عبر البوابة الإريترية.. روسيا تسعى للعودة إلى القرن الأفريقي
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
سيبقى مشروع الحلم الروسي المتمثل في موطئ قدم على البحر الأحمر ورقة رابحة، يتوافق مع ما تقوم به إريتريا لمناورة الولايات المتحدة وحلفائها، لضمان الحفاظ على ما تعتبره مصالح البلاد العليا، المتمثلة باستمرارية نظام إسياسي أفورقي.
وعندما يشعر أفورقي بتهديد هذه المصالح، فإن طموحات الكرملين الروسي ستختبر على ضفاف المياه الدافئة، عند مدخل باب المندب على مقربة من أهم خطوط الاختناق البحرية وممرات التجارة العالمية.
ومن هنا تأتي العلاقة بين موسكو وأسمرة، على نطاق واسع من المجالات، من الأسلحة إلى الطاقة والمناطق الصناعية الى السياسة الدولية، والرؤية المشتركة لعالم جديد متعدد الأقطاب، والإيمان بوجود مؤامرة غربية ضد البلدين، وفق تحليل لمركز "أبعاد للدراسات والبحوث".
وخلال السنوات الأخيرة، أظهرت روسيا اهتمامًا كبيرًا بالقارة الأفريقية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، ودعم المواقف الأفريقية، بالإضافة الى توجيه المؤسسات الاستثمارية الروسية للعمل في القارة السمراء، فضلًا عن زيادة نصيب حصة المنح المجانية للطلاب الأفارقة في الجامعات الروسية، وإنشاء الكثير من مشاريع الطاقة.
وبالتالي كان انعقاد القمة الاقتصادية والإنسانية الروسية - الأفريقية الثانية في مدينة سان بطرسبورغ أواخر مايو/أيار الماضي، وبمشاركة 49 بلدًا أفريقياً، وتسوية 90% من الديون المستحقة لروسيا لصالح العديد من الدول الأفريقية، وإرسال شحنات القمح الروسي مجاناً لـ6 دول أفريقية من بينها إرتيريا تعبيرًا واضحًا عن هذا الاهتمام المتزايد.
اقرأ أيضاً
تتقدمهم مصر.. ارتفاع حجم التبادل التجاري بين روسيا والبلدان الأفريقية
تم إعطاء مكانة مهمة لتعزيز آليات شراكة للحوار الأفريقي – الروسي، بالإضافة إلى منتدى الشراكة الروسية الأفريقية، وآلية المشاورات السنوية بين وزير الخارجية الروسي وترويكا الاتحاد الأفريقي، وأيضا تم إنشاء آلية تشاور بين وزارة الخارجية الروسية ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، و"البدء" في إنشاء آلية حوار رفيعة المستوى حول القضايا الأمنية.
يأتي كل ذلك على الرغم من الحديث على أن حجم النفوذ الروسي يبدو ضعيفاً الى حد ما مقارنة بحجم النفوذين الصيني والغربي في القارة الأفريقية.
إلا أن الأحداث الأخيرة في غرب أفريقيا، بدءاً من مالى ومن ثم بوركينا فاسو مروراً بالنيجر والغابون، يؤكد بلا شك نمو النفوذ الروسي بشكل كبير في القارة الأفريقية، خصوصاً في الآونة الأخيرة.
والعلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإريتريا بدأت رسمياً في مايو/أيار 1993، وهو اليوم الذي أعلنت فيه إرتيريا استقلالها عن إثيوبيا.
وتم افتتاح سفارتي البلدين بين الأعوام 1994 و1996، قبل أن يتم توقيع اتفاقية للتعاون العسكري التقني بين البلدين.
وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تسارعت العلاقة بين البلدين، فكان الدبلوماسيون الإريتريون أول من زاروا شبه الجزيرة في عام 2014.
اقرأ أيضاً
انقلابات أفريقيا.. خسارة لفرنسا ونفوذها وفوز مرتقب لروسيا
وبعد 4 سنوات، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن مفاوضات بشأن إنشاء مركز لوجستي روسي في أحد الموانئ الإريترية المهمة استراتيجيًا، والذي كانت الصين مهتمة به أيضًا.
وفي مارس/آذار 2022، كانت إريتريا إحدى الدول الخمس التي عارضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب الاتحاد الروسي بسحب قواته من أوكرانيا.
وفي مايو/أيار من نفس العام، صوتت إريتريا ضد قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة في العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا.
وفي العام الجاري، زار الرئيس الإرتيري، روسيا مرتين، الأولى للمشاركة في أعمال القمة الروسية الاقتصادية والإنسانية الأفريقية، والثانية للمشاركة – مع مجموعة من الزعماء الأفارقة- في يوم أسطول البحرية الروسية في مدينة سان بطرسوبرغ.
ويأتي التقرب الروسي الإرتيري، متوافقا مع الدبلوماسية الروسية التي تسعى لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، والتي حددتها موسكو بضرورة إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، كما كان الحال أيام الاتحاد السوفيتي.
ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اعتمدت موسكو على قوتها الناعمة بدرجة أقل من اعتمادها على جاذبية قدراتها العسكرية وفعالية أجهزتها الأمنية، وساعد نجاح حملة روسيا لحماية حليفها السوري على بناء الثقة مع موسكو كضامن للأمن، حتى بالنسبة للدول التي لم تكن جزءًا من الاتحاد السوفيتي.
في المقابل، يتذكر الإريتريون الدعم الدبلوماسي الذي قدمته روسيا في الأمم المتحدة، خلال المواجهة مع أثيوبيا.
اقرأ أيضاً
أفريقيا.. هزائم متوالية تتجرعها فرنسا لصالح روسيا (إطار زمني)
وحسب مراقبين، فإن التقربر الروسي الإريتري، يأتي في سياق محاولة كسر العزلة المفروضة على نظام أفورقي، الذي يعاني بسبب آثار العقوبات الامريكية المفروضة على نظامه.
كما يستهدف هذا التقاري إيجاد بدائل روسية لإريتريا في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والتعدين والتعليم، إضافة إلى الاستفادة من التكنولوجيا العسكرية الروسية لإعادة تحديث وبناء الجيش الخارج من حرب طاحنة بإقليم تيجراي الأثيوبي.
بينما تعتمد المقاربة الروسية لتمتين علاقتها مع إرتيريا على أن بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تمتاز بديناميكية نشطة، خصوصا إنها بلدان يحتل الشباب النسبة الأكبر من تعداد سكانها، فضلاً عن معدلات نمو اقتصادي أعلى من المتوسط العالمي، وغنية بالمعادن التي لا يمكن الاستغناء عنها عند الحديث عن إنشاء صناعات حديثة عالية التقنية في مختلف الصناعات.
بالإضافة إلى ذلك تقع إرتيريا على شواطئ البحر الأحمر، ولديها بنية تحتية متطورة للموانئ مما يسهل الاتصال بالمنشآت الصناعية في البلاد.
ويبدو أن روسيا تركز على إنشاء مناطق صناعية حرة في إرتيريا على غرار تلك المناطق التي يتم إنشائها في مصر، وسيكون لذلك تأثير مثمر في خفض تكاليف إنتاج السلع الروسية.
فعلى المدى المتوسط، قد تصبح إرتيريا جسراً جديداً يربط روسيا بهذا الجزء المهم من القارة الأفريقية.
وفقًا للباحثة بجامعة برونيل آنا ماريا بلوي، فإن روسيا تتنافس مع الصين والقوى الغربية على النفوذ في القارة الأفريقية لتعزيز مصالحها العسكرية والاقتصادية، ولتحقيق هذه الأهداف تستخدم روسيا 3 وسائل دفع رئيسية: مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية وعقود الطاقة.
اقرأ أيضاً
شراكة محيرة بين جنوب أفريقيا وروسيا
ويعد البحر الأحمر منطقة استراتيجية بالنسبة لروسيا، فـ24%من صادراتها النفطية تمر عبر هذا البحر إلى دول مختلفة، لذلك اعتقدت أن وجود قواعد بحرية على سواحله يمكن أن يوفر موطئ قدم لها في المياه الدافئة.
ومن المرجح أن تنشئ روسيا قاعدة لوجستية بحرية في إريتريا في السنوات الخمس المقبلة، تليها استثمارات في البنية التحتية وقطاع الطاقة.
كما من المحتمل جدًا أن تحاول روسيا الدخول في منافسة بحرية مع الصين وفرنسا والولايات المتحدة في البحر الأحمر، من أجل تعزيز مكانتها كقوة عالمية.
ولهذه الغاية، يتمثل أحد أهداف روسيا في إنشاء قاعدة عسكرية وميناء بحري في إريتريا.
ويحتل ميناءا إريتريا، مصوع وعصب، نقاطًا استراتيجية على البحر الأحمر.
وعلى الرغم من أن الغرض المعلن للاتفاقية الموقعة بين روسيا وإريتريا كان تحفيز التجارة والمعاملات التجارية بين البلدين، فمن المرجح بحسب مراقبين أن يسمح للروس بجمع معلومات استخبارية عن الشحن الذي يمر عبر البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط وبحر العرب.
وسيشمل ذلك السفن الحربية الأمريكية والصينية التي تغادر الخليج العربي والمحيط الهندي.
ووفقًا لصحيفة "أفريكا تايمز"، فإن أفورقي سيدعم نشر قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، وهذا يؤكد الشائعات التي يتم تداولها منذ فترة حول هذا الموضوع، فيما يتعلق برحلات وزير خارجية إرتيريا إلى موسكو وما تبع هذه الزيارات من مفاوضات ثنائية لاحقة.
اقرأ أيضاً
نتيجة الخيبة من الغرب.. أفريقيا منطقة جديدة للهيمنة الروسية
وتأمل روسيا أن يكون لها وجود في البحر الأحمر يسمح لها بالحصول على موطئ قدم بين القوى الكبرى المتنافسة في المنطقة، للعب دور أكثر أهمية في الساحة الإقليمية، وزيادة نفوذها السياسي ومكانتها كقوة كبرى، فضلاً عن توفير قاعدة في البحر الأحمر، مما يسمح بجمع معلومات استخبارية عن الحركة الملاحية فيها.
ويتمتع الموقع الإريتري بالعديد من المزايا، فساحل إرتيريا قريب جدًا من باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، أحد أهم الممرات المائية في العالم، كما أنه بداية الطريق إلى المحيط الهندي.
علاوة على ذلك، يبلغ عرض المضيق عند أضيق نقطة منه 38 كيلومترًا فقط، وهذا يعني من الناحية النظرية، أنه ليس من الضروري حتى أن يكون لديك أسطول هناك، سيكون كافيا نصب بطاريات ساحلية لتكون قادرة على "إغلاق" هذا المسار أمام أي سفينة.
ومن وجهة النظر هذه، ستكون القاعدة البحرية في إريتريا أكثر إثارة للاهتمام من القاعدة الموجودة في السودان المجاور، التي يتم الحديث عنها.
وايضا سيدعم هذا الموقع المهم العمليات الروسية في أجزاء أخرى من المنطقة، مما يخلق منصة لجمع المعلومات الاستخبارية لمراقبة أنشطة القوات الأمريكية والصينية والفرنسية والتركية أو اليابانية، وكذلك القوات السعودية والإماراتية في البحر الأحمر وما حوله وشبه الجزيرة العربية، والوضع الأمني في جميع أنحاء القرن الأفريقي.
من ناحية أخرى، فإن النظام الحاكم في إريتريا قادر على تنفيذ أو فرض أي اتفاق نتيجة لغياب أي معارضة سياسية أو قوى مجتمع مدني قادرة على محاسبة الحكومة على مثل هذه القرارات.
اقرأ أيضاً
أوراسيا ريفيو: تدفق الأسلحة الإيرانية على أفريقيا يفيد روسيا والصين وينذر بمواجهة مع إسرائيل
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: روسيا إريتريا أفريقيا نفوذ باب المندب القارة الأفریقیة على البحر الأحمر فی البحر الأحمر فی إریتریا فی القارة اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
بعد الاعتداء على الكابلات تحت البحر..ألمانيا تحذر من خطر أسطول الظل الروسي
بعد تضرر كابل طاقة تحت سطح البحر قبالة فنلندا، دقت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ناقوس الخطر من أسطول الظل الروسي، داعية إلى فرض عقوبات أخرى من الاتحاد الأوروبي.
وقالت بيربوك في تصريحات لصحف مجموعة "فونكه" الألمانية الإعلامية اليوم السبت: "كل شهر تقريباً، تتسبب سفن حالياً في إتلاف كابلات بحرية مهمة في بحر البلطيق. تنزل أطقم السفن مراس في الماء، وتسحبها لعدة كيلومترات عبر قاع البحر دون سبب واضح ثم تفقدها عندما تسحبها"، مضيفةً أنها تجد صعوبة في تصديق أن الحوادث مجرد مصادفات.وحذرت وزيرة ألمانيا قائلة: "هذا جرس إيقاظ عاجل لنا جميعا. في عالم رقمي، تعد الكابلات البحرية شرايين الاتصالات التي تربط عالمنا معا"، مؤكدة ضرورة تعزيز حماية البنية التحتية الحيوية.
Germany's Baerbock warns of Russian 'shadow fleet', urges EU sanctions https://t.co/xLBeq8D5pU
— dpa news agency (@dpa_intl) December 28, 2024وانقطع كابل "إستلينك 2" بين إستونيا وفنلندا يوم الأربعاء الماضي، فيما تشتبه السلطات الفنلندية في أنه عمل تخريبي، واحتجزت بناء على ذلك ناقلة نفط ترفع علم جزر كوك "إيغل إس" بعد الاشتباه في أن مرساها تسبب في إتلاف الكابل.
ووفقا للاتحاد الأوروبي، قد تكون السفينة من أسطول الظل الروسي، والذي يعتقد أنه مجموعة ناقلات نفط وسفن شحن أخرى تستخدمها روسيا بشكل غير رسمي للالتفاف على العقوبات على نقل النفط، على سبيل المثال.
وقالت بيربوك إن "أإسطول الظل الروسي المتداعي" يشكل تهديداً خطيراً للبيئة والأمن الأوروبي، وقالت: "تستخدمه روسيا لتمويل حربها العدوانية غير القانونية في أوكرانيا"، مضيفة أنه في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الجاري خضعت أكثر من 50 سفينة لعقوبات الاتحاد الأوروبي، ويجب أن يتبعها المزيد.