قال مراسل صحيفة "واشنطن بوست"، ستيف هندريكس، إن "الحصار على غزة جعل الحمير من أهم وسائل النقل. ولكنها اليوم باتت محلا للقيود من إسرائيل، مثل بقية القيود التي فرضت خلال الخمسة عشر عاما من الحصار".

وأضاف هندريكس، في تقريره، أن "هاني النادي، لم يعد لديه سوى أتانا واحدة بيضاء تقف في حظيرة المواشي الذي كانت تمتليء بأعداد من الحيوانات، وكان يستورد في كل عام 700 حمارا لمواكبة الطلب المستمر عليها" مشيرا إلى أن "الحمير في كل مكان في غزة، إذ أن الحظر الإقتصادي يحد من دخول الشاحنات والوقود، ولهذا لجأ الغزيون إلى العربات التي تجرها الحمير ونقل المنتجات ومواد البناء وشظايا القنابل والنفايات".

 

وتابع المصدر نفسه، أنه "حتى في مركز مدينة غزة تضيف العربات حسا من القرن التاسع عشر إلى حركة المرور الفوضوية" مردفا أن "النادي وغيره يقولون إنه من الصعب الحصول على الحمير، بسبب التحكم الإقتصادي الإسرائيلي والذي جعل من الحمير عنصرا أساسيا. وبدأ التغير في كانون الأول/ ديسمبر 2021 عندما ذهب النادي لتخليص 30 حمارا قادما من إسرائيل. وأعلن موظفا في وزارة الزراعة عن الخبر: لقد أخبروني أن إسرائيل قررت منع استيراد الحمير إلى غزة". 

واسترسل التقرير نفسه، بأن "الموظف أخبر أن المسؤولين الإسرائيليين تحركوا بناء على طلب جماعات الرفق بالحيوانات بعد تقارير عن انتشار معاملة سيئة للحمير في غزة بما في ذلك نقلها في حاويات مزدحمة والعمل الشاق وسوء التغذية. واتصل مع التاجر الذي يتعامل معه في شمال اسرائيل تيزفي كيملمان والذي أكد له الخبر. وقال التاجر "لأن هذه الجماعات أصدرت أصواتا ووصلت للمسؤولين في الحكومة" و"أوقفوا نقل الحمير"، وأضاف النادي: "خسرت نصف تجارتي"، حيث يتاجر بالمواشي أيضا.

تجدر الإشارة إلى أن دولة الاحتلال الاسرائيلي، تتحكم في حركة الناس والبضائع من وإلى غزة ومنذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2008، حيث يعيش فيه أكثر من مليوني نسمة، ويعتبر من أكثر المناطق ازدحاما وفقرا في العالم. 

فوضى.. سوق الحمير
وفق تقرير صحيفة "واشنطن بوست"، "قال النادي: إن سوق الحمير أصبح فوضى وارتفعت أسعار الحمير لألف دولار للحمار الواحد، مما جعلها بعيدة عن متناول البائعين والحمالين الذين يعتمدون عليها. وقال عمر عقل، الذي يربي الحمير والجمال والمواشي في شمال غزة: إن الطلب تضاعف الآن،  وعلي أن أقول للناس لا في كل الوقت".

وتابع التقرير: "ولديه 15 حمارا وأتانا مما يجعله أكبر مرب للحمير في غزة. إلا أن 10- 12 مهرا يربيها في كل عام لا يمكن أن تحل محل الحيوانات التي تستورد من خارج القطاع. وقال النادي: في يوم ما لن يبقى هناك حمير في غزة. وسيكون هذا تغيرا حيث ظلت هذه المخلوقات جزءا من المشهد المزدحم".

إلى ذلك، إن للحمير تاريخ مختلط في القطاع وهو أسود وأبيض أيضا، وفي عام 2009 دهن أصحاب حدائق الحيوانات الحمير بالأبيض والأسود لكي تظهر كالحمر الوحشية، نظرا لعدم قدرتهم على استيرادها من الخارج. وفي بعض العربات التي تجرها الحمير، فهي مزودة بمظلات ومزينة بأهداب وأرسنة مطرزة، وهذه تستخدم في نقل التمر والموز والتين. وهناك عربات تجرها الحمير تستخدم لنقل الأطفال إلى المدارس أو العائلات إلى الشاطئ إلا أن معظم العربات تكون محملة بأكوام من الرمل أو الإسمنت وعبوات البلاستيك. 


وبحسب المصدر نفسه، إن معظم هذه العربات تشترك مع الشوارع المرورية وأماكن وقوف السيارات إلى جانب المرسيدس وكيا وتويوتا؛ وليس من الغريب رؤية أطفال يقودون العربات ويضربون الحمير بالعصي أو الأنابيب.

تمضي الحياة.. بما هو موجود
قالت الفنانة رنا البطراوي، التي عادت للعيش في القطاع بعد سنوات في السعودية: "لقد صدمت من عدد الحمير في المدينة، وأنا قلقة من العمل الشاق الذي تقوم به ولكنها جزء من الطريقة التي أنظر فيها لغزة. لكن ليس الجميع يقدر الحمير، فهي بالنسبة للكثيرين رمز للفقر والقمع. ويعبر سائقو السيارات عن إحباطهم، أما المشاة فعليهم النظر في أكثر من اتجاه. 

وبينما أضافت البطراوي مازحة "أكون حذرة في المكان الذي أخبط فيه، ولكنها طريقة لحفاظ الناس على الحياة بما هو موجود. قال إيهاب مرزوق، 22 عاما، بائع باذنجان وبطيخ على تقاطع في مدينة غزة، حيث تجر عربته بحمار ابن عمه، حيث إن حماره مريض وعند البيطري ولا يستطيع استبداله: إن "السعر باهظ جدا، وبالكاد نحصل على دخل كل يوم ولكن هذا أحسن من لا شيء".

وتعتمد الحكومة على العربات التي تجرها الحمير لكي تملأ الفراغ في قوافلها من العربات، وهي أول من يكون في الصف لإزالة الأنقاض بعد الغارات الإسرائيلية. وتقوم بنقل الأنقاض إلى مكب النفايات بستة دولارات عن كل رحلة. ويتم نقل نصف نفايات غزة من خلال عقود مع أصحاب الحمير.

وبحسب مدير دائرة الصحة والبيئة، عبد الرحيم أبو قمبز، تقوم 900 من العربات بنقل النفايات الصلبة ونقلها إلى محطات التحويل، ويدفع لها 300 دولارا عن وردية سبع ساعات. وبدونها فإن عمليات الجمع قد تكون أكبر من قدرة 120 شاحنة جمع نفايات لدى الحكومة. 


وقال أبو قمبز: "تعمل يوما واحدا وتظل في المحل يومين، وتمنعنا اسرائيل من الحصول على جرافات والشاحنات الضاغطة وها هي الآن تمنعنا من الحصول على عربات الحمير".

وفي سياق متصل، تقول صحيفة "واشنطن بوست" إن "سياسة إسرائيل من الحمير غامضة، وذلك تمشيا مع القواعد المتغيرة في إدارة الحدود مع غزة. ففي بداية هذا الشهر منعت كل الشاحنات من دخول القطاع ولمدة أربعة أيام لعثورها على متفجرات في بناطيل جينز. ولم تشمل الهيئة الإسرائيلية التي تتحكم بالصادرات والواردات من القطاع الحمير في الممنوعات، مثل الأسمدة والبطاريات. وأي طلب استيراد الحمير سيتم النظر به بطريقة مناسبة، لكنها لم ترد عندما سئلت عن آخر شحنة صودق عليها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة الحكومة الصحة والبيئة فلسطين غزة الحكومة الصحة والبيئة صحافة صحافة صحافة تغطيات سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

"الخبيزة" تسد رمق القطاع لأشهر... كاميرا الأخوين "خير الدين" توثق المجاعة شمال غزة

بعد سبعة أشهر من هجمات المُسيّرات والقصف المتواصل على قطاع غزة، يروي في هذا التحقيق الأخوان باسل ومؤمن خير الدين -وكلاهما صحفيان فلسطينيان- حادثة وقعت أثناء تغطيتهما الصحفية، كادت أن تودي بحياتهما. وعقب هذه الحادثة، اضطرا إلى تقليص تغطيتهما شمال القطاع؛ ليبدأ اتحاد فوربيدن ستوريز (قصص محظورة) وشركاؤه، بمواصلة عملهما، المتمثل في تغطية المجاعة التي تضرب شمال غزة.

لاهثاً، كأنّه هرب من شيء يطارده؛ وبنظرات مترقبة صوب السماء، راح خير الدين يبحث عن المُسيّرة التي كادت أن تودي بحياته. لكن رغم خوفه، بدأ بالتصوير، واصفاً ما حدث للتو: « بينما كنا نصور في بيت لاهيا؛ تحديداً في منطقة سكنة فدعوس، استهدفنا الاحتلال بصاروخي مُسيّرتين ».

في وقت متأخر من صباح يوم 18 فبراير 2024، اجتاز باسل وشقيقه -مؤمن خير الدين- حقول بيت لاهيا المهجورة، التي تقع في المنطقة الزراعية، أقصى شمال قطاع غزة. كان الصحفيان على بعد خمسة كيلومترات فقط من معبر إيرز (بيت حانون)، الذي يعد نقطة العبور الرئيسة إلى إسرائيل، وهو مغلق منذ السابع من أكتوبر 2023، عقب الهجمات التي شنتها حماس على مدن غلاف غزة.

في صباح ذلك اليوم، الذي اكتست سماؤه باللون الرمادي، أرسلت قناة الجزيرة مباشر الأخوين خير الدين؛ لتوثيق نقص الغذاء الذي يعانيه سكان شمال غزة، المعزولون عن بقية القطاع. كان الجيش الإسرائيلي قد أصدر أوامره بإخلاء هذا الجزء من القطاع، في 13 أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، وجد أكثر من 300 ألف شخص أنفسهم محاصرين في هذه المنطقة، التي عزلها الجيش الإسرائيلي عن بقية غزة. واجه أهالي المنطقة نقصاً حاداً في الطعام؛ ما دفع عائلات كثيرة لجمع وأكل نبتة الخبيزة، التي نجت براعمها من الغارات الجوية على الحقول، فهي آخر وسيلة لديهم للبقاء على قيد الحياة.

يقول خير الدين لفوربيدن ستوريز وصحيفة لوموند الفرنسية: « الموت مصير مَن لا يأكلها ». زار خير الدين منطقة شمال غزة، عدة مرات سابقاً. ويضيف الصحفي الفلسطيني: « سبق وأن زرت مع شقيقي مؤمن (المصور الصحفي)، هذه المنطقة ثلاث مرات؛ لإجراء العديد من التقارير، وفي المرة الرابعة، استُهدفنا ».

خلال رحلتهما للمنطقة في فبراير، وثّق خير الدين وشقيقه، الحياة اليومية لعائلة كانت تعيش في « هذه المنطقة الخطيرة ». ورغم المخاطر الكبيرة؛ لجأت العائلة إلى جمع الخبيزة، من المنطقة القريبة من الحدود، مدفوعة بالجوع الذي انتصر على خوفها.

قمع التغطية الصحفية

تذكر الصحفي تفاصيل زيارته، التي بدأت بقضائه ساعة مع العائلة، قبل أن يبدأ بالتصوير. يقول خير الدين: « أعددنا الشاي على جمرة صغيرة ». بدأ الشقيقان بتصوير بعض المشاهد واللقطات (الرشز)، التي سيستخدمانها في الفيلم؛ منها لقطات لطفل يجمع الخبيزة وسط الأنقاض. وحرص الأخوان على توجيه الكاميرا بعيداً عن الحدود؛ لتجنب إثارة شكوك الجنود المتمركزين عند المعبر.

يقول خير الدين: « بدأنا التصوير، لكن بعد ثماني ثوانٍ، استهدفتنا مُسيّرة بصاروخ، ونحمد الله أنه لم ينفجر ».

وبينما يختبئ الصحفيان خلف بقايا جدار خرساني، تمّ استهدافهما بصاروخ ثانٍ، بعد مرور دقيقة واحدة من الأول. ركض الأخوان مسافة ثلاثة كيلومترات من دون توقف، ثم قررا خلع سترتيهما الصحفية، وإخفاءهما تحت ملابسهما.

من خلال تحليل أجرته وكالة الأبحاث الصوتية Earshot (إيرشوت)، لمقطع الفيديو المصور الذي شاركه باسل خير الدين، خلص اتحاد « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة) وشركاؤه إلى أن المُسيّرة التي « كانت تحلق فوق كاميرا الصحفيين » من نوع هيرون، التي تصنعها شركة الأسلحة الإسرائيلية Israel Aerospace Industries. ومع ذلك؛ فمن غير الممكن حسم ما إذا كان الهجوم قد صدر من هذه المُسيّرة.

ورغم سلامتهما الجسدية، تأثر الشقيقان نفسياً؛ فقد وقع هذا الحادث بعد أقل من شهرين من تدمير منزل عائلتهما بالكامل في بيت لاهيا، في 28 دجنبر 2023. وعلى إثره، فقد الأخوان 23 فرداً من العائلة؛ من بينهم شقيقهما أحمد، الذي كان صحفياً هو الآخر.

ورداً على أسئلة فوربيدن ستوريز، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه قصف في 18 فبراير، بنية تحتية عسكرية تابعة لحماس، تقع على بعد نحو 330 متراً، من مكان وجود الصحفيين. (تصنف كل من أمريكا والاتحاد الأوربي حماس منظمة « إرهابية »)

ورغم صعوبة تحديد ما إذا كانا مستهدفين أم لا؛ قرر باسل ومؤمن -بعد الهجوم الذي تعرضا له في 18 فبراير 2024- تقليل نشاطهما بشكل كبير، ولم يقبلا إلا « عشرة في المئة فقط »، من مهام التغطيات الصحفية، التي كانا يقومان بها « قبل هذه الحادثة ». كما أصبحا أيضاً أكثر حذراً بشأن ارتداء سترتيهما الصحفية؛ حيث يلبسانها عند بدء التصوير فقط.

يقول خير الدين: « من المفترض أن تحمينا هذه السترات، إلا أنها كادت أن تتسبب في مقتلنا، وهو ما حدث لكثير من زملائنا ».

بعد مرور أربعة أشهر على الهجوم، أصبح الوضع الإنساني في غزة مأساوياً. قرر اتحاد فوربيدن ستوريز (قصص محظورة) وشركاؤه مواصلة العمل على تحقيق الأخوين باسل ومؤمن خير الدين؛ لتوثيق نقص الغذاء الذي يعانيه سكان شمال غزة، ورصد « الحيل » التي يلجؤون إليها للبقاء على قيد الحياة.

« الوضع مأساوي »

يقع شمال قطاع غزة تحت الحصار منذ ثمانية أشهر، في عزلة عن بقية القطاع، ما جعل سكانه يعانون المجاعة. في الثالث من ماي 2024، أكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، سيندي ماكين وقوع المجاعة شمال غزة: « هناك مجاعة شاملة، وهي تتجه من شمال القطاع نحو جنوبه ».

ووفق منظمة أوكسفام غير الحكومية، يعيش سكان الشمال منذ يناير 2024، بمعدل 245 سعراً حرارياً في اليوم؛ أي أقل بـ 12 في المئة من الاستهلاك اليومي المُوصى به، المقدر بألفين ومئة سعر حراري.

علاوة على ذلك، فإن النظام الصحي في شمال غزة يشهد وضعاً بائساً؛ ففي 21 أيار/مايو 2024، هاجمت القوات الإسرائيلية مستشفى العودة -أحد أكبر المجمعات الطبية في المنطقة- الذي كان متضرراً بالفعل. وبعد مرور يومين فقط، تعرض مجمع كمال عدوان الطبي -الذي يضم المستشفى الوحيد للأطفال شمال القطاع- للقصف أيضاً.

وبالإضافة إلى الحرب، فإن المجاعة تسببت أيضاً في موت كثيرين. فوفق تصريح للطبيب حسام أبو صفية، مدير مستشفى الأطفال بمجمع كمال عدوان الطبي -أدلى به لـ »هيومن رايتس ووتش »، في أبريل 2024- فإن مضاعفات الجوع تسبّبت في وفاة 26 طفلاً. يواجه تسعة أطفال من كل عشرة انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وفق تقرير صادر عن اليونيسف، يستند إلى بيانات جُمعت في الفترة بين دجنبر 2023 وأبريل 2024. فيما تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى تفشي مجموعة من الأمراض، مثل التهاب الكبد الوبائي أ.

وفي أبريل 2024، قيمت « شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة »، التي أسستها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وضع الأمن الغذائي شمال غزة، ضمن المرحلة الخامسة، وهي أعلى مرحلة على سلم مراحل انعدام الأمن الغذائي.

ومع ذلك، راجعت لجنة مراجعة المجاعة -وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة- هذه النتيجة مؤخراً، وذكرت في 17 يونيو 2024، أنها لا تستطيع تصنيف غزة منطقة تعيش تحت وطأة « المجاعة »؛ بسبب غياب البيانات الكافية منذ بداية أبريل، لعدم القدرة على الوصول إلى الميدان. لكنّ مجلس بحوث اللاجئين أشار إلى أن هذه النتيجة لا تقلل من حقيقة استمرار المعاناة الإنسانية في غزة، مطالباً في الوقت ذاته جميع الجهات الفاعلة بالتحرك العاجل وعدم الانتظار حتى يتمّ تصنيف غزة بأنها منطقة تتعرض للمجاعة.

مجرد إطعام النفس هو تحدٍ يومي

الصحفي أحمد أبو قمر، الذي اضطر مع عائلته إلى مغادرة منزلهم بمخيم جباليا للاجئين، إلى جانب أكثر من 150 ألف شخص، بعد وقوع الاجتياح البري للجيش الإسرائيلي في 12 ماي 2024، يقول إن الوضع مأساوي شمال قطاع غزة، مضيفاً: « ليس لدينا مياه صالحة للشرب (…)، أفضل أيامنا عندما يتاح لنا رغيف من الخبز مع قليل من الزعتر، هذه بمثابة وجبة دسمة ».

بالقرب من أماكن توزيع المواد الغذائية، التي تشهد مجازر متكررة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل جنوني، فإذا عثر السكان، شمال القطاع، على الدقيق، يجدونه يُباع بأسعار باهظة؛ إذ يتراوح سعر 25 كيلوغراماً من الدقيق ما بين ألف إلى ألف و500 شيكل (من 268 إلى 403 دولارات أمريكية)؛ أي ما يعادل أكثر من ضعف سعره المعتاد بـ 40 مرة. هذا الوضع دفع بعض السكان إلى أكل علف الحيوانات.

ولم يعد بوسع آخرين سوى جمع النباتات التي تنمو تحت الأنقاض، والاعتماد عليها -بشكل مؤقت- مصدراً للطعام. يقول المصور الصحفي المقيم شمال غزة، سعيد الكيلاني، لـ »فوربيدن ستوريز »: « أيّ نبات تمنحنا الأرض إياه، نحوله إلى طعام ».

طعام على حافة الموت

عبر حسابه على إنستغرام، الذي يتابعه نحو ثلاثة ملايين و400 ألف شخص، يقول الصحفي الشاب عبود بطاح، في أحد فيديوهاته: « لقد ساندت الخبيزة القضية الفلسطينية أكثر من العديد من الدول ».

الخبيزة نبات بري، ينمو بعد هطول بواكير الأمطار الشتوية، ويمكن العثور عليه في الحقول، وزوايا الشوارع. لقد كان هذا النبات موضع تقدير قبل الحرب لخصائصه الغذائية، ولطعمه المماثل للسبانخ. وعادة ما تُطهى الخبيزة في الحساء، ولطالما أنقذت أسراً كثيرة في غزة من خطر المجاعة.

ولكن حتى جمع أوراق النبات أصبح خطراً؛ تتذكر نيفين عنان مصطفى -أم تبلغ من العمر 27 عاماً وحامل في شهرها السابع بطفلها الخامس- يوم أن خرج زوجها لإحضار أوراق الخبيزة، بنهاية شهر آذار/مارس، الموافق منتصف شهر رمضان.

تقول مصطفى: « بينما كنت أعد الطعام للأطفال، وردني خبر مقتل زوجي، بعد أن أطلقت طائرة أباتشي، تابعة للجيش الإسرائيلي النار على كل من كان في المكان »؛ ما خلف قتيلاً ونحو ثلاثين جريحاً، وفق مصطفى.

ورغم الخطر والحزن، عادت الأم الشابة إلى الحقول في اليوم التالي، على أمل العثور على شيء تطعم به أطفالها، تقول إنها قامت بذلك لأنها لم يكن لديها وقت للحداد، رغم حزنها الشديد.

دمرت العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي وجرافاته معظم الأراضي الزراعية في بيت لاهيا، التي تقع قبل الجدار الأمني الإسرائيلي شمال قطاع غزة. ورغم أن هناك بعض الأراضي الزراعية القليلة، التي نجت من القصف، فإنه ليس بمقدور المزارعين الوصول إليها؛ لأنها ما زالت في مرمى الاستهداف الممنهج للجيش الإسرائيلي. وبعدما كانت تشتهر أراضي بيت لاهيا الخصبة بزراعة الفراولة، في موسم زراعة « الذهب الأحمر »، أضحت هذه الأراضي جدباء.

ومنذ أن جفت أمطار الشتاء، لم يعد بمقدور سكان غزة الاعتماد على النباتات البرية، للبقاء على قيد الحياة. يقول المصور الصحفي كيلاني: « لقد فقدنا كل شيء ».

هذا التحقيق جزء من « مشروع غزة »، الذي نظمته « فوربيدن ستوريز » وشاركت فيه أريج مع 50 صحفياً وصحفية يمثلون 13 مؤسسة.

مقالات مشابهة

  • أورنيلا سكر: أهداف سياسية تمنع نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله
  • مصر: نرفض أي سيطرة عسكرية للاحتلال على معبر رفح من الجانب الفلسطيني
  • "الخبيزة" تسد رمق القطاع لأشهر... كاميرا الأخوين "خير الدين" توثق المجاعة شمال غزة
  • بين سلطة الحمار وجشع الفيل
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تمنع موظفينا من زيارة الأسرى الفلسطينيين في السجون
  • لكي لايعود أبو جبل آخر
  • خبير عسكري: أسلحة المقاومة الجديدة ربما تمنع آليات الاحتلال من التحرك في القطاع
  • رسمياً..رابطة الأندية تخطر الأهلي بفوزه على الزمالك 2-0
  • عاجل.. الأهلي يعلن فوزه بالقمة بخطاب رسمي بعد انسحاب الزمالك
  • سموتريتش: الضفة الغربية ستكون جزءا لا يتجزأ من إسرائيل