بوابة الوفد:
2024-10-06@11:41:37 GMT

أين ذهبت إنسانية الإنسان؟!

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

إن أكثر ما يشغلنى الآن هو السؤال عن الإنسان المكون من لحم ودم ومشاعر وعواطف وانفعالات، أين ذهبت مشاعره وفى أى دروب ضاعت هويته الإنسانية؟!، أين حبه للطبيعة وتغنيه بها؟! لماذا فقدت مشاعره بكارتها وأصبح أكثر مادية وخشونة، لماذا أصبح يلهث وراء اشباع غرائزه المادية لدرجة افتقد معها العواطف السامية التى كانت من سماته المميزة؟ لقد أصبح يفضل العرى والفظاظة على سمو المشاعر وطلاقة الخيال، يجرى وراء كل جديد يفقده إنسانيته وتميزه حتى لقد أصبح أقرب إلى الحيوانية الفظة اللاعاقله؛ اختلطت لديه الأنوثة بالذكورة؛ فيتشبه النساء بالرجال ويتشبه الرجال بالنساء!

أصبح يفضل الأنس بالآلة على الأنس بالإنسان رجلا كان أو امرأة، يحيا مع آلاته أكثر من أن يعيش مع أسرته!

لقد سبق أن حذرنا الفيلسوف الألمانى الشهير مارتن هيدجر (1889-1976م) من أخطار التقدم التكنولوجى على حالة الكينونة الإنسانية وطلبه منا أن نتشكك فى كم ترحيبنا بثمار هذا التقدم التكنولوجى!.

إننا بالفعل نحتاج لوقفة نتأمل فيها ما تفعله بنا وسائل التكنولوجيا المعاصرة وعلى سبيل المثال منها الهواتف المحمولة وما فيها من وسائل التواصل الاجتماعى وبرامج الثرثرة من الفيس بوك والماسنجر إلى الواتس آب والتويتر وكل ما يشبهها من برامج جعلت حياتنا سريعة الإيقاع انكفأ فيها كل منا على ذاته ودائرته الضيقة من ما يسميهم الأصدقاء متناسيا أنهم أشخاص إلكترونيون وليسوا حقيقيين؛ فمعظم هؤلاء الأشخاص قد دخلوا إلى هذه المواقع واستخدموا تلك البرامج بأسماء مستعارة وانتحلوا وظائف وسجلوا بيانات هى فى أغلبها مزيفة وغير حقيقية!

إن حاجة الإنسان الطبيعى إلى الصداقة وإقامة العلاقات الطيبة مع الآخرين من أقرانه البشر جعلته يرحب بهذه الأدوات التى مكنته من تكوين مثل هذه الصداقات السريعة التى اخترق بها حاجز الزمان والمكان متناسياً بل غير عابئ بأنها كما قلنا مع أشخاص إلكترونيين وليسوا حقيقيين! لقد صدق هيدجر مرة أخرى حينما قال عن عصرنا هذا عصر العدمية!

 وكان يقصد بالعدمية هنا عدم وجود حكم مركزى ومشترك يمكنه أن يشير إلى ما هو 

مهم وإلى مايهمنا حقاً فى الشئون البشرية كما كان يفعل المعبد فى المجتمع اليونانى القديم مثلا أو الكنيسة فى الدول المسيحية؛ حيث إننا نفتقر فى حضارتنا الحديثة إلى عنصر ثقافى يجمع الأشياء ذات الأهمية المحورية معا بحيث لا نبدو كأننا «وضعنا فى هذا العالم هكذا» دون هدف أو غاية، لقد صرنا كأى موارد مادية يمكن استغلالها، هكذا غرق الإنسان فى بحر التكنولوجيا وكأنه إحدى موادها الخام التى يمكن الاستفادة منها وتحسينها لتحقيق أغراض أخرى ومخرجات جديدة!!. لقد صار الدعم التكنولوجى وحضور الأدوات التكنولوجية حاضرا بقوة فى كل حياتنا لدرجة أننا نحتاج فى ذلك لنوع من الرشادة والارشاد بل الحماية فى بعض الأحيان!!

إن المغزى الكبير الذى يكشف عنه هيدجر هنا هو أن على الإنسان أن يعيد اكتشاف ماهيته ويدرك ذاته المتفردة وأن يبعد بها عن الانسياق والانصهار فى التكنولوجيا التى من المفروض أنه مبدعها وقادر على التمييز بين الاستخدام الخير والضار لها! لقد كتب أحد الفيسبوكيين المعاصرين متسائلا: لماذا القلق من سرعة تبادل الاتصالات التكنولوجية وما توفره من خدمات؟! وأجاب هو نفسه على سؤاله قائلاً: إن القلق آت من أنها ممكن أن تؤدى إلى محو الشخصية الفردية واضطرارنا إلى مواءمة أنفسنا مع أنظمة آلية لا شخصية!

 لقد حلت الاتصالات الإلكترونية لما فيها من سرعة وسهولة محل اللقاءات العائلية والشخصية فقل إلى حد كبير دفء اللقاءات والعلاقات الاجتماعية والأسرية المباشرة. كما أن السرعة والاتاحة التى شجع عليها الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونية الأخرى فى عالم الصداقة جعلت من الجانب العفوى من الصداقة زائداً على الحد وهذا أمر مثير للشفقة لأن ذلك ألغى أو كاد تكوين الذكريات الاجتماعية وعنصر الفرادة والتميز فى علاقتنا بالآخرين! لقد أصبح الإنسان يسبح فى عالم من الفضاء الإلكترونى الذى عزله عن كينونته الإنسانية وعلاقاته الاجتماعية والغرائزية الحقيقية، فضلا عن أنه بهذا التطرف التكنولوجى والاستغراق فيه أصبح غير قادر على التمييز بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ، بين السلوك الحيوانى الغرائزى والسلوك الإنسانى العقلانى! ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل

إقرأ أيضاً:

قصص من قلب دارفور عن إنسانية المتطوعين رغم المخاطر

الفاشر – في قلب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، حيث يحتدم القتال بين الجيش والقوة المشتركة والمقاومة الشعبية من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، يظهر أبطال من نوع خاص، لا يرتدون زيا عسكريا، بل لهم قلوب مليئة بالشجاعة والإرادة.

من بين هؤلاء الأبطال، يوجد المتطوعون الذين يكرسون جهودهم لتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، رغم المخاطر المحيطة بهم. يتنقلون بين أصوات الرصاص والمدافع حاملين الطعام والملابس، ويقدمون الدعم النفسي للأسر التي فقدت كل شيء.

يتألق اسم المتطوع أنور خاطر الذي قرر مواجهة المخاطر ليكون صوتا يعبر عن الأمل في زمن اليأس. يعمل بلا كلل لتقديم المساعدات للعائلات المتضررة، متنقلا بين المناطق التي تشهد توترات أمنية.

المتطوع أنور خاطر (يسار) يقدم المساعدة بمدينة الفاشر (الجزيرة) تحدي الصعوبات

لا يقتصر دور أنور على توزيع الغذاء والمياه، بل يسعى أيضا لتقديم الدعم النفسي للذين فقدوا أحباءهم. ويتحدى المخاطر ليحمل المواد الغذائية والملابس للنازحين في مراكز الإيواء. ويقول للجزيرة نت "عندما أرى ابتسامة طفل أو نظرة شكر من أم فقدت كل شيء، أشعر أن كل المخاطر التي أواجهها تستحق العناء". وأكد أن الأمل هو ما يجعله يواصل جهوده، مشيرا إلى ضرورة العمل الجماعي والتعاون لتجاوز الصعوبات.

ويذهب أنور خاطر يوميا إلى مختلف المواقع الخطرة، ولا يبالي بشدة الاشتباكات مؤكدا أن "الله هو الحافظ". ولفت إلى حادثة وقعت له عندما سقطت قذيفة أمامه، واصفا تلك اللحظة بالمرعبة، وأفاد بأنه لم يكن لديه الوقت للخوف لأن هناك أشخاصا بحاجة إلى المساعدة.

من جانبه، أوضح المتطوع محمد آدم، وهو معلم في إحدى المدارس الثانوية، أنه فقد 3 من أقاربه نتيجة القصف المدفعي. ورغم الصعوبات، يسعى وزملاؤه للبقاء أقوياء لمساعدة المحتاجين. ولفت إلى فقدان 8 متطوعين آخرين كانوا يعملون معه على إعداد الوجبات للنازحين.

ومنذ بداية الحرب في السودان، فقدت البلاد عددا كبيرا من المتطوعين الذين كرسوا جهودهم لمساعدة المحتاجين، ومن بينهم 8 قُتلوا في غرفة الطوارئ بمدينة الفاشر نتيجة سقوط قذيفة، بالإضافة إلى مقتل متطوعة خلال قصف مستشفى الفاشر الجنوبي، كما قُتل الصحفي المتطوع مبارك أبو سن الأسبوع الماضي.

متطوعون يوزعون مواد غذائية على المحتاجين (الجزيرة) ظروف صعبة

وتستمر الأوضاع الإنسانية في دارفور بالتدهور بشكل مقلق بسبب الحرب المستمرة، حيث تشير التقديرات الأممية إلى أن هناك أكثر من 1.5 مليون نازح في دارفور، يقيم معظمهم في مراكز إيواء غير رسمية، في حين يعيش آخرون في القرى المجاورة للمدن التي تشهد مواجهات مسلحة.

ويواجه هؤلاء النازحون صعوبات كبيرة في تأمين الغذاء والمياه والسكن خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، مما يزيد من الحاجة إلى المساعدات الإنسانية.

في هذا السياق، يعمل العديد من المتطوعين على تقديم المساعدات للنازحين، وغالبا ما ينضوون تحت جمعيات إنسانية محلية نشأت خلال فترة الحرب، وتشمل أنشطتهم توزيع المواد الغذائية وتقديم الرعاية الصحية الأساسية وتنظيم حملات توعية حول الصحة والنظافة والدعم النفسي للمتضررين وتوزيع مياه صالحة للشرب في مراكز الإيواء.

متطوعون في مدينة الفاشر في السودان (الجزيرة)

وتأتي مختلف المساعدات من مصادر متعددة، حيث تشكل التبرعات من أبناء دارفور في الخارج الجزء الأكبر، إلى جانب الجهود الذاتية من المجتمعات المحلية. غير أن الوضع الأمني للمتطوعين يظل مقلقا.

ففي مدينة الفاشر، لقي نحو 20 متطوعا حتفهم منذ اندلاع الحرب، مما يعكس المخاطر الجسيمة التي يواجهها الذين يسعون لمساعدة الآخرين في ظل هذه الظروف القاسية. وتقول المتطوعة سلافة صالح للجزيرة نت إن الوضع في الفاشر "مرعب، حيث يتكرر سماع أخبار فقدان أصدقاء وزملاء كانوا يعملون في المجال الإنساني".

وأكدت أن هذه الحرب أخذت أكثر مما يمكن تخيله، لكن رغم ذلك يتعهد المتطوعون بالاستمرار في تقديم العون، إذ يشعرون بمسؤولية تجاه أولئك الذين لا يمكنهم الحصول على المساعدات الأساسية، وذكرت أن العمل في ظروف الحرب يتطلب شجاعة كبيرة، وأشارت سلافة إلى أن الدافع الحقيقي هو رؤية ابتسامة المحتاجين عند تلقيهم المساعدة، مما يجعل كل المخاطر تستحق العناء.

عوائق

من جهته، تحدث الناشط المتطوع فتحي الماحي عن التحديات التي تواجه جهود المتطوعين في المدينة، مشيرا إلى الحصار المفروض الذي يعيق قدرتهم على تقديم المساعدة. ولفت إلى أن قيود التنقل تمثل عائقا كبيرا، حيث تمنع قوات الدعم السريع الوصول إلى المناطق التي تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية.

كما أشار الماحي إلى غياب التنسيق بين المنظمات الإنسانية، مما يؤدي إلى عدم توزيع المساعدات بشكل فعال، بالإضافة إلى النقص في التمويل وارتفاع الأسعار، مما يعقد الوضع الإنساني ويستدعي جهودا أكبر لتجاوز هذه العقبات.

ووفقا للباحث الاجتماعي محمد سليمان حامد، فإن العمل التطوعي في مدينة الفاشر يتطلب فهما عميقا للمخاطر المرتبطة بالحرب. وأشار إلى أن المتطوعين لا يواجهون فقط تحديات أمنية، بل أيضا نفسية واجتماعية كبيرة.

وقال حامد للجزيرة نت "يجب أن نضع في اعتبارنا أن العمل في بيئات متوترة مثل الفاشر يتطلب إستراتيجيات فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية، إلى جانب التدريب المستمر على السلامة".

وحسب حامد، يؤثر النزاع على العلاقات الاجتماعية، وقد يؤدي إلى تفكك المجتمعات، مما يجعل عمل المتطوعين أكثر أهمية من أي وقت مضى. وشدد على ضرورة توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم لضمان قدرتهم على الاستمرار في تقديم المساعدة دون أن يتعرضوا لمخاطر إضافية.

مقالات مشابهة

  • أكثر الألغاز تعقيدا في جسم الإنسان.. هكذا تمكّن العلماء من تفكيك خريطة الدماغ
  • بحضور نجوم الفن.. ختام الإسكندرية السينمائي ومصر تحصد 3 جوائز واليونان تفوز بالجائزة الكبرى
  • مهرجان الإسكندرية السينمائي يعلن عن جوائز دورته الأربعين
  • قصص من قلب دارفور عن إنسانية المتطوعين رغم المخاطر
  • الهريفي : العروبة ليس سهلًا.. وبيولي يمنح النصر توازنًا أكبر.. فيديو
  • أصبح ركاما.. استهداف منزل في بلدة أنصار (صورة)
  • شات "جي بي تي" أصبح جزء مهم في حياة الملايين حول العالم
  • كيف أصبح شات «جي بي تي» جزء مهما في حياة ملايين حول العالم؟
  • عضو بالمركزي الأوروبي: التضخم أصبح قريبًا من المستهدف
  • ‏حل الدولتين أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى