معرض استعادي يجمع إرث السني من البواكير الأولى وحتى الأعمال الأخيرة
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
بأكثر من مائة عمل ووثيقة، تُجمع للمرة الأولى في مكان واحد، يُعاد الفنان حسين قاسم السني (1938-1998) إلى الحياة إرثًا فنيًا متمثلًا في اشتغالاته التي نفذها بمختلف مراحل حياته الفنية، منذُ البواكير الأولى، وحتى لوحاته الأخيرة. عقودٌ من الاشتغال التشكيلي الكاشف عن مدى الحلم، والشغف، والسعي لمواكبة الحركات الفنية الحديثة، أوجزها معرض عُنون بـ «حسين السني.
إرث السني.. نظرة شاملة بحق
المعرض الذي أعدّ باحترافية واتقان على يد فريق من «هيئة الثقافة»، وبتعاونٍ من عائلة الفنان الراحل، يجلي ما جاء في بيانه، بوصفه «أول استطلاع متحفي متخصص للفنان، والمعرض الأكثر شمولًا لأعمال السني»، إذ بذل الفريق جهدًا بينًا في جمع أعمال الراحل، ومحاولة توثيقها، والعمل على ترميم بعضها، والحرص على تمثيل مختلف محطاته الفنية، بالإضافة لعرض بعض اللوحات النادرة التي لم يسبق عرضها، وعدد من الوثائق، والصور الفوتوغرافية والشخصية، والكتب الخاصة، والمطبوعات، والمواد الأرشفية المتعددة...
الأمر الذي يبرر للمعرض أن يقول عن نفسه، كما جاء في بيانه، «نظرةٌ شاملة»، عززها بفيلم وثائقي قصير، يسجل شهادات أصدقاء السني وأقرانه من الفنانين والكتاب: الفنان عبدالكريم العريض، والشاعر حسن كمال، والدكتور محمد الخزاعي، والفنان عبدالرحيم شريف، وأحمد النشابة، ليمر من خلال شهاداتهم على نشأته، ومسيرته الفنية، وأبرز محطاته، واشتغالاته.
السني.. متقدمًا في زمن الشحّ
إن التجوال في أروقة المعرض، كفيلٌ بإدهاشك بمديات البراعة الفنية، ممزوجة بفجائية تنوع ما أبدع هذا الفنان، المولود في ثلاثينيات القرن الماضي، وتحقيقه هذا الكم من التقدم على المستوى الفني، والجرأة في التجريب.. فأعمال السني لا تقل أهمية عن تلك الأعمال التي قدمت في أمكنة تحظى بتاريخٍ تشكيلي عريق، يعود لقرون، فيما هي في البحرين وليدة زمانه. تكشف الأعمال الفنية المعروضة عن الانتقالات الفنية التي حققها السني على مدى سنوات من الاشتغال؛ بدءاً بالبواكير المتمثلة في الاشتغالات الانطباعية الواقعية، التي تعكس البيئة البحرينية وحياة أُناسها، وهي اشتغالات متقاربة لدى جيل الرواد، مروراً بالتجريب الذي أفضى إلى اشتغالاتٍ تكعيبية، وتجريدية جزئية، وسريالية، وتنقيط، وتجريد مطلق، وتجريد هندسي، وحروفية، وتعبيرية... هذه الانتقالات تفصح عن شخصية طامحة، لا يبدو بأنها ارتكنت لواقعها الشحيح فنياً آنذاك، بل كانت تتطلع إلى مجارات الفن العالمي، بما فيه من حركات ومدارس، وصولاً إلى الحداثة الفنية.
وتميز السني خلال كل ذلك، بتقنياته الفنية، التي أسسها برؤىً متعددة، منها الواقعية، ولمسات مما ينتمي إلى الرومانسية. كما يجد المتلقي شيئاً من الوحشية، عبر الكيانات البسيطة، والكائنات المجردة، وربما اتجهت بعض الاشتغالات نحو المستقبلية، وهو ما تشي به بعض الأعمال. ما يجعل الحديث عن السني، حديث عن فنانٍ متعدد، صُقلت موهبته منذُ البواكير الأولى، على يد أخيه الفنان أحمد السني، ووسط منطقة ولادةٍ للفنانين، مسقط رأسه (رأس الرمان). هذا إلى جانب ما سيصير إليه من تكوين أكاديمي، عبر دراسة الفنون في بغداد على يد كبار الفنانين العراقيين آنذاك، وما تحقق له من بيئة تنافسية واحتكاكية مع أقرانه من الطلبة، الذين تحولوا فيما بعد لفنانين كبار، كما يشير الفنان عبر الرحيم شريف في جزء من الوثائقي.
تعزز ذلك بما كان لدى السني من شغف اطلاع وقراءة ومتابعة للحركات الفنية، وربما يستغرب جيل الإنترنت، أن يكون فناناً من عصر ما قبل الإنترنت بعقود، ورحل قبل شيوعه بسنوات، على اطلاع واسع بمختلف التوجهات الفنية، لينتج أعمالاً لا تقل حرفية عما أُنتج في الغرب، كما أشرنا سلفاً، ويؤكد ذلك ما مارسه من اشتغال تجريبي قاده لتوليد اشتغالات متعددة المدارس، حتى المتأخرة منها، كما في أعماله التي توحي على تأثر واضح بالفنان (فاسيلي كاندينسكي)، والتي تمتاز بتسطيح الشكل الثنائي البعد، والافتقار للظل، ولطافة اللون. كذلك عمله على اشتغالات تجريدية هندسية، مقاربة لأعمال (بيت موندريان)، حيثُ العناصر البسيطة، المكونة من الخطوط والألوان. وأعماله التنقيطية التي تقارب اشتغالات (جاكسون بولوك)، بوصفها تعبيرية تجريدية.
ولم يهمل السني في اشتغاله الجانب الشرقي، المستوحى من الفن الإسلامي، إذ مارس الحروفية، وقدم فيها اشتغالات لتكييف الخط العربي الحر في العمل الفني. هذا إلى جانب التجريب على خلق أسلوب خاص، ومن كل ذلك نخلص إلى ما أشارت إليه بعض اللوحات التعريفية، التي لفتت إلى أن السني حقق «تعمقاً في حقل الألوان والتكوينات اللونية... قدم خلالها عدداً كبيراً من الصور والعواطف».
إعادة الروح..
إلى جانب الاشتغالات الفنية، احتوى المعرض على مساحة معاد تمثيلها لغرفة الفنان السني، ومحترفه، وضمت إلى جانب أدوات اشتغاله، وكتبه، ولفافات الكانفس، عملاً غير مكتمل للراحل... أما معروضات الوثائق فضمت مجموعة من الشهادات، والصور، والكتابات، ومشاريع الأعمال المدونة...
كما عرضت قُصاصة لحوار أُجري معه في زاوية الأدب والفنون بجريدة «الخليج العربي»، جاء فيها، في سياق الحديث عن تأثره الفني، آنذاك، إذ قال «أنا الآن متأثر بالمدرسة السريالية التي تزعم قيادتها (دالي)، بعد الحرب العالمية مباشرة، وهي تمثل التعبير عن الأشكال التي تنطبع في الذهن لما وراء الطبيعة. أما في السابق، فقد كنت متأثراً بالمدرسة الانطباعية التي نشأت في أواخر القرن التاسع عشر، ويمثلها (سيزان، و بيسارو، ومانيه، وفان جوخ، و غوغان)».
تكشف هذه القصاصة مدى تأثر السني بالفنانين الغربيين، كما تجلي ذلك اشتغالاته، وعلى الرغم من هذا التأثر الكبير، إلا أنهُ لم يُهمل (محلنة) اشتغالاته على اختلاف توجهاتها الفنية، ذلك من خلال الأنماط المخبأة في اللوحة، تلك التي تستدعي تأملاً متروياً لإماطة اللثام عنها؛ فالعديد من لوحاته، تحمل جانباً عبقرياً في قدرته على جعل تلك الأنماط خفية على الناظر المتعجل، بينما تتجلى شيئاً فشيئاً للناظر المتأمل.
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا إلى جانب
إقرأ أيضاً:
جائزة خالد خليفة للرواية العربية تبدأ غدًا تلقي الأعمال المرشحة لدورتها الأولى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت جائزة خالد خليفة للرواية العربية بدء تلقي الأعمال المرشحة لنيل الجائزة خلال دورتها الأولى اعتبارا من غدٍ الأربعاء الموافق أول من يناير 2025 وحتى 15 مارس 2025 .
وتقدم جائزة الدورة الأولى لمن يحملون الجنسية السورية سواء كان سوريًا أو فلسطينيًا سوريًا أو أن تحمل والدته الجنسية السورية على أن تقدم خلال دوراتها المقبلة لجميع الجنسيات العربية .
والجائزة مفتوحة لجميع الفئات العمرية وتشترط أن يكون العمل المقدم (باللغة العربية) وهو أول عمل روائي لصاحبه/صاحبته.
تهدف الجائزة التي أطلقها أصدقاء خالد خليفة إلى تكريم ودعم الروائيين الذين يجسدون روح الابتكار وحرية التعبير والعمق الثقافي التي تمثل خلاصة القيم الأخلاقية والمعرفية التي دافع عنها الروائي الراحل طوال مسيرته.
يتم التقديم للجائزة عبر تعبئة الاستمارة المتوفرة في موقع الجائزة وإرسالها، مع العمل الروائي بصيغة (بي دي إف)، ومن المقرر إعلان عن الفائز/ة خلال شهر يونيو المقبل 2025 ويحصل الفائز على جائزة مالية تقدر بألف دولار مع فرصة نشر العمل بالاتفاق مع إحدى أهم دور النشر العربية .