمنه واستقلاله . عليه تظل تصريحات قائد الجيش الأوغندي تشير بوضوح إلى التدخلات الإقليمية والدولية في حرب السودان ، مما يستوجب على السودانيين مزيدًا من التكاتف والتعاضد لهزيمة كافة المخططات الإقليمية والدولية .
دمتم بخير وعافية .
الأربعاء 18 ديسمبر 2024م
Shglawi55@gmail.com
إبراهيم شقلاوي