صحيفة الأيام البحرينية:
2025-01-31@01:41:11 GMT

بين الترجمة وإنصاف المترجمين

تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT

بين الترجمة وإنصاف المترجمين

ليس بالإمكان تحديد العلاقة بين الترجمة والمترجمين دون الرجوع إلى تاريخ الترجمة. وتاريخ الإنسانية ولغات البشر. ومنذ أن خلق الله الدنيا وقال في سورة الأعراف: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
فالمقصود بتعارف البشر هو الاتصال فيما بينهم عن طريق التفاهم وتعلم لغات الآخرين والتفاهم فيما بينهم، ومنذ أقدم العصور كانت هناك حركات للترجمة بين لغات الشرق القديمة كالبابلية والآشورية والكلدانية وفيما بغد بين الفارسية والعربية وبين اليونانية والرومانية.


وقبل الحديث عن المترجمين لا بد من بيان أن قضية الترجمة برمتها تتعلق بمفهوم الترجمة أساسًا قبل أن تتفرع إلى تلك التيارات التي تتجاذب أقطاب من يتعاطون هذا العمل. بالنسبة لي أن مهمة المترجم تنحصر في المقام الأول في نقل المعاني والأحاسيس كما وردت في النص الأصلي وكما أحس بها من ألف هذا النص. إن الموضوع يمكن أن ينظر إليه بصورة مختلفة وهي إلى أي مدى استطاع «المترجم» أن يتناول النص المنقول إلى لغته ليس بأمانة فقط، لأن الأمانة واجب مقدس من واجبات المترجم الذي يجب أن يحترم العمل الذي يقوم بنقله إلى لغته. إن ما يطلق عليه ترجمة بتصرف وترجمة المعنى أو»الترجمة الحسناء» لا علاقة لها بالترجمة. كذلك فإن ما يطلق عليه بالترجمة الحرفية ما هي في الواقع إلا نموذج لنوع رديء من الترجمة ناتج عن سوء فهم للمعنى المراد نقله. مع ذلك تقتضي الأمانة توضيح مسألة في غاية الأهمية، وهي أنه مهما أوتي المترجم من قدرة وموهبة وامتلاك ناصية اللغة الأصلية واللغة المنقول إليها، فإنه قد يسيء فهم بعض المعاني والمفردات التي قصدها المؤلف الأصلي. من هنا وردت تلك المقولة الشهيرة المتعلقة «بالمترجم الخائن» وهذا الخائن ربما يكون خائنًا عن غير قصد أو أن يكون خائنًا مع سبق الترصد والإصرار لأنه أراد أن يتصرف بالنص حسبما يراه. وتكون النتيجة هنا تلك الترجمات التي لا تمس العمل الأصلي. كيف تكون هناك ترجمة بتصرف. لنأخذ مثلا لتبسيط الموضوع إلى درجة التسطيح: لو قام مترجم ما وأخذ عملاً أدبيًا مشهودًا وقام بنقله إلى لغة أخرى بادئاً بتغيير الأسماء والأماكن وأجواء العمل وإضفاء عبارات وأفكار لم ترد على بال مؤلف النص الأصلي، وقام بعد ذلك وأطلق على عمله هذا «ترجمها بتصرف فلان». لا أرغب في الاسترسال أكثر من هذا، فالعملية هنا لا تتعلق بالحرفية بقدر ما تتعلق بجودة الترجمة.
بعد هذه المقدمة تلح على المرء صلة الشبه بين الشاعر والمترجم فكلاهما يستخدم اللغة للتعبير عن العمل الذي يقوم به، فالشاعر يقرض الشعر بأنواعه لا ينتظر جزاء ولا شكورًا من أحد. وإن كان في بعض بلاطات الملوك وظيفة يطلق عليها شاعر القصر مهمته تدبيج القصائد قي مدح أولياء نعمته والاحتفال بالأعياد القومية وتدبيج القصائد لهجاء أعداء البلاد أو القبيلة وقي مقابل ذلك يتطلع الى ما سيجود عليه ولي النعمة أو رئيس وشيخ القبيلة من كرم وجود يزيد وينقص حسبما تقع جودة القصيدة في نفسه. حسب قبول القصيدة.
وهناك ثمة شبه كبير بين عمل الشاعر والمترجم في كونه عملاً فرديًا، إلا أنه مع تقدم العصور قد يصبح جماعيًا عندما يعكف المترجمون على إتمام عمل ما كفريق للترجمة. وهنا لا بد لنا من التطرق إلى أنواع الترجمة والمترجمين. فهناك الترجمة التحريرية بمختلف أنواعها الأدبية والعلمية، والترجمة التتابعية والفورية والترجمة المستخدمة في الندوات والمؤتمرات وهناك أنواع من الترجمات العلمية الصناعية المتخصصة. غير أن ما يعنينا في هذا المجال هو ذلك المترجم الفرد غير المحترف كمترجمي العصور الأولى الإسلامية كابن المقفع مترجم كتاب كلية ودمنة عن أصل فارسي أو هندي، إلى أن اهتدى خلفاء بني العباس فأنشأوا في بلاطهم دواوين تعنى بترجمة أعمال الحضارات الأخرى العلمية والفلسفية بشكل خاص من الحضارة اليونانية، ويقال إن الخليقة المأمون ابن الرشيد كان يغدق على المترجمين الذين وظفهم في دار الحكمة. وفي العصر الحديث ما قام به والي مصر في القرن التاسع عشر من تشجيع واهتمام بالترجمة.
في الزمن الراهن هناك شكوى مريرة من قبل بعض المترجمين من عدم إنصافهم وتقديرهم، باستثناء المترجمين الفوريين الذين يتقاضون أجورًا عالية، ولكن للإنصاف تبقى المسألة نسبية وتختلف من دولة إلى أخرى. ففي بعض البلاد تقام مناقصات تحدد على ضوئها تكلفة الترجمة. كأنما هي عملية تجارية. وعلى هذا الأساس فإن المترجمين المحترفين يفرضون تسعيرتهم لتقديم خدمات الترجمة من خلال مكاتبهم بحسب القطعة والصفحة وحتى الكلمة.
وطبيعة النفس البشرية لا ترضى بالقليل وتطمع دائمًا إلى الكثير. ومتى ما آمنا أن الترجمة عمل خلاق فإن الترجمات المتميزة يستحق من قام بترجمتها كل تكريم وسخاء من قبل من يقوم بتكليفهم ترجمة أعمال معينة. فعملية الإنصاف تقتضي تحسين الأجور والتكريم في المناسبات الوطنية اعترافًا بأهمية الترجمة والمترجمين.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا

إقرأ أيضاً:

معرض الكتاب يناقش رواية أحمد القرملاوي"الأحد عشر" .. صور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في إطار فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، استضافت قاعة "فكر وإبداع"، ضمن محور "كاتب وكتاب"، ندوة ثقافية لمناقشة رواية "الأحد عشر"؛ للكاتب أحمد القرملاوي؛ شارك في المناقشة: محمد سمير ندا؛ ومنصورة عز الدين، وأدارها عمرو المعداوي.  

في البداية، أشاد  عمرو المعداوي بالكاتب وسرده، موضحًا أن الرواية تبدو كعمل هندسي منظم جدًا، وأن الكاتب دائمًا ما يقدم الجديد، معربًا عن سعادته بإدارة هذه الندوة.  

من جانبها، أوضحت الكاتبة منصورة عز الدين؛ أنها سعيدة بحضورها؛ ومناقشة الرواية، مضيفةً أنها دائمًا تُفاجأ بكتابات أحمد القرملاوي؛ وأن القرملاوي من الكتّاب الحاضرين بنصوصهم؛ وليس بحضورهم الشخصي، لأن النصوص هي الأساس، وأنه يترك البراح لنصه؛ كما أوضحت أنها وافقت على النقاش؛ قبل قراءة الرواية، لأنها تثق في أن الكاتب دائمًا ما يقدم الجديد، نظرًا لاهتمامه بالتراث الديني والأسطوري.  

وأضافت منصورة أن الرواية تداخلت فيها أجناس المسرح والرواية بجرأة كبيرة، لأن المسرح ليس مقروءًا بما يكفي؛ كما ذكرت أن الرواية تاريخية، ولكن ليست بالطريقة المعهودة، حيث تحتوي على نوع من الهجاء الساخر المتميز عن واقع المشهد الأدبي؛ وأن الرواية هي "قصة توراتية" بكل ما تحمله من معنى، وأن الكاتب رصد التنافس بين الأدباء والظواهر التي تضايقهم، واستطاع ربطها ببراعة؛ وأن الكاتب استخدم "التناص"؛ بنجاح في روايته، وتمكّن من جعل القارئ يرى الرواية من منظور مختلف؛ والرواية تتميز بأبعاد متعددة وأصوات مختلفة، بما في ذلك أصوات الهامش التي لم تُسمع من قبل؛ حيث إن عنوان الرواية يدل على "سيدنا يوسف"، الذي يُعد الشخصية المركزية في الرواية؛ رغم كونه شخصية مرجعية، وأن البطل الأساسي هو الذئب.  

وأوضحت أيضًا أن الكاتب نجح في اللعب بالمدلولات والقصة الأصلية، عندما قدّم وجهة نظر مضادة بجرأة كبيرة؛ وأكدت أن الذكاء في الرواية يتجلى في العلاقة بين المسرح والرواية، حيث استعان الكاتب بأجزاء من الكتابة المسرحية داخل النص الروائي؛ وأن الكاتب حرص على استخدام اللغة الفصحى، وأن الشخصيات كُتبت بإقناع وبراعة كبيرة؛ وأن المشهد الافتتاحي في الرواية يكاد يكون مشهدًا مسرحيًا رائعًا، رغم عدم رضا الكاتب عنه.  

من جهته، أوضح الكاتب محمد سمير ندا؛ أنه يتابع الكاتب منذ بداياته، مضيفًا أن القرملاوي يكتب بحرية ودون قيود، وهذه الرواية هي الأجرأ بين رواياته؛ وقال: " إن الرواية تطرح ما وراء الكلمة، وهناك نصًا خلف النص الظاهر في الرواية، حيث تتناول قصة أبناء يعقوب؛ كما أن اختيار الموضوع وجرأة الكاتب في تناول القصة الدينية والملحمية؛ هما ما يدفعان للتساؤل عن سبب كتابتها في هذا الوقت؛ كما أن الشق الواقعي في الرواية؛ لم يقدم أنموذجًا جيدًا أو إيجابيًا للواقع الثقافي".  

أما الكاتب أحمد القرملاوي، فقد رحب بالحضور، موضحًا أنه من الصعب على الكاتب أن يحدد مسبقًا توجيه الكتابة نحو موضوع معين؛ وأنه كان منشغلًا دائمًا بفكرة قصة سيدنا يوسف؛ والأفكار الموروثة عنه، مما دفعه لكتابة هذه الشخصيات لفهمها أكثر، مضيفًا أنه شعر أن الأبعاد النفسية التي حكمت "إخوة يعقوب" في تعاملهم مع أخيهم، هي ذاتها التي حكمت تكوين الشخصيات في الرواية؛ وأن إدخال الكتابة المسرحية في الرواية كان تجربة جديدة بالنسبة له، مشيرًا إلى أن الفكرة جاءت أثناء الكتابة، وخلقت طبقات من الصراع على مستوى الشخصيات والنصوص؛ كما أنه  أراد خلق تشابكات بين العالم المعاصر والعالم التاريخي والشخصيات التاريخية، واستشار بعض الأصدقاء قبل أن يستقر على دمج الكتابة المسرحية والروائية معًا.  

كما أوضح أنه أدرك الكتابة بالحس التاريخي والمعاصر، وأن معطيات النص فرضت نفسها على الشكل السردي؛  وأكد أن النص هو في جوهره رواية وليس مسرحية، لكنه استلهم قوانين السرد المسرحي، من حيث بناء الشخصيات والحوار؛ ولم يدّعِ أن روايته تتناول الوسط الثقافي، بل تضمنت فصولًا صغيرة عنه، لكنه ليس المحور الأساس، موضحًا أن الرواية تعكس إحدى طبقات الصراع، وتبرز ملامح الضعف البشري والتنافسية، مشيرًا إلى أن الحضارة الإنسانية قائمة على فكرة التنافسية؛ وقال أحمد القرملاوي:  "إن المسرح يُكتب ليُجسَّد على خشبته، بينما الرواية تقدّم الحياة بكل أشكالها؛ وأوضح أن روايته ليست نصًا تاريخيًا بالمعنى الكامل، بل نصًا فني فنيًا في المقام الأول، ومعالجته جاءت من خياله؛ وأكد أن مرجعيته الأخلاقية والفنية هي نفسه، وأنه يختار ما يناسب النص من السرد والشخصيات، وعلى القارئ أن يحكم على النص كما يشاء.

مقالات مشابهة

  • الترجمة الكاملة للتقرير الإسرائيلي عن الرئيس السيسي وأثار عضب المصريين
  • معرض الكتاب يناقش رواية أحمد القرملاوي"الأحد عشر" .. صور
  • هنو: إطلاق تطبيق "كتاب" لتعزيز الثقافة الرقمية لدى الشباب
  • وزير الثقافة: إطلاق تطبيق كتاب لتعزيز الثقافة الرقمية لدى الشباب
  • خروج عن النص!!
  • خطوات تجديد جواز السفر لأفراد الأسرة المُحتضنين عبر أبشر
  • جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإعلامية والثقافية
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يناقش تاريخ الأدب البولندي وحركة الترجمة إلى العربية
  • معرض الكتاب يناقش تاريخ الأدب البولندي وحركة الترجمة إلى العربية
  • موارد الترجمة الآلية بين اللغة العربية والإنجليزية.. كتاب متخصص في حوسبة اللغات