كشف الكاتب الكبير سمير الفيل عن بعض ذكرياته مع حرب أكتوبر المجيدة، والتي شارك فيها، قائلًا: سيكون من الصعب علي وصف مشاعر فتى في سن غض ، ينهي امتحانات المرحلة الإعدادية ، بينما هو في طريقه لمعرفة درجاته يواجه بصيحات عالية تتحدث عن حرب نشبت بين مصر وإسرائيل.

انتهت الحرب بفقد سيناء باستثناء منطقة " رأس العش " التي حاولت القوات الإسرائيلية الاستيلاء عليها غير أن المقاتلين تصدوا لهم فتراجعت الدبابات للخلف وبدأت فترة ست سنوات من الصمود والمقاومة.

سنرى من تجليات ذلك مسرحية " أغنية على الممر " في الفترة من 1969 حتى 1970 جرت وقائع حرب الاستنزاف ، واضطرت القيادة السياسية لتهجير أبناء السويس والإسماعيلية وبورسعيد، فقد كانت هناك هجمات متتالية لضرب مواقع الصمود المصرية وتم قصف مدرسة بحر البقر واستشهد الأطفال في مدرستهم ، كما جرى قصف مصنع أبو زعبل وسقط عمال أبرياء . وعند المعدية رقم 6 استشهد الجنرال عبد المنعم رياض، وشيعه الشعب كله.

واستطرد الفيل خاض العمال المصريون ورجال سلاح المهندسين معارك شرسة لإقامة حائط الصواريخ لتحجيم الهجوم بالطيران الإسرائيلي ، وأعلن موشي ديان أن اجتياح خط بارليف يعد من رابع المستحيلات.

إسلام خليل مؤلف أغنية «الرئيس»: أحب الكتابة البسيطة والسيسي أمين على البلد|حوار طبعة ثانية من مجلة الثقافة الجديدة "عدد أكتوبر" عن طه حسين

وسط هذه الحالة من الترقب والانتظار اختفت بعض المواد التموينية مثل الكيروسين والصابون وأحيانا الزيت والكبريت وبالرغم من ذلك لم تتصاعد الأصوات بالاحتجاج لأن الجميع كان موقنا بضرورة " شد الحزام" بتعبير الشيخ سيد درويش، وذلك للمرور من عنق الزجاجة.

ذهبت لمنطقة فرز " الزيتون " ومنها إلى تجنيد " الزقازيق " لتكون النتيجة " صاغ سليم" غير أن وجود عجز في المدرسين أدى لتأجيل الدفعة لثلاث سنوات، وبذلك لم اشهد الحرب وإن كنت قريبا منها حسب اجتهادي وقتها .

اقتربت من المحارب مصطفى العايدي الذي أهداني خوذة طيار اسرائيلي تم أسره في الحرب، ودونت شهادات له ولعدد من المحاربين ، منهم : محمد حمام ، وبديع الشماخ ، وعادل زقزوق.

وأضاف سمير الفيل تم تجنيدي الفعلي في 1974 وكانت أجواء العمليات القتالية ما زالت سائدة ودفعت للكتيبة 18 مشاة ، التي كانت تحتل المنطقة بين سرابيوم والدفرسوار ، وشاهدت انتشال أحجار معبر " شارون " .

حسنا ، لقد زاملت المحاربين ودونت كل ما قالوه واشتركت في أول مسابقة عن أدب الحرب عام 1974 وحازت قصتي " في البدء كانت طيبة " الجائزة الأولى ، وسلمني الجائزة يوسف السباعي ومعه سعد الدين وهبة.

واكد سمير الفيل في تلك الفترة سجلت كافة المعلومات في كراسات صغيرة رافقتني خلال تحركات الكتيبة في مناورات الخريف في المناطق التي ذكرتها وأيضا في " أبو سلطان " ، و" فايد "، و" القصاصين" أيضا " وادي الملاك " حيث الرماية بالمدفع ، وامتد ذلك إلى داخل سيناء نفسها في " تبة الشجرة ".

أردت أن اكتب عن الإنسان المحارب الذي تصدى بقذائف " أر. بي. جي " لدبابات عملاقة فعطلها وانفكت الجنازير فبدت كسيحة مثل بطة سمينة ،شاهدت بقايا الثغرة ومحاولة دبابات العدو التسلل إلى " أبوعطوة " وبقايا سجائر " التايمز " وقطع الصاج الأصفر عن حقول الغام مكتوبة بحروف " عبرية " ـ بعضها ما زال معي ـ ولما لم ينجحوا توجهوا للسويس وكانت ملحمة بطولية سجلتها مجلة " الطليعة " في سنوات تالية.

اهتممت طيلة فترة تجنيدي بالكتابة عن وقائع الحرب التي لم تدون في سجلات رسمية ، وكنت قد قابلت محمد عبد العاطي صائد الدبابات في عرايشية الإسماعيلية ، كما قرأت عن محمد المصري الذي أوقع خسائر فادحة بمجنزرات العدو.

كتابات سمير الفيل عن الحرب 

وأوضح الفيل عن الحرب كتبت القصص التالية :" قرنفلة للرحيل وخوذة " ، " أحزان الولد شندي " ، " العصا والخوذة " ، " النحيب " ، " أيام الزهو الرمادية " ، " 24 ساعة " ، الكودي 28 " ، " في البدء كانت طيبة " ، " سقط في الثانية صباحا " ، " حبة الجوافة " ، " جندي الإشارة " ، " نوبات الراحة " " المجذوب " ، " القارب " ، " رائحة بارود قديم " ، " عودة المحارب" . هي أعمال تتحدث عن تفصيلات القتال ، اهتممت فيها بالمحارب وبالإنسان في لحظات القوة والضعف ولم أستسلم للنبرة الزاعقة ولا للبروباجندا فقد كان اهتمامي منصبا على الجهد البشري في لحظات الصدام المروعة ضد العدو الإسرائيلي . تضمنت مجموعتي " كيف يحارب الجندي بلا خوذة ؟ " تلك القصص ، وصدرت عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر ، عام 2001 . لكن النصوص ذاتها كتبت في السنوات التالية للحرب ما بين أعوام 1974 ، 1985 .

تابع الفيل أما مجموعتي القصصية الثانية التي اهتمت فيها بفكرة الحرب فقد عالجت العمليات من زاوية اخرى ، تمثلت في قصص الداخل العسكري حيث تمتلأ النصوص بمصطلحات عسكرية سجلها الناقد جمال سعد محمد في كتابه عن " طاقة اللغة وتشكيل المعنى . قراءة في أعمال سمير الفيل " 2002 ، وفيها عدد هائل من المصطلحات العسكرية التي استخدمها الكاتب في نصوصه مثل :" الجراية ،الشدة ، الزمزمية ، أبو جاموس ، التبة ، أخذ التمام ، إخلاء الجرحى، الاستدعاء ، التعيين ، أورنيك ذنب ، الأفرول الكاكي ، البازوكا ، برج المراقبة ، البرنجي والكينجي والشينجي ، البلطة ، البيادة ، مدفع العوزي ، الثكنة ، كلمة سر الليل.. وهكذا. 

عناوين قصص المجموعة الثانية " خوذة ونورس وحيد " شملت ما يلي : " إجراءات" ، " حبهان على مستكة " ، " صورته " ، " دفعة " ، عزومة " ، " عريس للسرية " ، "لدغة عقرب " ، " بلديات " ، " جندي مؤهلات " ، " مسعد بنزين " ، " خلع الجذور " ،  وجميعها جاء ليمتح من التجربة ذاتها لتحكي عن الحرب والتشكيلات القتالية، والحفر البرميلية ، وملاجئ الذخيرة ، والإجازات الميدانية ، تحت عنوان فرعي " تنويعات عسكرية " . بينما القسم الثاني المعنون ب" رماد أزمنة ماضية فيضم 11 نصا قصصيا ، الأخير فقط اهتم بالحرب، وحمل عنوان " وداعا للدم العقيق " المجموعة صدرت عن دار سما للنشر والتوزيع ، عام 2001 وحازت جائزة المجلس الأعلى للثقافة السنة التالية.

مجموعتي الثالثة كانت حسنة الحظ لأنها وصلت لعدد كبير من النقاد فكتبوا عنها ، أفصد مجموعة " شمال. يمين" ، وتضم 21 قصة تدور في حفر وخنادق وخيام لعسكريين بعد انتهاء الحرب لكنها تحمل نفس الوقت سمات أدب الواقع بكل منحنياته.

وأضاف سمير عن نصوص المجموعة كتب : جورج جحا ، د. محمد ابراهيم طه ، د. عزة بدر ، سيف بدوي ، فكري داود، ابراهيم جاد الله ، إبراهيم حمزة ، وآخرين.

بسبب نجاح الكتاب الجدد في إثراء " أدب الحرب" أنشأت الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة عنونتها ب" أدب أكتوبر " قدم لها المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة، قائلا :" هذه قطرات من فيض حب مصر.. هذه نماذج من إبداع أبنائنا ضباط وجنود القوات المسلحة الذين عاشوا الحرب واقعا حقيقيا ، ونسجوها كلمات تفيض واقعية ، وتزخر إحساسا ليؤكدوا أن النصر العظيم لا ينتج سوى أدب عظيم".

في هذه السلسة تنشر لي روايتي الأولى " رجال وشظايا" 1990 ، وكان جمال الغيطاني قد تحمس للفكرة وتولى الدكتور سمير سرحان التنفيذ ، ومن الأسماء التي لمعت في أدب الحرب " نذكر : مجيد طوبيا ، جمال الغيطاني ، محمود الورداني ، سمير عبدالفتاح، سمير الفيل ، قاسم مسعد عليوة ، سيد نجم ، محمود عرفات ، أحمد محمد عبده ، محمد عبدالله الهادي ، نجلاء علام ، عزة أنور ، من قبلهم كاتبين على درجة كبيرة من الأهمية : فؤاد حجازي ، محمد الراوي ، كذلك أسماء أخرى فازت في مسابقة جرت بين عامي 83 و84 ، نذكر منها : محمود حسونة ، أسامة عبدالمقصود شلبي ، مصطفى أحمد مصطفى ، فؤاد بركات ، أحمد زكي عمارة ، السيد عبدالعزيز الجندي ، محمد السيد سالم ، د. كمال حسين ، شمس الدين موسى ، رياض سيف النصر ، عبدالفتاح محمد بكري ، عبدالرحمن شلش ، عبد المنعم الجداوي .

مرت سنوات طويلة ثم وجدتني أنصت لصوت المعارك من جديد فأكتب رواية " وميض تلك الجبهة "، صدرت عن الهيئة العامة للكتاب ، 2008. بتقديم سيد الوكيل وهو من محاربي أكتوبر الحقيقيين.

ذكريات الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر  

وأكد سمير الفيل في العام الخمسين لذكرى انتصار حرب السادس من أكتوبر أجدني أعود للوقائع والأحداث والمرويات والهمهمات ، خاصة التي شهدتها بنفسي فترة التجنيد حين خصصت دفاتر لتدوين كل صغيرة وكبيرة في تجربتي العسكرية .

أتذكر تبة ضرب النار في فايد، ومستشفى القصاصين العسكرية ، وأشجار التوت في الدفرسوار ، وبئر الماء في سرابيوم، وأوقات التدريب الشاقة في المعادي، ومنها إلى الاخصائي ثم على امتداد جبهة قناة السويس التي خدمت فيها سنتين .ومازالت النداءات تشاغلني فأعود لها جزئيا كما في نصوص :" العربة الزل" ، " ساق وحيدة " ، " سعاد " ، " العكاز" " جبل النرجس " .

وأنهى حديثه أستطيع أن أتكئ على ذكرياتي، وأنقل إلى أحفادي صورة كاملة للمعاناة التي كادت تغتال أرواحنا حتى نفذنا من ثقب إبرة لنسجل النصر مع سقوط شهداء وإصابة جنود ليتحولوا إلى جرحى ربما تسقط دمعة غير أن وجه الوطن يتبدى لنا أينما ولينا وجوهنا على امتداد جبهة الحرب.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: حرب اكتوبر سمير الفيل أكتوبر المجيدة الإسرائيلية الثقافة الجديدة

إقرأ أيضاً:

صورة يحيى السنوار تفسد احتفالات الإسرائيليين بعيد الأنوار

تسبب عرض شركة تجارة إلكترونية أمريكية شهيرة صور قائد الفصائل الفلسطينية السابق «يحيى السنوار» على بعض القمصان غضبًا إسرائيليًا واسعًا بعد نشر هذه القمصان على موقع الشركة، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الأمر الذي يأتي تزامنا مع احتفالات الكريسماس  للمسيحيين حول العالم و«عيد الأنوار» اليهودي.

اتهام بمعاداة السامية

ووجه الإسرائيليون اتهامات للشركة بسبب صورة يحيى السنوار بأنها «تعادي السامية وتمجد الإرهاب» ما دفع الشركة الأمريكية إلى إزالة القمصان من موقعها الإلكتروني في «استجابة غير رسمية» بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.

انتقادات إسرائيلية

بدوره علق ناشط إسرائيلي عبر حسابه على «تويتر» قائلا: «ما يحدث في العالم لا يصدق، وول مارت تبيع قمصانًا تحمل صورة قائد الإرهابيين كما لو أنه نجم موسيقي الروك.. هذا ما يحدث في الولايات المتحدة وليس في دولة معادية».

فيما علق حساب على «تويتر» تحت اسم «غرفة الحرب» وهو حساب إسرائيلي قائلا: «على الرغم من إزالتهم للمنتج إلا أن المتجر لايزال يبيع هذا القميص الذي يعتبر مهينًا وغير واقعي»، فيما قالت جانيت، ناشطة أمريكية، عبر حسابها على «تويتر»: «هذا أمر مروع ما خطبكم أيها المسئوولون في متاجر «وول مارت».

استمرار الحرب ضد غزة

ويمر على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة أكثر من 442 يومًا وسط ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين إلى أكثر من 150 ألف شخص، أغلبهم من الأطفال والسيدات، وسط محاولات إقليمية ودولية مستمرة لوقف الحرب، فيما ترددت مؤخرًا أنباء عن صفقة قريبة بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال لوقف جزئي للحرب.

مقالات مشابهة

  • رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
  • سلوت يتطلع إلى «لقاء المواطنة» بـ «ذكريات حزينة»!
  • رئيس أركان جيش الاحتلال يطلب الإسراع في الانتهاء من التحقيقات بشأن هجوم 7 أكتوبر
  • صورة يحيى السنوار تفسد احتفالات الإسرائيليين بعيد الأنوار
  • الأحدب: لتتوقف التركيبات الأمنية التي تهدف لتشويه صورة طرابلس
  • الاحتلال يتحدث عن صعوبات في صفقة التبادل.. ومزاعم بتراجع حماس
  • الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء
  • دنيا سمير غانم تروج لأحدث مسرحياتها "مكسرة الدنيا"
  • ‏مصادر طبية في غزة: ارتفاع حصيلة الحرب على غزة إلى 45338 قتيلا و107764 جريحا منذ 7 أكتوبر 2023
  • دنيا سمير غانم تعود إلى المسرح بـ "مكسرة الدنيا"