أتابع مبادرات السلام الكثيفة حول اليمن، فأتذكر أننا جلسنا مع عبدالملك طباطبائي - الشهير بـ الحوثي - عشرات المرات بداخل مبانٍ استولى عليها خلال حروبه الست وما بعدها، كان يتحدث وعيناه تذهبان إلى حيث يجلس ضابط صارم الملامح لا يبدو يمنيًا وسحنته تشبه الفارسيين، وكأنه يستنطق الرضا منه عن حديثه
عندما اقتطع رئيس الوفد الرئاسي إلى صعدة في 2014 "د.
عاد بن دغر إلى صنعاء، وألقى خطابه الشهير أمام الرئيس وجمع ضخم من الناس، وذكر ما دار بينهما ، فظهر عبدالملك متوترًا غاضبًا ينفي ما حدث، وأنه عازم على اسقاط الحكومة، ومن وراءها صنعاء ثم عدن .
السلام مع الحوثيين أحلام يقظة، هذا ما خرج به اليمنيون طوال فترة صراع استمرت 17 سنة توزعت بين الجبال والسهول وتمددت إلى البرلمان والقوى السياسية وثورات الربيع العربي، ثم انتهت بمحاولة الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" ترويضهم في 3 سنوات عجاف، لبناء دولة خارج الدستور اليمني والتأثير العربي، فخرج على قومه قبل مقتله بأربعة أيام؛ مغازلًا إيران، إلا أن "قاسم سليماني" لم يلتفت لتلك التوسلات المبطنة بقبول "التشيع" مقابل "الدعم" الذي كان في حقيقة الأمر محاولة لدرء مخططات حصاره وقتله، ليظهر "علي عبدالله صالح" للمرة الأخيرة داعيًا إلى الحرب حتى إنهاء السيطرة الإيرانية، وقد كانت أصوات القذائف التي تدك حصون منزله تُسمع بوضوح في ذلك التسجيل الذي أطلق فيه وصاياه الأخيرة .
من تلك الوصايا أن لا عهد للحوثي، ترجمتها تجربة مريرة تلقاها رئيس دولة سابق وزعيم سياسي ثقيل على هيئة رصاصات نحاسية فجّرت رأسه، ومن يزعم أنه قادر على اللعب مع الحوثيين بذلك العُمق الذي وصل إليه "صالح" ويفكر في النجاة، فعليه مراجعة قدراته العقلية.
يتمسك الحوثي وأتباعه بالولاية السياسية والدينية كحامل عقدي يغذي مشروعهم، لكنه رغم الولاية التي ينصب لها صور شقيقه "حسين" في شوارع سيطرتهم، إلا أنه ليس "الإمام" وهو موقع مرادف لمنصب "الملك" ويختلف عنه بالزعامة الروحية والحصرية لكل من ينتمي لعائلة علي بن أبي طالب
يُطلق على "عبدالملك الحوثي" صفة "السيد العلم" فقط وليس "الإمام"!، ذلك يعني أنه الرجل الذي يشار إليه ولم يستكمل شروط الإمامة كاملة، وفي حالة هذه الجماعة الدموية فإن التعريف الدقيق لمصطلح "السيد العلم" يعني : مدير فرع الإمامة الايرانية في اليمن .
ويعني أيضًا أن عبدالملك الحوثي لن يصبح إمامًا كما كان أسلافه الإماميون في صنعاء قبل اسقاطهم في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م ، وإن حاول التفكير في ذلك، سيقتله "خامئني" على الفور، وبالمعنى المذهبي البسيط لهذه الحالة المعقدة فإن نظرية ولاية الفقيه الخمينية ابتلعت المذهب الزيدي - الهادوي، وحرمت هاشميي اليمن من الإمامة وربطت كل أشكال الدعم والبقاء والسيطرة لهم في حدودها الدنيا تحت بند : شيعة الشوارع .
كيف يمكن إحلال السلام في اليمن، هذا السؤال اليقظ يثير انتباه العالم، لكن الحقيقة أن التمسك بنظرية الولاية في صنعاء وفي خنادقها ملايين الذخائر والصواريخ والتشكيلات الميليشاوية المدربة لا يبشر مطلقًا بأي فرصة لتحقيق سلام حقيقي، ولو قدمت الحكومة اليمنية والتحالف العربي كل التنازلات من أجله، فالولاية تعني السيطرة على كل شيء، ويجب أن يذهب اليمانيون بعدها إلى الريف ليزرعوا ويحصدوا ، كي يشبع "السيد" ويهنأ، وحتى المدن ستبقى محرمة على المواطنين العاديين، لأن الحوثي عازم على تهجير كل من لا ينتمي للطبقة الاجتماعية الأولى إلى الأرياف الفقيرة، حيث لا أثر لأي صورة من أنماط الحياة العصرية .
هذه صورة السلام التي يتخيلها الحوثي، ومن يصر على المضي فيها، عليه أن يحتضن عنصرية الحوثيين ويذهب بها إلى بلده لتطبيقها، وإن أفلحوا وقبلتها شعوبهم سنرضخ ونعتذر ونركع آسفين .
وإلى لقاء يتجدد .
المصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
محلية حجة تستنكر ممارسات الحوثي بإشعال الفتنة بين قبيلتين
استنكرت السلطة المحلية في محافظة حجة، السبت 22 فبراير/شباط 2025، الممارسات الحوثية المتمثلة بإشعال الفتنة بين قبائل الحماريين وبني الشومي.
وأدانت قيادة السلطة المحلية بالمحافظة، سياسة البطش والتنكيل التي تنتهجها المليشيات منذ انقلابها المشؤوم، محملة قيادة مليشيات الحوثي مسؤولية ما يترتب على جرائم إثارة النعرات والخلافات والثأرات بين أبناء المحافظة، من سفك للدماء وإخلال بالأمن العام للمواطنين.
وقالت السلطة المحلية، إنها تتابع الأعمال الهمجية التي تمارسها مليشيات الحوثي الإرهابية في مناطق سيطرتها بالمحافظة وما تمارسه من إشعال للثأرات القبلية وإقلاق السكينة العامة بمختلف المديريات، والتي كان آخرها إشعال الفتنة بين قبائل الحماريين وبني الشومي.
وبينت بأن مليشيات الحوثي الإرهابية دأبت منذ انقلابها على مؤسسات الدولة حتى اليوم على زعزعة الأمن والاستقرار في شتى مناحي الحياة حتى تتمكن من امتصاص خيرات الشعب العامة والخاصة، بل وصل بها حد تغذية الخلافات بين المواطنين، كونها لا تستطيع العيش في ظل الاستقرار، إلى جانب ما تعيشه المليشيات من حالة تخبط وانفلات أمني غير مسبوق.
وقالت "لقد عانى أبناء حجة كغيرهم من اليمنيين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابي الويلات جراء سياسة الإفقار والصراع والحروب المفتعلة طيلة السنوات الماضية حتى أوصلت المواطنين إلى ما تحت خط الفقر".
ودعت كافة المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية للاطلاع عن كثب والقيام بدورها تجاه ممارسات هذه المليشيات الإجرامية التي عبثت بكل مناحي حياة المواطنين بكل ما تعنيه الكلمة.
وطالبت كافة العقلاء والمشايخ في كافة مناطق سيطرة الحوثيين بالمحافظة للقيام بدورهم الإنساني قبل مسؤوليتهم الملقاة على عاتقهم تجاه تلك الممارسات وعدم الانجرار وراء مخططات مليشيات الحوثي الرامية إلى تمزيق أواصر المجتمع، والعمل على التصدي لها بكل الوسائل.