أسرة إبراهيم عليه السلام رفع الله ذكرها، وأعلى مقامها، واصطفى على العالمين أفرادها: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران:33].
من لم يعش قصة إبراهيم وعائلته فاته كثير من أسرار الحج ودروسه، ومنافعه وفوائده؛ فإنّ كلَّ ما في الحج إنما هو تخليدٌ لذكرى هذه الأسرة المؤمنة، وكأن الله يريد منا ألا نغفل عنها وعن أحوالها، وألا ننساها وما كان من أفعالها وأيامها.
فكل من ذهب الحج فلابد أن يسمع في نفسه صدى صوت إبراهيم وهو يؤذن في الناس بالحج كما أمره الله: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27]، فقام ونادى: "يأيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا"، قال العلماء: فما حجّ بيت الله إلا من لبى نداء الله على لسان إبراهيم "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
وكل من طاف بالبيت عليه أن يتذكرإبراهيم وهو واقف يرفع قواعده هو وولده إسماعيل صلى الله عليهما وسلم {وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ وإسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ}[البقرة:127]، فلما علا البناء وقف على المقام وهو الحجر الذي جعل يرتفع به وهو يبنى البيت فأبقاه الله ذكرى للناس وأمرهم أن يتخذوا منه مصلى يصلون لله عنده: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة:125].
ومن سعى بين الصفا والمروة حتما سيذكر قصةَ هاجر وولدها الرضيع، حين وضعهما إبراهيم بأمر ربه في هذه الصحراء الجرداء المسبعة الموحشة، التي لا أنيس فيه ولا جليس، ولا صاحب ولا أنيس، فرضيت بأمر الله وسلمت لقضائه، فلما نفد تمرها، وذهب ماؤها، وجف لبنها، قامت لتبحث عن ماء أو شيء للصغير، فتصعد الصفا وتنظر، ثم تمشي مجهدة إلى المروة فتصعد عليه وتنظر، ثم تفعل ذلك سبع مرات، فخلد الله ذكرها، وجعل السعي شعيرة من شعائر الحج يتعبد الناس ربهم سبحانه به إلى يوم القيامة {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة:158]. وأنبع لها ولصغيرها زمزم، يتذكرها بها كل من شرب من مائها وارتوى برواها.
ومن ضحى لابد أن يذكر قصة الفداء العظيم، والوفاء الكبير، والأمر بذبح الصغير إسماعيل، حين أمر الله إبراهيم أن يذبح وليده ووحيده فاستجاب راضيا لأمر ربه، وأخذه وتله على قفاه ليذبحه، ففداه الله بذبح عظيم، يكون نسيكة يتقرب بأمثالها إلى الله تعالى إلى يوم يبعثون {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ}[الصافات:102ـ113].
ومن رمى الجمرات ذكر إبراهيم وهو يرجم إبليس حين حاول أن يثنيه عن طاعة ربه في ذبح ولده، فرجمه ثلاث مرات عند العقبة الكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى.
وهكذا أعمال الحج كلها حين نتمعن فيها نجدها تحيي ذكرى هذه الأسرة المباركة، وكيف أبقى الله أعمالها شعائر يتعبد بها إلى يوم الدين.
درسان مهمان
إن دروس الحج وأسرة إبراهيم كثيرة، وعبره وفيرة، وأنا أختار منها أمرين أنوه بهما:
الأول: أن الابتلاء قد يكون للاجتباء وللاصطفاء:
فليس كل بلاء إنما هو عقوبة على شيء ارتكبه الإنسان، بل ربما يبتلي الله عبده ليظهر معدنه، ويبين صبره، وينفى خبثه، ويزكي نفسه، ليصلح للرفعة والقرب وليكون إماما كما كان مع إبراهيم وأسرته: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة:124]. وهكذا كان ابتلاء هاجر، وابتلاء إسماعيل كله من باب الرفعة والاختيار والاصطفاء والاجتباء.
فإذا ابتلاك الله ببلية أو بأمر فانظر إلى الجانب الإيجابي للبلاء وأظهر لله فيه الصبر فلعل الله يختبرك ليصطفيك ويجتبيك.
ثانيا: التسليم أعظم صفات المؤمنين
فلا يتم إسلام عبد، ولا يكمل إيمانه، ولا يتم أمره، ولا يكون له عند الله قدر وقيمة حتى يسلم لله تعالى تمام التسليم في كل شيء، في قضائه وقدره، وفي أمره وحكمه، وفي هديه وشرعه، فيسلم للقضاء ويرضى به، ويذعن للحكم ولا يعترض عليه، ويقبل الشرع ويعمل به.. ويكون حاله كما قال الله سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:51ـ52].
فإذا فعل الإنسان ذلك وسلم لله تمام التسليم نفعه الله ورفعه، وجاءته المنح وأتاه التكريم، ولحقته الرفعة في الدنيا والآخرة كما سلم إبراهيم عليه السلام (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين)"سورة البقرة".
عن اسلام ويب.كومالمصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
أسرار سورة البقرة كاسحة الأحزان
سورة البقرة السورة الثانية في ترتيب المصحف، وتعتبر أعظم سور القرآن الكريم، وهي سيدة البركات، لها قدرة على جلب الطمأنينة ورفع الهموم، ومن بركات سورة البقرة أنها تزرع في الخلايا جبراً وفي عروقك قوة وتهمس حروفها المباركة في سمعك أن الله سيستجيب لك، وستصبح قصة جبرك أملاً للآخرين، وتزمل قلبك المتعب بمغذيات الأمل أن ما أنت ساعِ إليه هو في الحقيقة ساع إليك ولعلها مسالة وقت.
اقرأ ايضاًتفسير حلم سورة البقرة في المنامعند قراءة سورة البقرة بشكل يومي ستمر بثلاث مراحل، مرحلة الجهاد وهنا ستكثر من حولك المشاكل والأمراض المتنوعه وكأنها فتنه من الشيطآن ليصرفك عن قرائتها، المرحلة الثانية مرحلة الإطمئنان وهي الرضى التام والشعور بالراحة والسكينةأما المرحلة الثالثة هي مرحلة المعجزات وجني ثمار استجابة الدعوات.
أسرار سورة البقرة كاسحة الأحزانسورة البقرة أطول سور القرآن الكريم، وهي تحمل العديد من الأسرار والفضائل، وفيما يلي أهم أسرار سورة البقرة كاسحة الأحزان:آية الكرسي الموجودة في سورة البقرة تعتبر من أقوى الآيات التي تقرأ لطرد الشياطين وجلب الراحة النفسية والطمأنينة.تحمل سورة البقرة قوة عظيمة في حماية الإنسان من الأذى، وتعتبر بمثابة حصن منيع في مواجهة جميع المشاكل والأزمات التي تواجهها.تعتبر الآيات من 285 إلى 286 من الآيات التي تطمئن لها القلوب، وللتغلب على الهموم والأحزان.علاج روحي يساعد المسلم على مواجهة مشكلاته الحياتية وتجاوز أحزانه.تذكر العبد بعظمة الله وقدرته وتضمن له التوفيق والمغفرة.ترفع من معنويات الإنسان وتجعله يشعر بالسلام الداخلي.تحفظ سورة البقرة المسلم من الشرور وتمنحه القوة والسكينة.تمنح الشخص راحة نفسية كبيرة.تطهير القلب من القلق والحزن.الاستعانة بالله في جميع أحواله، مع تذكر أن الفرج قريب بإذن الله.تحتوي السورة على الكثير من القصص والعبر التي تُمكن الإنسان من التعايش مع التحديات الحياتية.قراءة سورة البقرة بشكل يومي تحصّن الإنسان من وساوس الشيطان وايضاً تحميه من مكايده.تساعد على التحسن في الحالة النفسية والروحية.لها قدرة على التدبير وتزيل عنه القلق والتوتر.دعاء يقال بعد الانتهاء من قراءة سورة البقرةاللهم ارزقني فضلها وبركتها، اللهم افتح لي بها أبواب الخير والرزق والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهم اجعلها حصن ودرع لي، اللهم طهّر بها جسدي من جميع الأمراض والعلل والأسقام .
كلمات دالة:أسرار سورة البقرة كاسحة الأحزانسورة البقرة تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
نادين طاهر مُحررة قسم صحة وجمالانضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.
الأحدثترند تفسير حلم خدش القطة في المنام حلويات الإسراء والمعراج 2025: كرابيج حلب عبارات عن الإسراء والمعراج 2025 وصفة سلطة الزيتون الأخضر السريعة حظك اليوم الجمعة 17 يناير/ كانون الثاني 2025 Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter