بوابة الوفد:
2024-11-18@21:32:10 GMT

أين ذهبت إنسانية الإنسان؟!

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

إن أكثر ما يشغلنى الآن هو السؤال عن الإنسان المكون من لحم ودم ومشاعر وعواطف وانفعالات، أين ذهبت مشاعره وفى أى دروب ضاعت هويته الإنسانية؟!، أين حبه للطبيعة وتغنيه بها؟! لماذا فقدت مشاعره بكارتها وأصبح أكثر مادية وخشونة، لماذا أصبح يلهث وراء اشباع غرائزه المادية لدرجة افتقد معها العواطف السامية التى كانت من سماته المميزة؟ لقد أصبح يفضل العرى والفظاظة على سمو المشاعر وطلاقة الخيال، يجرى وراء كل جديد يفقده إنسانيته وتميزه حتى لقد أصبح أقرب إلى الحيوانية الفظة اللاعاقله؛ اختلطت لديه الأنوثة بالذكورة؛ فيتشبه النساء بالرجال ويتشبه الرجال بالنساء!

أصبح يفضل الأنس بالآلة على الأنس بالإنسان رجلا كان أو امرأة، يحيا مع آلاته أكثر من أن يعيش مع أسرته!

لقد سبق أن حذرنا الفيلسوف الألمانى الشهير مارتن هيدجر (1889-1976م) من أخطار التقدم التكنولوجى على حالة الكينونة الإنسانية وطلبه منا أن نتشكك فى كم ترحيبنا بثمار هذا التقدم التكنولوجى!.

إننا بالفعل نحتاج لوقفة نتأمل فيها ما تفعله بنا وسائل التكنولوجيا المعاصرة وعلى سبيل المثال منها الهواتف المحمولة وما فيها من وسائل التواصل الاجتماعى وبرامج الثرثرة من الفيس بوك والماسنجر إلى الواتس آب والتويتر وكل ما يشبهها من برامج جعلت حياتنا سريعة الإيقاع انكفأ فيها كل منا على ذاته ودائرته الضيقة من ما يسميهم الأصدقاء متناسيا أنهم أشخاص إلكترونيون وليسوا حقيقيين؛ فمعظم هؤلاء الأشخاص قد دخلوا إلى هذه المواقع واستخدموا تلك البرامج بأسماء مستعارة وانتحلوا وظائف وسجلوا بيانات هى فى أغلبها مزيفة وغير حقيقية!

إن حاجة الإنسان الطبيعى إلى الصداقة وإقامة العلاقات الطيبة مع الآخرين من أقرانه البشر جعلته يرحب بهذه الأدوات التى مكنته من تكوين مثل هذه الصداقات السريعة التى اخترق بها حاجز الزمان والمكان متناسياً بل غير عابئ بأنها كما قلنا مع أشخاص إلكترونيين وليسوا حقيقيين! لقد صدق هيدجر مرة أخرى حينما قال عن عصرنا هذا عصر العدمية!

 وكان يقصد بالعدمية هنا عدم وجود حكم مركزى ومشترك يمكنه أن يشير إلى ما هو 

مهم وإلى مايهمنا حقاً فى الشئون البشرية كما كان يفعل المعبد فى المجتمع اليونانى القديم مثلا أو الكنيسة فى الدول المسيحية؛ حيث إننا نفتقر فى حضارتنا الحديثة إلى عنصر ثقافى يجمع الأشياء ذات الأهمية المحورية معا بحيث لا نبدو كأننا «وضعنا فى هذا العالم هكذا» دون هدف أو غاية، لقد صرنا كأى موارد مادية يمكن استغلالها، هكذا غرق الإنسان فى بحر التكنولوجيا وكأنه إحدى موادها الخام التى يمكن الاستفادة منها وتحسينها لتحقيق أغراض أخرى ومخرجات جديدة!!. لقد صار الدعم التكنولوجى وحضور الأدوات التكنولوجية حاضرا بقوة فى كل حياتنا لدرجة أننا نحتاج فى ذلك لنوع من الرشادة والارشاد بل الحماية فى بعض الأحيان!!

إن المغزى الكبير الذى يكشف عنه هيدجر هنا هو أن على الإنسان أن يعيد اكتشاف ماهيته ويدرك ذاته المتفردة وأن يبعد بها عن الانسياق والانصهار فى التكنولوجيا التى من المفروض أنه مبدعها وقادر على التمييز بين الاستخدام الخير والضار لها! لقد كتب أحد الفيسبوكيين المعاصرين متسائلا: لماذا القلق من سرعة تبادل الاتصالات التكنولوجية وما توفره من خدمات؟! وأجاب هو نفسه على سؤاله قائلاً: إن القلق آت من أنها ممكن أن تؤدى إلى محو الشخصية الفردية واضطرارنا إلى مواءمة أنفسنا مع أنظمة آلية لا شخصية!

 لقد حلت الاتصالات الإلكترونية لما فيها من سرعة وسهولة محل اللقاءات العائلية والشخصية فقل إلى حد كبير دفء اللقاءات والعلاقات الاجتماعية والأسرية المباشرة. كما أن السرعة والاتاحة التى شجع عليها الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونية الأخرى فى عالم الصداقة جعلت من الجانب العفوى من الصداقة زائداً على الحد وهذا أمر مثير للشفقة لأن ذلك ألغى أو كاد تكوين الذكريات الاجتماعية وعنصر الفرادة والتميز فى علاقتنا بالآخرين! لقد أصبح الإنسان يسبح فى عالم من الفضاء الإلكترونى الذى عزله عن كينونته الإنسانية وعلاقاته الاجتماعية والغرائزية الحقيقية، فضلا عن أنه بهذا التطرف التكنولوجى والاستغراق فيه أصبح غير قادر على التمييز بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ، بين السلوك الحيوانى الغرائزى والسلوك الإنسانى العقلانى! ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل

إقرأ أيضاً:

الديمقراطي ينعي عفيف: أصبح رمزاً للاعلام المقاوم حول العالم

نعت مديرية الإعلام في الحزب الديمقراطي اللبناني، في بيان اليوم، مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" الحاج محمد عفيف، الذي جرى اغتياله بغارة من العدو الإسرائيلي استهدفت مقر حزب البعث في بيروت.     واعتبرت في البيان أن "هذا الإغتيال الوحشي هو استهداف وقح للإعلام والصوت الحرّ لم يسبق أن حصل في كل حروب العالم، ممّا يظهر صورة هذا العدو الحقيقية أمام الرأي العام العالمي، والذي يسعى إلى إلغاء كل صوت مقاوم يقف في وجهه والمشروع الاسرائيلي". وتقدمت المديرية في بيان، بالتعزية من قيادة حزب الله وعائلة الشهيد وجميع المقاومين، سائلة الله عزّ وجل أن يتغمّده ومن معه بواسع رحمته.

مقالات مشابهة

  • حصيلة محدثة لغارة زقاق البلاط.. كم أصبح عدد الشّهداء والجرحى؟
  • حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.. تعرف عليها
  • عالم أزهري: حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل
  • "التعليم الأخضر وبناء مستقبل أكثر استدامة".. ندوة بكلية التربية بجامعة الفيوم ضمن المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان
  • الديمقراطي ينعي عفيف: أصبح رمزاً للاعلام المقاوم حول العالم
  • وكيل الأزهر: فلسفة القرآن لا مكان فيها لعلاقات الصراع والقتال مع المسالمين
  • المخدرات النيابية:قانون المخدرات الجديد سيكون أكثر “إنسانية “!!
  • حادث مأساوي في العراق.. ذهبت للولادة فخرجت من ثلاجة الموتى
  • «واشنطن بوست»: أغنى رجل في العالم أصبح «الصديق الأول» لـ«ترامب».. ماسك يجب أن يكون أينما يكون الرئيس المنتخب
  • بعد هزه شباك بولندا.. كم أصبح عدد أهداف رونالدو في مسيرته؟