إن أكثر ما يشغلنى الآن هو السؤال عن الإنسان المكون من لحم ودم ومشاعر وعواطف وانفعالات، أين ذهبت مشاعره وفى أى دروب ضاعت هويته الإنسانية؟!، أين حبه للطبيعة وتغنيه بها؟! لماذا فقدت مشاعره بكارتها وأصبح أكثر مادية وخشونة، لماذا أصبح يلهث وراء اشباع غرائزه المادية لدرجة افتقد معها العواطف السامية التى كانت من سماته المميزة؟ لقد أصبح يفضل العرى والفظاظة على سمو المشاعر وطلاقة الخيال، يجرى وراء كل جديد يفقده إنسانيته وتميزه حتى لقد أصبح أقرب إلى الحيوانية الفظة اللاعاقله؛ اختلطت لديه الأنوثة بالذكورة؛ فيتشبه النساء بالرجال ويتشبه الرجال بالنساء!
أصبح يفضل الأنس بالآلة على الأنس بالإنسان رجلا كان أو امرأة، يحيا مع آلاته أكثر من أن يعيش مع أسرته!
لقد سبق أن حذرنا الفيلسوف الألمانى الشهير مارتن هيدجر (1889-1976م) من أخطار التقدم التكنولوجى على حالة الكينونة الإنسانية وطلبه منا أن نتشكك فى كم ترحيبنا بثمار هذا التقدم التكنولوجى!.
إن حاجة الإنسان الطبيعى إلى الصداقة وإقامة العلاقات الطيبة مع الآخرين من أقرانه البشر جعلته يرحب بهذه الأدوات التى مكنته من تكوين مثل هذه الصداقات السريعة التى اخترق بها حاجز الزمان والمكان متناسياً بل غير عابئ بأنها كما قلنا مع أشخاص إلكترونيين وليسوا حقيقيين! لقد صدق هيدجر مرة أخرى حينما قال عن عصرنا هذا عصر العدمية!
وكان يقصد بالعدمية هنا عدم وجود حكم مركزى ومشترك يمكنه أن يشير إلى ما هو
مهم وإلى مايهمنا حقاً فى الشئون البشرية كما كان يفعل المعبد فى المجتمع اليونانى القديم مثلا أو الكنيسة فى الدول المسيحية؛ حيث إننا نفتقر فى حضارتنا الحديثة إلى عنصر ثقافى يجمع الأشياء ذات الأهمية المحورية معا بحيث لا نبدو كأننا «وضعنا فى هذا العالم هكذا» دون هدف أو غاية، لقد صرنا كأى موارد مادية يمكن استغلالها، هكذا غرق الإنسان فى بحر التكنولوجيا وكأنه إحدى موادها الخام التى يمكن الاستفادة منها وتحسينها لتحقيق أغراض أخرى ومخرجات جديدة!!. لقد صار الدعم التكنولوجى وحضور الأدوات التكنولوجية حاضرا بقوة فى كل حياتنا لدرجة أننا نحتاج فى ذلك لنوع من الرشادة والارشاد بل الحماية فى بعض الأحيان!!
إن المغزى الكبير الذى يكشف عنه هيدجر هنا هو أن على الإنسان أن يعيد اكتشاف ماهيته ويدرك ذاته المتفردة وأن يبعد بها عن الانسياق والانصهار فى التكنولوجيا التى من المفروض أنه مبدعها وقادر على التمييز بين الاستخدام الخير والضار لها! لقد كتب أحد الفيسبوكيين المعاصرين متسائلا: لماذا القلق من سرعة تبادل الاتصالات التكنولوجية وما توفره من خدمات؟! وأجاب هو نفسه على سؤاله قائلاً: إن القلق آت من أنها ممكن أن تؤدى إلى محو الشخصية الفردية واضطرارنا إلى مواءمة أنفسنا مع أنظمة آلية لا شخصية!
لقد حلت الاتصالات الإلكترونية لما فيها من سرعة وسهولة محل اللقاءات العائلية والشخصية فقل إلى حد كبير دفء اللقاءات والعلاقات الاجتماعية والأسرية المباشرة. كما أن السرعة والاتاحة التى شجع عليها الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونية الأخرى فى عالم الصداقة جعلت من الجانب العفوى من الصداقة زائداً على الحد وهذا أمر مثير للشفقة لأن ذلك ألغى أو كاد تكوين الذكريات الاجتماعية وعنصر الفرادة والتميز فى علاقتنا بالآخرين! لقد أصبح الإنسان يسبح فى عالم من الفضاء الإلكترونى الذى عزله عن كينونته الإنسانية وعلاقاته الاجتماعية والغرائزية الحقيقية، فضلا عن أنه بهذا التطرف التكنولوجى والاستغراق فيه أصبح غير قادر على التمييز بين الخير والشر، بين الصواب والخطأ، بين السلوك الحيوانى الغرائزى والسلوك الإنسانى العقلانى! ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل
إقرأ أيضاً:
«مصطفى بكري»: الجيش المصري أصبح مستهدفا من دولة الاحتلال الإسرئيلي.. وعلينا أن ندرك أبعاد المؤامرة
قال الإعلامي مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، إن هناك حملة ممنهجة ضد الجيش المصري من خلال بث الأكاذيب وترويج الشائعات، متسائلاً:" لماذا أصبح الهدف هو الجيش المصري؟.
وأضاف مصطفى بكري خلال تقديمه برنامج "حقائق وأسرار" على قناة "صدى البلد":"عايز أرجع بكم إلى كلام أول رئيس وزراء لإسرائيل "ديفيد بن جوريون" حينما قال علينا تدمير 3 جيوش الأول الجيش العراقي والثاني الجيش السوري والثالث الجيش المصري".
واستعرض مصطفى بكري ما يشير إلى أن هناك حملة ممنهجة ضد مصر وجيشها بسبب رفض القيادة السياسية لمخطط التهجير، مثل تصريحات مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة عن تسليح الجيش المصري، حيث قال " لازم نقلق من هذا التسليح للجيش المصري، لماذا تمتلك مصر غواصات، نحن تعلمنا الدرس، وعلينا أن نستعد لكل السيناريوهات، ويجب محاسبة الولايات المتحدة لإمداد مصر بالسلاح".
وأكد مصطفى بكري، أن هذا الكلام يتردد بقوة في غسرائيل، مساكين فاكرين انهم بيهددونا، وهنا علينا أن نفهم المعادلة كويس جدا ونفهم السياق الذي تدور فيه رحى الهجوم على الجيش المصري، وفي نفس الوقت يحدث اتفاق التعاون الإثيوبي الإسرائيلي نكاية في مصر، كل هذا يؤكد لنا أبعاد المؤامرة ضد مصر، لذا، الخيار الوحيد لنا هو الوحدة في المواقف من الشعب المصري وكافة المؤسسات، وأيضا الشعوب العربية، لأن الهدف واضح، وهو حل الجيوش العربية المتتالية واحداً تلو الآخر، مشيراً إلى أن هذا الهدف لا يمكن فصله عن السياق العام الذي يحدث في المنطقة فنحن نرى اللغة التي يتم استخدامها ضد الجيش المصري".