صحيفة الأيام البحرينية:
2024-12-25@13:48:58 GMT

بين الترجمة وإنصاف المترجمين

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

بين الترجمة وإنصاف المترجمين

ليس بالإمكان تحديد العلاقة بين الترجمة والمترجمين دون الرجوع إلى تاريخ الترجمة. وتاريخ الإنسانية ولغات البشر. ومنذ أن خلق الله الدنيا وقال في سورة الأعراف: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
فالمقصود بتعارف البشر هو الاتصال فيما بينهم عن طريق التفاهم وتعلم لغات الآخرين والتفاهم فيما بينهم، ومنذ أقدم العصور كانت هناك حركات للترجمة بين لغات الشرق القديمة كالبابلية والآشورية والكلدانية وفيما بغد بين الفارسية والعربية وبين اليونانية والرومانية.


وقبل الحديث عن المترجمين لا بد من بيان أن قضية الترجمة برمتها تتعلق بمفهوم الترجمة أساسًا قبل أن تتفرع إلى تلك التيارات التي تتجاذب أقطاب من يتعاطون هذا العمل. بالنسبة لي أن مهمة المترجم تنحصر في المقام الأول في نقل المعاني والأحاسيس كما وردت في النص الأصلي وكما أحس بها من ألف هذا النص. إن الموضوع يمكن أن ينظر إليه بصورة مختلفة وهي إلى أي مدى استطاع «المترجم» أن يتناول النص المنقول إلى لغته ليس بأمانة فقط، لأن الأمانة واجب مقدس من واجبات المترجم الذي يجب أن يحترم العمل الذي يقوم بنقله إلى لغته. إن ما يطلق عليه ترجمة بتصرف وترجمة المعنى أو»الترجمة الحسناء» لا علاقة لها بالترجمة. كذلك فإن ما يطلق عليه بالترجمة الحرفية ما هي في الواقع إلا نموذج لنوع رديء من الترجمة ناتج عن سوء فهم للمعنى المراد نقله. مع ذلك تقتضي الأمانة توضيح مسألة في غاية الأهمية، وهي أنه مهما أوتي المترجم من قدرة وموهبة وامتلاك ناصية اللغة الأصلية واللغة المنقول إليها، فإنه قد يسيء فهم بعض المعاني والمفردات التي قصدها المؤلف الأصلي. من هنا وردت تلك المقولة الشهيرة المتعلقة «بالمترجم الخائن» وهذا الخائن ربما يكون خائنًا عن غير قصد أو أن يكون خائنًا مع سبق الترصد والإصرار لأنه أراد أن يتصرف بالنص حسبما يراه. وتكون النتيجة هنا تلك الترجمات التي لا تمس العمل الأصلي. كيف تكون هناك ترجمة بتصرف. لنأخذ مثلا لتبسيط الموضوع إلى درجة التسطيح: لو قام مترجم ما وأخذ عملاً أدبيًا مشهودًا وقام بنقله إلى لغة أخرى بادئاً بتغيير الأسماء والأماكن وأجواء العمل وإضفاء عبارات وأفكار لم ترد على بال مؤلف النص الأصلي، وقام بعد ذلك وأطلق على عمله هذا «ترجمها بتصرف فلان». لا أرغب في الاسترسال أكثر من هذا، فالعملية هنا لا تتعلق بالحرفية بقدر ما تتعلق بجودة الترجمة.
بعد هذه المقدمة تلح على المرء صلة الشبه بين الشاعر والمترجم فكلاهما يستخدم اللغة للتعبير عن العمل الذي يقوم به، فالشاعر يقرض الشعر بأنواعه لا ينتظر جزاء ولا شكورًا من أحد. وإن كان في بعض بلاطات الملوك وظيفة يطلق عليها شاعر القصر مهمته تدبيج القصائد قي مدح أولياء نعمته والاحتفال بالأعياد القومية وتدبيج القصائد لهجاء أعداء البلاد أو القبيلة وقي مقابل ذلك يتطلع الى ما سيجود عليه ولي النعمة أو رئيس وشيخ القبيلة من كرم وجود يزيد وينقص حسبما تقع جودة القصيدة في نفسه. حسب قبول القصيدة.
وهناك ثمة شبه كبير بين عمل الشاعر والمترجم في كونه عملاً فرديًا، إلا أنه مع تقدم العصور قد يصبح جماعيًا عندما يعكف المترجمون على إتمام عمل ما كفريق للترجمة. وهنا لا بد لنا من التطرق إلى أنواع الترجمة والمترجمين. فهناك الترجمة التحريرية بمختلف أنواعها الأدبية والعلمية، والترجمة التتابعية والفورية والترجمة المستخدمة في الندوات والمؤتمرات وهناك أنواع من الترجمات العلمية الصناعية المتخصصة. غير أن ما يعنينا في هذا المجال هو ذلك المترجم الفرد غير المحترف كمترجمي العصور الأولى الإسلامية كابن المقفع مترجم كتاب كلية ودمنة عن أصل فارسي أو هندي، إلى أن اهتدى خلفاء بني العباس فأنشأوا في بلاطهم دواوين تعنى بترجمة أعمال الحضارات الأخرى العلمية والفلسفية بشكل خاص من الحضارة اليونانية، ويقال إن الخليقة المأمون ابن الرشيد كان يغدق على المترجمين الذين وظفهم في دار الحكمة. وفي العصر الحديث ما قام به والي مصر في القرن التاسع عشر من تشجيع واهتمام بالترجمة.
في الزمن الراهن هناك شكوى مريرة من قبل بعض المترجمين من عدم إنصافهم وتقديرهم، باستثناء المترجمين الفوريين الذين يتقاضون أجورًا عالية، ولكن للإنصاف تبقى المسألة نسبية وتختلف من دولة إلى أخرى. ففي بعض البلاد تقام مناقصات تحدد على ضوئها تكلفة الترجمة. كأنما هي عملية تجارية. وعلى هذا الأساس فإن المترجمين المحترفين يفرضون تسعيرتهم لتقديم خدمات الترجمة من خلال مكاتبهم بحسب القطعة والصفحة وحتى الكلمة.
وطبيعة النفس البشرية لا ترضى بالقليل وتطمع دائمًا إلى الكثير. ومتى ما آمنا أن الترجمة عمل خلاق فإن الترجمات المتميزة يستحق من قام بترجمتها كل تكريم وسخاء من قبل من يقوم بتكليفهم ترجمة أعمال معينة. فعملية الإنصاف تقتضي تحسين الأجور والتكريم في المناسبات الوطنية اعترافًا بأهمية الترجمة والمترجمين.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا

إقرأ أيضاً:

اشهار ديوان “دمع المُقَل” للشاعرة سماح الخصاونة في رابطة الكتاب الأردنيين / إربد

#سواليف

محمد الاصغر محاسنه / اربد .
نظمت #رابطة_الكتاب_الأردنيين فرع #إربد في مقرها حفل إشهار ديوان ” #دمع_المقل ” للشاعرة سماح علايا الخصاونة وسط حضور أعضاء الرابطة وجمع من الأدباء والشعراء والمحبين، حفل الاشهار الذي أدار مفرداته وباقتدار ولغة عالية الشاعر موسى النعواشي .
رئيس فرع الرابطة في إربد الشاعر أحمد طناش شطناوي تحدث عن رؤية الرابطة لتكوين أسرة من المبدعين ليكونوا أصدقاء الرابطة، وقال: لذا كنا اليوم ومعنا مبدعون من الشعراء والكتاب ممن ليسوا أعضاء فيها.
واستهلت الشاعرة حفل الإشهار بقصيدتها فاتحة الديوان “النعيمة أنت صلاتي”:
على أغصانِكِ الغيدِ
تباريحي وتغريدي
وشوق ليس يحكيه
هدير حمائم العيدِ
الدكتور محمود درابسة تحدث في دراسته النقدية عن بنية النص الشعري فنياً والتركيب الشعري لقصائد ديوان دمع المقل لسماح خصاونة، مركزاً على أن هذه التجربة الأولى للشاعرة كانت بمستوى نضج مرتفع، مقدماً بعض نصائحه لتحسين النص الشعري.
من جانبه تحدث الناقد لدكتور سلطان الخضور حول مفاهيم التصوف التي تضمنتها بعض قصائد الديوان، واستشهد ببعض النصوص التي قاربت الصوفية والمفاهيم الدينية.
أما الدكتور إبراهيم الطيار فعنون دراسته برباعية القيم والسمو المفاهيمي، واتبع منهجية تحليل النص للكشف عن المنطلق المبدئي والمرتكزات القيمية التي شملت أربعة مجالات: الروحية والدينية، قيم الانتماء، القيم الاجتماعية القيم الوجدانية والجمالية.
وختمت الشاعرة بقراءتها بعض قصائدهاالتي حملت عناوين: فلسطين الحبية، أبعد الأربعين، وقصيدة أقبل بقلبك.
ومن قصيدة فلسطين الحبيبة تقول:
على الشرفات في الليل الطويل
وقفت مناجياً طيف الخليل

ألملم من نجوم الليل عقداً
أرصّعه بأجمل مستحيل
ومن قصيدة أبعد الأربعين:
أبعد الأربعين بها تصابي
وقد زحف المشيب إلى الشبابِِ

فأقمرَ ليلهم من غير ليلٍ
وأُغلق بابهم من غير بابِ

مقالات ذات صلة دراسة أكاديمية حديثة تسلط الضوء على واقع الإصلاح السياسي في الأردن 2024/12/24

ثم قرأت قصيدتها أقبل بقلبك وقالت في مطلعها:
امدد إليّ يداً أمدد إليك يدا
فما استقامت ذراعٌ فارقت عضدا

وما استقام وداد سُلّ من حنقٍ
وما استقامت قلوب جُرّعت كمدا
وفي نهاية الحفل وقعت الشاعرة ديوانها وأهدته لجميع الحاضرين حباً ووفاءً.

مقالات مشابهة

  • اشهار ديوان “دمع المُقَل” للشاعرة سماح الخصاونة في رابطة الكتاب الأردنيين / إربد
  • النص الكامل لتقرير ديوان المحاسبة 2023
  • مترجمون يناقشون مستقبل الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي
  • الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية توفر خدمة الترجمة الفورية للغة الإشارة
  • انطلاق مؤتمر الرواية والدراما البصرية بالمجلس الأعلى للثقافة غدا
  • طريقة قانونية لإلغاء التوكيل عند النص على عدم إلغائه إلا بوجود طرفيه
  • الشيوخ يوافق على تعديلات ببعض مواد المسئولية الطبية .. تعرف على التفاصيل
  • 5 رسائل خارجة عن النص من جمهور الأهلي للاعبيه
  • نائب وزير المالية: تعزيز النمو المستدام فى إفريقيا يتطلب تضافر الجهود لخلق نظام مالى عالمي جديد أكثر عدالة وإنصافًا للبلدان النامية والناشئة
  • اتفاق تعاون بين القومى للترجمة وثقافة الطفل بالأعلى للثقافة