لكل وطن حكاياته؛ ورغم أن حكايات النصر والفخر كثيرة فى التاريخ المصرى قديما وحديثا، يبقى نصر أكتوبر المجيد حكاية خاصة فى وجدان كل مصرى وعربى، حكاية إرادة وفخر، ونصرا مبين مهما تصاعدت محاولات التشويه والتقليل، خاصة مع مرور 50 عاما على النصر المبين.
آخر محاولات التشويه المستمرة فيلم «جولدا»، للمخرج الإسرائيلى جاى ناتيف، وإنتاج منصة «نتفليكس»، وعلى عكس البعض لا أرى الفيلم اعترافا إسرائيليا بالهزيمة أو أنه تناول نصر أكتوبر بعيون المنهزمين، بل أراه حاول حتى النهاية الحفاظ على صورة جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل وأحد رموزها التاريخية من جانب، وإظهار إسرائيل انها لم تهزم، وأن الدولة العبرية كانت قريبة من العودة للنصر عبر الثغرة.
بشكل عام لا أثق فى الروايات الإسرائيلية؛ فالدولة الإسرائيلية قامت على صناعة الوهم، وترسيخ المعتقدات الزائفة عن الدولة التى لا تقهر، جنة الله فى الأرض لشعبه المختار. الروايات والتوثيق الأهم لحرب أكتوبر هى رواية القادة العسكريين والمؤرخين المصريين، وعلى رأسهم المفكر الكبير الدكتور جمال حمدان- الذى أعود إلى كتابه المهم 6 أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية فى هذا الوقت من كل عام- يتناول حمدان تحديدا الثغرة، التى أطلق عليها «عملية التسلسل»، حيث يذهب إلى أن الهدف منها «نصرا دعائيا ونفسيا وسياسيا داويا، مهما يكن كاذبا أو وهميا، يرفع الروح الإسرائيلية المعنوية المنهارة فى الداخل، ويغطى على سمعتها العالمية التى تحطمت، ومن الناحية الأخرى يطغى على الانتصار المصرى الحقيقى ويشوهه فى نظر العالم، إلى جانب تأثيره العكسى وانعكاساته الضارة على مصر والعرب». هكذا كان ولا يزال هدف الثغرة؛ التشكيك الدائم فى نصر أكتوبر، وهو ما حمله مضمون فيلم «جولدا».
الكتاب الذى ظهرت طبعته الأولى عام 1974، فى الفصل الخامس منه وجاء تحت عنوان «النصر لمن؟». يرد حمدان على كل الادعاءات الماضية والحالية والمستقبلية والتى تزعم التشكيك فى نصر أكتوبر المبين، فى حيثيات حاسمة لا تحتمل اللبس أو التأويل، يذهب حمدان إلى أن «العدو بعد أن خسر المعركة العسكرية، وقبل أن تبدأ المعركة السياسية، فقد أدار معركة دعائية داوية على مستوى العالم فى هستيريا محمومة، مكابرة، ومريبة ليشوه، بل ليسرق بها انتصارنا وليزيف لنفسه انتصاراً موهوماً منتحلاً، وخلاصة هذه الحملة الدعائية هى أن العدو لم يهزم والعرب لم تنتصر، بل أكثر من هذا ان العرب هى التى هزمت، بل الأكثر منه أن إسرائيل قد سجلت نصراً عسكرياً أكبر وأعظم من انتصارها الساحق فى 1967، وأن العرب بالمقابل تلقوا هزيمة عسكرية أكبر وأفدح من هزيمتهم فى 1967». وهذا هو دأب إسرائيل من آن لآخر والدليل الأبرز على ذلك إثارة الجدل كل فترة حول الراحل أشرف مروان.
لعل السبب الأبرز هو ما فنده حمدان فى أسباب ثلاثة، أهمها من وجهة نظرى وأتفق معه تماماً، هو أن التشكيك فى نصر أكتوبر 1973 إنما يلقى بظلاله وانعكاساته على صميم الوجود والكيان الإسرائيلى ذاته، والسعى من وراء ذلك لإنقاذ فكرة الأمن الإسرائيلى وهيبة القوة الإسرائيلية التى لا تقهر، وصورة إسرائيل فى العالم، وتحديدا العالم العربى، فإسرائيل وفق حمدان بنت وجودها كله على مبدأ القوة الرادعة الساحقة، وأسطورة التفوق العسكرى المطلق، لا يمكن أن تسمح لنفسها أو أن يسمح لها بأن تهزم. الخلاصة التى انتهى إليها حمدان هى أن حرب السادس من أكتوبر أدت إلى انهيار نظرية الأمن الإسرائيلى ووهم التفوق التكنولوجى، والأهم وهم العدو الذى لا يقهر.
ومن أكتوبر 1973 إلى أكتوبر 2023، هناك حكاية جديدة للوطن، لا تقل أهمية عن سابقتها، حكاية عقد من السنوات، لكنه أيضاً عقد من التحديات والإنجازات؛ ومثلما جسدت ملحمة أكتوبر 1973 إرادة المصريين، تخطيطاً، وتنفيذاً، فإن حكاية الوطن أكتوبر 2023 تجسد ملحمة عشر سنوات من الحرب على الإرهاب، والتنمية، والبناء، والعمران.
حكاية وطن أكتوبر 2023 تنتظر كتابة فصل جديد فى ديسمبر من خلال مشاركة واسعة من عموم المصريين فى الانتخابات الرئاسية، وتأكيد الثقة فى المسار؛ مشروع دولة يونيو الوطنية الذى توافقنا واجتمعنا عليه جميعاً فى الميادين يونيو 2013، ثم الانتخابات الرئاسية 2014. وإذا كانت الظروف قد شاءت ألا يكتمل مشروع أكتوبر 1973 الذى انتهى باغتيال الرئيس الشهيد محمد أنور السادات. فبفضل الله وتوفيقه، وإرادة والتفاف المصريين سوف يكمل مشروع دولة يونيو الوطنية عبوره إلى الجمهورية الجديدة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أكتوبر حكاية وطن حكايات النصر نصر أكتوبر المجيد نصر أکتوبر أکتوبر 1973
إقرأ أيضاً:
دفن فى القدس .. إدراج اسم الفلسطينى عبد الحميد شومان بـ حكاية شارع
أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، اسم الاقتصادى السياسى عبد الحميد شومان، فى مشروع حكاية شارع، حيث تم وضع لافتة تحمل اسمه وكل المعلومات على أحد الشوارع مدينة نصر.
ولد عبد الحميد شومان، في قرية بيت حنينا من قضاء القدسفي عام 1888م، تلقى تعليمه الأول في الكتاب ولكنه لم يكمله والتحق بالعمل في محاجر القرية، عقد عبد الحميد شومان العزم على السفر الى بلاد المهجر بحثاً عن تحقيق ما يراوده من طموحات، فغادر الى الولايات المتحدة الأمريكية بحراً عام 1911.
وما إن وصل هناك حتى راح يصل الليل بالنهار في عمل دؤوب، وتمكن في وقت قصير من تحقيق النجاح تلو النجاح الى أن أصبح لديه مصنع يحمل اسمه في مدينة نيويورك للألبسة الجاهزة يدر عليه ربحاً وفيراً.
قام خلال سنوات إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية بنشاطات اجتماعية وخيرية وصحافية عديدة، فاشترى أرضاً لتكون مقبرة للمسلمين في نيويورك، وقدم تسهيلات ومساعدات للطلاب العرب، ودعم الصحف التي تصدر باللغة العربية، كما أصدر جريدة عربية باسم "الدبور"، ونشط في جمع وإرسال تبرعات لدعم نضال الحركتين الوطنيتين في كلٍ من فلسطين وسوريا.
بدأت الفكرة تتشكل لدى عبدالحميد شومان، مدفوعة بحسه الوطني الصادق، بإنشاء بنك بمساهمة عربية مشتركة يلتزم بتنمية الاقتصادات العربية، ويشكل نواة لعمل عربي مشترك يسهم في دعم تلك الاقتصادات الناشئة وتنميتها، وذلك إيماناً منه بالدور الذي تقوم به المصارف في حياة الشعوب واقتصاديات بلدانها، فسارع بعد أول عودة له الى الوطن بعد 18 عاماً في المهجر، الى مقابلة رئيس مجلس إدارة بنك مصر، “طلعت باشا حرب” في القاهرة، ليطرح عليه فكرة تأسيس بنك مصري فلسطيني مشترك. إلا أن ظروفاً معينة حالت دون تحقيق ذلك المشروع، وفي 21 مايو 1930. نجح عبدالحميد شومان في تأسيس البنك العربي، واهتم بفتح فروع للبنك في العواصم العربية ليكون البنك، كما أراده، بنكاً لكل العرب.
وظل يتابع الأحداث السياسية فجذبه المد القومي العربي، وتحمس للوحدة بين سوريا ومصر، ووقف مع حركات التحرر الوطني العربي. وظل مسكوناً بالهاجس القومي منذ البداية حيث قال: "لما عزمت على تأسيس هذا البنك، لم أشأ أن أطلق عليه اسمي أو اسم قريتي بيت حنينا أو بلدي فلسطين، بل اسم الأمة العربية ووطني الكبير: فسميته البنك العربي”. وبفضل إخلاصه وتفانيه والمبادىء التي أرساها للبنك العربي أصبح هذا البنك من أكبر المؤسسات المصرفية ذات الامتداد العربي والعالمي.
شارك عبد الحميد شومان في عضوية اللجنة المركزية لإعانة المنكوبين في فلسطين ، التي أعلن المجلس الإسلامي الأعلى رسمياً عن تشكيلها في 5 سبتمبر 1929 عقب “ثورة البراق”، واختير أميناً للصندوق فيها، وكان عبد الحميد شومان صديقاً حميماً لمعظم أعضاء حزب الاستقلال قبل إنشائه في سنة 1932، ويكاد أن يكون من أركانه لولا أنه أراد أن يبتعد عن النشاط الحزبي المباشر كي يتفرغ لإدارة البنك الذي أنشأه.
شارك إلى جانب “عوني عبد الهادي” و”محمد عزة دروزة” و”عجاج نويهض”، في نشر بيان باسم رجالات القدس، في 22 أبريل 1936، يدعو إلى تأييد دعوة الاستمرار في الإضراب العام، ضد السياسة البريطانية، كان عبد الحميد شومان من ضمن المندوبين الخمسة الذين مثلوا اللجنة القومية بالقدس في “مؤتمر اللجان القومية” الذي عقد في مدينة القدس في 7 مايو 1936، وقرر الإعلان عن عدم دفع الضرائب إلى أن تغيّر الحكومة البريطانية سياستها المحابية للصهيونية. وانتخب عضواً في “لجنة التموين والمقاطعة” التي تشكّلت لمساعدة المتضررين من الإضراب العام.
اعتقلته السلطات البريطانية في يوليو 1936، مع من اعتُقل من الوطنيين الفلسطينيين، في معتقل صرفند قرب الرملة لبضعة أشهر، ثم عادت واعتقلته سنة 1938 في معتقل المزرعة قرب عكَا، تمكن شومان في عام النكبة 1948، وسط الانهيار العام، ليس فقط من الحفاظ على ودائع الآلاف من المواطنين في بنكه، بل نجح أيضاً في إنشاء فروع له في عدّة أقطار عربية وأجنبية بحيث غدا اليوم المؤسسة المالية الفلسطينية الأهم على نطاق عالمي.
أوصى عبد الحميد شومان بإنشاء مؤسًسة، بعد وفاته، تعنى بالشأن الثقافي وتسهم في تمويل الأبحاث والدراسات العلمية والفكرية والطبية والتكنولوجية لإفادة الأقطار العربيًة كافة. وقد أنشئت “مؤسسة عبد الحميد شومان” بالفعل سنة 1978 في عمّان بمبادرة من ابنه عبد المجيد، ومن أهم دوائرها: منتدى عبد الحميد شومان الثقافي؛ المكتبة العامة ونظام المعلومات؛ مكتبة الأطفال؛ دارة الفنون، كان عبد الحميد شومان، الذي ربطته علاقات وثيقة مع عدد كبير من الزعماء ورجال السياسة العرب، عنوان العصامية ورمزها، صلباً في وطنيًته، وحدوياً، واستقلالياً، وقومياً، وسمح اليد، وإنسانيًا. قاد عبد الحميد شومان النشاط المصرفي الفلسطيني، مع قريبه أحمد حلمي عبد الباقي، وإليه يعود الفضل في إنقاذ البنك العربي من عواقب النكبة الكارثية.
توفي في مدينة كارلوفي فاري التشيكية في 12 سبتمبر 1974، ونقل جثمانه إلى القدس حيث دفن بجوار المسجد الأقصى، الحميد شومان” في قرية "بيت حنينا" من قضاء “القدس” في عام 1888م، تلقى تعليمه الأولي في الكتَاب ولكنه لم يكمله والتحق بالعمل في محاجر القرية.